أطفال في فخ النيكوتين.. شركات التبغ تستغل ثغرات الرقابة لإيقاع جيل جديد بالإدمان
أطفال في فخ النيكوتين.. شركات التبغ تستغل ثغرات الرقابة لإيقاع جيل جديد بالإدمان
في عالم يسعى جاهدًا لحماية أجياله القادمة، تُطل علينا ظاهرة مُقلقة تُهدد صحة وسلامة أطفالنا، ظاهرة تُعرف باسم "التسويق المُستهدف للشباب" من قبل شركات التبغ، تلك الشركات التي لا تزال تطاردهم بأشكال جديدة من منتجات النيكوتين، مستغلة وسائل التواصل الاجتماعي، والرياضة، والمهرجانات الموسيقية، بل حتى نكهات الفواكه المُغرية، لِتُوقع جيلًا جديدًا في فخ الإدمان.
وقالت منظمة الصحة العالمية، إن شركات التبغ ما زالت تسعى جاهدة لاستهداف الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي والرياضة والمهرجانات الموسيقية وبالمنتجات الجديدة ذات النكهات، واتهمت الشركات بمحاولة إيقاع جيل جديد في حبائل النيكوتين. ووسط لوائح أكثر صرامة تستهدف السجائر، بدأت شركات التبغ الكبرى والشركات التي دخلت الساحة حديثا في تقديم بدائل للتدخين مثل السجائر الإلكترونية التي يقولون إنها تستهدف المدخنين البالغين.
لكن منظمة الصحة العالمية وجماعة (ستوب) لمراقبة الصناعة قالتا في تقرير مشترك إن هذه المنتجات يُروج لها في أحيان كثيرة بين الشباب، وتصميمها ونكهات الفواكه تستهدف الأطفال، ومن المرجح أن يستخدمها الشباب أكثر من البالغين في بلدان كثيرة.
ورفض المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس ادعاءات الصناعة بأنها تعمل على تقليص الأضرار الناجمة عن التدخين. وقال في التقرير "لا صدق في الحديث عن تقليص الضرر، حين يقومون بالتسويق للأطفال".
ويأتي الموقف المتزايد صرامة لمنظمة الصحة العالمية تجاه منتجات النيكوتين الجديدة في أعقاب ارتفاع حاد في عدد الشباب الذين يدخنون السجائر الإلكترونية في بلدان كثيرة. وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى النكهات باعتبارها أحد أسباب هذا الارتفاع.
وتقول المنظمة إن النكهات أداة مهمة لتشجيع البالغين على الابتعاد عن التدخين، ونأت شركات التبغ الكبرى غالبا عن مثل هذه النكهات، لكن شركات مثل فيليب موريس إنترناشيونال والشركة البريطانية الأمريكية للتبغ تستهدف الشباب من خلال رعايتها مهرجانات موسيقية ورياضية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب قول المنظمة.
وتابعت المنظمة أن هذه الأمور توفر للشركات منصات للترويج لعلاماتها التجارية للجماهير الأصغر سنا كما توزع عينات مجانية.
وقالت الشركتان إنهما تستهدفان إبعاد المدخنين عن السجائر.
وتقول منظمة الصحة العالمية إنه لا توجد أدلة كافية على أن السجائر الإلكترونية تساعد الأشخاص على الإقلاع عن التدخين، وأضافت أن هناك أدلة على أن التدخين الإلكتروني يزيد من استخدام السجائر التقليدية، خاصة بين الشباب.
ووفقًا لتقرير نشرته منظمة الصحة العالمية، شهدت الولايات المتحدة ارتفاعًا في نسبة استخدام السجائر الإلكترونية بين المراهقين بنسبة تصل إلى 39.3% بين عامي 2018 و2020، وقد بلغ عدد مستخدمي السجائر الإلكترونية في هذه الفترة 4.2 مليون مراهق.
هذه الأرقام المقلقة تكشف عن زيادة ملحوظة في استهلاك منتجات التبغ بين الشباب، وهو الأمر الذي يثير القلق بشأن تأثيره على صحتهم ومستقبلهم.
وتشير الدراسات إلى أن 80% من الشباب الذين يستخدمون منتجات التبغ بنكهات الفواكه والحلويات يبدؤون في التدخين قبل سن الثامنة عشرة، مما يوضح استراتيجيات فعالة لاستهداف الشباب من قبل شركات التبغ.
ومن الجدير بالذكر أن الخبراء يحذرون من تداعيات هذه الممارسات على صحة الشباب، حيث يتزايد خطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي وتزداد احتمالية الإدمان على النيكوتين بشكل سريع بسبب استخدام منتجات التبغ بنكهات الفواكه.
ويرى خبراء أن تقديم منتجات التبغ بنكهات الفواكه يشكل خطرًا حقيقيًا على الشباب ومستقبلهم، حيث تشجع هذه الممارسات على الإدمان وتزيد من المخاطر الصحية التي يتعرضون لها وبالإضافة إلى ذلك، فإن استهداف الشباب بمنتجات التبغ بنكهات الفواكه يعد انتهاكًا لحقوقهم ويهدد حياتهم ومستقبلهم، لذا، فإن من الضروري تبني استراتيجيات وقوانين صارمة لمنع هذه الممارسات وحماية حقوق الشباب، ويتطلب ذلك تحركًا سريعًا من المجتمع الدولي والحكومات ومنظمات حقوق الإنسان لمواجهة هذا التحدي وحماية صحة ومستقبل الأجيال الناشئة.تبعات اقتصادية واجتماعية خطيرة
وعلق مدير المعهد الإقليمي لحقوق الإنسان بالأردن، كمال المشرقي، بقوله، إن منتجات التبغ بنكهات الفواكه ظاهرة تهدد الصحة العامة والرفاهية الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات الشبابية، يستوجب استكشاف تلك الآثار من خلال التحليل الشامل لتكاليف الرعاية الصحية والتأثيرات على الإنتاجية الاقتصادية، حيث تزيد من الأمراض المزمنة مما يؤثر على الصحة والحياة ويعصف بالإنسان وحقوقه، فاستخدام منتجات التبغ بنكهات الفواكه يعزز من خطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي وأمراض القلب، مما يؤثر على جودة الحياة للشباب ويزيد من تكاليف الرعاية الصحية.
وأضاف المشرقي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، يتسبب استخدام منتجات التبغ بنكهات الفواكه في ارتفاع مستويات الإدمان على النيكوتين بشكل سريع، مما يؤثر سلبًا على الصحة النفسية والاجتماعية للشباب ويزيد من انعدام الإنتاجية، كما أن الأمر يتطلب علاج الأمراض المرتبطة بتعاطي منتجات التبغ بنكهات الفواكه تكاليف صحية باهظة، تضيف عبئاً اقتصادياً على النظام الصحي والمجتمعات، أيضًا يؤدي الإدمان على منتجات التبغ إلى انخفاض معدلات الإنتاجية والحضور في مكان العمل، مما يؤثر سلباً على الاقتصاد ويقلل من القدرة على النمو الاقتصادي، ومع النظر إلى هذه الآثار الاجتماعية والاقتصادية، يجب أن تتخذ الحكومات والهيئات الصحية إجراءات فورية وفعالة لمكافحة استخدام منتجات التبغ بنكهات الفواكه بين الشباب.
وأتم، هذه الإجراءات يجب أن تشمل تشديد القيود على التسويق والإعلانات، وزيادة الضرائب على هذه المنتجات، وتوفير برامج الوقاية والتوعية الصحية للشباب وأولياء الأمور.

تشريعات لمنع تسويق منتجات التبغ للشباب
بدوره، علق الأكاديمي وخبير القانون الدولي، رأفت فودة، بقوله: تُعتبر منتجات التبغ بنكهات الفواكه تحديًا صحيًا يهدد صحة الشباب في جميع أنحاء العالم، تتطلب مواجهة هذا التحدي سياسات وتشريعات فعالة تحظر تسويق هذه المنتجات للشباب وتحميهم من التعرض للإدمان والمخاطر الصحية، وتعتمد السياسات والتشريعات التي تهدف إلى منع تسويق منتجات التبغ بنكهات الفواكه على مجموعة من الخطوات الفعّالة والمنسقة، منها تشديد القيود على الإعلانات والتسويق، فيجب على الحكومات والهيئات الصحية اتخاذ إجراءات لتقييد التسويق والإعلانات التي تستهدف الشباب، سواء كان ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلانات التلفزيونية والإذاعية، ويمكن أن تكون فرضية ضرائب على منتجات التبغ بنكهات الفواكه وسيلة فعّالة لتقليل الطلب عليها، وبالتالي تقليل استهلاكها من قبل الشباب.
وتابع فودة، في تصريحات لـ"جسور بوست"، من الضروري تشديد الرقابة على نقاط البيع، وعلى الحكومات والهيئات الصحية زيادة الرقابة على نقاط بيع منتجات التبغ، وفرض قواعد صارمة تمنع بيعها للقاصرين، أيضًا تعزيز الوعي الصحي بمخاطر استخدام منتجات التبغ بنكهات الفواكه، وتقديم برامج تثقيفية وحملات توعية للشباب وأولياء الأمور، بالإضافة إلى السياسات والتشريعات المذكورة أعلاه، يجب أن تكون هناك جهود منسقة بين الحكومات والهيئات الصحية على الصعيدين الوطني والدولي لتبادل الخبرات وتطوير استراتيجيات مشتركة لمكافحة تسويق منتجات التبغ بنكهات الفواكه للشباب.
وأضاف، تنفيذ سياسات وتشريعات فعّالة لمنع تسويق منتجات التبغ بنكهات الفواكه للشباب يتطلب التزامًا قويًا من الحكومات والهيئات الصحية، بالإضافة إلى تعاون دولي وجهود مشتركة للحد من هذه الظاهرة المدمرة وحماية صحة ومستقبل الأجيال الناشئة.

تدابير وقائية
وعلقت الحقوقية الكويتية، مها برجس، بضرورة أخذ التدابير الوقائية للنجاة من هذا الإدمان الذي يؤدي إلى القتل في النهاية، مشيرة إلى أنه وفي ضوء التحديات التي تواجه المجتمعات الشبابية نتيجة لتسويق منتجات التبغ بنكهات الفواكه، يتطلب الأمر اتخاذ حلول فعّالة وتدابير وقائية قوية لحماية الشباب والحفاظ على صحتهم ورفاهيتهم، منها تشديد الرقابة وتنظيم السوق، فينبغي على الحكومات تشديد الرقابة على صناعة التبغ وتنظيم السوق بشكل أفضل للحد من تسويق منتجات التبغ بنكهات الفواكه للشباب.
وتابعت برجس، في تصريحات لـ"جسور بوست"، يمكن تنفيذ ذلك من خلال وضع قوانين وتشريعات صارمة تحظر بيع منتجات التبغ بنكهات الفواكه للقاصرين وتحد من وصولهم إليها، الأمر لا هوادة فيه طالما تعلق بالصحة وهنا يجب على الحكومات تطبيق القوانين الصارمة التي تحظر التسويق المستهدف لمنتجات التبغ بنكهات الفواكه بشكل فعال، كذلك يتطلب ذلك زيادة التفتيش والرقابة على المحال التجارية والمواقع الإلكترونية التي تبيع هذه المنتجات، وزيادة الوعي الصحي والتثقيف.
وأضافت، يجب على الحكومات والمنظمات الصحية زيادة الوعي الصحي، وتشجيع الشباب على اتباع أسلوب حياة صحي والابتعاد عن التدخين بشكل عام، بما في ذلك تناول الغذاء الصحي وممارسة الرياضة، أيضًا إطلاق حملات توعية تشجيعية تعكس أهمية الصحة واللياقة البدنية.
وأتمت، باعتبار هذه الحلول والتدابير الوقائية، يمكن للحكومات والهيئات الصحية أن تلعب دوراً فعّالاً في مكافحة تسويق منتجات التبغ بنكهات الفواكه وحماية الشباب من آثارها الضارة. يجب على المجتمع الدولي أيضًا التعاون في هذا الجهد العالمي للحفاظ على صحة ورفاهية الأجيال الشابة.