معتز عزايزة.. "هيرو فلسطين" الذي نقل معاناة الحرب بالصوت والصورة (بروفايل)

معتز عزايزة.. "هيرو فلسطين" الذي نقل معاناة الحرب بالصوت والصورة (بروفايل)

بكاميرا صغيرة لم تفارق كفيه استطاع الشاب الفلسطيني معتز عزايزة، أن يُبكي العالم بنقل صرخات ودموع ضحايا العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة.

وعلى مدى أشهر النيران والدماء، بات عزايزة أيقونية فلسطينية تلقب بـ"سوبر هيرو" عبر  منصات التواصل الاجتماعي في العالم، إذ لم تخلُ صفحات وسائل الإعلام يوما من صور التقطها الشاب وسط الأنقاض.

ومعتز عزايزة (25 عاما) هو صحفي ومصور فلسطيني تحمل ملامحه مسحة من الحزن وأطناناً من التحدي، مرتديا سترة صحفية زرقاء تعاهد معها على كشف جرائم الحرب الإسرائيلية ومعاناة الفلسطينيين.

تكريم مستحق

وينتظر عزايزة تكريما فرنسيا مرتقبا حيث نال جائزة "الحرية" لهذا العام تخليدا لدوره البارز في فضح العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والذي امتد منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى الآن.

وحصل الشاب الفلسطيني على تكريم آخر في أبريل الماضي من مجلة تايم الأمريكية ضمن الـ100 المؤثرين بالعالم، خلال رحلته بالغرب للتعريف بقضية بلاده، بعد أن نجا من حرب أنهت حياة أكثر من 100 من زملائه الصحفيين بالقطاع المنكوب.

ولا تزال عبارة "يا رب احمينا" التي أطلقها عزايزة باكيا في إحدى فيديوهاته، وهو محاصر بقطرات الأمطار الغزيرة وأصوات الحرب الصاخبة، هي العلامة البارزة في مسيرة الصحفي الفلسطيني الذي استطاع أن يبكي العالم.

كلمات عزايزة، ابن دير البلح بقطاع غزة، مثل صوره المؤلمة تحمل جزءا من معاناته الشخصية، إذ فقد الشاب 15 شخصا من عائلته جراء قصف إسرائيلي، ضمن الخسارة العظمى لشعبه الذي فقد أكثر من 115 ألفا بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، ونحو 10 آلاف مفقود، إضافة إلى مجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.

وبعد 3 أسابيع من الحرب، رفعت صور وتسجيلات وفيديوهات عزايزة عدد متابعي حسابه الموثق بمنصة "إنستغرام" من 25 ألفا إلى 9 ملايين، قبل أن يسجل حاليا نحو 18 مليون متابع لنحو 2394 منشورا أغلبها عن معاناة الفلسطينيين في غزة.

ونقل عزايزة معظم رسائله باللغة الإنجليزية وهو مرتديا الشال الفلسطيني، ليبحر على ضفاف شاطئ صفحته الموثقة بمنصة "فيسبوك" أكثر من نصف مليون متابع.

ومع الأسابيع الأولى من الحرب قادت صور معتز عزايزة لاختيارات "تايم" العالمية، لكنه قال بحزن: "الإنجاز الذي طالما حلمت به، لكن صدقني أو لا تصدق، أنا لا أشعر بذلك، لم أستمتع به وبالنسبة لي الآن أصبح شيئًا عديم الفائدة".

وأضاف آنذاك: "أنني أركز على البقاء، فالله لم يخلقنا لنموت، لقد خلقنا الله لنصنع أجيالاً أفضل ونستمتع بالحياة في سبيل الله، لا أتحمس للاحتفال احترامًا لدماء الشعب والأشخاص الذين ضحوا بحياتهم من أجل فلسطين الحرة". 

وعزايزة خريج جامعة الأزهر بغزة، لم تتبدل لغته التي تبدو تتكأ على عصا التحدي، واتخذ قرارا جريئا، في ديسمبر 2023، إذ كتب عبر حسابه بإنستغرام: "انتهت مرحلة المخاطرة لنقل الصورة وبدأت مرحلة المحاولة للنجاة، وضعُنا مأساوي لأبعد مما تتخيل، تذكر أننا لسنا عبارة عن محتوى للمشاركة، نحن شعب يقتل وقضية نحاول ألا تمحى عن الوجود".

وسافر عزايزة حول العالم حاملا محتوى مأساوي من الصور والفيديوهات، حيث أجرى مقابلة متلفزة في يناير الماضي، إذ انقسمت الشاشة إلى نصفين، أحدهما يعرض معتز عزايزة التي يجلس على أرض أحد المشافي يقاوم معاناة صور الحرب، والنصف الآخر يتواجد بشخصه كصوت فلسطيني جريء، يسترجع في حديثه تلك المعاناة قائلا: "كنا لا نعرف أن ننام، كنا نتحرك مع كل قصف، كنا نحاصر في أقل الأشياء بعدم وجود إنترنت أو كهرباء، ونكافح لنرسل صورنا للعالم".

يتنهد معتز عزايزة، أمام عدسات الكاميرا، وهو يتحدث عن عائلته التي محاها القصف، قائلا: "كنت أرى أشلاء، لا أعرف من هذا وذاك، أعز الناس فقدتها".

حرب أخرى

ودرءا لاتهامات بالهروب، قال عزايزة: "لم أغادر انسحابا أو تراجعا، العالم اعتاد أن يرى صورنا بعد نحو 107 أيام من الحرب، لقد قررت خوض حربا أخرى لتوصيل صوتي للعالم، وحلمي فلسطين حرة".

وفي فبراير 2023، يصرح لأهل غزة أكثر ليجيب عن تساؤلات بشأن سبب المغادرة ويغلق الباب في وجه اتهامات قاسية بالهروب من المعركة، قائلا في بيان: "أحاول قدر المستطاع أن أكون الابن الوفي لكم، واحد منكم لا يمثل إلا نفسه ولكن يحاول نقل صورتكم التي كان يجب أن تنقل منذ زمن بعيد، فنحن أهل غزة لسنا أرقاما". 

وبحسم يؤكد "أنا لم أطلب الشهرة أو الأضواء ولا الحرب، يطاردني شعور عدم الرغبة بالبقاء، الحسرة وذنب الناجي، ولو أعلم أن باستمرار وجودي سأصنع فارقا لما غادرتكم".

وفي مارس 2024، تحدثت "سي إن إن" الأمريكية، عن عزايزة، مصور السفر الطموح، الذي كان أول منشور له على إنستغرام في مايو 2014 عبارة عن صورة بسيطة لعجائب الطبيعة، ويجيب المصور الفلسطيني مفسرا ذلك: “أريد  تصوير جمال غزة، وليس الحرب على غزة، لكن ليس لدي  الخيار”. 

ويعود يتذكر يوم 22 يناير 2024، عندما كان قرب معبر رفح الحدودي مع مصر في انتظار معرفة المستقبل، خرج كما يقول إلى قطر وبدأ التخطيط لنقل صوت فلسطين للعالم، مضيفا: "أحاول البحث عن حل الآن ووقف ما يحدث، وإحداث مزيد من الضجيج من الخارج ليستمع العالم وينتبه".

وبات عزايزة سفيرا إنسانيا لفلسطين، إذ تساءل في مقابلة مع "سي إن إن": "كيف سنخبر أطفال غزة أنهم فقدوا والديهم لأن طائرة إسرائيلية ألقت قنبلة على منزلهم وتناثرت أشلاؤهم من حولهم؟ هل تتوقع منهم أن يكونوا بشرًا عاديين بعد كل ما مررنا به؟".

وفي أبريل 2024، يتحدث عزايزة للموقع الإلكتروني الأممي "أخبار الأمم المتحدة"، عقب زيارته لمقر الأمم المتحدة في نيويورك للقاء مسؤولين للحديث بشأن مأساة أهل القطاع، حيث قال إن "الناس في غزة يقتلون بسيناريوهات حرب لا يمكن تخيلها، كل الناس حياتهم تسير بصورة طبيعية إلا أهل غزة الذين توقفت حياتهم".

وأضاف: "أنا أحاول الوصول إلى أكبر عدد من الناس بهدف رفع التوعية بالنسبة للأجيال الجديدة كي يفهموا ما يجري على الأرض هناك".

وينقل خلال المقابلة شعورا قاسيا كان يواجهه في غزة، عن أناس كانوا يخشون أن يقفوا بجواره، خشية أن يستهدفهم قصف إسرائيلي، بعد أن أسقطت تلك القذائف الحماية عن الصحفيين بالقطاع وأسقطت أكثر من مئة صحفي وإعلامي.

أمل جديد

في 19 مايو الجاري، يظهر عزايزة مرتديا الشال الفلسطيني، في تجمع تضامني حاشد بلندن، كما تشير مقاطع فيديو بصفحته على منصة "فيسبوك"، ليؤدي دورا آخرا بعدما خلع سترته الصحيفة الزرقاء وترك خوذته وكاميرته في هدنة مؤقتة، وغادر في يناير من معبر رفح المصري إلى الدوحة بقطر.

وأمسك عزايزة هذه المرة مكبرا للصوت بدلا من الكاميرا، وتحدث عن مطالب غزة بحماس، ويصفق له الحضور بحرارة، ويرى الصحفي الفلسطيني الشاب في ذلك الاحتشاد "أملا جديدا"، كما يكتب بالإنجليزية على حسابه الشخصي. 

ويمتد أرشيف عزايزة ليشمل آلاف الصور التي ولدت من رحم غذابات الحرب المدمرة على قطاع غزة، ورغم إغراق حساباته بصور جولاته بالدول الأجنبية دعما للقضية الفلسطينية، تظل صورة السيدة التي أعطت ظهرها للحياة، وهي تنزح للمجهول وتجر بيديها عربتي أطفال صغيرة لا تدري إلى أين ستذهب بهما، هي الأقرب لقلوب متابعيه عبر مختلف أنحاء العالم.

وكشفت صورته وهو يحمل طفلاً ميتًا مصابًا بجروح خطيرة في الرأس، وهو يحاول حبس دموعه، وكل ما استطاع أن يبوح فيه وسط تلك المحنة "يا الله، يا الله" جزءا كبيرا من إنسانيته.

ووسط أتون المعركة بغزة، تصدرت صورة عزايزة غلاف مجلة "جي كيو" الشرق الأوسط، بعد حصوله على لقب “رجل عام 2023”. 

وعلقت المجلة آنذاك على اختيارها قائلة إن "عمل عزايزة وإنسانيته يذكر بأن الشجاعة تظهر في أشكال عديدة، أحيانًا نختاره، وأحياناً أخرى يختارنا، وفي حالة عزايزة، لم يكن الاختيار حتى خياراً".

وفي 4 يونيو المقبل، سيتم تقديم جائزة الحرية الفرنسية إلى عزايزة، والتي تبلغ قيمتها 25 ألف يورو لمواصلة نضاله من أجل حرية الصحافة والحق في الحصول على المعلومة، وسط حضور كبير مرتقب.


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية