إسرائيل تدق أبواب لبنان بحثاً عن حرب.. وجهود دولية لاحتواء التصعيد

اللبنانيون منهكون.. والمستوطنون مرعوبون من الأنفاق

إسرائيل تدق أبواب لبنان بحثاً عن حرب.. وجهود دولية لاحتواء التصعيد

لبنان - بلال نورالدين

على وقع ارتفاع حدة الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل، تهرع الوفود الدولية إلى بيروت بهدف سحب فتيل الحرب الشاملة على لبنان، والتي تهدد بها إسرائيل منذ بضعة سنوات. 

وتأتي محاولات تحييد لبنان عن المعركة في غزة، تحت حجة أن البلاد غارقة في أزمة اقتصادية-سياسية منذ عام 2019 تنعكس مباشرة على الوضع الاجتماعي الذي بات مزريا، وبالتالي فإن الحرب ستُفاقم الأمور أكثر.

فمنذ انخراط حزب الله في الحرب، في 9 أكتوبر 2023 وحتى اليوم، نزح من قرى جنوب لبنان ما لا يقل عن 75 ألف مواطن، وهم يعيشون ظروفا إنسانية صعبة، بينما تحاول الدولة المنهكة اقتصاديا توفير أبسط الاحتياجات لهم.

بين الخوف والصمود

أحمد، أحد النازحين مع عائلته من الجنوب يقول واصفا حاله: “إنني أنظر إلى العيون البريئة لأطفالي الأربعة، ويتألم قلبي كون أن الحرب قد تندلع في أي لحظة، فقد تركتنا إسرائيل مشردين”. 

ويتابع في حديث مع "جسور بوست" فيقول: “لقد حطمت أهوال الحرب حياتنا، وأجبرتنا على ترك أرضنا.. كل ليلة، أضع رأسي على المخدة وأسأل نفسي أين سنذهب إذا تدهورت الأمور أكثر. كنت أعمل في مؤسسة في الجنوب وكنت أتقاضى 120 دولار وبعد بداية المعارك أصبح راتبي 60 دولاراً ولو أنني لا أعمل فعليا، ولكن مع بداية سنة 2024 جاء القرار بوقف الرواتب عنا حتى انتهاء الأزمة”.

أما سارة، وهي طالبة جامعية، تركت الجنوب لتستقر في العاصمة بيروت، فتقول “لقد اضطررنا إلى ترك قريتنا ومنزلنا وكل شيء عزيز علينا خلفنا.. أنا في حالة من عدم اليقين والخوف المستمر، نتمنى أن نعود للحياة الطبيعية، ولو أن هذا يعد أمرا ثانويا أمام هول الدماء”. 

وتضيف في حديث مع "جسور بوست" أنه “ولكن وسط الدمار، نقف أقوياء، متحدون كشعب.. نحن نرفض الخضوع في مواجهة الشدائد، ولن نسمح للخوف أن يملي علينا حياتنا.. إن قدرتنا على الصمود لا تعرف حدودًا، ولدينا تصميم على إعادة بناء ما دمر، إسرائيل لن تتمكن من تحطيم معنوياتنا مهما فعلت".

احتمالات الحرب ارتفعت

وعلى الرغم من معاناة النازحين الجنوبيين، يرى الكاتب والباحث وائل نجم أن “سكان المناطق الحدودية على امتداد الشريط مع فلسطين المحتلة أخذوا كل الإجراءات المطلوبة منهم في هذه المواجهة.. وهم أبدوا كل استعداد للصمود واحتضان المقاومة في معركتها دعماً للشعب الفلسطيني”.

وردا على سؤال حول احتمالات توسع المعارك في الجنوب إلى حرب شاملة يقول نجم في حديث مع "جسور بوست" إن “حظوظ الحرب مع لبنان ارتفعت في الفترة الأخيرة، وكان لافتاً حجم الاستفزاز الإسرائيلي للطرف اللبناني من خلال الغارات التي تخطّت أحياناً قواعد الاشتباك إلى مناطق بعيدة عن الحدود في إقليم التفاح أو قرب صيدا”.

ويتابع: “كما كان لافتاً الخرق لكل القواعد باغتيال القيادي في حماس صالح العاروري في عمق الضاحية الجنوبية.. كل هذا يؤشّر إلى أنّ الإسرائيلي كان يحاول صناعة نصر أمام مستوطنيه من ناحية، أو استجرار حرب مع لبنان من ناحية أخرى”، وبناء على ذلك يرى نجم أن “فرص اندلاع حرب شاملة باتت أكبر من ذي قبل، وإن كانت معادلات الردع من ناحية والمعادلات الدولية من ناحية ثانية تحول حتى الآن دون ذلك".

الكاتب والباحث وائل نجم

وعن السيناريو المحتمل لاندلاع تلك الحرب، يعتقد نجم أنه “كان من المتوقع منذ انطلاق معركة طوفان الأقصى أنّ الإسرائيلي سيلجأ إلى حرب مفتوحة مع لبنان في حالتين: الأولى إذا أحرز النصر على غزة وذلك لاستكمال ما يكون قد أنجزه، ولكنّ ذلك لم يحصل لأن النصر لم ينجز له في غزة، ولم يحقّق أي إنجاز عسكري حقيقي. وإذا فشل في الحرب على غزة لأنّ ذلك سيدفعه لجرّ المنطقة إلى حرب مفتوحة من أجل إعادة الاعتبار له ككيان موجود فوق أرض فلسطين.. وهنا يكمن الخطر بعد أن فشل الإسرائيلي في حربه وعدوانه على غزة”.

ويشهد لبنان زيارات لعدد من الدبلوماسيين الدوليين سعيا لمنع حرب شاملة.. وفي هذا الإطار، تعمل الولايات المتحدة على التوسط بين لبنان وإسرائيل لإيجاد صيغة تتمثل بتطبيق القرار الأممي 1701، الذي أوقف الحرب عام 2006. 

ووفق المعطيات، فإن الصيغة الأمريكية تنص على انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية التي تحتلها، لسحب ذريعة المقاومة من يد حزب الله.

الأنفاق موجودة في كل لبنان

وبينما يرتفع مستوى التهديد الإسرائيلي، تعود قضية أنفاق حزب الله إلى الواجهة من جديد بعد تقرير نشرته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" العبرية مطلع العام الجاري، ذكرت فيه أن الحزب لديه شبكة أنفاق متطورة تثير الرعب في نفوس المستوطنين عند الحدود الشمالية مع لبنان.. حيث نزح نحو 100 ألف مستوطن بعيداً عن الحدود مع لبنان منذ بدء العمليات العسكرية في غزة في أكتوبر الماضي.

وفي هذا السياق يتحدث الكاتب والمحلل السياسي، المقرب من حزب الله، قاسم قصير عن أنه “منذ حرب تموز 2006، تم الكشف عن محميات وإنفاق للحزب في الجنوب ولاحقا في وقت لاحق.. لكن لا معلومات عن حجمها ومواقعها”.

وتعليقا على التقارير الرسمية والإعلامية الإسرائيلية بهذا الخصوص، يرى أن “إسرائيل تنشر المعلومات في إطار الحرب الإعلامية والنفسية مع الحزب".
 

الكاتب والباحث قاسم قصير

وعن حجم الأنفاق، يكشف قصير في حديث مع "جسور بوست" أنه “لا توجد معلومات عن حجم الأنفاق وأماكن توزعها ولكنها موجودة في كل لبنان”. 

ويضيف “هذه الأنفاق لها أدوار مختلفة كما هي الحال في غزة.. إنها مهمة جدا”.

وحول ما إذا كان الحزب يبنى أنفاقا داخل البيوت على غرار حماس في غزة، فيوضح قصير أنه “ليس بالضرورة أن تكون داخل البيوت، إذ هناك تكتيكات معينة لحفر الأنفاق لا يعلمها إلا المقاتلون”.

وليست قضية الأنفاق بالجديدة، إذا كان الجيش الإسرائيلي قد أطلق عام 2018 عملية عند الحدود مع لبنان استمرت لأسابيع حملت عنوان "درع الشمال" نجح خلالها في تدمير عدد من الأنفاق التي كان الحزب قد بناها في وقت سابق. 

ويومها خرج أمين عام حزب الله حسن نصر الله مسخفا من العملية، معتبرا أن الإسرائيليين تأخروا في كشف تلك الأنفاق، ملمحا إلى أنها تعود إلى فترة التسعينيات وأن الحزب توقف عن استعمالها منذ زمن.

وعن مدى قوة حزب الله وإمكاناته مقارنة مع قدرات حماس فيرى قصير أن "ظروف الحزب أفضل من ظروف حماس؛ فالحزب يطور أساليبه انطلاقا من طبيعة المعارك التي يخوضها".

الأنفاق ليست السلاح الوحيد 

وتعليقا على تقرير صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" يقول الكاتب والخبير في شؤون حزب الله العسكرية نيكولاس بلانفورد: “أنا متأكد من أن حزب الله لديه أنفاق عبر جنوب لبنان، سواء على مقربة من الخط الأزرق (الحدود مع فلسطين) أو أبعد منه”. 

ويتابع: “لقد استخدموا الأنفاق منذ الثمانينيات، وتم بناء معظمها بعد عام 2000 عندما انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان.. ويستخدمونها لإيواء المقاتلين، وتخزين الأسلحة، ونصب الكمائن، وفي بعض الحالات لعبور الحدود إلى إسرائيل”.

وعن طبيعة تلك الأنفاق، فيكشف بلانفورد في حديث مع "جسور بوست" أن "بعض الأنفاق الصغيرة التي تمر تحت الطرق تكون مملوءة بالمتفجرات التي يمكن تفجيرها عندما تمر دبابة".

الكاتب والباحث نيكولاس بلانفورد

ويزعم مركز "ألما" الإسرائيلي، الذي يُعنى بالدراسات والأبحاث، أن حزب الله لديه أنفاق عديدة، مقسمة على الشكل التالي: أنفاق متفجرة، أنفاق هجومية، أنفاق تكتيكية (تصل إلى داخل فلسطين المحتلة)، وأنفاق قريبة (لا تعبر الحدود).

ويؤكد بلانفورد أن “حزب الله سوف يقوم ببناء الأنفاق أينما يرون حاجة تكتيكية.. سيكون بعضها في مناطق ريفية، وبعضها بالقرب من الخط الأزرق والبعض الآخر في مناطق مكتظة بالسكان”، مشيرا إلى أن "طبيعة الجيولوجيا المختلفة بين أرض غزة وأرض جنوب لبنان التي تحدد كيفية بناء الأنفاق.. فعلى سبيل المثال، جيولوجيا غزة عبارة عن رمال مضغوطة، ما يعني أن أنفاق حماس ستحتاج إلى تعزيز جيد. 

ويتابع: "ولهذا السبب نرى الأنفاق مبنية من أقواس خرسانية مسلحة لمنع الانهيار.. في جنوب لبنان، الجيولوجيا عبارة عن حجر جيري، وهو أصعب بكثير من الرمال المضغوطة.. كانت الأنفاق في لبنان -على الأقل أنفاق ما قبل عام 2006- مبطنة بألواح فولاذية أو شبكات سلكية لأن الصخور نفسها قوية واحتمالات الانهيار أقل مما هي عليه في غزة".

وكان مركز "ألما" قد ذكر في تقرير له، نشر عام 2021، أن حزب الله لديه عدة أنفاق في ما لا يقل عن 36 منطقة لبنانية من بينها الجنوب، وبيروت والبقاع، وبعضها يربط قرى الجنوب ببعضها بعضا ويصل مجموع طولها إلى مئات الكيلومترات.

إلا أن بلانفورد يشك في عبارة مئات الكيلومترات، معتبرا أن “مركز ألما هو منظمة دعائية”، ويضيف: “لقد رأيت التقرير.. وأعتقد أنه لم يكن منطقيا.. لقد كانوا مخطئين”.

ويتابع: “من المحتمل أن حزب الله لا يزال لديه أنفاق تعبر الحدود لم تكتشفها إسرائيل، ولكن حزب الله لديه طرق أخرى لعبور الحدود، عن طريق الجو باستخدام الطائرات الشراعية، أو عن طريق البحر، فضلاً عن قطع السياج الحدودي ببساطة، تماماً كما عبرت حماس إلى غلاف غزة في السابع من أكتوبر".

الحزب والجغرافيا اللبنانية 

ويوجد في منطقة الجنوب عدة قرى ملاصقة للحدود مع إسرائيل، تعرضت وتتعرض للقصف الإسرائيلي، ومن بينها: كفركلا، والخيام (حيث يقع معتقل الخيام)، والعديسة، والحولة، ويارون، ورميش، وميس الجبل، وعيناثا، وعلما الشعب، وعيتا الشعب، ويارين، والطيبة، ورامية، وبليدا، ومركبا، ومارون الراس عيترون.. وميزة هذه القرى أن أغلب سكانها مؤيدون لحزب الله، وهم منخرطون بشكل مباشر بالمقاومة في وجه الاحتلال منذ تأسس الحزب عام 1982، حيث يتلقون تدريبات عسكرية في إيران، تهدف لإعدادهم لأي حرب ممكنة، والجدير ذكره أن حزب الله شيع أكثر من 200 شهيد منذ 8 أكتوبر 2023، معظمهم من أبناء تلك القرى.

وبالإضافة إلى تلك القرى الملاصقة، فيمكن أن يكون لقرى قريبة نسبيا من الحدود دور مركزي في العمل العسكري.. فالمعروف أن حزب الله كان يمتلك موقعا داخل مغارة في بلدة مليتا الجنوبية استخدمه حتى السنوات الأولى من الألفينات وحوله لاحقا إلى متحف سياحي. 

وجنوبا أيضا، يستخدم حزب الله مناطق في قرى العرقوب، حيث تقع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، لإطلاق الصواريخ والقيام بعمليات عسكرية متنوعة.

كما أن للحزب مربعا أمنيا في الضاحية الجنوبية لبيروت، تتمركز فيه مكاتبه السياسية والعسكرية، كما تحتضن المنطقة مكاتب عدة لفصائل المقاومة الفلسطينية، ويقيم فيها عدد من قادة المقاومة، كان من بينهم القيادي في حماس صالح العاروري، الذي اغتالته إسرائيل مع قادة آخرين بستة صواريخ أطلقت من طائرة حربية على شقة كان يجتمعون فيها ليل 2 يناير 2024.. وتتمتع منطقة الضاحية الجنوبية بإجراءات أمنية شديدة يفرضها حزب الله حماية لمراكزه، إذ يُمنع فيها التصوير مثلا بدون إذن من قيادة الحزب.

وأما في منطقة البقاع، الملاصقة للحدود السورية، فيستغل الحزب وجوده الكبير فيها، لإدخال السلاح من سوريا إلى داخل لبنان.

وفي عام 2021، ذكر الباحث في مركز "ألما" الإسرائيلي "تال بيري" أن حزب الله يمتلك في البقاع، وتحديدا في بعلبك، مستودعات في أنفاق تحت الأرض، بناها بمساعدة كوريا الشمالية، وتستخدم لتخزين الذخيرة والمعدات اللوجستية. 

ويرجح "بيري" أن يكون جزء من ترسانة الحزب الصاروخية مثبتاً على شاحنات/ منصات إطلاق في المنطقة الجبلية الشرقية لمدينة بعلبك، وهي معدة للإطلاق الفوري في أي حرب مقبلة مع إسرائيل.


 
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية