تقرير: هل تنجح العقوبات الغربية في كبح الجماح الروسي؟
تقرير: هل تنجح العقوبات الغربية في كبح الجماح الروسي؟
واجهت روسيا عقوبات اقتصادية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بما في ذلك حظر التجارة وتجميد الأصول؛ بسبب عدوانها على أوكرانيا ومخالفتها القانون الدولي.
وتسببت العقوبات في تأثيرات اقتصادية واجتماعية وقد يتضمن ذلك تدهورا في النمو الاقتصادي وانخفاضاً في قيمة العملة وارتفاعاً في معدلات البطالة وتقليل الدخل للمواطنين العاديين.. فهل حققت العقوبات الغربية على روسيا أهدافها؟
يقول الباحث جاري كلايد هوفباور في تقرير نشرته مجلة ناشيونال إنتريست الأمريكية إن الاتحاد الأوروبي فرض الشهر الماضي حزمة عقوباته الثالثة عشرة ضد موسكو.
وفي عام 2021، قبل غزو أوكرانيا، كانت روسيا تحتل مرتبة متقدمة ضمن الشركاء التجاريين لأوروبا. وبلغ حجم التبادل التجاري في السلع والخدمات 257 مليار يورو.
وبحلول ديسمبر 2023، قلصت العقوبات هذه التدفقات التجارية بأكثر من ثلثيها، ومع مرور الذكرى الثانية للغزو الروسي، من المهم السؤال عمّا يمكن تحقيقه فعليا من خلال تقييد التجارة ذات الاتجاهين بشكل أكبر.
ويضيف هوفباور، وهو زميل بارز غير مقيم بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، أنه قد يكون للتاريخ بالفعل إجابات عن هذا السؤال المهم، فخلال القرن الماضي (ومنذ العهد النابليوني)، سعت العقوبات الاقتصادية إلى تحقيق أهداف تتماهى مع القانون الجنائي تباينت ما بين الردع وتعديل المسار والحرمان والعقاب. فكيف تتراكم هذه الأهداف في الحالة الراهنة لروسيا؟ كان الردع غير واضح.
في عام 1960، كانت هناك 20 حالة عقوبات نشطة في جميع أنحاء العالم، وبحلول عام 2014، ارتفع هذا العدد إلى 170.
وتشير هذه الزيادة الحادة إلى أن الحالات السابقة لم تثن بجدية المتجاوزين الجدد، سواء كانت الدول التي انتهكت حقوق الإنسان، أو نفذت انقلابات عسكرية، أو سعت إلى الحصول على أسلحة نووية، أو غزت جيرانها.
وبعدما استولت روسيا على شبه جزيرة القرم في عام 2014، أثرت الحزمة الضعيفة من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الشركات الروسية الفردية وعلى بعض الأثرياء فقط ولكنها لم تُثنِ عن الهجوم الضخم للرئيس فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا في فبراير 2022.
ولم تكن للتهديدات التي أبداها الرئيس الأمريكي جو بايدن وقادة أوروبا في الأسابيع قبل الغزو أي تأثير على خطط الحرب لدى بوتين.
ويظهر سجل تعديل المسار منذ عام 1914 حالات نجاح من خلال العقوبات الاقتصادية ولكن نادرا ما حدث ذلك في الحالات ضد القوى الكبيرة أو حتى الوسطى.
وتشير تحليلات معهد بيترسون إلى أن العقوبات حققت بعض أهداف السياسة الخارجية للمنفذين في ثلث فقط من الحالات منذ الحرب العالمية الأولى، ومع ذلك، تتركز النجاحات في العقوبات ضد الدول الصغيرة ذات الحكومات الضعيفة، ويعد تغيير النظام في تشيلي في عام 1973 وتغيير اتجاه الانقلاب في ساحل العاج في عام 2000 أمثلة على ذلك.
وعلى عكس تلك النجاحات، فإن العقوبات القوية ضد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين والملالي في إيران لم تغير أهدافهما الإقليمية أو النووية.
وحتى ضد الدول الأتوقراطية الصغيرة، لا سيما كوبا وكوريا الشمالية، لم تسفر عقود من العقوبات عليها عن تحقيق تعديل المسار؛ ففنزويلا تحت قبضة الرئيس نيكولاس مادورو تهدد الآن جويانا المجاورة على الرغم من وجود مجموعة من العقوبات الأمريكية.
وبالنسبة لأوكرانيا، لا يوجد في التاريخ أي حالات حيث أحرزت العقوبات الاقتصادية تغييرا للمسار في ما يتعلق بأهداف عسكرية تخص قوة كبيرة، لا ألمانيا وحلفاؤها في الحرب العالمية الأولى، ولا ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية، ولا الصين في حرب كوريا، ولا الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة، ولا روسيا في حرب أوكرانيا.
ويبقى الحرمان والانتقام كأهداف معقولة للعقوبات ضد روسيا. وبالنظر في الحرمان، فقد فقدت روسيا إمكانية الوصول المباشر إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية وغيرها من أسواق الحلفاء لمجموعة واسعة من المكونات العسكرية.
في المقابل، أعادت روسيا استخدام المصانع المحلية لإنتاج سلع عسكرية بدلا من السلع المدنية، مثل الدبابات بدلا من السيارات، بينما تسعى إلى نقل البضائع من خلال وسطاء وديين أو محايدين مثل كازاخستان والصين وتركيا.
كما اشترت روسيا طائرات مسيرة وقذائف مدفعية بديلة من إيران وكوريا الشمالية ورقائق أشباه الموصلات الأساسية من الصين.
وعلى الرغم من أن الحرمان هو هدف جدير ويصاحب جميع العقوبات في الحرب، يجب توقع تسربات مزعجة لهدف ذي حجم جغرافي واقتصادي مثل روسيا.
ويقول هوفباور إن الهدف المتبقي هو القصاص، أي العقاب لحد ذاته، وفي بداية الغزو، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات أقوى بكثير في مجالي التمويل والتجارة مما كانت تتوقعه روسيا على الإطلاق.
وكان من المتوقع على نطاق واسع أن يعاني الاقتصاد الروسي انخفاضا بالأرقام المزدوجة. وبالتأكيد، انهارت سوق الأسهم في موسكو والروبل معا، ولكنهما تعافيا سريعا.
وكما أفاد صندوق النقد الدولي مؤخرا، انكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 1.2 % في عام 2022 ولكنه نما بنسبة 3.6 % في عام 2023. ويعكس ذلك قدرة روسيا على بيع كميات هائلة من النفط بأسعار مخفضة لأصدقائها وتحفيز إنتاج الحرب.
ويقول هوفباور إنه من الخطأ أن نستنتج أن الروس العاديين أفلتوا من العقاب الغربي، فالنقص منتشر على نطاق واسع، ومع استمرار الحرب، يزداد سوءا. ويسعى العقاب إلى استهداف المسؤولين والأوليجارشيين. ومع ذلك، يمكن للنخب دائما إعالة أنفسها ونقل المعاناة إلى الأشخاص الأقل.
وهذه هي تجربة حلقات العقوبات المتعددة، وخلال الحرب العالمية الأولى، توفي حوالي 300 ألف شخص في أوروبا الوسطى بسبب الحصار البحري للحلفاء.
وفي الأزمنة المعاصرة، تجد القصة الحزينة أصداء في كوريا الشمالية والعراق وإيران وزيمبابوي وفنزويلا، واليوم روسيا.
ويضيف أن عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فرضت بوضوح معاناة على المواطنين العاديين، ويجب أن يُطرح السؤال عما إذا كان العقاب بحد ذاته يحقق الأهداف العسكرية والاقتصادية لواشنطن وبروكسل. ولا تمتلك الطبقة العاملة أي قوة سياسية، ومع ذلك، تهدد النخب السياسية سبل عيشهم كجزء من صراع سلطة عالمي أوسع.
إن العمال الروس والأوروبيين والأمريكيين ليس لديهم أي تأثير عملي في الإجراءات التجارية التي يختارها قادتهم لتنفيذها، ومع ذلك يتحملون النتائج النهائية.
ويختتم التقرير بالتأكيد أن عقوداً من البحث والرؤى التاريخية تشهد على الضرر الذي تسببه العقوبات، وأنه ينبغي للقادة الوطنيين أن يبذلوا الوقت والجهد في تصميم سياسات بديلة لمواجهة الأعمال والتصرفات الدولية الخاطئة.