احتجاجات الجامعات الأمريكية ترفع شعار "لا دولة فوق الانتهاكات الحقوقية"

معلوف لـ"جسور بوست": المظاهرات ستغير المجتمع الأمريكي

احتجاجات الجامعات الأمريكية ترفع شعار "لا دولة فوق الانتهاكات الحقوقية"

بخيام داخل أحرام الجامعات، امتدت الاحتجاجات الطلابية الداعمة للفلسطينيين في الولايات المتحدة الأمريكية ومنها انتقلت إلى عدد من دول العالم أبرزها فرنسا وكندا وسويسرا وأيرلندا وأستراليا والمكسيك، إضافة إلى دول عربية مثل العراق ولبنان.

بدأت الاحتجاجات في 17 أبريل الماضي، عندما أقام الطلاب المؤيدون للفلسطينيين مخيمًا مكونًا من حوالي 50 خيمة في حرم جامعة كولومبيا، أطلقوا عليه اسم مخيم التضامن مع غزة، مطالبين الجامعة بسحب علاقاتها مع إسرائيل.

وأعلن الطلاب المحتجون تضامنهم مع الشعب الفلسطيني الذي ذاق مرارة الموت منذ اندلاع الحرب قبل نحو 7 أشهر بين حركة حماس الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلية في قطاع غزة.

غير أن استخدام القوة لفض هذا المخيم في اليوم التالي عندما أذنت رئيسة الجامعة نعمت شفيق لقسم شرطة مدينة نيويورك باقتحام الحرم الجامعي وإجراء اعتقالات جماعية تجاوزت 2000 متظاهر، أدى إلى تصاعد نوبة غضب عارمة انسحبت على العديد من الجامعات الأمريكية.

ووفق مراقبين فإن هذه الاعتقالات هي الأولى من نوعها التي تسمح فيها الجامعة للشرطة بقمع الاحتجاجات الطلابية داخل الحرم الجامعي منذ مظاهرات عام 1968 ضد حرب فيتنام.

لا دولة بلا الانتهاكات

وأدانت العديد من المنظمات الحقوقية الدولية اعتقال أكثر من 2100 شخص خلال الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في أحرام الجامعات الأمريكية.

وقبل أيام، قالت إدارة شرطة نيويورك في بيان، إن ضابطا أطلق سلاحه الناري عن طريق الخطأ أثناء قيامه بتفتيش منطقة، حيث كان يحاول استخدام المصباح اليدوي المتصل ببندقيته في ذلك الوقت، وبدلاً من ذلك أطلق رصاصة واحدة أصابت إطارًا على الحائط. 

وأعلن مسؤولون في مدينة نيويورك، إن 32 من أصل 112 شخصا اعتقلوا في جامعة كولومبيا قبل أسبوع خلال حملة قمع للشرطة على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين "لم يكونوا تابعين للجامعة".

بالموازاة، ألقى عمدة المدينة إريك آدامز باللوم على ما سماهم بـ"المحرضين المجهولين" الذين تسببوا في تصعيد الاحتجاجات، وهي المزاعم التي اعترض عليها ورفضها الطلاب المحتجون.

وقال آدامز، في بيان: "لن نكون مدينة خارجة على القانون، ولن نسمح لشبابنا بالتأثر بأولئك الذين ليس لديهم هدف سوى نشر الكراهية وإحداث الخراب في مدينتنا".

واتُهم 46 شخصًا بالتعدي على ممتلكات الغير بسبب مزاعم بأنهم كانوا موجودين في مبنى إداري يشغله المتظاهرون، وتم إطلاق سراحهم جميعاً، بينما يقوم مكتب المدعي العام لمنطقة مانهاتن بالتحقيق، نفى محامو بعض هؤلاء المتظاهرين وجودهم في المبنى من الأساس.

وتم القبض على 170 شخصًا آخرين في كلية مدينة نيويورك، وقالت الشرطة إن 102 من هؤلاء الأشخاص لا ينتمون إلى الكلية، وقال المحامون إنهم نشطاء تجمعوا في الشوارع العامة خارج البوابة الرئيسية للمدرسة لتقديم الدعم لمخيم للطلاب المحتجين.

وفي غضون ذلك، أشارت منظمات أمريكية ودولية إلى وقوع تجاوزات وانتهاكات ضد المحتجين في الجامعات الأمريكية، إذ نددت منظمة هيومن رايتس ووتش واتحاد الحريات المدنية الأمريكي باعتقال المتظاهرين وحثا السلطات على احترام حقوقهم في حرية التعبير.

وأعلنت منظمة "فلسطين القانونية" أنها قدمت شكوى اتحادية متعلقة بالحقوق المدنية ضد جامعة كولومبيا عقب اعتقال عشرات المحتجين المناهضين للحرب على غزة بعد أن استدعت الجامعة الشرطة لفض اعتصام.

وأعرب مشرعون أمريكيون عن قلقهم البالغ إزاء تقارير عن استخدام الشرطة قوة مفرطة في حرم جامعة إيموري، وقالوا إن استخدام الشرطة أساليب مكافحة شغب متطرفة يعد تصعيدا خطيرا.

يأتي ذلك في حين تحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن وساسة ديمقراطيون وجمهوريون عن ممارسات "معادية للسامية" خلال الاحتجاجات الطلابية، ونفى ناشطون أن تكون المظاهرات معادية لليهود، مؤكدين أن هدفها هو الضغط على الجامعات حتى تسحب استثماراتها من الشركات التي تساهم في العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.

دلالات الاحتجاج الطلابي

بدوره، قال السفير اللبناني مسعود معلوف، الخبير في الشؤون العربية الأمريكية، إن التحركات الطلابية الحاشدة التي شهدتها الولايات المتحدة في غاية الأهمية لعدة أسباب، أبرزها أنها تضم نخبة الجامعات الأمريكية، والتي تضم بدورها النخب الطلابية في العديد من الولايات، وهي النخب التي ستتولى قيادة البلاد مستقبلا من مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والمالية وغيرها.

ودلل معلوف على سلامة رؤيته في أهمية المظاهرات الطلابية الأمريكية بأن 3 رؤساء سابقين للولايات المتحدة كانوا من خريجي جامعة كولومبيا على وجه التحديد، وهم باراك أوباما، وتيودور روزفلت، وفرانكلين روزفلت، إضافة إلى 5 من مؤسسي الولايات المتحدة، وعشرات من رؤساء الدول وقادة الحكومات في العالم، وآلاف من الشخصيات العالمية في مجالات متعددة.

وقال السفير مسعود معلوف، في تصريح خاص لـ"جسور بوست"، إن حيثية توقيت اندلاع الاحتجاجات الجامعية لها دلالة مهمة، حيث جرت في نهاية العام الدراسي، وبالتالي يتعرض الطلاب المشاركون فيها إلى خسارة حصاد عامهم الجامعي، والدليل على ذلك أن بعض الجامعات مثل كولومبيا أعلنت إلغاء حفلات التخرج، ما يشير إلى عقيدة الطلاب القوية في أهمية تحركاتهم لتحقيق مصلحة القضية الفلسطينية وإنقاذ الأطفال الفلسطينيين من الموت المحتوم.

وأضاف “معلوف”: "أعتقد أن تأثير التحركات الطلابية لن يؤدي إلى اختلاف فارق في موقف أو رأي الإدارة الأمريكية من ممارسات الإسرائيلية الوحشية في المستقبل القريب، لكنها ستكون بمثابة بذور الوعي التي سيظهر حصادها مستقبلا في المجتمع الأمريكي، بحيث تكون إرهاصات لتحركات شعبية أكبر وأكثر تأثيرًا وقادرة على الضغط على الإدارة الأمريكية لتغيير سياساتها الداعمة للجانب الإسرائيلي لوقف تلك المذابح والمجازر الهمجية والوحشية على النساء والأطفال في قطاع غزة".

ومضى قائلا: "الأمر ليس بهذه السهولة، حيث إننا نقف أمام عام انتخابي في الولايات المتحدة، والمرشحون سواء للرئاسة أو الكونجرس يخضعون كثيرا لحسابات وانحيازات "اللوبيهات" اليهودية التي تدعم وتمول حملات من يؤيدون إسرائيل بشكل عام".

وأوضح أن الرئيس الحالي جو بايدن يواجه موقفًا صعبًا للغاية، فمن ناحية يحاول إرضاء "اللوبيهات" الإسرائيلية القادرة على دعمه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ومن جهة أخرى يحاول إرضاء المجموعات العربية في الولايات المتحدة، والتي ساهمت في بعض الولايات عام 2020 في وصول بايدن إلى البيت الأبيض".

واختتم السفير مسعود معلوف حديثه قائلا: "سنرى خلال الأشهر القليلة المقبلة إذا كان بايدن سيتخذ القرارات المناسبة أم سينحاز لإرضاء أحد الفريقين على حساب تقديم الفريق الآخر قربانا للانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستجري في 5 نوفمبر المقبل".

مقاربة احتجاج الستينيات

ورغم اتساع نطاقها وقوة تأثيرها، قال روبرت كوهن، أستاذ العلوم الاجتماعية والتاريخ في جامعة نيويورك، إن حركة الاعتصامات في الجامعات التي بدأت بجامعة كولومبيا لم تصل لحجم تحركات الشارع في الستينيات من القرن الماضي ضد حرب فيتنام، أو الثمانينيات ضد الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، لكنها تعد الأكبر داخل أحرام الجامعات الأمريكية في القرن الواحد والعشرين.

وأضاف كوهن، في مقال نشر على موقع "vox" الأمريكي، أن الفرق الرئيسي بين التعامل الأمني مع الحركات الاحتجاجية في الستينيات وما يحدث الآن هو سرعة القمع والتهديد بطرد بعض الطلاب بعد القبض عليهم.

وأوضح أن النموذج الأكثر فجاجة ظهر في جامعة تكساس الأمريكية، حيث جرى الهجوم على الطلاب المحتجين بقوات خيالة وضرب بقنابل غاز مسيل للدموع، كما تم القبض على 57 طالبا باتهامات تم إسقاطها لاحقا.

وبدأت المعارضة تجتاح الولايات المتحدة بمظاهرات طلابية حاشدة عام 1964 احتجاجا على الدور المتصاعد للجيش الأمريكي في حرب فيتنام، وتصاعدت لاحقا لتصبح حركة اجتماعية واسعة بلغت ذروتها في عام 1970 عندما أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيكسون، توسيع نطاق الحرب لتشمل كمبوديا، حيث جندت الولايات المتحدة ما يقرب من 1.8 مليون شاب، ولقي ما يقرب من 30 ألفاً حتفهم.

ووفق تلك المعطيات، أوضح أنجس جونستون، الأستاذ بجامعة نيويورك والمتخصص في دراسة التظاهرات الطلابية، أن مظاهرات الستينيات من القرن الماضي كانت أكبر من حيث التحركات الشعبية خارج أحرام الجامعات.

ودلل جونستون على رأيه بعبارة: "حادث مقتل 4 أشخاص وإصابة 9 آخرين في ولاية كينت الأمريكية في عام 1970 يعتبر مستوى عنف مرتفعا لم تصل إليه الصدمات التي تحدث اليوم في الجامعات الأمريكية دعما وتضامنا مع القضية الفلسطينية".

بدوره قال ديفيد فاربر، أستاذ التاريخ بجامعة كانساس الأمريكية إن "الجديد في الأحداث الحالية هو أن الطلاب خارج إطار الحراك اليوم يستطيعون التعبير عن مخاوفهم على أمانهم الشخصي بسهولة عكس حقبة الستينيات التي شهدت عدم إتاحة للتعبير عن المخاوف بخصوص الأمان الشخصي".

الأقرب للثمانينيات

وبعبارة "الحراك الطلابيّ اليوم أقرب لحراك الثمانينيات منه إلى حراك حرب فيتنام" أشارت الصحفية الأمريكية نيكول ناريا إلى التشابه في المطالب الحالية مع الاحتجاجات التي جرت في عام 1986 من قبل 155 جامعة أمريكية، والتي أدت آنذاك إلى صدور سياسة حكومية أمريكية ضد نظام الفصل العنصري بجنوب إفريقيا سميت آنذاك بـ"سحب الاستثمارات"، إلى جانب انخفاض سن التصويت في الانتخابات إلى 18 عاما، والذي سمح بمزيد من التسييس والتنظيم داخل الجامعات الأمريكية.

وقالت ناريا، في مقال نشرته على موقع فوكس، إن الفارق الرئيسي بين مقاطعة وسحب استثمارات النظام العنصري بجنوب إفريقيا والآن هو أن إسرائيل أكثر قوة وأهمية للاقتصاد والسياسة الأمريكية، فلا توجد بدائل سهلة ومتاحة للتكنولوجيا الرقمية والأجهزة الطبية المستوردة من إسرائيل على سبيل المثال.

وتواجه إدارات الجامعات الأمريكية ضغوطا من سياسيين ومانحين، حيث تلقت تهديدات بوقف التبرعات المالية بسبب ما وصفوه بـ"التعامل الخشن" مع المظاهرات الطلابية.

ويقول مراقبون وخبراء إن هناك عنصرا محافظا في المجتمع الأمريكي يرفض تسييس الجامعات سواء في الستينيات أو الآن، لكنه في المقابل لا يرضى عن فتح المجال لقمع الحركات الطلابية، لا سيما وأن هذا القمع السلطوي لن يؤدي إلى اختفائه بل سيؤدي إلى تحوله إلى أكثر راديكالية.

ويرى محللون مثل جيميس زغبي أن الرئيس الأمريكي جو بايدن معرض لخسارة ظهيره الشعبي بين الأقليات والنشطاء الحقوقيين، مرجحًا احتمال أن تصوت هذه المجموعات لحزب ثالث بخلاف الجمهوريين والديمقراطيين أو تمتنع عن التصويت احتجاجا على سياسات الولايات المتحدة في الحرب على قطاع غزة.



ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية