"فورين أفيرز": "المفاهيم الخاطئة" وراء التشاؤم بشأن الاقتصاد الصيني

"فورين أفيرز": "المفاهيم الخاطئة" وراء التشاؤم بشأن الاقتصاد الصيني

 

 على مدار أكثر من عقدين من الزمن، أثار الأداء الاقتصادي الهائل الذي حققته الصين إعجاب قسم كبير من العالم وأثار انزعاجه في نفس الوقت، بما في ذلك الولايات المتحدة، ولكن منذ عام 2019، دفع النمو البطيء في الصين العديد من المراقبين إلى استنتاج أن الصين بلغت بالفعل ذروتها كقوة اقتصادية.

ووفقا لمجلة "فورين أفيرز"، يشير أولئك الذين يشكون في استمرار صعود الصين إلى ضعف الإنفاق الأسري في البلاد، وتراجع الاستثمار الخاص، والانكماش الراسخ، ويزعمون أن الصين من المرجح أن تدخل في فترة ركود طويلة، قبل أن تتفوق على الولايات المتحدة، لكن هذه النظرة الرافضة للبلاد تقلل من قدرة اقتصادها على الصمود.

وترى المجلة الأمريكية، أن الصين بالفعل تواجه العديد من الرياح المعاكسة الموثقة، بما في ذلك ركود سوق الإسكان، والقيود التي تفرضها الولايات المتحدة على القدرة على الوصول إلى بعض التكنولوجيات المتقدمة، وتقلص عدد السكان في سن العمل، لكنها تغلبت على تحديات أكبر عندما بدأت السير على طريق الإصلاح الاقتصادي في أواخر السبعينيات، ورغم تباطؤ نموها في السنوات الأخيرة، فمن المرجح أن تتوسع الصين بمعدل ضعف معدل الولايات المتحدة في السنوات المقبلة.

قراءة خاطئة للبيانات

هناك العديد من المفاهيم الخاطئة التي تدعم التشاؤم بشأن الإمكانات الاقتصادية للصين، منها أن تقدم الاقتصاد الصيني في التقارب مع حجم الاقتصاد الأمريكي قد توقف، صحيح أنه في الفترة من 2021 إلى 2023، انخفض الناتج المحلي الإجمالي للصين من 76% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة إلى 67%، ومع ذلك، بحلول عام 2023، كان الناتج المحلي الإجمالي للصين أكبر بنسبة 20% مما كان عليه في عام 2019، عشية الوباء العالمي، في حين كان الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة أكبر بنسبة 8% فقط.

ويمكن تفسير هذه المفارقة الواضحة بعاملين: أولا، على مدى السنوات القليلة الماضية، كان التضخم في الصين أقل مما كان عليه في الولايات المتحدة، وفي العام الماضي سجل الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في الصين نمواً بنسبة 4.6%، أي أقل من نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بالقيمة الحقيقية والتي بلغت 5.2%، في المقابل، وبسبب ارتفاع التضخم، نما الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للولايات المتحدة في عام 2023 بنسبة 6.3%، في حين نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 2.5% فقط.

ورفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة بأكثر من 5 نقاط مئوية منذ مارس 2022، من 0.25% إلى 5.5%، مما يجعل الأصول المقومة بالدولار أكثر جاذبية للمستثمرين العالميين ويعزز قيمة الدولار نسبة إلى العملات البديلة.

وفي الوقت نفسه، خفض البنك المركزي الصيني سعر الفائدة الأساسي من 3.70% إلى 3.45%، وكانت الفجوة متزايدة الاتساع بين أسعار الفائدة الصينية والأمريكية سبباً في عكس ما كان يمثل تدفقاً كبيراً من رأس المال الأجنبي إلى الصين، الأمر الذي أدى إلى انخفاض قيمة الرنمينبي في مقابل الدولار بنسبة 10%.

ويؤدي تحويل الناتج المحلي الإجمالي الاسمي الأصغر إلى الدولار بسعر صرف ضعيف إلى انخفاض قيمة الناتج المحلي الإجمالي للصين عند قياسه بالدولار نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة.

لكن هذين العاملين من المرجح أن يكونا مؤقتين، والآن تنحدر أسعار الفائدة في الولايات المتحدة نسبة إلى أسعار الفائدة في الصين، الأمر الذي يقلل من الحافز لدى المستثمرين لتحويل الرنمينبي إلى أصول مقومة بالدولار، ونتيجة لذلك، بدأ انخفاض قيمة العملة الصينية في التراجع.

والمفهوم الخاطئ الثاني هو أن دخل الأسرة، والإنفاق، وثقة المستهلك في الصين ضعيفة، البيانات لا تدعم هذا الرأي، ففي العام الماضي، ارتفع نصيب الفرد الحقيقي من الدخل بنسبة 6%، أي أكثر من ضعف معدل النمو في عام 2022، عندما كانت البلاد في حالة إغلاق، وارتفع نصيب الفرد من الاستهلاك بنسبة 9%، فإذا كانت ثقة المستهلك ضعيفة، فإن الأسر سوف تقلص استهلاكها، وتعمل على بناء مدخراتها بدلاً من ذلك، ولكن الأسر الصينية فعلت العكس تماماً في العام الماضي: فقد سجل الاستهلاك نمواً أكبر من نمو الدخل.

وهناك مفهوم خاطئ ثالث يتلخص في أن انكماش الأسعار أصبح راسخاً في الصين، الأمر الذي يضع البلاد على المسار نحو الركود، صحيح أن أسعار المستهلك ارتفعت بنسبة 0.2% فقط في العام الماضي، الأمر الذي أدى إلى نشوء المخاوف من قيام الأسر بخفض استهلاكها تحسبا لانخفاض الأسعار، وبالتالي انخفاض الطلب وتباطؤ النمو، ولم يحدث هذا لأن أسعار المستهلك الأساسية (أي أسعار السلع والخدمات إلى جانب الغذاء والطاقة) ارتفعت فعليا بنسبة 0.7%.

وهناك مفهوم خاطئ آخر يتعلق باحتمال انهيار الاستثمار العقاري، وهذه المخاوف ليست في غير محلها تماما، وهي مدعومة ببيانات حول بداية بناء المساكن، وعدد المباني الجديدة التي بدأ تشييدها، والتي كانت في عام 2023 نصف ما كانت عليه في عام 2021. ولكن يتعين على المرء أن ينظر إلى السياق، ففي نفس فترة العامين، انخفض الاستثمار العقاري بنسبة 20% فقط، حيث خصص المطورون حصة أكبر من هذه النفقات لاستكمال مشاريع الإسكان التي بدؤوها في السنوات السابقة.

وتوسعت عمليات الاكتمال إلى 7.8 مليار قدم مربع في عام 2023، متجاوزة بذلك المساكن الجديدة لأول مرة، وما ساعد في ذلك أن سياسة الحكومة شجعت البنوك على الإقراض على وجه التحديد لمشاريع الإسكان التي أوشكت على الانتهاء، وكان التخفيف العام لمثل هذه القيود المفروضة على القروض المصرفية لمطوري العقارات من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم تخمة العقارات.

وأخيرا، هناك اعتقاد خاطئ مفاده أن رجال الأعمال الصينيين يشعرون بالإحباط ويضطرون إلى نقل أموالهم إلى خارج البلاد، مما لا شك فيه أن الحملة الحكومية التي بدأت في أواخر عام 2020 على الشركات الخاصة الكبرى، وخاصة علي بابا، لم تساعد الأمور.

ولكن منذ بداية الإصلاح الاقتصادي في عام 1978 وحتى منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، نما الاستثمار الخاص في الصين بسرعة أكبر من الاستثمار من قبل الشركات المملوكة للدولة، وبحلول عام 2014، كان الاستثمار الخاص يشكل ما يقرب من 60% من إجمالي الاستثمار، بعد أن كان صفر% تقريبا في عام 1978.

وبما أن الاستثمار الخاص أكثر إنتاجية بشكل عام من استثمار الشركات الحكومية، فإن حصته المتزايدة من إجمالي الاستثمار كانت بالغة الأهمية لنمو الصين السريع خلال هذه الفترة، وقد انعكس هذا الاتجاه بعد عام 2014 عندما قام شي جين بينغ، بإعادة توجيه الموارد بقوة إلى قطاع الدولة، وكان التباطؤ متواضعا في البداية، ولكن بحلول عام 2023، شكل الاستثمار الخاص 50% فقط من إجمالي الاستثمار.

قوض شي ثقة المستثمرين، ولم يعد رواد الأعمال ينظرون إلى الحكومة باعتبارها وكيلاً يمكن الاعتماد عليه للاقتصاد، وطالما ظل شي في السلطة، كما تقول الحجة الشائعة، فسوف يستمر رجال الأعمال في التراجع عن الاستثمار في الصين، ويختارون بدلا من ذلك تحويل ثرواتهم إلى خارج البلاد، ولا تدعم البيانات هذا: أولا، كان كل الانخفاض تقريبا في حصة القطاع الخاص من إجمالي الاستثمار بعد عام 2014 راجعا إلى تصحيح في سوق العقارات، الذي تهيمن عليه الشركات الخاصة، وإذا استثنينا العقارات، فإن الاستثمار الخاص ارتفع بنحو 10% في عام 2023.

ورغم أن بعض رجال الأعمال الصينيين البارزين غادروا البلاد، فإن أكثر من 30 مليون شركة خاصة لا تزال مستمرة في الاستثمار، علاوة على ذلك، ارتفع عدد الشركات العائلية، التي لا تصنف رسميا كشركات، بمقدار 23 مليونا في عام 2023، ليصل إجماليها إلى 124 مليون مؤسسة توظف حوالي 300 مليون شخص.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية