انتخابات الرئاسة 2024.. الأخبار أرهقت الأمريكيين

انتخابات الرئاسة 2024.. الأخبار أرهقت الأمريكيين

التدفق المكثف للأنباء يخلق سلوكا لدى المتلقي يطلق عليه "تجنب الأخبار"، (News Avoidance)، وهو يشير إلى الأشخاص المرهَقين من الأخبار لدرجة أنهم باتوا يتجنبونها.

 وهذا يبدو ظاهرا لدى كثير من الأمريكيين المقبلين على انتخابات رئاسية ساخنة في نوفمبر.

يقول أغلبية الأمريكيين إنهم يتابعون عن كثب الأخبار المتعلقة بالانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، وهي نسبة أعلى قليلا مما كانت عليه في أبريل عام 2020. 

لكن يشير كثير منهم إلى أنهم "مرهَقون" بالفعل بسبب التغطية الكبيرة لحملتي المرشحين، الرئيس الديمقراطي جو بايدن، ومنافسه الجمهوري دونالد ترامب. 

هذه خلاصة استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث، في أبريل الماضي، ويكشف أن أكثر من نصف الأمريكيين (58 بالمئة) يتابعون الأخبار المتعلقة بالمرشحين للانتخابات الرئاسية لعام 2024 عن كثب أو إلى حد ما. فيما قال 28 بالمئة إنهم لا يتابعونها عن كثب، و13 بالمئة لا يتابعونها عن كثب على الإطلاق.

لماذا الإرهاق؟

تقول دراسة أجرتها جامعة ميشيغان إن الناس يواجهون صعوبة أكبر في التمييز بين الحقيقة والزيف في الولايات المتحدة، لذا قد يشعر بعضهم بـ"إرهاق الأخبار" (News Fatigue)، ويتجنبون الأخبار تماما (News Avoidance).

وهذا يفسر على أنه أكثر من مجرد تجنب غير مقصود للأخبار بسبب قلة التعرض لوسائل الإعلام، بل يقول الباحثون المشاركون في الدراسة إن الناس يتجنبون الأخبار بنشاط وعن قصد. 

وجد الباحثون أيضا أن الأشخاص الذين يُعرّفون أنفسهم بأنهم ديمقراطيون يتجهون إلى الاعتماد بشكل أكبر على وسائل الإعلام غير الحزبية عندما يشعرون بالتضليل. أما الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم جمهوريين فأفادوا بأنهم يستخدمون وسائل إعلام إخبارية أقل بشكل عام.

ويقول الباحث الرئيسي في الدراسة، الأستاذ المساعد في الاتصالات والإعلام بجامعة ميريلاند، وعضو هيئة التدريس في مركز الدراسات السياسية أرييل هاسيل: "كلما كانت البيئة الإخبارية أكثر إرباكا، تجنب الناس الأخبار بشكل نشط، ولكن الأمر لا يتعلق بالأخبار فقط".

وكشفت الدراسة أن "تجنب الأخبار يشمل أيضا عدم رغبة الأشخاص في مناقشة السياسة مع الآخرين. لذلك لا يقتصر الأمر على عدم استهلاك الأخبار، بل إنك تخرج من الجدل والمناقشات تماما".

ولكن رغم الإرهاق ومحاولة تجنب الأخبار، تشير البيانات إلى أن نسبة الأمريكيين الذين يتابعون أخبار انتخابات 2024 عن كثب الآن، أعلى قليلا مما كانت عليه في أبريل عام 2020.

إرهاق من تغطية الانتخابات

تُظهر الرسوم البيانية التي قدمها مركز بيو أن غالبية الأمريكيين قد استُنفِدوا بسبب تغطية الحملة الرئاسية لعام 2024، باستثناء أولئك الذين يتابعون الأخبار عن كثب.

وعلى الرغم من أن العديد من الأمريكيين يتابعون الأخبار المتعلقة بالمرشحين الرئاسيين لعام 2024، فهم يشعرون أيضا بالإرهاق من تغطية الانتخابات.

ويقول نحو ستة من كل عشرة بالغين أمريكيين (62 بالمئة) إنهم مرهَقون بالفعل بسبب التغطية الكبيرة للحملة والمرشحين، بينما يقول 35 بالمئة إنهم يحبون رؤية الكثير من هذه التغطية.

الثقة في وسائل الإعلام

وعلى الرغم من أن العديد من الأمريكيين يقولون إنهم يتابعون الحملة الانتخابية لعام 2024 من وسائل الإعلام التقليدية، فإن استطلاع رأي قدم نتائج مثيرة للقلق بشأن الثقة في وسائل الإعلام.

يقول نحو نصف الأمريكيين (53 بالمئة) إنهم يشعرون بقلق بالغ أو شديد من أن المؤسسات الإخبارية ستقدم لهم معلومات غير دقيقة أو مضلّلة عن الانتخابات. وأعرب نحو 42 بالمئة عن قلقهم من أن وسائل الإعلام ستستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنشاء القصص، وفق الاستطلاع الذي أجراه معهد الصحافة الأمريكي ووكالة أسوشيتد برس و"NORC" لأبحاث الشؤون العامة ونُشِرت نتائجه مطلع مايو عام 2024.

ووجد الاستطلاع أن 47 بالمئة من الأمريكيين يعربون أيضا عن قلقهم البالغ من أن وسائل الإعلام قد تنشر معلومات لم يتم تأكيدها أو التحقق منها.

كما أن 44 بالمئة يشعرون بالقلق من أن المعلومات الدقيقة سيتم تقديمها بطريقة تفضّل جانبا على آخر، أي أنها ستعاني من الموضوعية في المعالجة.

من أين يحصل الأمريكيون على أخبار الانتخابات؟

رغم الخشية من تقلّص مستويات الثقة بوسائل الإعلام التقليدية، يرى غالبية البالغين في الولايات المتحدة (62 بالمئة) أنهم يحصلون على معظم أخبار هذه الانتخابات من الصحفيين والمؤسسات الإخبارية التقليدية.

لكن ليس واضحا إن كان هؤلاء يحصلون على هذه الأخبار من خلال المحطات التقليدية لتلك المؤسسات الإعلامية مثل التلفزيون والراديو والجرائد، أو منصات التواصل الاجتماعي التابعة لها والحسابات الخاصة بالصحفيين العاملين في غرف الأخبار التابعة لهذه المؤسسات.

واللافت، بحسب استطلاع بيو، أن نحو واحد من كل 10 أمريكيين (11 بالمئة) قالوا إنهم يحصلون على معظم الأخبار السياسية والانتخابية من الأصدقاء والعائلة والجيران. 

وهناك فئة قليلة قالت إنها تحصل على معظم هذه الأخبار من المشاهير وشخصيات مؤثرة على منصات التواصل الاجتماعي (4 بالمئة)، والسياسيين والأحزاب السياسية (3 بالمئة)، والأشخاص العاديين الذين لا يعرفونهم (2 بالمئة).

ويقول 17 بالمئة إنهم لا يحصلون على معظم أخبارهم السياسية أو الانتخابية من أي من هذه المصادر.

كبار السن والشباب

ويظهر أن العمر عامل مؤثّر على نوعية وسيلة الإعلام التي يتابعها الأمريكيون للحصول على المعلومات حول انتخابات 2024. 

وتكشف نتائج استطلاع بيو أن الأمريكيين من كبار السن يحصلون على أخبارهم السياسية والانتخابية من مصادر الأخبار التقليدية. حيث يعتمد نحو 78 بالمئة من الأشخاص، الذين تبلغ أعمارهم 65 عاما أو أكبر، على الصحفيين والمؤسسات الإخبارية، مقارنة بـ45 بالمئة من البالغين، الذين تتراوح أعمارهم من 18 إلى 29 عاما.

 وغالبا ما يلجأ البالغون الأصغر سنا (نحو 10 بالمئة) إلى المشاهير وشخصيات وسائل التواصل الاجتماعي المؤثرة.

كما يفضل 69 بالمئة من الديمقراطيين مصادر الأخبار التقليدية. وأكثر بقليل من 59 بالمئة من الجمهوريين، الذين هم أيضا أكثر عرضة لعدم الاعتماد على أي مصدر محدد (20 بالمئة مقابل 12 بالمئة).

تأثير منصات التواصل الاجتماعي

بدا واضحا اعتماد فئة غير قليلة من الأمريكيين على منصات التواصل الاجتماعي للحصول على أخبار انتخابات 2024، خاصة الشباب، لكن هذا الأمر يرفع مستويات خطر التعرض للمعلومات المضللة والحملات التي تقودها جهات خارجية لإرباك الناخبين.

فهل الحل في تجنب التعرض لمنصات التواصل الاجتماعي خشية التأثير بالحملات الخبيثة؟

يبدو هذا حلا غير فعال، ففي الأسابيع التي سبقت الانتخابات الرئاسية لعام 2020 وبعدها، أجرى باحثون عددا من الاختبارات لمحاولة فهم مدى مساهمة فيسبوك وإنستغرام في الانقسام السياسي في البلاد.

ركزت إحدى تلك التجارب، بقيادة ماثيو جينتزكو وهانت ألكوت، أستاذي الاقتصاد في جامعة ستانفورد، على أكثر من 35 ألف مستخدم لفيسبوك وإنستغرام الذين حصلوا على أموال مقابل البقاء خارج المنصات في الفترة التي سبقت يوم الانتخابات. 

هدفت تلك التجربة البحثية، وهي الأكبر على الإطلاق، إلى الإجابة عن السؤال: هل تتغير المواقف السياسية للناس نتيجة ابتعادهم عن منصات التواصل الاجتماعي قبل الانتخابات بفترة قصيرة؟

النتيجة كشفت أن الابتعاد عن فيسبوك وإنستغرام في المرحلة الأخيرة من تصويت نوفمبر عام 2020 لم يكن له تأثير يُذكَر أو لم يكن له أي تأثير على آراء الناس السياسية بشأن المرشحين.

ولكن عندما يتعلق الأمر بتأثير فيسبوك على ما يعتقده الناس حول الأحداث الجارية، توصّل الباحثون إلى نتيجة مهمة:

أولئك الذين ابتعدوا عن فيسبوك كانت إجاباتهم عن أسئلة الاختبارات الإخبارية أسوأ، لكنهم كانوا أيضا أقل عرضة للوقوع في فخ المعلومات الخاطئة المنتشرة على نطاق واسع على فيسبوك، ما يشير إلى أن هذه المنصة يمكن أن تكون قناة مهمة لكل من الأخبار الحقيقية والكاذبة.

الناخبون والإعلام.. علاقة معقدة

تقول أغلبية الأمريكيين، الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين، إنهم يريدون من المؤسسات الإخبارية تقديم معلومات حول قيم المرشحين ومواقفهم السياسية للمساعدة في اتخاذ قراراتهم الانتخابية، وفق استطلاع بيو.

هذا بشكل عام، لكن على أرض الواقع، فإن الوصول إلى الناخبين بشكل فعال يتطلب من وسائل الإعلام الأمريكية أن تقدم لجمهورها مزيجا من الأخبار يسهم في جذبهم عبر التركيز على حاجاتهم واهتماماتهم.

وقد أظهرت دراسة حول استهلاك محتوى الفيديو عبر الإنترنت أن الأمريكيين المستقلين الذين يميلون إلى الحزب الديمقراطي يفضلون أخبار التكنولوجيا والرسوم المتحركة، بينما يميل المستقلون القريبون من الحزب الجمهوري إلى أخبار الأعمال والرياضة.

تشير النتائج إلى أن التغطية الفعّالة للانتخابات وجذب الجمهور، تعتمد على مدى المزج بين تلك المكونات وأخبار الانتخابات بشكل ابتكاري.. إضافة إلى أن إعلانات الانتخابات يجب أن تستهدف الجمهور المناسب كي تكون فعّالة ومؤثرة.

لكن هناك تحديا يظهر في انتخابات 2024، إذ إن تقليل غوغل ملفات تعريف الارتباط (cookies) قد يعقّد قدرة المعلِنين ووسائل الإعلام على الوصول إلى الجمهور المناسب.

وعمدت غوغل إلى تقليل أو إيقاف ملفات تعريف الارتباط التابعة لجهات خارجية بهدف تحقيق التوازن بين خصوصية المستخدم ومصالح المعلِنين والناشرين، وهو جزء من تجربة تصفح ويب أكثر شفافية وتتمحور حول المستخدم، والتي تمكّن الأفراد من التحكم بشكل أكبر في هوياتهم عبر الإنترنت.

في المحصلة، ينظر خبراء الإعلام والانتخابات والإعلانات السياسية بقلق إلى التحولات التي جرت في الآونة الأخيرة على صعيد تكنولوجيا الاتصال ومنصات التواصل الاجتماعي، ومدى تأثيرها على شكل الانتخابات الرئاسية التقليدي الذي تشهده الولايات المتحدة كل أربع سنوات.

لكن المؤكد أن هناك تحديات كبيرة في طريقة استهلاك الناخبين أخبار الانتخابات، خاصة في ظل التدفق الكبير للمعلومات المضلّلة والحملات الخارجية التي تسعى للتشويش على آراء المواطن الأمريكي.

والأهم أن التعامل مع "إرهاق الأخبار" و"تجنب الأخبار" يحتاج إلى جهد يتجاوز حدود مهنة الإعلام، وقد يصل إلى الحاجة لفهم سيكولوجية استهلاك الناخبين للأخبار وتفاعلهم معها في عصر تكنولوجيا الاتصال المتقدمة، والذكاء الاصطناعي الذي أبهر العالم.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية