"الإيكونوميست": لماذا يصعب تخويف إيران؟

"الإيكونوميست": لماذا يصعب تخويف إيران؟

 

يعد الردع كمفهوم بسيط التهديد باستخدام القوة لمنع العدو من القيام بشيء ما.. ونظريا لا ينبغي لأمريكا أن تجد صعوبة في كبح جماح إيران بهذه الطريقة، فهي لديها جيش عالمي، ولا تزال إيران تعتمد على السفن الحربية والطائرات المقاتلة التي سبقت الهبوط على سطح القمر، ولكن من الناحية العملية، أثبتت إيران صعوبة بالغة في ردعها، ومن الصعب صد المتمردين والميليشيات من خلال الحملات الجوية.. أهدافهم هي الاستنزاف والبقاء، وليس الحكم الجيد، وهم على استعداد لتحمل الخسائر.. إن الغزو واسع النطاق هو الطريقة الحقيقية الوحيدة لردعهم، وتاريخ مثل هذه التدخلات مفيد، وفقا لمجلة "الإيكونوميست" البريطانية.

ومنذ أكتوبر، نفذت الميليشيات التابعة للجمهورية الإسلامية في سوريا والعراق أكثر من 160 هجومًا على القوات الأمريكية، بعضها لم يكن مؤذياً -فهو مسرحي أكثر منه تهديداً- ولكن ليس تلك التي وقعت في 28 يناير الماضي، والتي أسفرت عن مقتل 3 جنود أمريكيين في قاعدة شمال شرق الأردن.

وفي الوقت نفسه، يشن الحوثيون، وهم ميليشيا مدعومة من إيران في اليمن، حملة من الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار منذ أشهر ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، ما أدى إلى اختناق ممر مائي يتعامل مع ما يقرب من 30% من تجارة الحاويات العالمية.

وبدأت أمريكا بالرد، في الثالث من فبراير، قصفت أكثر من 85 هدفاً في غرب العراق وشرق سوريا، وهي الجولة الأولى مما وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن يكون رداً متعدد المراحل على هجوم الطائرات بدون طيار في الأردن، وضربت الحوثيين في اليوم التالي ومرة أخرى في 5 فبراير، في إطار حملة ضد الجماعة استمرت حتى الآن لمدة شهر، ومع ذلك، تستمر هجمات الميليشيات المدعومة من إيران، حتى بعد الضربات التي تهدف ظاهريًا إلى ردعها.

ويعتقد منتقدو بايدن أنهم يعرفون السبب: فالتهديدات الأمريكية ليست ذات مصداقية لأن أمريكا غير راغبة في ضرب إيران نفسها.. قال ليندسي جراهام، السيناتور الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية: "يمكن لإدارة بايدن القضاء على جميع الوكلاء الإيرانيين الذين تفضلهم، لكن ذلك لن يردع العدوان الإيراني"، وبدلاً من ذلك يدعون إلى شن هجمات مباشرة على الأراضي الإيرانية، ويشيرون إلى مثال عملية "فرس النبي"، خلال "حروب الناقلات" في الثمانينيات، حيث أغرقت أمريكا خمس من السفن الحربية الإيرانية ودمرت اثنتين من منصات النفط الإيرانية في الخليج الفارسي.

ويقدم النقاد من اليسار حجة مختلفة، وهم ينظرون إلى الحديث عن الردع باعتباره تحريضاً مضللاً على الحرب، ويقدمون بدلاً من ذلك ما يقولون إنه حل بسيط: إنهاء الحرب في غزة، وإذا توقفت إسرائيل عن قتل الفلسطينيين، فقد توقف الميليشيات المدعومة من إيران أعمال العنف التي ترتكبها.

كلتا الحجتين تخطئان الهدف، صحيح أن ضرب البحرية الإيرانية عام 1988 أجبرها على الحد من هجماتها على ناقلات النفط (والتوقف عن استهداف الأمريكيين تماماً)، لكن إيران عام 1988 كانت منهكة من حرب مدمرة دامت 8 سنوات ضد عراق صدام حسين، وكانت محرومة من الحلفاء الأقوياء، ولم يكن أمامها خيار سوى التراجع، وعلى النقيض من ذلك، تتمتع إيران اليوم بشبكة قوية من الوكلاء ودرجة معينة من الدعم من كل من روسيا والصين، إن جولة من الضربات الأمريكية قد تجعلها أكثر ميلا لاستخدام هؤلاء الوكلاء، وربما تسعى للحصول على قنبلة نووية كتأمين ضد الهجمات المستقبلية.

أما بالنسبة لحرب غزة، فإن العديد من وكلاء إيران يستشهدون بالصراع كمبرر لأفعالهم، لكن التاريخ لم يبدأ في السابع من أكتوبر، ونفذت الميليشيات في سوريا والعراق عشرات الهجمات ضد القوات الأمريكية خلال العقد الماضي، ولدى الحوثيين أيضًا سجل من الهجمات على الشحن.. في عام 2018، أطلقوا صاروخاً على سفينة شحن تركية تحمل القمح إلى اليمن، وفي عام 2019، استولوا لفترة وجيزة على سفينتين كوريتين جنوبيتين.

ينبع كفاح أمريكا لردع إيران من تناقضات أعمق في سياستها في الشرق الأوسط، وتحديداً رغبتها في الابتعاد عن المنطقة مع الاحتفاظ بقوات فيها في الوقت نفسه، ما يترك وجودًا عسكريًا كبيرًا بما يكفي لتقديم قائمة من الأهداف ولكنه صغير جدًا في الواقع لتقييد إيران.

كان لهذا الترتيب العكسي عواقب مميتة في 28 يناير، أصاب هجوم الطائرات بدون طيار في الأردن موقعًا يعرف باسم البرج 22، وهو مركز لوجستي لمنطقة التنف القريبة، وهي حامية أمريكية نائية في سوريا بالقرب من الحدود الثلاثية مع العراق والأردن.

 تم إنشاء معسكر التنف أثناء الحملة ضد "داعش"، ولا يستطيع أحد أن يشرح سبب استمرار وجوده، ويستشهد المسؤولون الأمريكيون بمجموعة من المهام، بدءًا من حماية مخيم قريب للاجئين إلى مراقبة خطوط الإمداد الإيرانية إلى سوريا، ولكن من الناحية العملية، فهي في الغالب بمثابة نقطة انطلاق للجماعات المدعومة من إيران عندما تريد مهاجمة أمريكا.

ينظر النظام الإيراني إلى وكلائه باعتبارهم عنصرا حيويا لبقائه: فهم يخوضون حرب استنزاف طويلة لطرد القوات الأمريكية من الشرق الأوسط وإعاقة حلفاء أمريكا في إسرائيل والخليج، ولا يمكن للردع أن ينجح إلا إذا تغير هذا التصور.

ربما يمكن ثني إيران عن استخدام وكلائها إذا اعتقدت أن أمريكا مستعدة للإطاحة بالنظام الإيراني ولكن بعد عقدين من المغامرات الأمريكية الفاشلة في الشرق الأوسط، لا الأمريكيون ولا الإيرانيون يصدقون ذلك، وحتى دونالد ترامب، الذي جسد "نظرية الرجل المجنون" لريتشارد نيكسون في السياسة الخارجية، توقف عن مهاجمة إيران بشكل مباشر.

ولا يصدق ذلك حلفاء أمريكا في المنطقة أيضاً، قبل عقد من الزمن، كان من الممكن أن ترحب إسرائيل وبعض دول الخليج بالضربات الأمريكية على وكلاء إيران، وآنذاك، كما هي الحال الآن، كانت المنطقة مشتعلة: كانت إيران تساعد بشار الأسد في تحويل سوريا إلى مقبرة، وكان الحوثيون يجتاحون معاقلهم الشمالية للسيطرة على معظم المراكز السكانية في اليمن.. ربما كانت حملة مستمرة من الضربات الأمريكية قد غيرت مسار الحروب الأهلية في كلا البلدين.

لكن اليوم، تمت تسوية هذه الحروب بشكل أساسي لصالح حلفاء إيران، فالنظام الإيراني لديه علاقاته العميقة في 4 دول عربية، ولن تتمكن بضع طلعات جوية متفرقة من إزاحتها.. ولهذا السبب حاولت دول خليجية تحسين علاقاتهما مع إيران اعتقادا بأن الانفراج سيأتي من خلال المشاركة الدبلوماسية والحوافز الاقتصادية وهو بديل أكثر أمانا.

وفي مؤتمر صحفي بعد الضربات في سوريا والعراق، لم يشر المسؤولون الأمريكيون إلى الردع، وبدلاً من ذلك، تحدثوا عن محاولة "إضعاف" قدرات الجماعات المدعومة من إيران، وقد يكون هذا هدفاً أكثر واقعية: إذا قامت أمريكا بتفجير ما يكفي من الصواريخ الحوثية المضادة للسفن، فسيتعين عليها التوقف عن إطلاق النار (على الأقل حتى تتمكن إيران من تقديم المزيد).

لكن هذا سيتطلب حملة مطولة من النوع الذي قد يرغب بايدن في تجنبه، وهو ما يعود إلى جوهر المشكلة.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية