المناطق الآمنة في سوريا.. حلم يراود اللاجئين أم فخ يحاصرهم؟

المناطق الآمنة في سوريا.. حلم يراود اللاجئين أم فخ يحاصرهم؟

 

في خضم عاصفة من الدمار والألم التي تخيم على سوريا منذ أكثر من عقد تُطرح فكرة مثيرة للجدل وهي "المناطق الآمنة".

أعلنت قبرص إلى جانب ثماني دول أوروبية أخرى على الأقل دعمها إنشاء هذه المناطق في أجزاء من سوريا آملة  عودة اللاجئين الذين هربوا من جحيم الحرب، لكن هل تشكل هذه المناطق ملاذا آمنا حقيقيا للاجئين؟ أم فخا جديدا يعقد رحلة عودتهم ويهدد سلامتهم؟

المناطق الآمنة هي مناطق يتم تحديدها داخل الأراضي السورية بهدف توفير ملاذ آمن للمدنيين الفارين من النزاع، يتم الإعلان عنها بهدف توفير الحماية والإغاثة الإنسانية، لكنها تتطلب مراقبة دولية صارمة لضمان تنفيذها بشكل فعال. 

ويحذر العديد من الخبراء والنشطاء من خطورة العودة القسرية للاجئين إلى مناطق لا تزال غير مستقرة وتفتقر إلى أبسط الخدمات الأساسية، فما الضمانات التي تقدمها الدول الأوروبية لسلامة اللاجئين في هذه المناطق؟ من سيحميهم من مخاطر العنف والاضطهاد؟ وهل ستحترم حقوقهم الأساسية أم ستصبح هذه المناطق سجونا مفتوحة يحشر فيها اللاجئون دون أي خيار؟

تتجسد المخاوف الرئيسية في عدم استقرار المناطق الآمنة المقترحة وافتقارها للخدمات الأساسية، وتتساءل المنظمات الحقوقية عن الضمانات التي ستقدمها الدول الأوروبية لسلامة اللاجئين في هذه المناطق ومن سيحميهم من مخاطر العنف والاضطهاد.

يذكر أن هناك أكثر من 6.8 مليون لاجئ سوري في الدول المجاورة، وأكثر من 13.5 مليون نازح داخل سوريا، ويعيش أكثر من 80% من اللاجئين السوريين في فقر مدقع كما يعاني أكثر من نصف مليون طفل سوري من سوء التغذية الحاد، وأكثر من ملايين شخص نزحوا من منازلهم. 

ولا شك أن عودة اللاجئين إلى بلادهم حلم يراودهم جميعا فهم يحنون إلى عائلاتهم وبيوتهم وذكرياتهم، لكن هذا الحلم لا يجب أن يبنى على وهم أو على حساب سلامتهم وكرامتهم.

ومنذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، تسببت الصراعات المسلحة في نزوح ملايين الأشخاص داخليًا وخارجيًا، أودت الحرب بحياة مئات الآلاف وتركت البلاد في حالة دمار شامل، يعيش ملايين السوريين في مخيمات اللاجئين في الدول المجاورة مثل تركيا ولبنان والأردن، حيث يعانون من ظروف معيشية صعبة للغاية.

تحالف أوروبي يدعو لإعادة تقييم سياسة اللجوء تجاه سوريا 

في مؤتمر ضم إلى جانب قبرص كلًا من النمسا وجمهورية التشيك والدنمارك واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا، دعت الدول الثماني إلى "طرق جديدة" للتعامل مع المهاجرين غير الشرعيين. 

يأتي هذا كجزء من مجموعة أوسع تضم 15 دولة عضو تسعى لتنفيذ إصلاح شامل لسياسة اللجوء في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك إرسال بعض المهاجرين إلى دول ثالثة. 

ونبه وزير الداخلية القبرصي، كونستانتينوس يوانو، إلى ضرورة إعادة تقييم الظروف الأمنية في سوريا بعد 13 عامًا من الصراع، مؤكدًا أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يعيد تحديد موقفه تجاه سوريا، وأضاف يوانو أنه رغم عدم استعادة الاستقرار بشكل كامل في سوريا، يجب تسريع العمليات لاتخاذ جميع التدابير اللازمة لتهيئة الظروف التي تسمح بعودة الأفراد إلى بلادهم. 

وتواجه قبرص تدفقًا متزايدًا للمهاجرين السوريين من لبنان بشكل غير نظامي، نتيجة تصعيد بين حزب الله وإسرائيل أدى إلى ضعف جهود لبنان في مراقبة مياهه الإقليمية ومنع مغادرة قوارب المهاجرين. وردًا على ذلك، قامت الحكومة القبرصية بتعزيز الدوريات البحرية وعلقت معالجة طلبات اللجوء للسوريين، مما حرم الوافدين من الحصول على المزايا. 

ودعا الوزير القبرصي إلى تقديم المزيد من الدعم المالي للبنان، محذرًا من أن انهيار لبنان ستترتب عليه عواقب لا تُحصى على الاتحاد الأوروبي بأكمله. في الوقت نفسه، يواجه لبنان تحديًا كبيرًا باستضافته حوالي مليوني لاجئ سوري، مما يجعله أكبر مضيف للاجئين في العالم بالنسبة لعدد السكان، وهو في حاجة ماسة إلى مساعدة من الدول المانحة.

ما الوضع الحقوقي الأمثل للاجئين؟ 

بدورها، علّقت الحقوقية والأكاديمية السورية الدكتورة ترتيل درويش بقولها، يجب أن تقدم الدول الأوروبية ضمانات ملموسة لسلامة اللاجئين قبل عودتهم من خلال نشر قوات دولية لحفظ السلام وإعادة بناء البنى التحتية الأساسية وتوفير الأمن والاستقرار، كما يجب أن تكون عودة اللاجئين طوعية تماما وذلك بعد تقييم دقيق للوضع في المناطق المقترحة وإتاحة الفرصة لهم لاختيار أماكن إقامتهم بحرية، كما يجب أن تحترم حقوق اللاجئين الأساسية بشكل كامل بما في ذلك الحق في الحياة والحرية والأمان والحق في العمل والتعليم والسكن، أيضًا توفر الدول الأوروبية فرصا مناسبة للعيش الكريم للاجئين العائدين من خلال توفير فرص العمل والتعليم والخدمات الصحية والمسكن الملائم.

وتابعت في تصريحات لـ"جسور بوست": إن مسألة عودة اللاجئين إلى سوريا معقدة للغاية وتتطلب حلولا شاملة تراعي جميع جوانبها، فلا يجب أن تستخدم "المناطق الآمنة" كذريعة للتخلص من عبء اللجوء على الدول الأوروبية بل يجب أن تشكل خطوة حقيقية نحو إعادة بناء السلام في سوريا وخلق بيئة آمنة ومستقرة لعودة اللاجئين بكرامة وحقوق كاملة.

Tarteel Darwish - Associate Professor in Penal Law - Beirut Arab University  | LinkedIn

الدكتورة ترتيل درويش

تحديات الترحيل في إطار القانون الدولي

وبدوره علّق الخبير القانوني مصطفى السعداوي بقوله: مع ازدياد تدفق اللاجئين إلى أوروبا ودول الجوار، برزت تحديات قانونية وإنسانية تتعلق بترحيل هؤلاء اللاجئين وإعادتهم إلى مناطقهم الأصلية، ومؤخرًا، دعت بعض الدول الأوروبية إلى إعادة تقييم سياسة اللجوء تجاه سوريا، مما أثار جدلًا واسعًا حول مدى قانونية وإنسانية هذه الإجراءات في إطار القانون الدولي، ووفقًا لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، يُعرف اللاجئ بأنه شخص يوجد خارج بلد جنسيته بسبب خوف مبرر من التعرض للاضطهاد لأسباب تتعلق بالعرق، الدين، الجنسية، الانتماء إلى مجموعة اجتماعية معينة أو الرأي السياسي، هذه الاتفاقية، إلى جانب بروتوكولها لعام 1967، تُلزم الدول الأطراف بعدم ترحيل اللاجئين إلى بلدان يمكن أن يتعرضوا فيها للاضطهاد "مبدأ عدم الإعادة القسرية". 

وتابع في تصريحات لـ"جسور بوست": ترحيل اللاجئين السوريين من قبل الدول الأوروبية يواجه عدة تحديات قانونية، منها مبدأ عدم الإعادة القسرية، ويُعد هذا المبدأ حجر الزاوية في حماية اللاجئين بموجب هذا المبدأ، فلا يجوز لأي دولة طرف في اتفاقية اللاجئين إعادة أي لاجئ إلى حدود الأقاليم التي تتعرض فيها حياته أو حريته للتهديد بسبب الأسباب المذكورة في تعريف اللاجئ، أيضًا الوضع الأمني في سوريا، فعلى الرغم من الدعوات الأوروبية لإعادة تقييم الظروف الأمنية في سوريا، تُجمع المنظمات الحقوقية والدولية على أن الوضع في سوريا ما زال غير مستقر ويشكل خطرًا على العائدين. 

وتابع: يمنع ذلك أيضًا الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقال التعسفي، والتعذيب، والقتل، إذ تجعل من عودة اللاجئين إلى سوريا أمرًا غير آمن، ويعتبر ترحيل اللاجئين إلى مناطق غير آمنة انتهاكًا لحقوق الإنسان المكفولة بموجب القانون الدولي، فحقوق الإنسان تشمل الحق في الحياة، والحق في الحرية والأمن الشخصي، والحق في عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة غير الإنسانية أو المهينة.

Dr-Moustafa Saadawi - استاذ القانون الجنائي - كلية الحقوق جامعة المنيا |  LinkedIn

 مصطفى السعداوي

أبعاد إنسانية واجتماعية خطيرة لترحيل اللاجئين

وعلّق أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر الدكتور طه أبو حسين بقوله: إن ترحيل اللاجئين السوريين لا يشكل فقط تحديًا قانونيًا، بل يمتد ليشمل أبعادًا إنسانية واجتماعية، منها الخطر على الحياة، فالعودة إلى سوريا تعني بالنسبة للكثيرين العودة إلى مناطق النزاع أو مناطق يسيطر عليها نظام يُتهم بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وكثير من المناطق في سوريا تفتقر إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية، والتعليم، والإسكان، فإعادة اللاجئين إلى هذه المناطق قد يعرضهم لمزيد من البؤس والمعاناة.

وأضاف في تصريحات لـ"جسور بوست": الترحيل القسري يمكن أن يتسبب في صدمات نفسية عميقة، خاصة للأطفال الذين نشؤوا في بيئات آمنة نسبيًا في دول اللجوء، وهنا يجب على المنظمات الدولية التدخل ومنع ذلك، وهناك بالفعل عدة منظمات دولية، منها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة العفو الدولية، عبّرت عن قلقها إزاء محاولات ترحيل اللاجئين السوريين، هذه المنظمات تؤكد أن الظروف في سوريا لا تضمن عودة آمنة وكريمة للاجئين، وتدعو إلى ضرورة احترام التزامات الدول بموجب القانون الدولي لحماية اللاجئين وحقوق الإنسان. 

وأتم: ترحيل اللاجئين السوريين من أوروبا إلى سوريا يثير جدلًا كبيرًا بين الاعتبارات القانونية والإنسانية، إذ تظل عودة اللاجئين إلى ديارهم غير آمنة وتعرضهم لمخاطر جسيمة، وعلى الدول الأوروبية أن تلتزم بتعهداتها الدولية وتبحث عن حلول بديلة توفر للاجئين الحماية اللازمة وتضمن حقوقهم الأساسية.

الدكتور طه أبو حسين 

مشكلات في المناطق المقترحة

وبدورها، قالت الحقوقية عزة سليمان، إن العودة القسرية تنتهك المبادئ الدولية لحقوق الإنسان التي تنص على أن العودة يجب أن تكون طوعية وآمنة وكريمة، بينما الحكومة السورية والجهات الفاعلة الأخرى تمارس رقابة صارمة على وسائل الإعلام وتقيد حرية التعبير والتجمع، كما يجب أن تضمن أي خطة لإنشاء مناطق آمنة حماية هذه الحقوق الأساسية.

وتابعت في تصريحات لـ"جسور بوست": شهدت الحرب تمييزًا عرقيًا ودينيًا ضد الأقليات، ويجب أن تكون المناطق الآمنة ملاذًا للجميع بغض النظر عن خلفيتهم العرقية أو الدينية، ويتطلب إنشاء مناطق آمنة وجود قوات حفظ سلام دولية فعالة قادرة على حماية المدنيين ومنع الهجمات، ومن الأهمية بمكان تقديم المجتمع الدولي المساعدات الإنسانية بشكل مستمر لضمان توفر الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية، وأن تلتزم جميع الأطراف بحماية حقوق الإنسان وضمان حرية التعبير والتجمع داخل المناطق الآمنة. 

عزة سليمان

واستطردت: يتطلب الوضع في سوريا جهودًا ضخمة لإعادة الإعمار تشمل البنية التحتية الأساسية مثل المدارس والمستشفيات والمساكن، فمسألة إنشاء المناطق الآمنة في سوريا تحمل في طياتها تحديات هائلة وفرصًا كبيرة، ويجب أن تكون هذه المناطق جزءًا من حل شامل للأزمة السورية يشمل إعادة بناء البلاد وضمان حقوق جميع مواطنيها، ولا يمكن أن تكون هذه المناطق مجرد وسيلة لتخفيف عبء اللجوء عن الدول المضيفة، بل يجب أن تُشكل خطوة حقيقية نحو تحقيق السلام والاستقرار في سوريا وضمان عودة اللاجئين بكرامة وأمان.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية