تحذيرات من كارثة بسبب درجة حرارة القطب الجنوبي
تحذيرات من كارثة بسبب درجة حرارة القطب الجنوبي
وثّق العلماء بمحطة "كونكورديا" للأبحاث في شرق القارة القطبية، أكبر قفزة في درجة الحرارة بالقطب الجنوبي، وذلك في مارس 2022، وبعد دراسات لتأثير هذه التغيرات الكبيرة، أشار باحثون إلى تداعيات خطيرة على مستوى العالم جراء هذا الأمر.
وسجلت محطة الأبحاث الفرنسية الإيطالية، خلال الأسبوع الثالث من مارس 2022، درجات حرارة غير مسبوقة وصلت إلى 40 درجة مئوية فوق معدلها الشهري.
وقال عالم الجليد بجامعة إكستر، مارتن سيغيرت: "لم يعتقد أحد أن أمرا كهذا يمكن أن يحدث أبدا. هذا حدث استثنائي مثير للقلق، وعلينا حاليا أن نتصارع مع أمر غير مسبوق" وفق صحيفة "أوبزرفر" البريطانية.
وسلطت ورقة بحثية نشرت الأسبوع الماضي بمجلة "المناخ"، الضوء على أخطار ارتفاع درجات الحرارة القياسية في القطب الجنوبي، الذي يعتبر أبرد منطقة في العالم.
وقاد فريق العلماء في تلك الأبحاث ويل هوبز من جامعة تسمانيا، حيث عملت المجموعة على دراسة التغيرات الأخيرة في الغطاء الجليدي البحري في القارة القطبية الجنوبية، وخلصت إلى أن هناك "تحولا محوريا ومفاجئا" في مناخ القارة، ربما يكون له تداعيات على النظم البيئية في القطب الجنوبي ونظام المناخ العالمي.
وقال هوبز، وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية: "الانخفاض الشديد في نسبة الجليد في القطب الجنوبي، دفع الباحثين إلى الحديث عن تحول في نظام المحيط الجنوبي، ووجدنا أدلة عديدة تدعم التحول إلى حالة جليد بحري جديدة".
وحذر باحثون من أن عواقب ذلك قد تكون "مدمرة" حال ذوبان الجليد بشكل كامل في القارة القطبية الجنوبية، مما يرفع مستويات سطح البحر في جميع أنحاء العالم بنسبة 60 مترا، وهو ما يعني أن المياه ستغمر الجزر والمناطق الساحلية التي يعيش فيها حاليا عدد كبير من سكان العالم.
لكن من غير المرجح حدوث "نهاية العالم" هذه في مراحل قريبة، بحسب التحذيرات، حيث ينتشر الغطاء الجليدي في القارة القطبية الجنوبية على نحو 14 مليون كيلومتر مربع، أي حوالي مساحة الولايات المتحدة والمكسيك مجتمعتين، ويحتوي على 30 مليون كيلومتر مكعب من الجليد.
وأشار العلماء إلى أن هذا الحجم من الغطاء الجليدي الذي يخفي سلسلة جبال يصل ارتفاعها إلى ما يعادل ارتفاع جبال الألب تقريبا، سيجعل الذوبان الكامل يستغرق وقتا طويلا جدا.
لكن الصحيفة نقلت أيضًا أن هناك خطرا حقيقيا من بعض الارتفاعات في مستوى سطح البحر في العقود القليلة المقبلة، مع استمرار تقلص الأنهار والغطاء الجليدي في غرب القارة القطبية الجنوبية، بسبب ارتفاع درجات الحرارة. إلا أنه من الصعب تقييم مدى سرعة حدوث مثل هذه الكارثة.
وأشار موقع الأمم المتحدة الرسمي، إلى أنه قبل الموجة الحارة في مارس 2022، انفصل جرف "كونغر" الجليدي في شرق القارة القطبية الجنوبية -وهو منصة عائمة بحجم روما أو مدينة نيويورك- عن القارة في 15 مارس 2022.
وعلى الرغم من صغر حجمها نسبيا وأنه من غير المرجح أن يكون لها أي أهمية عالمية، فإن انهيار الجرف الجليدي يعد "علامة تحذير أخرى"، حسب المنظمة الأممية.
كما حذرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بوقت سابق، من أنه نتيجة لذوبان الصفائح الجليدية والأنهار الجليدية، فقد زاد معدل ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي منذ بدء قياسات مقياس الارتفاع بالأقمار الصناعية عام 1993، ووصل إلى مستوى قياسي جديد في عام 2021.
ويصل سُمك الغطاء الجليدي في القطب الجنوبي إلى 4.8 كيلومتر، ويحتوي على 90 في المئة من المياه العذبة في العالم، وهو ما يكفي لرفع مستوى سطح البحر بحوالي 60 مترا في حال ذوبانه.
قضية التغيرات المناخية
شهدت الأرض مؤخرا مجموعة من الظواهر المناخية الشديدة التطرف، مثل الفيضانات وموجات الحر والجفاف الشديد وارتفاع نسبة التصحر، والأعاصير، وحرائق الغابات، كل هذا بسبب ارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية بنحو 1.1 درجة مئوية منذ بداية عصر الصناعة، ويتوقع أن تستمر درجات الحرارة في الارتفاع ما لم تعمل الحكومات على مستوى العالم من أجل خفض شديد للانبعاثات والملوثات.
وتحذر الدراسات العالمية من ظاهرة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الكوكب، لما لها من تأثير مباشر على هطول الأمطار الغزيرة والسيول والفيضانات والجفاف والأعاصير والتصحر وانتشار الأوبئة والأمراض وكذلك على الحياة البرية وحركة الهجرة والأنشطة البشرية.
وأكد خبراء في مجال البيئة خطورة حرائق الغابات والتي يترتب عليها فقدان أكبر مصنع لإنتاج الأكسجين بالعالم مقابل ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون، ما ينذر بتصاعد ظاهرة الاحتباس الحراري.
اتفاق تاريخي
وفي ديسمبر 2023، تبنت دول العالم بالتوافق أول اتفاق تاريخي بشأن المناخ يدعو إلى "التحوّل" باتجاه التخلي تدريجيا عن الوقود الأحفوري -بما يشمل الفحم والنفط والغاز- الذي يعد مسؤولاً عن الاحترار العالمي والتحول نحو مصادر الطاقة المتجددة.
وأقر النص المنبثق من مفاوضات مطولة وصل خلالها المفاوضون الليل بالنهار في إطار مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 28) الذي عقد في دبي بالإمارات، بالتوافق ومن دون أي اعتراض من بين نحو مئتي دولة حاضرة في الجلسة الختامية للمؤتمر.
ودعا النص الذي تفاوض المندوبون الإماراتيون على كل كلمة فيه، إلى "التحوّل بعيدًا عن استخدام الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة، من خلال تسريع العمل في هذا العقد الحاسم من أجل تحقيق الحياد الكربوني في عام 2050 تماشيًا مع ما يوصي به العلم".