"فايننشيال تايمز": هل يستطيع الاقتصاد الأوروبي منافسة الولايات المتحدة؟

"فايننشيال تايمز": هل يستطيع الاقتصاد الأوروبي منافسة الولايات المتحدة؟

يعتقد المدير التنفيذي لشركة سيمنز الألمانية، كلاوس رومانوفسكي، أن أولئك الذين يزعمون أن الاقتصاد الأوروبي يتخلف عن الركب التكنولوجي هم بعيدون عن الواقع.

وفي حديثه لصحيفة "فايننشيال تايمز"، يقول "رومانوفسكي"، إن برنامج الدردشة الآلي الذي طورته "سيمنز" سيسمح لعمال المصانع بالتحدث إلى الروبوتات والآلات دون الحاجة إلى معرفة أي كود، وهو ما يسهل حل المشكلات، ويجني مكاسب هائلة في الإنتاجية.

وإذا قامت المزيد من الشركات الأوروبية بتسخير الذكاء الاصطناعي بهذه الطريقة، فقد يساعد ذلك في معالجة بعض المشاكل العميقة في اقتصاد المنطقة، والتي تتخلف عن النمو المتسارع في الولايات المتحدة، ولكن لا تزال أوروبا متخلفة بشدة في مجال ابتكار وتبني الذكاء الاصطناعي، على سبيل المثال، احتاجت "سيمنز" إلى التعاون مع "مايكروسوفت" الأمريكية لتطوير برنامج الدردشة الآلي الخاص بها.

وكان الأداء الاقتصادي الضعيف في أوروبا يثير قلق صناع السياسات لفترة طويلة، لكنها صعدت إلى قمة جدول أعمالهم الآن بعد أن أصبحت فجوة النمو مع الولايات المتحدة أكثر اتساعا في أعقاب الصدمات المزدوجة المتمثلة في جائحة فيروس كورونا وحرب روسيا في أوكرانيا.

وحذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الشهر الماضي من أن أوروبا تواجه تهديدا "مميتا" من التدهور الاقتصادي وتزايد النزعة المعادية لليبرالية والحرب على حدودها الشرقية.

الناتج المحلي الإجمالي

أثبت الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة أنه أكثر مرونة في مواجهة هذه الصدمات وانتعش منها بشكل أسرع، حيث ارتفع بنسبة 8.7% فوق مستويات ما قبل الوباء بحلول الربع الأول من هذا العام، وهذا أكثر من ضعف الزيادة البالغة 3.4% في الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو.

السياسة النقدية

مع توقع بقاء النمو والتضخم أقوى في الولايات المتحدة مقارنة بأوروبا، يتوقع المستثمرون أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة هذا العام مرات أقل من تلك التي يخفضها البنك المركزي الأوروبي أو بنك إنجلترا.

تكاليف الطاقة

الجمع بين تكاليف الطاقة الأوروبية المرتفعة، والتي أصبحت الآن أعلى كثيراً من مثيلاتها في الولايات المتحدة، والإعانات الجذابة التي تقدمها واشنطن لمشاريع الطاقة الخضراء وأشباه الموصلات التي يتم بناؤها في البلاد، يغري أعداداً كبيرة من الشركات الأوروبية لتحويل أنشطتها إلى هناك.

وطلب الاتحاد الأوروبي من رئيس الوزراء الإيطالي السابق والرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، ماريو دراجي، التوصل إلى سبل لتعزيز القدرة التنافسية للكتلة، ومن المتوقع أن يوصي بتكامل أعمق لأسواق رأس المال في الاتحاد الأوروبي وزيادة التمويل المركزي للدفاع وغيره من المجالات من بروكسل، محذرا مؤخرا من أنه "بدون إجراءات سياسية مصممة ومنسقة بشكل استراتيجي، فمن المنطقي أن بعض صناعاتنا سوف تغلق القدرة أو الانتقال خارج الاتحاد الأوروبي".

ويقول رئيس صندوق النفط النرويجي، نيكولاي تانغن وهو أحد أكبر المستثمرين في العالم، إن من "المثير للقلق" مدى جدية الشركات والعمال الأمريكيين في العمل الجاد والطموح والخفة في التنظيم مقارنة بنظرائهم في أوروبا.

الشيخوخة السكانية

يبحث صناع السياسات الأوروبيون عن سبل لضخ الديناميكية في اقتصاداتهم، في مواجهة الشيخوخة السكانية وندرة الشركات الرائدة في مجالات التكنولوجيا الأسرع نموا.

كان الاقتصاد الأوروبي في ارتفاع في أوائل التسعينيات، متمتعاً بدعم من تعميق السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي قبل توسيعها شرقاً في أعقاب نهاية الحرب الباردة.

ولكن منذ ذلك الحين، فقدت اقتصادات البلدان الـ27 التي يتألف منها الاتحاد الأوروبي اليوم بشكل مطرد الأرض لصالح الولايات المتحدة، حيث تعرضت لسلسلة من النكسات، وخاصة أزمة الديون في منطقة اليورو قبل عقد من الزمن، وفي الآونة الأخيرة، ألحقت جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية في أوكرانيا أضرارا اقتصادية بأوروبا أكبر من تلك التي ألحقتها بالولايات المتحدة.

متوسط دخل الفرد

انخفض متوسط مستويات دخل الفرد من حيث تعادل القوة الشرائية في أوروبا إلى نحو الثلث وهو أقل من نظيره في الولايات المتحدة، وفقاً لصندوق النقد الدولي، علاوة على ذلك، تجاوز نصيب الفرد من الدخل في الولايات المتحدة جميع الاقتصادات المتقدمة الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، ويتوقع الصندوق أن تتسع هذه الفجوة بشكل أكبر خلال الفترة المتبقية من هذا العقد.

تقول الخبيرة الاقتصادية في شركة التأمين الألمانية أليانز، آنا بواتا: "هناك آثار سلبية على الثروة في أوروبا، إذا كنت لا تتوقع الحصول على المزيد من أنظمة الرعاية الاجتماعية أو معاشات التقاعد، فمن المرجح أن تدخر أكثر وتنفق أقل".

في منطقة اليورو، لا يزال الناس يدخرون أكثر من 14% مما يكسبونه، وهو أعلى بكثير من المتوسط التاريخي، لكن المستهلكين في الولايات المتحدة أنفقوا تقريبا كل الأموال الإضافية التي ادخروها خلال الوباء، مما أدى إلى خفض مدخراتهم إلى أقل من 5% من دخلهم.

العمالة

ويختار الناس في أوروبا أيضًا العمل بشكل أقل، وهو ما يؤكده عمال القطارات الألمان الذين نجحوا في الضغط من أجل تقليص أسبوع عملهم من 38 إلى 35 ساعة بحلول عام 2029، ويطالب عمال الصلب بالحصول على أجور أعلى مقابل العمل فقط 32 ساعة في الأسبوع.

قدر البنك المركزي الأوروبي أنه في نهاية العام الماضي، عمل الموظف العادي في منطقة اليورو أقل بخمس ساعات مما كان عليه قبل ظهور الوباء في عام 2020 -وهو ما يعادل خسارة مليوني عامل بدوام كامل سنويًا- في حين أن متوسط ساعات العمل في الولايات المتحدة ظل مستقرا.

يوجد حاليًا في الاتحاد الأوروبي 3 أفراد في سن العمل مقابل كل شخص يبلغ من العمر 65 عامًا أو أكثر، ولكن بحلول عام 2050، من المتوقع أن تكون النسبة أقل من شخصين في سن العمل لكل شخص كبير السن، سوف يتقدم سكان الولايات المتحدة في السن بشكل أقل.

وتسعى العديد من دول الاتحاد الأوروبي إلى إبقاء العمال الأكبر سنا في القوى العاملة لفترة أطول، أو تعزيز مشاركة الإناث في القوى العاملة، ولكن المجتمعات التي تعاني من الشيخوخة السكانية تعني أن الاتجاهات الديموغرافية من غير المرجح أن تساهم إلا قليلاً في النمو في الأمد المتوسط، الأمر الذي يجعل أوروبا أكثر اعتماداً على تحسين الإنتاجية.

نمو الاستثمار

يقول المستشار الاقتصادي في بنك يوني كريديت الإيطالي، إريك نيلسن، إن الاستثمار في الولايات المتحدة زاد بأكثر من 8% منذ نهاية عام 2019 وكان لا يزال ينمو بقوة في بداية هذا العام، في حين ظل "ضعيفًا للغاية" في منطقة اليورو عند مستوى 4% أقل من مستويات ما قبل كوفيد.

يقول الشريك في معهد ماكينزي العالمي، جان ميشكي، إن فجوة الاستثمار صارخة بشكل خاص في مجال تكنولوجيا المعلومات، حيث بلغ الإنفاق على البحث والتطوير لما يسمى بالشركات السبع الرائعة (ألفابيت، وأمازون، وأبل، وميتا، ومايكروسوفت، ونفيديا، وتسلا) أكثر من 200 مليار دولار في العام الماضي، أي حوالي نصف إجمالي الإنفاق المعادل في أوروبا في جميع القطاعات الخاصة والعامة.

ويقول "ميشكي" إن أوروبا تعمل على بناء وتحسين نموذج "للتميز الصناعي"، لكن العالم يتغير الآن، هناك اضطراب تكنولوجي هائل يحدث حيث لا يمكن للنهج التدريجي أن يقطعه.

رأس المال الاستثماري

في العام الماضي، بلغت استثمارات رأس المال الاستثماري في الشركات الأمريكية 3 أضعاف ما حققته تلك الموجودة في أوروبا، وفقًا لأبحاث شركة KPMG. كما جمعت صناديق رأس المال الاستثماري في الولايات المتحدة ما يقرب من 5 أضعاف ما جمعته في أوروبا على مدى السنوات الثلاث الماضية.

وتمثل المكاسب المحتملة من الذكاء الاصطناعي ـمثل ما تفعله سيمنز ـ محركا رئيسيا وفرصة كبيرة لأوروبا، يقول رئيس مايكروسوفت لأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، رالف هاوبتر: "إنها تتمتع بالقوة الاقتصادية اللازمة لمعالجة بعض أصعب مشاكلها"، ويقدر أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يزيد إنتاجية المبرمجين بنسبة 40-45% والعاملين في المكاتب بنسبة 20-25%.

وأظهر اقتصاد منطقة اليورو علامات أولية على الانتعاش من الركود الأخير مع نمو ربع سنوي بنسبة 0.3% في بداية هذا العام، ونما اقتصاد المملكة المتحدة بمعدل ربع سنوي أسرع بلغ 0.6%، متجاوزاً النمو الأمريكي البالغ 0.4% خلال تلك الفترة، ويعتقد بعض صناع السياسات أن العديد من مشاكل المنطقة يمكن حلها إذا قللت السلبية بشأن المستقبل.

يقول شنابل: "هناك خطر من أن يصبح الهلاك والكآبة محققين لذاتهما"، وأضاف: "نظراً للصدمات الضخمة التي تعرضنا لها في أوروبا، فإن الأداء الاقتصادي لم يكن سيئاً كما كان يخشى الكثيرون، لذا يجب علينا أن نتوقف عن التقليل من شأن أنفسنا".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية