"الإيكونوميست": الصين توحد أمريكا وأوروبا في ظل حالة من الانزعاج
لكنهم غير متفقين على الحلول
في قصر أرففورستينز في ستوكهولم، مقر وزارة الخارجية السويدية، تزين 4 أعلام كبيرة قاعة المدخل، ثلاثة منها تعكس الصورة التي تفخر بها السويد باعتبارها بطلة التجارة الحرة والمساعدات التنموية والتعاون الدولي، والأعلام الأربعة هي العلم السويدي وعلم الاتحاد الأوروبي وعلم الأمم المتحدة، والرابع هو علم حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو التحالف الدفاعي الذي انضمت إليه السويد في مارس، لتخرج من الحياد الذي دام 200 عام بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
ووفقا لمجلة "الإيكونوميست" دفع الهجوم الروسي على أوكرانيا السويد (وسبقتها فنلندا، التي انضمت إلى حلف شمال الأطلسي قبل بضعة أشهر) إلى ربط أمنها رسميًا بأمن الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة، وقد تعزز ذلك بفعل ما تفعله الصين.
في أواخر مايو، عقد منتدى ستوكهولم الصيني، وهو اجتماع مغلق لمسؤولين أمريكيين وأوروبيين، ومديري أعمال ومحللين، بالإضافة إلى باحثين صينيين، والذي أظهر تقارب وجهات النظر حول التحدي الذي تفرضه الصين على الأمن العالمي والنظام الاقتصادي.
وأعرب المشاركون عن قلقهم إزاء دعم الصين صناعة الأسلحة الروسية، وقد تحدثوا عن اللامبالاة الواضحة التي أبداها القادة الصينيون عندما أخبرهم الزوار الغربيون أن مساعدة آلة الحرب التي يقودها فلاديمير بوتن تعمل على تقويض الأمن في أوروبا.
ورأى المجتمعون أن الصين لم تدفع حتى الآن أي تكلفة حقيقية لإمداداتها من المكونات ذات الاستخدام المزدوج التي تدخل في تصنيع الصواريخ والطائرات بدون طيار والدبابات الروسية، وبدلاً من ذلك، يقدم الدبلوماسيون الصينيون للأوروبيين إنكاراً لطيفاً، ونقاط حديث الكرملين حول استفزاز الغرب للحرب.
ووصف المتحدثون المحاولات الصينية غير الدقيقة لفصل أوروبا عن أمريكا، ولعبة "فرق تسد" بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
ونقلت "الإيكونوميست" عن زائر صيني يقول لمسؤول أوروبي، خلال المنتدى: " سيعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وروسيا تنتصر في ساحة المعركة، فلماذا لا نتخلص من أوكرانيا ونأتي معنا؟".
وكان هناك الكثير من الحديث عن مصالح أوروبا خارج جوارها، وفي خطاب مسجل أمام المنتدى، وصف وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم الغزو الروسي بأنه "نقطة تحول لا رجعة فيها" بالنسبة لسياسة السويد الخارجية والأمنية. وأضاف أن بلاده لديها مصلحة وطنية في استقرار منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك مضيق تايوان، وأوضح: "إذا تم التشكيك في القانون الدولي في جزء من العالم، فهذا يهمنا جميعًا".
وفي المناقشات التي دارت في الاتحاد الأوروبي حول ما إذا كان ينبغي فرض رسوم جمركية على السيارات الصينية التي تعمل بالبطاريات وغيرها من التكنولوجيات الخضراء، تنضم السويد إلى معسكر السوق الحرة الذي يشعر بالقلق من أن تؤدي فرنسا وغيرها من المدافعين عن الرسوم الجمركية إلى إشعال حرب تجارية شاملة، ولكن حتى أبطال التجارة الحرة مثل السويد يدعمون سياسة "إزالة المخاطر" مع الصين، و يعني هذا اتخاذ تدابير للحد من التبعيات الخطيرة التي تضر بالأمن الاقتصادي.
ورغم كل علامات التقارب بين أمريكا وأوروبا، فإنه يمكن ملاحظة اختلافات مهمة.. يصف الاتحاد الأوروبي الصين بأنها "شريكة للتعاون، ومنافس اقتصادي، ومنافس نظامي"، ومن المهم إلى حد كبير أن هذا الحامل ثلاثي القوائم قد اكتسب الآن مرحلته الرابعة، حيث أعلن العديد من الأوروبيين في ستوكهولم أن الصين تشكل تهديداً أمنياً كاملاً.
ولكن رؤية أمريكا للعلاقات مع الصين فقدت ساقها المميزة لـ"الشريك"، ولا تزال إدارة بايدن تحاول تجنب الصراعات وتنسيق العمل مع الصين بشأن تغير المناخ وتهريب المخدرات وغيرها من القضايا العالمية.
الأمن الاقتصادي والأمن القومي
وفي ما يتعلق بالتجارة، تلوح في الأفق اختلافات كبيرة، فلا تزال أوروبا تريد من الصين أن تمنحها المزيد من الوصول المتبادل إلى الأسواق، ويركز المسؤولون الأمريكيون بشكل أكبر على التعريفات الجمركية، وقواعد فحص الاستثمار الأكثر صرامة، وضوابط التصدير.
تسعى العديد من الحكومات الأوروبية إلى إقناع صانعي السيارات الكهربائية ومصنعي البطاريات الصينيين بفتح مصانع في بلدانهم، وفي واقع الأمر، فإنهم سوف يقبلون الاعتماد على الصين في الصناعات الاستراتيجية باعتباره ثمناً يستحق أن يدفعوه في مقابل الوظائف الجديدة والتكنولوجيات الخضراء المعقولة التكلفة.
على الجانب الأمريكي، مع فرض إدارة بايدن تعريفات جمركية على الواردات بنسبة 100% على المركبات الكهربائية الصينية، أصبح المنطق أقرب إلى الانفصال.
ولا يثق زعماء الحزبين السياسيين الأمريكيين بمنظمة التجارة العالمية، أو لا يثقون بها على الإطلاق، ويرون أنها غير قادرة على تقييد الممارسات الصينية غير العادلة. إن أغلب الحكومات الأوروبية ليست مستعدة لعالم ما بعد منظمة التجارة العالمية.
والخلاصة وفقا لـ"الإيكونوميست" على كل شاطئ من شواطئ المحيط الأطلسي، تتراجع الثقة في الصين، وعلى الرغم من هذا التقارب، فإن الأوروبيين لا يرون أي وسيلة لتحقيق استقرار العالم من دون التعامل مع الصين كشريك.
وفي المقابل، تنظر أمريكا إلى الصين على نحو متزايد باعتبارها جهة فاعلة سيئة من شأنها أن تجعل طموحاتها العالم أسوأ.