مسؤول أممي: الظروف المعيشية القاسية تؤدي إلى تآكل النسيج الاجتماعي في غزة

مسؤول أممي: الظروف المعيشية القاسية تؤدي إلى تآكل النسيج الاجتماعي في غزة

 

قال مدير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في الأرض الفلسطينية، أندريا دي دومينيكو، إن الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها سكان غزة "تؤدي إلى تآكل النسيج الاجتماعي بشكل تدريجي"، حيث ساد "حكم القوي" على الضعيف.

وفي حديثه من القدس إلى الصحفيين في نيويورك، قال دي دومينيكو إن بعض الأشياء التي رآها وسمعها خلال زيارته الأخيرة لغزة -والتي استمرت ثلاثة أسابيع- ستظل محفورة في ذاكرته، مضيفا أن المساحة المتاحة لأهالي غزة للتنقل أصبحت محدودة ومزدحمة أكثر فأكثر، وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.

وأضاف: "من المستحيل اليوم الانتقال من المواصي -حيث توجد بعض مبانينا- إلى خان يونس أو دير البلح دون المرور حرفيا عبر موجة من الناس في كل مكان. الحركة التي كانت تستغرق عادة من 10 إلى 15 دقيقة، تستغرق الآن ساعة لأن الناس في كل مكان".

وقال إن الناس يحملون "حياتهم بأكملها إلى مكان أكثر أمانا، إذا كان هناك أي مكان آمن". 

وقال إنه رأى حشودا كبيرة من الناس على الشاطئ في جنوب غزة، كانوا متواجدين هناك لأن الحرارة في الخيام أثناء النهار لا تطاق ولأن هذه هي الطريقة الوحيدة بالنسبة للكثيرين للاغتسال.

"حكم القوي"

وأشار دي دومينيكو إلى أن سكان غزة شعب مضياف للغاية وأن الروابط الأسرية أساسية في مجتمعهم. ومع ذلك، فإن الظروف المعيشية القاسية التي يواجهونها تدمر النسيج الاجتماعي تدريجيا، "وأصبح حكم الأقوى هو القاعدة الوحيدة السائدة" لأن الناس لا يملكون سوى القليل جدا للبقاء على قيد الحياة. وقال إن أحد أكبر التحديات التي يواجهها العاملون في المجال الإنساني هو التأكد من وصول المساعدات إلى الأشخاص الأكثر ضعفا في القطاع. وأخبر الصحفيين عن خلاف بين شقيقين حول "علبة حمص"، نتج عنه انقطاع العلاقات بين عائلتيهما وفقدا الدعم الذي هما بأمس الحاجة إليه "في مثل حالات اليأس هذه".

"عناق أبدي أخير"

وقال مدير مكتب أوتشا في فلسطين إن الغارات الجوية التي أصابت خياما للنازحين في 26 مايو والنيران الناتجة عنها أدت إلى مقتل العديد من المدنيين. وقال إن مدير أحد المستشفيات الميدانية في منطقة المواصي، حيث نقل الضحايا، وصف له حالة رجل كان لا يزال يحتضن ابنته وقد احترقت وانصهرت جثتيهما بفعل النيران.

وأضاف: "لقد حاولوا فصل الجثتين، لكنهم لم يستطيعوا، وكانت الطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي كسر عظامهما، وقد رفضوا القيام بذلك. لذلك، قرروا تركهما معا في هذا العناق الأخير والأبدي. هذه بالنسبة لي هي صورة الصدمة الجماعية وصورة العنف التي ستظل في ذاكرة الناس إلى الأبد، وأنا لا أفهم كيف سيتعافى الأطفال من هذا الوضع الذي لا يمكن تصوره والذي يصعب وصفه، والتكلفة، والصدمة التي يتعين عليهم أن يمروا بها".

النزوح مجددا 

أشار دي دومينيكو إلى أن النزوح مستمر باتجاه المنطقة الوسطى من قطاع غزة، حيث فر من رفح بالفعل ما يقرب من مليون شخص، من بينهم 20 ألف امرأة حامل.

وقال إن هؤلاء الناس استغرقوا أشهرا حتى يعتادوا حياتهم الجديدة في رفح، وليجدوا المكان المناسب للبحث عن الخدمات والغذاء والماء. وأضاف: "حاولوا العثور على نوع من الحياة الكريمة، رغم كل التحديات والظروف القاسية، والآن بعد أن تم تهجيرهم مرة أخرى، عليهم أن يتعلموا من جديد كيفية التعامل مع أبسط الضروريات اليومية".

وقال إن 36 موقع نزوح تابعا للأونروا في رفح قد تم فقدانه، مما يعني أن الأشخاص الذين كانوا يحتمون هناك سيغادرون "دون أي شيء بأيديهم وستكون هناك ضرورة لإيجاد خيام أو أغطية بلاستيكية وبعض القطع الخشبية لبناء مآويهم الجديدة".

"أيادينا مقيدة على ظهورنا"

وقال مدير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية إن البيئة العملياتية في غزة لا تزال صعبة للغاية. وقال: "في بعض الأحيان أتساءل عما إذا كانت العمليات الإنسانية في غزة قد أصيبت بالشلل عن قصد. نحن نحاول إنقاذ الأرواح كل يوم، ولكن الحقيقة هي أن أيادينا مقيدة على ظهورنا منذ البداية".

وأكد أن بعض المحادثات أسفرت عن بعض النتائج، لكن الجزء الأكبر من القضايا التي تواجه المنظمات الإنسانية لا تزال قائمة.

ومضى قائلا: "لقد كسر أحدهم أرجلنا، والآن فجأة يطلبون منا أن نركض. أعتقد أننا تعلمنا الركض باستخدام العكازات إذا صح التعبير، والآن أخذوا العكازات أيضا، هذا هو كفاحنا اليومي لحل القضايا والتحديات التي لها حلول عملية، ولكن بطريقة أو بأخرى، لا يتم معالجتها بالكامل، وعندما نعالج عنصرا واحدا، تظهر عقبة أخرى، وتحد آخر نتعامل معه".

وقال دي دومينيكو إن العاملين في المجال الإنساني يعملون على مدار الساعة في ظروف صعبة، وعلى الرغم من ذلك يتم اتهامهم بعدم القدرة على مواكبة وتيرة الاحتياجات، على الرغم من أن الأطراف "تعرف بالضبط سبب حدوث ذلك ولماذا لا نستطيع القيام بكل ما ينبغي أن نكون قادرين على القيام به".

"احتمال مرعب"

وردا على سؤال صحفي، قال مدير مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية إن احتمال استمرار الحرب حتى نهاية العام هو "احتمال مرعب"، وشدد على أنه "لا يوجد مكان آخر في العالم" تظل فيه الأمم المتحدة حاضرة في ظل ظروف مشابهة للظروف الحالية التي تشهدها غزة، مضيفا أن المنظمة وشركاءها يواصلون هذا العمل في القطاع "فقط لأنه ليس هناك مكان ليفر إليه سكان غزة".

وقال: "نفس المعاناة والظروف التي تجعلني أحيانا أجد صعوبة في النوم، هي نفس المعاناة والظروف التي تحفزنا على العمل الذي نقوم به كل يوم".

الحرب على قطاع غزة                 

عقب عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها "حماس" في 7 أكتوبر الماضي قصف الجيش الإسرائيلي قطاع غزة ووسع غاراته على كل المحاور في القطاع، وتم قصف المدارس والمستشفيات والمساجد باستخدام مئات آلاف الأطنان من القنابل الكبيرة والمحرمة دوليا والأسلحة الفتاكة مسببة خسائر مادية تقدر بمليارات الدولارات كما تصاعدت وتيرة العنف في الضفة الغربية.

وأسفر القصف عن مقتل أكثر من 36 ألف مواطن فيما بلغ عدد الجرحى أكثر من 82 ألف جريح، إضافة إلى نحو 10 آلاف شخص في عداد المفقودين، في حصيلة غير نهائية وفق أحدث بيانات وزارة الصحة في غزة.

ونزح نحو مليوني شخص هربا من القصف العنيف، وبعد إنذار إسرائيلي بإخلاء شمال قطاع غزة.

وعلى الجانب الإسرائيلي قتل نحو 1140 شخصا بينهم أكثر من 600 من الضباط والجنود منهم 225 منذ بداية الهجوم البري في قطاع غزة، فيما بلغ عدد الجرحى أكثر من 6 آلاف جندي بالإضافة إلى نحو 240 أسيرا تحتجزهم "حماس"، تم الإفراج عن بعضهم خلال هدنة مؤقتة. 

وتواصل إسرائيل عملياتها العسكرية رغم الأزمة الإنسانية الحادة ورغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار، وكذلك رغم مثولها للمرة الأولى أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية".

ولا يزال الجيش الإسرائيلي مستمرا في قصفه على مناطق مختلفة في القطاع منذ السابع من أكتوبر، مخلفا دمارا هائلا وخسائر بشرية كبيرة ومجاعة أودت بحياة العديد من الأطفال والمسنين، وفق بيانات فلسطينية وأممية.

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية