بعد وفاة أليكسي نافالني

"فورين بوليسي": على الغرب أن يتجنب استثمار الآمال في "معارض روسي واحد"

"فورين بوليسي": على الغرب أن يتجنب استثمار الآمال في "معارض روسي واحد"


 شهدت الأسابيع القليلة الماضية تدفقاً من مشاعر الحزن والتكريم بعد وفاة المعارض الروسي أليكسي نافالني، حيث أدى موت نافالني في معسكرات العمل في سيبيريا إلى القضاء فعلياً على ما اعتبره كثيرون الطريق الأوضح نحو التحول الديمقراطي في روسيا في نهاية المطاف.

ولم يخدع أحد نفسه بأن نافالني سيفوز بطريقة أو بأخرى في الانتخابات الروسية المقبلة، مع تأكيد إعادة انتخاب الرئيس فلاديمير بوتين، ولكن كان هناك الكثير، وخاصة في الغرب، الذين ما زالوا ينظرون إلى نافالني باعتباره شخصية أقرب إلى نيلسون مانديلا، الذي خرج من فترة سجن طويلة لقيادة أمته إلى مستقبل ديمقراطي مشرق.. والآن مات هذا الحلم، وأي احتمال لتحويل روسيا إلى الديمقراطية في نهاية المطاف يبدو بعيدا، بل وأقل احتمالا.

ولكن بينما تستمر المعارضة الروسية المتبقية في البحث عن استراتيجيات جديدة لتوظيفها في أعقاب وفاة نافالني، نأمل أن يكون هناك درس واضح لهؤلاء في الغرب، ومن الخطورة أن نعلق كل آمال التحول الديمقراطي في أي دولة في نهاية المطاف على شخص واحد.

ولا يقتصر الأمر على إمكانية قتل شخصية واحدة فقط، كما رأينا مع نافالني، فعلى الرغم من الشجاعة التي أظهرها نافالني، كانت هناك أخطاء ونقاط ضعف واضحة في سياساته، وفي حين أثبت نافالني أنه الخصم السياسي الأكثر قدرة لبوتين، فإنه شارك أيضا في العديد من الميول الانتقامية التي دفعت روسيا إلى أوكرانيا في المقام الأول، وهي الحقيقة التي فضل كثيرون في الغرب تجاهلها أو التقليل من شأنها.

لكنها حقيقة لم يعد بالإمكان التغاضي عنها، ففي نهاية المطاف، إذا كانت القومية الروسية هي التي أطلقت العنان للصراع الأكثر تدميراً في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، ودفعت العالم أقرب إلى صراع نووي محتمل أكثر من أي شيء آخر منذ عقود، فإن أي شخص يظهر هذه الميول، كما فعل نافالني لسنوات، يجب أن يُعامل بحذر.

وإذا كان الدرس الأوضح الذي يمكن استخلاصه من الغزو الروسي لأوكرانيا هو أن المحاورين الغربيين بحاجة إلى الاستماع أكثر للتحذيرات والتحليلات من المستعمرات الروسية السابقة، فقد فات الوقت منذ زمن طويل للاستماع إلى ما يقوله الأوكرانيون بشأن نافالني، وغيرها من الشخصيات البارزة في المعارضة الروسية المناهضة لبوتين.

كل هذا يشير إلى استنتاج واحد واضح من الأسابيع القليلة الماضية: مع وفاة نافالني، حان الوقت لكي يتجاوز الغرب فكرة ظهور شخصية على غرار مانديلا في روسيا، وبدلاً من وضع آماله على زعيم منفرد في المستقبل، فإن الغرب سوف يستفيد بشكل أفضل كثيراً من خلال مواجهة تهديدات النزعة الوحدوية الروسية بشكل مباشر، والتركيز أخيراً على القضاء على القومية الروسية كقوة سياسية، إلى الأبد.

ومن عجيب المفارقات أن استعداد الغرب لوضع كل الآمال على شخصية واحدة بارزة في موسكو -مع التحول في الاتجاه الآخر عندما برزت الميول الإمبريالية لتلك الشخصية إلى الواجهة- لم يبدأ مع نافالني، ويمكن تتبع مثل هذه الظاهرة وصولاً إلى أواخر الاتحاد السوفيتي، عندما كانت إدارات كل من الرئيسين السابقين رونالد ريجان وجورج بوش الأب، وتوجه بوش بقوة نحو دعم ميخائيل جورباتشوف وإصلاحاته الداخلية.

وبطبيعة الحال، كانت محفظة سياسات جورباتشوف، بما في ذلك إنجازات مثل الجلاسنوست أو "الانفتاح"، والتي تشير إلى زيادة الشفافية وتخفيف رقابة الدولة، أفضل من مشهد أي من أسلافه، ولكن عندما ذبحت قوات جورباتشوف المتظاهرين المناهضين للنظام في أماكن مثل كازاخستان وجورجيا وليتوانيا، لم يتردد الغرب في احتضان جورباتشوف بشكل متزايد، وأعمى الغرب نظره عن الحركات المناهضة للاستعمار الناشئة في مختلف أنحاء الاتحاد السوفيتي، تلك الحركات، التي حاولت الولايات المتحدة جاهدة إخمادها، أطاحت في نهاية المطاف بالإمبراطورية السوفيتية بالكامل، ما أصاب واشنطن بالارتباك وترك غورباتشوف رجلاً بلا وطن.

وفي عهد إدارة كلينتون، أعقبت واشنطن الانهيار السوفيتي من خلال تعليق آمالها في التحول الديمقراطي في روسيا على الرئيس المنتخب حديثاً بوريس يلتسين، ومن المفهوم ذلك، كان يلتسين، وسط الأنقاض السوفيتية، الزعيم الواضح للاتحاد الروسي الناشئ، والرجل الذي أشار على الأقل خطابياً نحو التطلعات الديمقراطية.

ولكن بعد ذلك، وفي فترة ولايته الأولى فقط، صعدت قومية يلتسين الاستبدادية إلى الواجهة، فهو لم يقصف البرلمان ويطبق النظام الرئاسي الفائق الذي ورثه بوتين في وقت لاحق فحسب، بل رفض يلتسين أيضاً سحب القوات الروسية من شرق مولدوفا وأشرف على جهود التدخل المسلح في شمال جورجيا، كل ذلك في حين هدد بإعادة رسم حدود روسيا مع كل من أوكرانيا وأوروبا. 

وطوال الوقت، كانت انتقادات المسؤولين الأمريكيين ليلتسين معدومة فعلياً، وكما لخص أحد التحليلات الأكاديمية تلك الحقبة، فإن "إدارة كلينتون لم ترَ أي بدائل ليلتسين وكانت مستعدة لدعمه مهما حدث".


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية