الأمم المتحدة تناقش «مشاركة الشباب في صنع القرارات البيئية العالمية»
في إطار الدورة الـ55 للمجلس الدولي لحقوق الإنسان
استعرضت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، تقريرا مفصلا بشأن حلقة نقاشية تعقد مرة كل عامين للشباب وحقوق الإنسان، وما يتعلق بمشاركة الشباب في عمليات صنع القرارات البيئية العالمية وتغير المناخ.
جاء ذلك في إطار انعقاد الدورة الـ55 لمجلس حقوق الإنسان الأممي بجنيف، والمنعقدة خلال الفترة من 26 فبراير إلى 5 أبريل 2024، للاستعراض الدوري الشامل، بهدف توفير مساعدة تقنية للدول، وتوطيد قدرتها على معالجة تحديات حقوق الإنسان لديها.
وطلب المجلس الدولي لحقوق الإنسان من مفوضية الأمم المتحدة السامية أن تنظم حلقة النقاش عقب إجراء مشاورات مع الشباب والمنظمات الشبابية، وتكون متاحة أيضا للأشخاص ذوي الإعاقة.
ويأتي ذلك بهدف إتاحة الفرصة لاستكشاف العقبات التي يواجهها الشباب عند المشاركة في عمليات صنع القرارات البيئية العالمية وتحديد السبل اللازمة للاستفادة من استراتيجية الأمم المتحدة للشباب.
وعقدت الحلقة النقاشية الأولى في سبتمبر 2023 بمشاركة الشباب المدافعين عن حقوق الإنسان البيئية، ومنظمات غير حكومية، وممثلي الوكالات والصناديق التابعة للأمم المتحدة، وممثلي الدول الأعضاء والجهات صاحبة المصلحة.
ترأس الحلقة النقاشية نائب رئيس مجلس حقوق الإنسان والممثل الدائم للكسمبرغ لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف مارك بيشلر، كما أدلى بالملاحظات مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، ونائبة وزيرة خارجية جمهورية السلفادور أدريانا ميرا.
وذكر فولكر تورك أثناء الحلقة النقاشية أن آثار أزمة الكوكب الثلاثية المتمثلة في تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث واضحة بالفعل، والشباب والأجيال المقبلة هم الذين سيتحملون العبء الأكبر.
وأشار إلى أن الشباب هم أيضاً من تقدموا خطوات إلى الأمام بروح من الالتزام والإبداع لمطالبة الحكومات والشركات باتخاذ إجراءات فورية وطموحة في مواجهة هذه الأزمة غير المسبوقة من أجل الكوكب ومن أجل حقوق الإنسان.
وسلط المفوض السامي الضوء على العقبات المتعددة التي يواجهها الشباب عند محاولتهم المشاركة في عمليات صنع القرارات البيئية العالمية وتلك المتعلقة بتغير المناخ، رغم حقهم في المشاركة بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وأشار إلى أن هذه العقبات تمتد من القضايا العملية، بما فيها القيود المالية، والافتقار إلى الاتصال الرقمي، ومحدودية التثقيف بشأن هذه القضايا، إلى الشواغل المتعلقة بالسلامة، حيث واجه المدافعون الشباب عن حقوق الإنسان البيئية تهديدات فعلية وعبر الإنترنت مع تقلص الحيز المدني، وتجريم أنشطتهم المشروعة.
وتتضاعفت هذه العقبات بالنسبة إلى الشباب الذين يواجهون أشكالاً متقاطعة من التمييز، وأولئك الذين يعيشون في حالات ضعف، بمن فيهم الأشخاص ذوو الإعاقة والشباب والفتيات من السكان الأصليين.
وأشار المفوض السامي إلى أنه حتى في الحالات التي تكون فيها مشاركة الشباب ممكنة، فإنها كثيراً ما تكون غير مجدية وتقوضها محدودية الوصول وضعف المعلومات وانعدام مساءلة الحكومات.
وشدد تورك على أن إزالة هذه العقبات لا يمكن أن يحدث دون المشاركة المجدية للشباب وإشراكهم بنشاط بصفتهم أصحاب المعرفة وصانعي التغيير وشركاء في وضع الحلول، قائلا: "التغييرات الجذرية اللازمة لحماية الكوكب للأجيال المقبلة لا يمكن تحقيقها إلا بالعمل معا".
من جانبها، قالت نائبة وزيرة خارجية السلفادور أدريانا ميرا، إن العالم لديه حالياً أكبر عدد من الشباب في التاريخ، إذ يبلغ عدد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 10 أعوام و24 عاماً حوالي 1.8 مليار شخص.
وأشارت ميرا إلى أن التحدي العالمي الذي يشكله تغير المناخ لا يعترف بالحواجز بين الأجيال أو الحدود الجغرافية، مشددة على أهمية تزويد الأجيال المقبلة بالمعرفة وإعدادها على النحو المناسب لمعالجة هذه المسألة.
وسلطت نائبة وزيرة الخارجية الضوء على أهمية قمة الشباب بشأن المناخ التي عقدت في عام 2019، والتي كانت أول قمة للأمم المتحدة مكرسة بالكامل للشباب وعملهم في مجال العمل المناخي، مشيرة إلى أنه من الممكن التصدي للتحديات الراهنة والتخفيف من حدتها للأجيال المقبلة من خلال التعاون بين الأجيال وتنفيذ إجراءات ملموسة.
وشددت على أن ضمان التنمية المستدامة يتطلب أن تكون حقوق الشباب محورية في جميع عمليات صنع القرار، حيث من المتوقع أن يرتفع عدد الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً إلى 830 مليوناً بحلول عام 2050.
وتعد قارة إفريقيا، التي تضم أصغر سكان العالم سناً، هي أيضاً الأكثر عرضة للآثار المادية والنفسية لتغير المناخ، ويواجه الشباب مخاطر صحية متزايدة، بما فيها مشاكل الجهاز التنفسي وسوء التغذية والأمراض المعدية والوفاة، بسبب تغير المناخ.
وقد أثر تغير المناخ أيضاً على السلامة العقلية للشباب، ما تسبب في القلق والخوف والعجز، علاوة على ذلك، فإن تغير المناخ يعرض مستقبل الشباب للخطر بتقويض إمكانية حصولهم على الحقوق الأساسية مثل التعليم والمياه النظيفة والبيئة الآمنة.
وفي عام 2019، اجتمع 27 طالباً من جامعة جنوب المحيط الهادئ لاستكشاف الطرق التي يمكن للقانون الدولي من خلالها معالجة أزمة المناخ، وكان الاقتراح هو التماس فتوى من المحكمة بشأن التزامات الدول في ما يتعلق بتغير المناخ.
وفي مارس 2023، بعد أربع سنوات من النضال في إطار الحملات، وبدعم من 132 بلداً شارك في تقديم ذلك الالتماس، اعتمدت الجمعية العامة قراراً بتوافق الآراء لطلب فتوى من المحكمة.
ويعد ذلك إنجازاً هاماً لحملة يقودها الشباب وشهادة على قدرة الشباب على المساهمة في عمل مُجدٍ وملموس يمكن أن يكون له تأثير كبير على مستقبل العالم، ما يؤكد عزم الشباب على صياغة القوانين الدولية وتشكيل المؤسسات والنظم الدولية لجعلها تقدمية وقوية وقادرة.
وطرح المشاركون أسئلة على المتحاورين في الحلقة النقاشية، في ما يتعلق بأمور منها سبل ضمان إشراك الشباب الأكثر تضرراً من تغير المناخ إشراكاً مجدياً في السياسات المناخية والعمليات البيئية العالمية على الصعيدين العالمي والوطنية والإجراءات التي يمكن أن يتخذها الشباب لضمان مراعاة خبراتهم في عمليات صنع القرار البيئي العالمي؛ وأكثر الاستراتيجيات فعالية، استناداً إلى الأدلة التجريبية للتغلب على العقبات المتعددة الأوجه التي أعاقت مشاركة الشباب بصورة مجدية في تلك العمليات.
وردا على ذلك، حثت إحدى المشاركات الشابات على ضرورة بناء قدرات المزيد من الشباب لتنشيط أدائهم في المفاوضات المتعلقة بالمناخ، مشيرة إلى النشاط المتزايد بين الشباب الإفريقي الذين يطالبون حكوماتهم والشركات الدولية المسؤولة عن تدمير النظام الإيكولوجي، ما يضر بحياتهم في بعض الأحيان.
ودعت إلى أهمية تقديم الدعم الدولي إلى هؤلاء المناصرين الشباب الذين كانوا في الخطوط الأمامية، وأوصت بأن تتعرف المفوضية السامية على الشباب المهتمين بتعزيز حقوق الإنسان وأن تدعمهم لتعميم قضايا حقوق الإنسان في المفاوضات في سياق اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وبشأن الخسائر والأضرار، والتكيف مع تغير المناخ والعمل من أجل التمكين المناخي.
ورغم حدوث زيادة في مشاركة الشباب على الصعيد العالمي في مجالات مثل المناخ والتنمية والتنوع البيولوجي، فإن الحالة مختلفة على الصعيدين الوطني والإقليمي، لا سيما أن العمل مع واضعي السياسات في بلدان الجنوب أمر صعب، نظرا لعدم تشجيع الشباب في كثير من الأحيان على المشاركة في عمليات وضع السياسات الوطنية.
وتقول الأمم المتحدة إنه عند تحويل الصكوك البيئية العالمية إلى إجراءات وطنية، كثيراً ما لا ينطوي ذلك على مشاورات كافية مع الشباب، ما يتطلب ممارسة الضغوط من أجل إشراك الشباب على جميع المستويات العالمية والإقليمية والوطنية والمحلية.
وسلّطت الضوء على عدم الاتساق في مشاركة الشباب في مختلف عمليات السياسات، مثل المفاوضات بشأن معاهدة تتناول التلوث بالمواد البلاستيكية، حيث استبعدت القواعد المعتمدة في البداية المجموعات التأسيسية، بما فيها الشباب، من خلال منحها مركز المراقب فقط دون أن يكون لها الحق في الكلام.
وشددت الأمم المتحدة على أهمية ضمان امتداد المناقشات المتعلقة بحقوق الإنسان إلى ما هو أبعد من مجلس حقوق الإنسان وإدراجها في عمليات وضع السياسات على جميع المستويات.
وبحسب التقديرات الأممية، لا يشكل الشباب مجموعة متجانسة أو محايدة جنسانياً فحسب بل مجموعة تضم طيفاً من الهويات والتعبيرات الجنسانية والإثنيات، وبالتالي لا بد للجهود الرامية إلى تعزيز مشاركة الشباب أن تنظر في التحديات والفرص المحددة المتاحة للشباب في ممارسة حقوقهم، سواء كانوا من السكان الأصليين، أو المنحدرين من أصل إفريقي، أو من المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي، أو النساء أو الفتيات أو المزارعين، أو المدافعين عن البيئة أو حقوق الإنسان، أو شباب الريف.
ويعقد مجلس حقوق الإنسان (تأسس عام 2006) ما لا يقل عن 3 دورات عادية في العام، لفترات مجموعها 10 أسابيع على الأقل، وهي تُعقد في أشهر مارس (لمدة 4 أسابيع) ويونيو (لمدة 3 أسابيع)، وسبتمبر (لمدة 3 أسابيع).
يجوز لمجلس حقوق الإنسان -إذا طلب ثلث الدول الأعضاء (عددها 47)- أن يقرر في أي وقت عقد دورة استثنائية لتناول انتهاكات وطوارئ حقوق الإنسان.