في مقابلة مع "جسور بوست"

الخبير الروسي ديميتري بريجع: "هجوم كروكوس" استغل انشغال موسكو بالحرب على حساب مواجهة الإرهاب

الخبير الروسي ديميتري بريجع: "هجوم كروكوس" استغل انشغال موسكو بالحرب  على حساب مواجهة الإرهاب
الخبير الروسي ديميتري بريجع

عملية "كروكوس" تمثل رد فعل عنيف على نتائج الانتخابات الرئاسية الروسية 


تشكيك موسكو في مسؤولية “داعش” يمثل هروبا من الضغوط الدولية بسبب ضعف الإجراءات الأمنية الروسية

التحليلات التي تدعم تدبير أطراف روسية للعملية الإرهابية لتأجيج الحرب مع أوكرانيا لا تزال محتملة

بعض التقارير تشير إلى إمكانية تورط الغرب في التخطيط والتنفيذ للهجوم الإرهابي

أي تصعيد سيؤثر سلباً على الاستقرار الإقليمي وقد يؤدي لتصاعد المواجهات بالمنطقة العربية
 

لا تزال تداعيات وأصداء الهجوم الإرهابي المروع على قاعة الحفلات الموسيقية "كروكوس" في العاصمة موسكو تتردد في الأفق، لا سيما عقب تشكيك وزارة الخارجية الروسية في صحة تأكيدات الولايات المتحدة أن تنظيم داعش هو المسؤول عن الهجوم.

وأسفر الهجوم الذي يعد الأدمى في روسيا منذ عقدين عن مقتل 139 شخصا وإصابة 180 آخرين، في حصيلة غير نهائية ومرشحة للارتفاع.

وفي 23 مارس الماضي، نشرت وكالة أعماق التابعة لتنظيم داعش، مقطعًا مصورًا يُظهر الهجوم الذي وقع بقاعة للحفلات الموسيقية في موسكو سجله أحد المهاجمين، ما يشير إلى أن الجناة لديهم صلة مباشرة بالتنظيم الإرهابي.

ويظهر الفيديو (مدته نحو 90 ثانية) 4 مهاجمين بوجوه مموهة وأصوات مشوهة، ويُظهر أحد المهاجمين يشير إلى مسلح آخر، والذي يمر بعد ذلك أمام باب يختبئ فيه الناس ويفتح النار عليهم، وينتهي الفيديو برؤية الجثث والدماء على الأرض وابتعاد المهاجمين عن المبنى وسط تصاعد الدخان وألسنة النيران.

ويأتي الهجوم في أثناء تورط روسيا في حرب ضد أوكرانيا أتمت عامها الثاني، ووسط جملة تغييرات في التوازنات الجيوسياسية حول العالم، وزيادة مفرطة من حدة النزاعات والمواجهات المسلحة والانتهاكات الحقوقية والإنسانية.

ولاستجلاء ما يدور واستشراف ما سيحدث، حاورت "جسور بوست" مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، والمحلل السياسي في الشأن الروسي، والخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسي بالعاصمة موسكو الدكتور ديمتري بريجع.

هل هناك مغزى لتوقيت الهجوم الدامي على قاعة الحفلات الموسيقية "كروكوس" في موسكو؟

بالنسبة لحيثية التوقيت يمكن أن يكون هناك عدة عوامل تلعب دورًا في عملية الهجوم، من الوارد أن يكون جزءًا من سلسلة من الهجمات التي ينفذها تنظيم "داعش" الإرهابي كجزء من استراتيجيته المتفرقة في قارتي آسيا وأوروبا، كما يمكن أن يكون الهدف من الهجوم هو زعزعة الاستقرار في روسيا أو إظهار القدرة على شن هجمات في العاصمة موسكو.

وهناك تحليلات تشير أيضا إلى أن العملية الإرهابية كانت بمثابة رد فعل عنيف على نتائج الانتخابات الرئاسية الروسية والتي فاز فيها الرئيس فلاديمير بوتين بولاية خامسة وبعدد قياسي من الأصوات بلغ نسبة تتجاوز 87 بالمئة من الأصوات، ما يضعف شعبيته ويمثل تهديدا للأمن القومي الروسي.  

جميع الاحتمالات لا تزال مفتوحة، لا سيما أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا مستمرة وهناك أطراف تريد فتح جبهة توترات أخرى في الداخل الروسي، وعادة ما ستكون هذه الجبهة متعلقة بالتطرف والإرهاب والعمليات المسلحة.

أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الهجوم، وجاء ذلك متوافقاً مع إعلان وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) لكن موسكو تشكك في هذه الرواية.. فما رأيك؟

بشأن التباين بين ما أعلنه تنظيم "داعش" وشكوك موسكو في الرواية، يمكن أن تكون هناك مصالح سياسية في اللعب بالروايات المختلفة، خاصة أن روسيا تشكك في الرواية المعلنة من تنظيم "داعش" لأسباب سياسية، بينما قد يكون هذا الإعلان جزءًا من استراتيجية تنظيم "داعش" للترويج عن نفسه وتضخيم قدرته على الهجوم وجذب المزيد من المؤيدين من الشباب الأوروبي أو الانتقام من روسيا.

وتظهر هذه الرواية تعقيدات كبيرة في تحليل الأحداث الجارية، حيث يتعين التعامل معها بحذر شديد، لأنه من الطبيعي أن يدعي تنظيم "داعش" مسؤوليته عن الهجوم، كجزء من استراتيجية جذب الانتباه وتشويه صورة الحكومات المستهدفة كالحكومة الروسية، ونشر أخبار زائفة ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورجال الأمن وأجهزة المخابرات الروسية، والهدف من ذلك بوضوح هو ضرب روسيا من الداخل قدر الإمكان، ومن الممكن أيضًا أن يكون لدى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية معلومات تدعم هذه الرواية بناءً على مصادر استخباراتية مختلفة.

ومع ذلك فإن تشكيك موسكو في هذه الرواية يمكن أن يكون له عدة أسباب ودوافع سياسية، أبرزها هو رغبة روسيا في تقليل الاهتمام الدولي بمشكلة الإرهاب داخل البلاد، أو لتجنب الضغوط الدولية المتزايدة بسبب عدم فاعلية الإجراءات الأمنية الروسية وغيرها.

بالإضافة إلى ذلك، يُظهر تاريخ تنظيم "داعش" في ولاية خراسان نمطًا محددًا في أساليب الهجمات الإرهابية، حيث يقتصر ذلك بشكل أساسي على استخدام الانتحاريين في تنفيذ الهجمات، حيث تم استخدام هذا التكنيك الإرهابي الشائع في حادث الانفجار الذي وقع في فرع بنكي في مدينة قندهار في أفغانستان يوم 21 مارس 2024.

من جانب آخر، فإن حركة طالبان، التي تسيطر على أجزاء كبيرة من أفغانستان، قد أدانت الهجوم وأشارت إلى إمكانية تورط أجهزة المخابرات الخاصة في حماية مقاتلي "داعش"، ويُذكر أن حركة طالبان تتبنى موقفًا قاسيًا تجاه داعش، مع اتهامها بتشويه الإسلام وتهديد الأمن في المنطقة. 

وتأسس تنظيم داعش خراسان في عام 2015 على يد أعضاء ساخطين من حركة "طالبان"، وبرز اسم الجماعة بعد وقت قصير من إطاحة الحركة بالحكومة الأفغانية عام 2021، ونفذ التنظيم تفجيرا انتحاريا في المطار الدولي بكابول في أغسطس 2021، أدى إلى مقتل 13 جنديا أمريكيا وما يصل إلى 170 مدنيا، ورفع الهجوم مكانة التنظيم، وبات تهديدا كبيرا لقدرة "طالبان" على الحكم في أفغانستان، ومنذ ذلك الحين، تخوض الحركة الأفغانية معارك ضارية ضد "داعش خراسان".

بعض التحليلات ترجح أن العملية كانت بتدبير من أطراف روسية لرغبة الكرملين في "استغلال" الهجوم لتأجيج الحرب مع أوكرانيا.. فما رأيك في ذلك؟

كانت هناك عدة مصادر أشارت إلى تحذيرات وكالات الاستخبارات الغربية للسلطات الروسية بشأن وقوع هجوم إرهابي قريب، إلا أنه لم يتم تقديم كل التفاصيل المتعلقة بالهجوم المحتمل، فضلا عن أن تدهور العلاقات بين موسكو والعواصم الغربية بسبب الأحداث في أوكرانيا كان له تأثير على قدرة الجهات المعنية بمكافحة الإرهاب على التنسيق الفعال.

ورغم أن روسيا لا تعتبر نفسها جزءًا من الغرب، فإن العلاقات بينها والدول الغربية تمتد لفترات طويلة، ويُذكر أن روسيا كانت جزءًا من المؤتمر الدولي في فيينا عام 1815، وهذا يعكس الأبعاد التاريخية للعلاقات بينها والغرب، وقد أشار بعض الكتاب والمحللين السياسيين إلى أن تنظيم "داعش" قد استغل هذه العلاقات التاريخية في رسالته المتطرفة.

ومنذ تدخلها في الحرب الأهلية في سوريا عام 2015، حاولت روسيا بناء تأثيرها في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، ومع ذلك لم يوافق الجميع على هذا التصور، حيث يواجه النفوذ الروسي في المنطقة رفضا شديدا ومقاومة.

ورغم أن البعض يقدر موقف روسيا من الهيمنة الغربية، فإن المتشددين لديهم رؤية مختلفة مثل تنظيمات "داعش" والقاعدة وجبهة النصرة وغيرها والتي ترى روسيا بمثابة تهديد دائم لمصالحهم في المنطقة.

وفكرة أن العملية قد تكون بتدبير من أطراف روسية لتأجيج الحرب مع أوكرانيا هي تحليل محتمل، خاصةً في ظل التوترات الجارية بين البلدين، ومع ذلك، يجب أن يتم التحقق من الأدلة بشكل كامل قبل اعتبار هذه النظرية صحيحة، غير أن الرواية الرسمية في روسيا تشير إلى تورط أطراف أوكرانية في العملية الإرهابية.

ما تحليلك لما ذكرته وسائل إعلام أجنبية بشأن تحذيرات أمريكية لروسيا من هجوم وشيك استناداً إلى معلومات استخباراتية، ورغم ذلك وقع الهجوم وخلف مئات القتلى والمصابين؟

بشأن تحذير مسؤولين أمريكيين لروسيا من هجوم محتمل، وحدوث الهجوم على الرغم من التحذيرات، فإن هذا قد يعكس فشل الأجهزة الأمنية الروسية في الوقاية من الهجوم، أو قد يكون هناك تقصير في التعامل مع المعلومات الاستخباراتية الأمريكية في موسكو.

ومن المحتمل أن يؤدي الهجوم الدامي على قاعة الحفلات الموسيقية الروسية إلى زيادة وتصاعد التوترات العسكرية بين موسكو وكييف ربما يؤثر على ديناميات الصراع بينهما، كما قد تتأثر المنطقة العربية أيضًا بتبعات هذا الهجوم، خاصة إذا كانت هناك صلات مع تنظيمات متشددة في المنطقة.

برأيك كيف سيلقي هذا الهجوم الوحشي بظلاله على مسار الحرب الروسية الأوكرانية وهل للحادث تداعيات قد تصل إلى المنطقة العربية؟

الهجوم الوحشي على قاعة الحفلات الموسيقية في موسكو يمكن أن يلقي بظلاله على مسار الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة، حيث قد يزيد من التوترات بين الطرفين، ومن الممكن أيضا أن ترى روسيا الهجوم فرصة لتعزيز حملتها العسكرية ضد الطرف الأوكراني، وقد تستخدمه ذريعة لمزيد من العمليات العسكرية بما في ذلك الضربات على مراكز القرار السياسي والعسكري في العاصمة الأوكرانية كييف واستهداف القواعد العسكرية.

وتشير بعض التقارير إلى إمكانية وجود تورط للغرب في التخطيط والتنفيذ للهجوم الإرهابي الذي وقع في موسكو، وقد أشار مستشار سابق في وزارة الدفاع الأمريكية، العقيد المتقاعد دوجلاس ماكجريجور، إلى هذا الاحتمال، ويعزز ذلك أن المهاجمين كانوا يمتلكون معرفة دقيقة بتصميم المبنى وكانوا يتحركون فيه بسهولة وحرفية، ما يوحي بأنهم قاموا بدراسة مسبقة للموقع أو كانوا على دراية بجميع تفاصيله من قبل.

ووفقًا لرواية معينة، تلقى المهاجمون تعليمات بشن هجوم على المدنيين أولاً، ثم إضرام النيران في المبنى، ثم التخلص من بعض الأسلحة التي كانت بحوزتهم وارتداء ملابس مدنية، والاندماج مع الحشد للخروج بأمان بعد إحكام سيطرة الأجهزة الأمنية الروسية، كما تم ملاحظة أن المهاجمين غادروا الموقع بنفس السيارة التي وصلوا بها، وهي سيارة رينو صغيرة بيضاء اللون وتم تتبعهم بواسطتها.

كما يُشار إلى أن أحد سائقي السيارات لاحظ وجود المهاجمين عندما وصلوا إلى الموقع، وعلى الرغم من أنه في البداية اعتقد أنهم لاعبون هواة، فإنه عند سماعه دوي إطلاق النيران قام بالإبلاغ عنهم للسلطات الروسية.

ويرى بعض الخبراء أن هذه الدلائل قد تشير إلى تورط أجهزة المخابرات الغربية في التخطيط والتنفيذ للهجوم، على الرغم من عدم وجود تأكيد رسمي حتى الآن على ذلك.

أما بالنسبة للتداعيات على المنطقة العربية، فإن أي تصعيد يمكن أن يؤثر سلبًا على الاستقرار الإقليمي، وقد تزيد التوترات بين روسيا وأوكرانيا من الضغط الدولي وقد تؤدي إلى تصاعد المواجهات في المنطقة العربية أيضًا، وقد ينتج عن ذلك مزيد من التوترات الجيوسياسية وزيادة في العمليات العسكرية في المنطقة، مما يؤثر على الأمن والاستقرار الإقليمي.

وفي الحالتين إذا تورطت روسيا بشكل مباشر في الهجوم أو إذا استخدمته لتبرير تصعيد عسكري ضد أوكرانيا، فإن ذلك قد يزيد من التوترات ويجعل الوضع في المنطقة العربية أكثر تعقيدًا وخطورة، وقد يزيد من التوترات الجيوسياسية والصراعات المسلحة في المنطقة.

إذا تأكدت رواية مسؤولية تنظيم داعش عن الحادث الإرهابي بموسكو.. ماذا تتوقع بشأن مستقبل التنظيمات الإرهابية في روسيا؟

تنظيم "داعش" الإرهابي سوف يبقى تهديداً لروسيا في جميع المناطق التي توجد فيها مصالح روسية، مثل منطقة القوقاز وسوريا وغيرها، ولذلك يمكن اعتبار الإرهاب أساس المشكلة المحتملة في المستقبل بالنسبة لروسيا، وقد نشهد عمليات إرهابية جديدة من جراء تركيز موسكو على الملف الأوكراني وإهمال مكافحة التنظيمات الإرهابية المسلحة مثل داعش وغيرها.

بالتأكيد أدى تركيز روسيا على القضايا الداخلية والخارجية إلى ضعف الجهود في مكافحة الإرهاب وعدم تقديم الحماية الكافية للمواطنين والمصالح الروسية، علاوة على ذلك، قد يستغل تنظيم "داعش" الفجوات الأمنية والسياسية في البلاد لتنفيذ هجمات جديدة أو لتجنيد عناصر جديدة، وبما أن التنظيمات الإرهابية تعتمد على الفوضى والاضطرابات لتحقيق أهدافها، فإن عدم الاستقرار السياسي والأمني في بعض المناطق الروسية يمكن أن يشكل بيئة ملائمة لنشاطها وتنفيذ هجمات جديدة.

لذلك يجب على روسيا أن تتبنى استراتيجيات شاملة لمكافحة الإرهاب، تشمل تعزيز الأمن الوطني وتقديم الدعم للسلطات المحلية في المناطق المعرضة للخطر، إضافة إلى التعاون مع الدول الأخرى في مجال مكافحة الإرهاب على الصعيدين الإقليمي والدولي.

ما تقييمك لاستخدام روسيا حق الفيتو ضد مشروع القرار الأمريكي إلى مجلس الأمن بشأن الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة؟

استخدام روسيا حق الفيتو في مجلس الأمن ضد مشروع القرار الأمريكي المتعلق بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، يعكس المواقف السياسية والاستراتيجية لروسيا في المنطقة، حيث تقوم بدعم الفلسطينيين وتدعو إلى إنهاء الحصار على قطاع غزة، وتؤيد الحل السياسي للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس حل الدولتين.

ويعني استخدام حق الفيتو في هذه القضية أن روسيا لا تؤيد القرار المقترح كما قدمته الإدارة الأمريكية، وربما ترى أنه لا يلبي المعايير الدولية أو يفتقر إلى التوازن في النص، وقد ترى روسيا أيضًا أن هذا القرار قد يكون مفضلاً لإسرائيل أكثر من الفلسطينيين، أو أنه لا يعكس بشكل كافٍ موقف الأطراف المعنية.

ويثير استخدام حق الفيتو في مثل هذه القضايا انتقادات بعض الأطراف التي ترى ذلك عرقلة لجهود تحقيق السلام والعدالة في المنطقة، ومع ذلك، فإن هذا الاستخدام يعتبر حقًا مشروعًا ومنصوصًا عليه في ميثاق الأمم المتحدة، ويعكس حق الدولة في حماية مصالحها والدفاع عن مواقفها السياسية والاستراتيجية.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية