"فورين بوليسي": العجز عن التصدي للانقلابات الدستورية أفقد "الإيكواس" مصداقيتها

"فورين بوليسي": العجز عن التصدي للانقلابات الدستورية أفقد "الإيكواس" مصداقيتها

 

بينما حاول الرئيس السنغالي السابق، ماكي سال، تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مسمى في فبراير من هذا العام، اتجهت كل الأنظار نحو الكتلة الإقليمية لغرب إفريقيا "الإيكواس" -الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا- لمعرفة ما إذا كانت سترد على هذا الانتهاك الواضح للقواعد الديمقراطية.

ووفقا لمجلة "فورين بوليسي"، من غير المستغرب أن يكون رد فعل "الإيكواس" ضعيفاً في نظر العديد من المراقبين الذين اعتادوا سلوك المجموعة الاقتصادية في مواجهة مثل هذه الإخفاقات الديمقراطية، ولم تتعهد بفرض عقوبات أو قيود على سال، بل شجعت ببساطة على الإعلان عن موعد جديد للانتخابات.

ومع ذلك، مُنع "سال" من تأجيل الانتخابات من قبل المحكمة الدستورية في السنغال، والتي أظهرت قوة أكبر مما أظهرته " الإيكواس" منذ سنوات، وقالت إنه من الضروري إجراء الانتخابات قبل نهاية ولاية "سال "في الثاني من أبريل.

وخرج مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي، الذي أطلق سراحه من السجن قبل أيام فقط، منتصرا في الجولة الأولى، وترك "سال" منصبه مخزياً؛ فهو لم يفشل في تسهيل فوز خليفته المختار في الانتخابات فحسب، بل سوف يتذكره الناس أيضاً لأنه كان يهدد بتقويض الديمقراطية السنغالية أكثر من أي من مشاريع البنية التحتية الضخمة والتنمية التي أشرف عليها خلال فترة ولايته.

وفي حين أن "سال" هو الخاسر الواضح، فإن الفوز الديمقراطي للسنغال قد يوفر دفعة محمودة لـ"الإيكواس"، ما يحيي الآمال في إمكانية الحفاظ على الديمقراطية واستمرار أهميتها في جميع أنحاء المنطقة التي شهدت انقلابات متعددة ومحاولات انقلاب منذ بداية عام 2020.

ورغم أن حالة السنغال لا تثبت قدرة "الإيكواس" على تحقيق شيء، فإنها تؤكد من جديد على الأقل أن هناك بلدانا في غرب إفريقيا تتفق مع المعايير الأساسية التي تدعي "الإيكواس" أنها تدافع عنها، بما في ذلك الديمقراطية.

ولم تكن مناورة "سال" الانتخابية هي المحاولة الأولى للانقلاب الدستوري في غرب إفريقيا، فقد أدت الأحداث الأخيرة في توغو إلى تهديد الديمقراطية في المنطقة -ومصداقية "الإيكواس"- بشكل أكبر.

في عام 2019، أقرت توغو تعديلات دستورية للسماح للرئيس فور غناسينغبي بإعادة ضبط أهليته الانتخابية والترشح لفترتين إضافيتين، وفي شهر مارس من هذا العام، أقرت حكومته دستوراً جديداً يحول توغو من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني ويعزز سلطة عائلة جناسينجبي على البلاد، وتم تقديم الدستور الجديد في الفترة التي سبقت الانتخابات التشريعية، وهو ما ينتهك بوضوح بروتوكول "الإيكواس" بشأن الديمقراطية والحكم الرشيد، حيث تنص المادة 2.1 من هذه الوثيقة على أنه "لا يجوز إجراء أي تعديل جوهري على القوانين الانتخابية خلال الأشهر الستة (6) الأخيرة التي تسبق الانتخابات".

لكن دستور توغو الجديد يلغي حق الاقتراع العام في الانتخابات الرئاسية ويزيل القيود المفروضة على فترات الولاية، ما يسمح لجناسينجبي، الذي سيتولى الآن دور رئيس مجلس الوزراء بالاحتفاظ بالسلطة إلى أجل غير مسمى، ويجعل منه ملكًا لتوغو مدى الحياة، إلا أن رد فعل بالقانون كان صامتًا بالكامل تقريبًا.

وتم استبعاد أحزاب المعارضة في بنين فعليًا من الانتخابات التشريعية في عام 2019 بعد إقرار قوانين أهلية صارمة ومقاطعة، وفي الانتخابات الرئاسية لعام 2021، تم استبعاد العديد من المرشحين البارزين من السباق وحُكم عليهم بالسجن لفترات طويلة (شاركت أحزاب المعارضة في الانتخابات التشريعية التالية في عام 2023، لكن الائتلاف الحاكم فاز واحتفظ بالسلطة).

في عام 2020، قام الرئيس الغيني ألفا كوندي، الذي خدم بالفعل لفترتين، بتعديل الدستور لإعادة تحديد حدود الولاية، وأُعيد انتخابه لاحقًا لولاية أخرى مدتها ست سنوات في انتخابات شابتها أعمال عنف ومخالفات.

وفي العام نفسه، في ساحل العاج، تراجع الرئيس الحسن واتارا عن خطة عدم الترشح لولاية ثالثة غير دستورية بعد وفاة خليفته المختار، وكانت محاولته لولاية ثالثة، مثلها كمثل محاولة كوندي، مصحوبة بأعمال عنف واضطرابات واسعة النطاق، على الرغم من فوزه في النهاية وسط مقاطعة المعارضة.

وكان رد الفعل الدولي والإقليمي على هذه المكائد السياسية وإعادة كتابة الدساتير ضئيلاً على مر السنين، بالكاد حظيت إعادة انتخاب كوندي في عام 2020 بالتعليق من قبل "الإيكواس"، وكان "واتارا" أحد أعزاء الكتلة والغرب منذ بداية ولايته الثالثة، وكانت أي محاولة حقيقية للقضاء على إساءة استخدام السلطة الديمقراطية غائبة بشكل واضح.

من المحتمل أن يكون فشل "الإيكواس" في بذل المزيد من الجهود راجعا جزئيا إلى نهجها الغريب في التعامل مع الديمقراطية، حيث ترتكز على بروتوكول الديمقراطية والحكم الرشيد، الذي تم تبنيه في عام 2001، والذي يتضمن آلية للرد على التغيرات غير الديمقراطية في السلطة ويتطلب الحكم الديمقراطي، والانتخابات، وحياد القضاء، وحياد قوات الأمن في الدول الأعضاء.

ومع ذلك، بمجرد إجراء القادة للانتخابات وتمكنهم من إثبات أنه تم اختيارهم كرئيس عبر صناديق الاقتراع -مهما كانت هذه العملية معيبة- فإن الشروط الصارمة للبروتوكول غالبًا ما تخرج من النافذة.

وبهذا، فإن الزعيم الذي يقوم بتعديل دستوري أو يجبر السلطة القضائية على البقاء في منصبه، أو حتى الشخص الذي يستولي على السلطة بالقوة، قد يعامل لاحقًا كزعيم مفوض ديمقراطيًا إذا فاز في الانتخابات.

ويتناقض هذا التقاعس في مواجهة الانقلابات الدستورية بشكل صارخ مع الإدانة الشرسة الفورية التي أصدرتها "الإيكواس" للانقلابات العسكرية في غرب إفريقيا في السنوات الأخيرة.

وقد شهدت الانقلابات في بوركينا فاسو ومالي والنيجر وغينيا فرض "الإيكواس" عقوبات والدعوة إلى تقديم جداول زمنية للانتخابات، حتى إن الكتلة فكرت في التدخل العسكري في النيجر، وفي حين أن هذه الإجراءات كانت غير فعالة إلى حد كبير، إلا أن "الإيكواس" بدت على الأقل مهتمة بفعل شيء لمواجهة مثل هذه الانقلابات.

لكن مهمة "الإيكواس" في التعامل مع الانقلابات العسكرية أصبحت أكثر صعوبة بسبب تقاعسها المؤسف عن مواجهة الانقلابات الدستورية، التي سادت المنطقة في العقود السابقة، وكان لهذا الجمود تأثير هائل على المدنيين في غرب إفريقيا. 

تُظهر بيانات مقياس الأفروباروميتر من 36 دولة شملها الاستطلاع في عامي 2021 و2022 أنه على الرغم من أن ثلثي الأفارقة يفضلون الديمقراطية على أي شكل آخر من أشكال الحكم، فإن 38% فقط من المشاركين كانوا راضين عن الطريقة التي تعمل بها الديمقراطية في بلادهم.

ويتوقف بقاء "الإيكواس" في الأمد البعيد على قدرتها على التعلم من إخفاقاتها، وسوف يكون لزاماً عليها أن تتصالح مع حقيقة مفادها أنها تضم ​​الآن منطقة حيث ما يقرب من ثلث أعضائها تحت قيادة مجالس عسكرية غير منتخبة، وسيتعين على الكتلة أن تدرك أن استعدادها للإذعان للانتهاكات الديمقراطية قد ساهم بشكل كبير في الفوضى التي تجد نفسها فيها الآن.


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية