كيف يستغل السياسيون الاستبداديون الريفيين على مستوى العالم؟
كيف يستغل السياسيون الاستبداديون الريفيين على مستوى العالم؟
حققت السياسات الاستبدادية والشعبوية مكاسب ملحوظة في السنوات الأخيرة في جميع أنحاء العالم، فقد استغل القادة الشعبويون الفقر وعدم المساواة والاستياء وعدم اليقين لجذب الدعم والاستيلاء على السلطة.
استغل مثل هؤلاء القادة الاستبداديون المشاكل المحسوسة بعمق في المناطق الريفية، فقد قاموا باستغلال مخاوف الناس في الريف بشكل مباشر كمصدر دائم للدعم، ولكن في مقابل هذا الدعم الوهمي لا يحصلون على شيء، وغالبا ما يتم تجاهل البعد الريفي في المناقشات حول ما يدفع الناس إلى دعم هذه السياسات، وحتى إذا لم يتم تجاهلها، فغالباً ما يتم تبسيطها أو إفشالها من خلال تنميط تصوير مخاوف سكان الريف.
وإذا أردنا تحدي صعود الشعبوية والاستبدادية، نحتاج إلى فهم الشعبوية الاستبدادية وكيفية انجذاب واستقطاب الناس في المناطق الريفية، وفي هذا السياق يقدم لنا كتاب "الشعبوية الاستبدادية والعالم الريفي" إجابات لهذه الأسئلة، هذا الكتاب الذي شارك في تحريره إيان سكونز، والذي تمت مناقشته في حدث أطلق عبر الإنترنت في 16 فبراير 2022، يعتمد الكتاب على عمل مبادرة السياسة الريفية التحررية التي ينفذها مركز steps منذ عام 2016.
مركز steps هو مركز يقوم على دراسة المسارات الاجتماعية والتكنولوجية والبيئية والاستدامة، من خلال إجراء أبحاث عالمية متعددة التخصصات توحد دراسات التنمية مع دراسات العلوم والتكنولوجيا، ويسعى لإبراز وكشف والمساهمة في المسارات العادلة والديمقراطية للاستدامة التي تشمل احتياجات ومعرفة ووجهات نظر الفقراء والمهمشين.
ما هي الشعبوية الاستبدادية؟
على الرغم من أن السياسة والثقافات تختلف بشكل كبير عبر الدول والمناطق وصعوبة تحديد تعريف واضح لهذين المصطلحين، إلا أن تسمية "الشعبوية الاستبدادية" قد تجمع بعض المظاهر المشتركة.
مثل ادعاءات تمثيل "الشعب" أو الدفاع عنه، استخدام عبارات إقصائية، قاعدة سياسية متعددة الطبقات، ازدراء النخب السياسية والاقتصادية التقليدية وعالمية ثقافية، خطابات الكراهية والسياسات القمعية التي تستهدف وصم الآخرين بالعار، تهديد الخصوم في الخارج والداخل.
كما أن هناك ثمة ظاهرة للأحزاب اليمينية الشعبوية، وهي التنافر الشديد في القيم والرسائل، فقد نجدها تقطع الوعود بالوظائف والاستثمار والتنمية، وفي نفس الوقت تطلق خطابا قوميا مناهضا للهجرة يتردد صداه لدى أولئك الذين يشعرون بالتهديد من فكرة وجود مهاجرين، الأمر الذي يحدث نتائج كارثية في كثير من الأوقات.
لكن يبقى السؤال المطروح، كيف لجأ الشعبويون إلى سكان المناطق الريفية؟
قد يبدو من الغريب أن يصوت الناس بطرق غير عقلانية، أو يدعمون السياسيين أو الحركات التي لا تخدم مصالحهم، وهؤلاء الذين قد يضعون سياسات تضر بهم، لكن هذا المنظور يتجاهل دور القيم والهوية والانتماء والمجتمع الذين يؤثرون بشدة في تشكيل قرارات الناس السياسية، ومدى فعالية الشعبويين سواء من اليسار أو اليمين في استمالة هذه القيم.
ففي العديد من المناسبات استفاد الشعبويون الاستبداديون من المشاكل التي تؤثر على المناطق الريفية والتي تفاقمت بسبب السياسات النيوليبرالية التي عمقت عدم المساواة الاقتصادية وركزت على الثروة والدخل، وأدت إلى ركود أو انخفاض في الأجور، وتآكل حقوق العمال، وقوضت الشركات الصغيرة والمزارع، وأتلفت القطاع العام، وبشدة، كذلك قطاع الدعم الاجتماعي بجميع أنواعه.
حيث تشعر المناطق الريفية بهذه المشاكل بشكل عميق، الأمر الذي يؤدي في بعض الأحيان إلى استياء المناطق الأكثر ثراءً أو الغرباء عن المناطق الريفية، في الداخل أو في الخارج، تشكل خيبة أمل الناس من الوضع الراهن في مختلف الأماكن، وخصوصا في المناطق الريفية والبلدات الصغيرة التي غالباً ما تكون منفصلة عن بعضها البعض، دافع الناس لانتخاب مثل هؤلاء الشعبويين الذين يبدون كالقشة التي سيتعلق بها الغريق.
وهناك العديد من أمثلة الجماعات الاستبدادية التي تستخدم المشكلات لحشد الدعم، ففي الولايات المتحدة مثلاً، لم يعد ترامب رئيساً، لكن الجماعات المتعصبة للبيض مثل حركة باتريوت تعتمد على المشاكل الريفية والمخاوف بشأن ملكيات الأراضي والصناعات الريفية لخدمة مصالحها وأجندتها.
وفي البرازيل، فاز بولسونارو بدعم قوي من قطاعات الأعمال الزراعية الحريصة على التخلص من اللوائح البيئية وحرق غابات الأمازون.
في فرنسا والسويد أيضاً، ركزت الأحزاب القومية بشكل متزايد على القضايا الزراعية ومصالح المزارعين وأصحاب الغابات.
حيث إن خيبة الأمل والحرمان التي تشعر بها هذه المناطق هي نتاج إهمال الدول على مدى عقود، وذلك بفضل السياسات النيوليبرالية التي جلبت التقشف والاستخراج والاستغلال، حتى جائحة كوفيد-19 لم تؤد إلا إلى تفاقم هذه الكسور وخيبات الأمل، وكشف عدم المساواة وإخفاقات الرأسمالية النيوليبرالية السائدة، وتعزيز أنماط الاستبداد في بعض البيئات.
وبالنسبة للطريقة التي يستخدمها الاستبداديون لاستقطاب دعم الريفيين، يعتمد الشعبويون الاستبداديون على الأوضاع المحلية، حيث يتحرك الشعبويون في كثير من الأحيان من خلال الحجج العرقية القومية، على سبيل المثال عندما تخلق تدفقات الهجرة العالمية استياءً لدى الريفيين، أو من خلال استغلال الانقسامات الطبقية كتلك التي حدثت عند تذبذب التجارة العالمية بشكل يؤثر على سبل العيش.
وعلى الرغم من مزاعم السياسات الاستبدادية بالدفاع عن سكان الريف، إلا أنها غالباً تؤدي إلى عكس ذلك، ففي الكثير من الأماكن، يدعمون الاستخراج والاستغلال المستمر للموارد الريفية، واستمرار الاستيلاء على الأراضي والمياه والموارد، كما تولد السياسات الخضراء وسياسات الحفاظ ديناميكيات استبدادية ونيوليبرالية في الريف والعديد من الأماكن حيث يتم تشكيل تحالفات جديدة بين رأس المال والنخب والدولة، والخاسرون هم الريفيون البسطاء.
ورغم الكثير من اليأس والحرمان من الحقوق وتعميق اللامساواة ، لكن هناك بوادر أمل، فيرفع الوعي في المناطق الريفية والمدن الصغيرة في جميع أنحاء العالم الأمر الذي قد يوفر الفرصة لتشكيل سياسة عالمية جديدة، في بيئات متنوعة للغاية، وبطرق متنوعة، تتجذر داخل هذه المجتمعات، وترتبط بالمهارات والحرف والثقافات الريفية وتشجع الجماعية والتضامن، واستخدام التكنولوجيا الحديثة لتشجيع الاتصال والمشاركة وبناء التضامن بين أبناء الريف حتى يتمكنوا من تفادي الاستبداديين.