بين الحقوق الطبيعة والتحديات المالية.. هل تنقذ زيادة أجور الأطباء النظام الصحي الأردني؟

بين الحقوق الطبيعة والتحديات المالية.. هل تنقذ زيادة أجور الأطباء النظام الصحي الأردني؟

الأجور الطبية في ظل الأزمات الاقتصادية.. هل تحتاج الأردن لطرق مبتكرة لضمان الرعاية الصحية للمواطنين؟

الأطباء والمرضى.. بين الحقوق المهنية والاحتياجات الصحية في الأردن

رئيس نقابة الأطباء الأردنيين د. زياد الزعبي: الأطباء يستحقون أجوراً تعكس حجم المسؤولية والخبرة

حقوقي أردني: قانون أجور الأطباء الجديد خطوة مهمة ولكنه يحتاج إلى مراجعة وتعديل لتحقيق العدالة والإنصاف

حقوقية وبرلمانية سابقة: تحسين الوضع المالي للأطباء ينعكس إيجابياً على جودة الرعاية الصحية ويقلل نسبة الهجرة

 

في خضم النقاشات الحيوية حول تحسين الظروف المعيشية للعاملين في القطاع الصحي، تتعالى الأصوات من أجل مراجعة أجور الأطباء في الأردن. يأتي هذا في ظل زيادة الحد الأدنى للأجور بشكل ملحوظ منذ عام 2009، بينما ظلت أجور الأطباء ثابتة. 

وتبرز أهمية هذه القضية في سياق تحقيق توازن عادل بين تحسين أوضاع الأطباء وضمان وصول المواطنين إلى رعاية صحية جيدة. 

أكد نقيب الأطباء، الدكتور زياد الزعبي، أن ربط زيادة أجور الأطباء بزيادة أجور المواطنين هو معادلة غير صحيحة. 

وأوضح الزعبي في حديثه لبرنامج "أخبار السابعة" على شاشة "رؤيا"، أن الحد الأدنى للأجور قد ارتفع من 145 ديناراً في عام 2009 إلى 260 ديناراً في الوقت الحاضر، بنسبة ارتفاع بلغت 70%. ومع ذلك، لم تشهد أجور الأطباء أي زيادة تذكر، ما يعكس حاجة ملحة لإعادة النظر في تعويضاتهم بما يتناسب مع المتغيرات الاقتصادية. 

وأشار رئيس المرصد العمالي الأردني، أحمد عوض، إلى أن قرار زيادة أجور الأطباء يجب أن يكون مصحوباً بإجراءات موازية تضمن عدم تأثر المواطنين، خاصة أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض، بارتفاع تكاليف العلاج. 

وأكد عوض أن معظم العاملين في الأردن يتقاضون أجوراً تقل عن 500 دينار، وفقاً لأرقام رسمية، ما يعني أن أي زيادة في أجور الأطباء يجب أن تراعي القدرة الشرائية للمواطنين. وفي هذا السياق، دعا المرصد العمالي الأردني الحكومة إلى اتخاذ إجراءات موازية لزيادة أجور الأطباء، تشمل رفع الحد الأدنى للأجور بشكل يتناسب مع التكلفة الجديدة للعلاج. وأكد المرصد أن هذه الإجراءات ضرورية لضمان حصول المواطنين على حقهم في الرعاية الصحية اللازمة دون تحميلهم أعباء إضافية. 

بينما يبرز هذا النقاش، يؤكد الزعبي أن ما يتقاضاه الأطباء من الفاتورة العلاجية يمثل نسبة صغيرة تتراوح بين 8% إلى 15% للمرضى خارج المستشفى ونحو 22% للمرضى داخل المستشفيات. 

وأشار إلى أن رواتب أطباء القطاع العام والقوات المسلحة قد شهدت زيادات كبيرة بفضل العلاوات الفنية والسنوية، ما يعكس تناقضاً مع استقرار أجور الأطباء العاملين في القطاع الخاص. وفي ضوء هذه المعطيات، يبدو أن الطريق نحو تحقيق توازن عادل يتطلب إعادة حوكمة شاملة للقطاع الصحي. 

هذه الحوكمة يجب أن تهدف إلى تحسين كفاءة النظام الصحي وضمان عدالة تعويض الأطباء، بما ينعكس إيجاباً على جودة الرعاية الصحية المقدمة للمواطنين، تحقيق هذا التوازن الحساس يتطلب تعاوناً وثيقاً بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات المهنية لضمان أن تكون القرارات المتخذة شاملة ومستدامة. 

ويمكن القول إن الحوار الدائر حول زيادة أجور الأطباء في الأردن يكشف عن ضرورة تبني سياسات شاملة تراعي مصالح جميع الأطراف. هذا الحوار يجب أن يكون مبنياً على أسس العدالة والمساواة، لضمان توفير رعاية صحية جيدة لجميع المواطنين، مع الحفاظ على حقوق الأطباء وتحسين ظروفهم المعيشية. إن تحقيق هذا الهدف يتطلب رؤية واضحة وإرادة قوية لتطبيق الإصلاحات الضرورية، ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى نظام صحي أكثر فعالية وكفاءة للجميع.

تاريخ أجور الأطباء في الأردن.. رحلة نحو العدالة المهنية

فهم مسار أجور الأطباء يعطينا رؤية عميقة حول التحديات والإنجازات التي مر بها القطاع الصحي في الأردن، وكذلك حول العلاقة المتشابكة بين الأطباء والسلطات الصحية والاقتصادية في البلاد.

في منتصف القرن العشرين، كان النظام الصحي الأردني لا يزال في مراحله الأولى، تأسست النقابات والجمعيات الطبية لتلبية احتياجات المجتمع المتزايدة للرعاية الصحية. 

في هذه الفترة، كانت أجور الأطباء متواضعة، تعكس الاقتصاد المحلي المحدود والمجتمع الزراعي الريفي بشكل كبير، الأطباء في هذه الحقبة كانوا يعتبرون مهنتهم خدمة اجتماعية بحتة، دون تطلعات مادية كبيرة. 

شهدت السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي نهضة كبيرة في النظام الصحي الأردني، تم افتتاح العديد من المستشفيات والمراكز الصحية، وتم تحسين الخدمات الطبية بشكل ملحوظ، في هذه الفترة، بدأت أجور الأطباء تشهد ارتفاعاً تدريجياً مع تزايد الطلب على الرعاية الصحية. لكن، على الرغم من هذا النمو، كانت الأجور لا تزال غير كافية لتلبية التطلعات المهنية والمعيشية للأطباء. 

دخل الأردن في التسعينيات فترة من التحديات الاقتصادية الناجمة عن التحولات السياسية والاقتصادية الإقليمية. تزامن هذا مع زيادة في أعداد الأطباء المتخرجين، ما أدى إلى زيادة المنافسة وانخفاض نسبي في الأجور. الحكومة الأردنية، في محاولتها لدعم الاقتصاد المحلي، لم تكن قادرة على تقديم زيادات كبيرة في رواتب الأطباء، ما أدى إلى حالة من الإحباط والاستياء بين صفوفهم.

مع دخول الألفية الجديدة، بدأت الحكومة الأردنية تنفيذ إصلاحات تهدف إلى تحسين النظام الصحي وزيادة كفاءته، جزء من هذه الإصلاحات كان يشمل محاولة رفع أجور الأطباء، مع التركيز على جذب الكفاءات الطبية وتقديم خدمات صحية عالية الجودة. في عام 2009، تم رفع الحد الأدنى للأجور إلى 145 ديناراً، وهي خطوة كانت تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية للأطباء والعاملين في القطاع الصحي. 

في السنوات الأخيرة، تباينت أجور الأطباء بشكل كبير بين القطاعين العام والخاص. بينما شهد القطاع الخاص زيادات ملحوظة في الرواتب، لا تزال أجور الأطباء في القطاع العام تعاني من جمود نسبي وفقاً لإحصائيات نقابة الأطباء الأردنية، والزيادة في الأجور لم تتماشَ مع التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة. 

في عام 2020، كان الحد الأدنى للأجور في الأردن 260 ديناراً، بزيادة نسبتها 70% على عام 2009، لكن هذه الزيادة لم تنعكس بشكل كافٍ على أجور الأطباء، في السنوات الأخيرة، زادت المطالب بتحسين أجور الأطباء في الأردن.

النقابات الطبية والجمعيات الصحية كانت في طليعة هذه المطالبات، داعية الحكومة إلى مراجعة سياسات الأجور لتتناسب مع التحديات الاقتصادية والضغوط المهنية التي يواجهها الأطباء. 

رئيس نقابة الأطباء الأردنيين، د. زياد الزعبي، أكد أن الأطباء يستحقون أجوراً تعكس حجم المسؤولية والخبرة التي يحملونها، مشيراً إلى أن ربط زيادة أجور المواطنين بزيادة أجور الأطباء يمثل معادلة غير صحيحة إطلاقاً. 

في ضوء هذه الخلفية التاريخية والمعطيات الراهنة، يظل موضوع أجور الأطباء في الأردن قضية مركزية تتطلب اهتماماً حكومياً ومجتمعياً مستمراً. 

الأطباء، الذين يمثلون خط الدفاع الأول في النظام الصحي، يستحقون تقديراً عملياً ينعكس في أجورهم وظروف عملهم، لضمان استمرارية تقديم خدمات صحية عالية الجودة لجميع المواطنين.

رئيس نقابة الأطباء الأردنيين، د. زياد الزعبي

زيادة أجور الأطباء يجب أن تكون جزءاً من سياسة شاملة 

وقال الحقوقي الأردني البارز، نضال منصور، إن قانون أجور الأطباء الجديد في الأردن يشكل خطوة مهمة ولكنه يحتاج إلى مراجعة وتعديل لتحقيق العدالة والإنصاف الكاملين، الأطباء يمثلون عموداً فقرياً في النظام الصحي، ودورهم الأساسي في تقديم الرعاية الصحية يتطلب تعويضات مالية تعكس مدى أهمية عملهم وتضحياتهم على مر السنوات، ارتفع الحد الأدنى للأجور بشكل ملحوظ، ما أتاح للعاملين في قطاعات مختلفة تحسين ظروفهم المعيشية، في حين ظلت أجور الأطباء ثابتة، ما أدى إلى تآكل قيمتها الفعلية في ظل التضخم وزيادة تكاليف المعيشة، وكان يجب أن يُنظر إلى تعويض الأطباء كجزء من حقهم في الحصول على أجر عادل يتناسب مع جهودهم وكفاءاتهم.

وتابع منصور، في تصريحات لـ"جسور بوست"، الأطباء يتحملون مسؤوليات كبيرة ومخاطر مهنية يومية، وبالتالي فإن تعويضهم بشكل عادل ليس فقط مسألة إنصاف، بل هو ضرورة لضمان استمرارهم في تقديم خدمات طبية عالية الجودة، بقاء الأجور على حالها بينما تتزايد الأعباء الاقتصادية يمكن أن يؤدي إلى استياء بين الأطباء، ويحفز على هجرة العقول إلى الخارج، ما سيضعف النظام الصحي المحلي. 

وأكد نضال، أن زيادة أجور الأطباء يجب أن تكون جزءاً من سياسة شاملة تهدف إلى تحسين النظام الصحي بأكمله، هذا يتطلب من الحكومة اتخاذ إجراءات موازية لضمان عدم تحميل المواطنين أعباء مالية إضافية نتيجة هذه الزيادة، ومن المهم أن تظل الرعاية الصحية متاحة وميسورة للجميع، خاصة لأصحاب الدخل المتوسط والمنخفض، لذلك، ينبغي أن تتضمن أي زيادة في أجور الأطباء سياسات داعمة مثل رفع الحد الأدنى للأجور وتحسين التأمين الصحي للمواطنين، لضمان أن تكون الرعاية الصحية في متناول الجميع. 

 نضال منصور

واستكمل، أنه يتعين على الحكومة والمؤسسات ذات الصلة تعزيز الشفافية في كيفية توزيع الأجور والمكافآت داخل النظام الصحي، وضمان أن تكون هناك معايير واضحة وعادلة لتقييم أداء الأطباء وتحديد تعويضاتهم. 

وأتم، يجب أن تكون هناك مراجعات دورية للأجور تتناسب مع التغيرات الاقتصادية والتضخم لضمان استمرار عدالة الأجور.

القانون يمنع هجرة الكفاءات

وقالت الحقوقية والبرلمانية السابقة ليلى حداد، إن قانون زيادة أجور الأطباء يمكن أن يؤدي إلى تحسين كبير في الحياة المهنية والشخصية للأطباء في الأردن، مع تأثيرات ممتدة تشمل المجتمع والنظام الصحي ككل اقتصاديًا، سيسهم هذا القانون في رفع مستوى معيشة الأطباء، ما يمنحهم القدرة على تلبية احتياجاتهم الأساسية والمتقدمة، عندما يتحسن الوضع المالي للأطباء، فإنهم يستطيعون الاستثمار في تطويرهم المهني، سواء من خلال التعليم المستمر أو التدريب المتخصص، ما ينعكس إيجابياً على جودة الرعاية الصحية المقدمة للمرضى. 

وتابعت حداد، لـ"جسور بوست"، الاستقرار المالي يشجع الأطباء على البقاء في وظائفهم الحالية، ما يقلل من نسبة الهجرة إلى الخارج بحثاً عن فرص أفضل، ويحافظ على الكفاءات الطبية داخل البلاد على المستوى الاجتماعي، تحسين أجور الأطباء يعزز من شعورهم بالرضا الوظيفي والانتماء إلى مهنة تقدر جهودهم وتكافئهم بشكل عادل. هذا الشعور بالرضا يمكن أن ينعكس في زيادة الالتزام والاهتمام بالمرضى، ما يرفع من مستوى الثقة بين الأطباء والمرضى. 

وأكدت أن الأطباء الذين يشعرون بالتقدير من خلال أجور عادلة يكونون أكثر استعداداً لبذل جهد إضافي في عملهم، ما يساهم في تحسين جودة الخدمات الصحية بشكل عام، من جهة أخرى، الأطباء الذين يحصلون على أجور مرتفعة تصبح لديهم القدرة على تحسين نمط حياتهم وحياة أسرهم، من خلال تحسين السكن، والتعليم، والرعاية الصحية لأفراد عائلاتهم. 

ليلى حداد

وتابعت، هذا التحسن في نوعية الحياة يعزز من استقرارهم النفسي والاجتماعي، ما ينعكس إيجابياً على أدائهم في العمل، بالإضافة إلى ذلك، زيادة الأجور يمكن أن تحفز الأطباء على المشاركة في الأنشطة المجتمعية والخيرية، ما يعزز من دورهم كمساهمين في تنمية المجتمع المحلي، لكن لتحقيق هذه الفوائد بشكل مستدام، من الضروري أن تكون هناك سياسات موازية تضمن عدم ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية على المواطنين. 

وأتمت، يجب أن تضمن الحكومة وجود آليات دعم مالي للأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض حتى لا تتأثر سلباً من زيادة أجور الأطباء، كما أن وجود رقابة صارمة على تسعير الخدمات الصحية يمكن أن يمنع حدوث تضخم غير مبرر في تكاليف العلاج.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية