ميتافيرس وخطاب الكراهية

ميتافيرس وخطاب الكراهية

 

منذ أن تم اختراع الإنترنت، والعالم يتطور بسرعة غير عادية، أصبحنا نستيقظ كل صباح تقريباً لنرى شيئًا جديداً ظهر في العالم، ويرجع السبب الرئيسي في هذا التطور السريع، إلى شركات التقنية العملاقة وبخاصة تلك الشركات الأمريكية كشركة "فيسبوك" رائدة منصات التواصل الاجتماعي، التي شهدت في ذاتها طفرات تطوير منذ إطلاق الفيسبوك في أنصاف العقد الأول من الألفينات، ومن ثم ضمت العديد من التطبيقات كاواتساب وإنستجرام وغيرها. 

ظلت فيسبوك تطور من خدماتها ومنصاتها بشكل سريع، حتى وصلنا العام 2021، حين حدث التغير الكبير، ففي أكتوبر من نفس العام أعلن "مارك زوكربيرغ" خلال المؤتمر السنوي لشركة فيسبوك أنه سيتم تغير اسم الشركة ليصبح "ميتا" بينما ستظل التطبيقات التابعة للشركة بنفس الاسم مثل "إنستجرام" و"فيسبوك" و"واتساب".

لكن لم هذا التغير العجيب في اسم الشركة؟ أعلن مارك في المؤتمر سبب هذه التسمية الجديدة وهو تقنية جديدة تدعى الميتافيرس، وهو عبارة عن عالم افتراضي جديد، يقوم على تقنيات العالم الافتراضي التي بنيت باستخدام التطور الكبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي مهدت الطريق لهذا الإعلان. 

لكن يبقى التساؤل، ما هي أهم مخاطر هذه التقنيات وهل تهدد أمان البشر؟ وما مدى تأثيرات هذا الواقع الافتراضي على خطاب الكراهية؟

سنعتمد في إجابة هذه التساؤلات على تقرير "تقييم حقوق الإنسان بعالم الميتافريس" الذي أعده "ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، ونبدأ من معنى الاسم ميتافيرس، الذي يتكون من مقطعين الأول meta ويعني ما وراء، والثاني verse مشتق من كلمة، universe وتعني الكون، بما يعني ما وراء الكون، فهذه التقنية تتيح الوصول للفضاء والرجوع بالزمن للخلف وغيرها من الأشياء التي لا يمكن تحقيقها في الواقع، باختصار هذه التكنولوجيا بمثابة إنترنت مجسد أنت بداخله. 

يوضح ما سبق الرغبة الهائلة للشركة في أن تتم التفاعلات البشرية ليس في الواقع الحقيقي فقط وتتوقف عند الإنترنت بل تتعدى ذلك وتدمج الاثنين سوياً، الواقع الحقيقي وعالم الإنترنت من خلال مسار جديد، وهو محاكاة ومعايشة الواقع الحقيقي لكن من خلال الواقع الافتراضي.

سيتمكن البشر في هذا الواقع الافتراضي، من العمل من المنزل والتسويق والتعليم والترفيه والالتقاء وممارسة شتى العادات اليومية افتراضياً، من خلال محاكاة ذلك مع الشعور المادي بالأشياء من خلال تحويل شخصية المستخدم إلى هولوجرام أو أفاتار.

تعد أهم مخاطر تقنية الميتافيرس زيادة ارتباط المستخدمين بهذا الواقع الافتراضي وتعلقهم بالأوهام لدرجة قد تصل بهم إلى الإدمان، والعزوف عن المشاركة في الواقع الفعلي، وتعد فئة الأطفال هي الأكثر تهديداً، كونهم ما زالوا نشأً غير قادرين على تمييز ما هو ضار ونافع فمن الممكن أن يؤدي اندماجهم في الواقع الافتراضي إلى أن يجعلهم غير قادرين على الاندماج في الواقع الحقيقي، كما قد يتعرض العديد من الأطفال للانتهاكات الجنسية واستغلالهم في الإباحية والاتجار بهم. 

كما قد يزيد الميتافيرس من وتيرة التنمر وممارسة التمييز والعنصرية بين مختلف الفئات البشرية، ففي ظل الحقبة التكنولوجية الحالية ونجد العديد من ممارسات التنمر والعنف اللفظي والتمييز وغيرها، فكيف يكون الحال في واقع افتراضي، وشخصياتنا معبر عنها بأفاتار أو هولوجرام.

كما أن هناك المخاطر التي تتعلق بالخصوصية والأمان، يمثل شدة الانفتاح وتجسيد الشخصيات بشكل فعلي في هذا الواقع خطراً على الخصوصية، فقد يؤدي إلى تسريبات وانتهاكات للخصوصية ومشكلات تتعلق بالتجسس ليس على مستوى الفرد فقط وإنما على مستوى دول بأكملها مما قد يعرض الأشخاص للترهيب والابتزاز. 

وهناك مشكلة كبيرة ستواجه السياحة بما قد يؤثر على اقتصادات الدول، خاصة تلك التي تعتمد على السياحة كمصدر للدخل القومي والعملة الصعبة، فمن خلال السياحة تدر العديد من دول العالم العملة الصعبة، لكن إذا أصبحت زيارة هذه المواقع الأثرية من خلال هذا الواقع الافتراضي، سيؤدي ذلك إلى تقليص الزيارات في الواقع الحقيقي ما يعني تأثيرا مباشرا على الاقتصاد وفرص العمل ومستويات المعيشة لدى الأفراد العاملين في السياحة. 

بالإضافة إلى كل ما سبق، تمتلك هذه التقنية جانبا سيئا جداً، وهو تعزيز خطاب الكراهية، فبعد أن أعلن مارك عن الاسم الجديد للشركة وتحديثاتها، أخرجت "فرانسيس هوجن" الموظفة السابقة في الشركة، عدة تسريبات ووثائق سرية أثناء مثولها أمام الكونجرس، تحوي هذه التسريبات أبحاثا وتقنيات ميتافيرس اُثبت فيها أنها تؤثر سلباً وتدمر حياة الملايين من المستخدمين.

وقالت هوجن إن الشركة أجرت العديد من الأبحاث السرية أثبتت أن تطبيقات الشركة يوجد بها خلل خوارزمي يعزز الكراهية والمعلومات المضللة للمستخدمين، وهذا الأمر يعجب الشركة كون إيراداتها ترتفع من الإعلانات، كما أوضحت هوجن أن الشركة لا تحافظ على الخصوصية رغم الادعاء بعكس ذلك. 

التساؤل المفتوح هنا، هل ستتحرك الحكومات لوضع سياسات تحمي مستخدمي هذه التقنية أم سيترك الأمر هكذا حتى تقع البلية؟

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية