رحلة الهنود نحو قمة الشركات التكنولوجية الأمريكية

رحلة الهنود نحو قمة الشركات التكنولوجية الأمريكية

باسم ثروت

 

كان العام 2021، مميزاً جداً بالنسبة للهنود المهاجرين إلى أمريكا، ففي مايو من هذا العام قرر مجلس إدارة تويتر تعيين الأمريكي الجنسية الهندي الأصل “باراغ ارغاوال” رئيساً تنفيذياً للشركة، لينضم بهذا القرارإلى نادي هنود القمة، حيث كان هناك 7 هنود في عام 2020 يديرون شركات التقنية والسوشيال ميديا مثل (غوغل، تويتر، أدوبي، مايكروسوفت، إي بي إم، ميكرون، سان ديسك) الأعلى قيمة على هذا الكوكب، جنت هذه الشركات تحت قيادتهم نحو 530 مليار دولار، رقم قد يمثل إجمالي الدخل لأكثر من 30 دولة مجتمعة.

 

لكن ما السر وراء صعود الهنود إلى قمة الشركات التكنولوجية الأمريكية؟

 

تعود قصة صعود الهنود إلى قمة الشركات التكنولوجية الى ستينات القرن الماضي، حين عدلت الولايات المتحدة الأمريكية قانون الهجرة، فقد تم استبدال الحصص والنسب على أساس الأصل القومي، بأخرى أعطت الأفضلية للمهارات ولم شمل الأسرة.

 

الأمر الذي جعل الهنود أصحاب الشهادات العليا يهاجرون إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في البداية العلماء من المهندسين والاطباء، ثم لحقهم مهندسو البرمجيات والحاسبات.

 

وهنا يشير العلماء والمؤرخون إلى أن مجموعات المهاجرين الهنود لم تشبه أي مجموعات مهاجرة أخرى من أي دول أخرى في العالم، نظراً لاختيارهم بناء على طريقة يطلق عليها الطريقة الثلاثية، فلم يكونوا فقط من الهنود المتميزين من الطبقة الوسطى والأثرياء والذين كانت لديهم القدرة على تحمل تكاليف الالتحاق بالجامعات الأمريكية.

 

بل كان فيهم من الذين ينتمون إلى طبقة أعلى والتي كان بإمكانها تحمل نفقات دراسة الماجستير في الولايات المتحدة، والذين بات معظمهم الآن رؤساء شركات التكنولوجيا التنفيذيين.

 

وبعد ذلك قام نظام التأشيرات بتضييق الخناق ليشمل أولئك الذين لديهم مهارات محددة غالباً ما تكون في مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والتي تلبي احتياجات سوق العمل التكنولوجي الراقي في الولايات المتحدة.

 

ويرجع تفوق الهنود في الولايات المتحدة إلى عدة أسباب.

 

السبب الأول يكمن فى الهند ذاتها، الهند دولة يقطنها أكثر من مليار نسمة، يخلق هذا التكدس السكاني منافسة شرسة على مقاعد الدراسة وفرص العمل، خلقت هذه المنافسة روح القتال لدى الشباب الهنود وجعلتهم أكثر حرصاً على التفوق الدراسي.

 

السبب الثاني أن الهندي مقاتل بطبعه ويتحدى الظروف الصعبة التي يعيشها، وقادر على العمل الشاق والاندماج الكلي في العمل، وسرعة التكيف مع المتغيرات، وتحقيق إنجازات عظيمة بموارد محدودة، والتركيز على المجتمع والأسرة والموظفين أكثر من حملة الأسهم .

السبب الثالث هو القدرة على الإبداع وحل المشكلات، يتوافر في معظم الرؤساء التنفذيين الهنود القدرة على الإبداع، فالإبداع يعطيهم أداة مناسبة في مواجهة المشكلات والتحديات، الإبداع دائماً يولد لديهم حلولاً غير تقليدية.

السبب الرابع هو إتقانهم اللغة الإنجليزية، غالبية الهنود يجيدون اللغة الإنجليزية لأنها اللغة الرسمية الأولى في الهند، كان لهذا العامل تأثير واضح في تمكن الهنود من فتح أبواب الشركات التكنولوجية امامه،م وليس فقط التكنولوجيا إنما الشركات في مجالات أخرى، ولم تقتصر على الولايات المتحدة بل في العالم كله.

السبب الخامس الولايات المتحدة في حد ذاتها التي استطاعت استيعاب الكفاءات وأصحاب الطموح وعرفت كيف تستفيد منهم، وجعلت ثقافة الهندي وطموحاته تنسجم مع المجتمع الأمريكي، يضاف إلى كل ذلك التواضع الشديد الذي يميز الشخصية الهندية، فالشخصية الهندية لا تعرف التكبر ولا تضيع فرصة متاحة للتعلم واكتساب الخبرات، عطفاً على انضباطهم وتمتعهم بروح مهنية حالمة لا تعرف سقفاً للطموح، وتحاشيهم الدخول في مشاكل مع العاملين معهم.

كان لشركة بيبسي للمشروبات الغذائية السبق في تعيين الهنود في مناصب قيادية، فعينت أول امراة هندية (آنذرا نويي) كرئيس تنفيذي لها في العام 2001، ومن هنا عرف الهنود طريقهم إلى قيادة الشركات التكنولوجية الأمريكية في سيليكون فالي.

يشكل الهنود حالياً ما يقارب 6% من الأيدي العاملة في سيلكون فالي، بالإضافة إلى هذا يعتبر الهنود مؤسسين لأكثر من 15% من الشركات الناشئة في سيليكون فالي.

إجمالاً، تستحق قصص صعود الهنود إلى قمة الشركات الأضخم في العالم التوقف عندها ودراستها والاستفادة منها، وأعتقد أننا لا نستثمر رأس المال البشري الهائل في بلداننا العربية والإفريقية، نقدم لأصحاب المهارات والكفاءات وحاملي الدراسات العليا القليل، ما يجعلهم راغبين في الارتحال إلى دول أخرى باحثين عن حياة وفرص أفضل، ويجب أن تستوعب الشعوب العربية والإفريقية بشكل خاص أن التنوع ليس شراً ينبغي الحذر منه بل هو خير عظيم إذا ما أحسنت قيادته واستخدامه.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية