مؤسس مركز حماية وحرية الصحفيين لـ "جسور بوست": لا توجد انتهاكات «جسيمة» لحقوق الإنسان بالأردن
مؤسس مركز حماية وحرية الصحفيين لـ "جسور بوست": لا توجد انتهاكات «جسيمة» لحقوق الإنسان بالأردن
نضال منصور: حرية الصحافة الأردنية بين مدٍ وجزر.. ويجب الشروع في إصلاح قانون الجرائم الإلكترونية
حرمان المرأة الأردنية من منح الجنسية لأطفالها مخالِف للدستور وتمييز على أساس الجنس
الملك عبدالله أنقذ الأردن من السقوط في ثورات الربيع العربي
نحتاج لمواءمة كل القوانين والأنظمة في الأردن مع منظومة حقوق الإنسان
أجرى الحوار- سلمان إسماعيل
مرّ العالم العربي بعقد صعب شهد سقوط أنظمة حكم، وسقوط دول في دوامات الحرب الأهلية وانتشار الجماعات الإرهابية، ما كان له شديد الأثر على حالة حقوق الإنسان وملفات مهمة مثل التنمية والديمقراطية والتقدم والارتقاء بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية جنبا إلى جنب مع الحقوق المدنية والسياسية، بينما نجت أنظمة أخرى من السقوط عبر اعتماد حزمة إجراءات للتجاوب مع مطالب المواطنين.
ومن بين الدول التي اعتمدت مقاربات مع الشارع السياسي، يبرز الأردن الذي خرج من إعصار الربيع العربي في 2011 دون خسائر كبيرة.
وتتأرجح وضعية حقوق الإنسان في الأردن بين الصعود والهبوط في فترات مختلفة منذ انتهاء حقبة الأحكام العرفية أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وإقرار قانون الأحزاب، وإفساح المجال أمام الصحافة، وقد حقق الأردن تقدما على مؤشر حرية الصحافة لعام 2023 بقفزه 12 مركزا للأمام ليحل في المركز الـ132 بعد أن كان 144 في العام السابق.
وتبقى مسألة التمييز ضد المرأة من الملفات الملحة التي تتطلب سرعة التحركات لحلها، وأبرزها حرمان المرأة الأردنية من حق منح الجنسية لزوجها أو أولادها، من بين أمور أخرى كمسألة المساواة بين الجنسين في العمل والمساواة في الأجور، بعد مرور 25 عامًا على تولي الملك عبدالله الثاني مقاليد الحكم في الدولة الواقعة على حدود ملتهبة (العراق وسوريا وفلسطين).
الخبير الحقوقي ومؤسس مركز حماية وحرية الصحفيين في الأردن، نضال منصور، تحدث إلى «جسور بوست» عن حالة حقوق الإنسان والحريات العامة وحقوق النساء، وكذلك التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لحرب غزة على حالة حقوق الإنسان والتنمية في الأردن، مؤكدا ضرورة الانضمام إلى مزيد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، ومواءمة التشريعات الوطنية مع هذه الاتفاقيات.
- ما تقييمك لحالة حقوق الإنسان في الأردن؟
بعد عودة الحياة البرلمانية والديمقراطية وانتهاء حقبة الأحكام العرفية في 1989، كان الأردن يتمتع دائما بهامش من الديمقراطية، لكن ذلك لم يكن مستقرا، وأحيانا كانت المساحات تتوسع وتتقدم إلى الأمام، وأحيانا أخرى تتعرض إلى انكسار وتراجع، وهذا يخضع إلى المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن المهم دائما النظر إلى الأردن بأنه يعيش في جوار صعب في إقليم صعب مشتعل وملتهب، فعلى حدوده يقع الكيان الصهيوني وأيضا سوريا والعراق، وكل هذا الإقليم في السنوات والعقود الماضية لا يتسم بالاستقرار.
ونتذكر ما حدث في العراق منذ عام 1990 والتحولات والحروب بعد احتلال الكويت والحصار الممتد للعراق حتى إسقاط نظام صدام حسين، ولا نغفل كون إسرائيل دولة استيطانية توسعية، كانت وما زالت تهدد بطرد وتهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار، والأردن الأقرب إلى فلسطين والأكثر حدودا جغرافية معها.
أضف لذلك ما حدث في سوريا من صراع وحرب دامية ومدمرة منذ 2011 حتى هذه اللحظة، وهذه الأجواء تؤثر دائما على استقرار حالة حقوق الإنسان في الأردن.
وكيف أثرت ثورات الربيع العربي على استقرار الأردن رغم أنه لم يعشها؟
هناك من يرى في داخل النظام الأردني أن الديمقراطية بمعناها الحقيقي والانطلاق في مسار في حقوق الإنسان بمسار يضمن كل المرتكزات الدستورية ويتواءم مع المعايير والمعاهدات الدولية ربما ليس أوانه، ومؤجل إلى ما بعد استقرار المنطقة، والوصول إلى حل الدولتين في فلسطين.
وبشكل عام، لا توجد انتهاكات جسيمة في الأردن، فالبلد لم يعرف القتل ولا الإخفاء القسري ولا التعذيب الممنهج والمتعمد، وهذا لا يعني أنه لا توجد هناك انتهاكات غير جسيمة تحدث هنا وهناك، ويكون هناك إشارة لها، أيضا الفضاء العام يتعرض أحيانا إلى الضغط وأحيانا يتوسع، مثلا في 2011 كانت هناك ميزة للنظام الأردني والدولة الأردنية أنها استطاعت أن تتواءم مع المتغيرات دون أن تسقط نقطة دم واحدة واستطاعت أن تتجاوب مع مطالب الناس وأن تقوم بتعديلات دستورية واسعة وأن تتجاوب مع رغبة القوى السياسية.
- كيف ترى موقف الأردن في ما يتعلق بحرية الرأي والتعبير؟
حرية الرأي والتعبير لا تنفصل عن الحالة العامة للحالة السياسية وحالة حقوق الإنسان في البلاد، كما قلت ما قبل 1989 وما بعدها مختلف تماما، ولكن ظلت الحياة السياسية أيضا بعد عودة الحياة الديمقراطية فقيرة، وظلت المحركات الأساسية المسيرة للمجتمع الأردني تتسم بطابع المجتمع المحافظ، وسيطرت سطوة العشيرة، وفي ذات الوقت كانت هناك حرية تعبير الصحافة الأردنية والإعلام الأردني مر بمرحلة التحولات من بداية 1990 في عصر الصحف الورقية، مرورا بالمواقع الإلكترونية، ووصولا إلى منصات التواصل الاجتماعي، التي جاءت لتؤكد أن كل أردني يستطيع التعبير عن رأيه، وأن يكون لديه منصته في التعبير.
وأصبحت هناك جرأة في طرح الأشياء وأحيانا كان هناك تجاوز لما يسمى التابوهات والخطوط الحمراء في داخل المجتمع الأردني، ولكن في المقابل كانت الحكومات المتلاحقة تحاول أن تستخدم القانون كأداة للتقييد، ففي عام 1997 قررت قانونا مؤقتا للمطبوعات والنشر حاول أن يضغط ويقيد الصحافة الأسبوعية، وصدر قانون في 2011-2012 لتقييد والضغط على المواقع الإلكترونية، ثم جاء قانون الجرائم الإلكترونية في 2015 ثم تعديلاته اللاحقة في العام الماضي ليضيق على الفضاء في المنصات الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي والفضاء الرقمي، وزاد من تغليظ عقوبات السجن والغرامات.
وبالتالي نجد أن حرية الرأي والتعبير بين مدٍ وجزر في الأردن، وهناك محددان؛ الأول حالة التشريع، والثاني هو هذا التجاذب بين القوى السياسية والقوى المجتمعية.
- ولكن الأردن حل في المرتبة الـ132 على مؤشر حرية الصحافة العالمي متقدما 12 مركزا.. كيف ترى ذلك؟
نعم في عام 2023 وفي تقرير (مراسلون بلا حدود)، حقق الأردن تقدما بنحو 12 مركزا، وأيضا نحن في مركز حماية وحرية الصحفيين نعمل على إصدار تقريرنا السنوي لحالة الحريات، ونعتقد أن هناك تقدما نسبيا، وهذا يعود لتراجع الانتهاكات الجسيمة وبقاء بعض الانتهاكات غير الجسيمة، مثل تزايد مؤشر الرقابة الذاتية والرقابة المسبقة، وأيضا أوامر منع النشر.
ويحتاج الأردن إلى أن يعمل بشكل حثيث لحين استقرار حالة حرية الإعلام ويحتاج إلى مراجعة جدية للتشريعات والبيئة التشريعية، وتحديدا قانون الجرائم الإلكترونية إذ أشار الملك عبدالله الثاني إلى أنه يمكن مراجعته على ضوء التطبيق إذا تبين أنه يضع قيودا على الحقوق والحرية.
ومن المهم الإشارة إلى أنه بعد هذا التقدم الذي حدث في عام 2023، إذا استمر استخدام قانون الجرائم الإلكترونية على هذه الوتيرة فإنني أعتقد أن الأردن سيعود للتراجع في مؤشر الحريات. وعلى الحكومة وأجهزة الدولة المباشَرة في ورشة لإصلاح هذا القانون والقوانين الأخرى المنظمة لحرية الإعلام.
- ينظر لحرمان المرأة الأردنية من منح الجنسية لزوجها أو أبنائها على أنه تمييز على أساس الجنس.. كيف يمكن معالجة هذا الأمر؟
الدستور الأردني ينص على تساوي الحقوق بين الرجال والنساء، لكن القوانين جاءت بشكل مخالف لتحرم المرأة من منح الجنسية لزوجها وأبنائها، وهذا يعتبر تمييزا على أساس الجنس، وكل المحاولات التي قامت بها منظمات المجتمع المدني في السنوات الماضية في هذا الاتجاه باءت بالفشل، لأن هناك من يحاول داخل الحكومة أن يعتبر هذا الموضوع سياسيا، وأنه سيؤثر على استقرار الفلسطينيين في وطنهم، وأن هذا يساعد على التهجير من فلسطين إلى الأردن، ولكن نحن لا نوافق على هذه الرؤية، ونرى أنه يجب تطبيق الالتزام بنص الدستور: الأردنيون والأردنيات متساوون أمام القانون. وبذات الوقت الالتزام في الإطار المعاهدات والاتفاقيات التي صادق عليها الأردن. وعلى الأردن أن يرفع كل التحفظات من اتفاقية "سيداو" وأن يعيد الأمور إلى نصابها، وأن تتمكن المرأة الأردنية من منح الجنسية لزوجها وأبنائها.
وما تقييمك لتمتع المرأة الأردنية ببقية الحقوق والحريات؟
أعتقد أن المشكلة في وضع النساء في الأردن ليست فقط في موضوع الجنسية، فهناك خلل في موضوع التوظيف؛ نسبة المرأة في القوى العاملة أقل من الرجال، وأحيانا يكون هناك مشكلات في الأجور، وأحيانا تكون بيئة العمل ليست مواتية وليست ملائمة، وبالتالي هناك جهود حكومية وهناك لجنة حكومية لتحسين واقع المرأة في سوق العمل، ويجب أن تسرع الخطى في التعامل مع المسألة، ومنع التمييز ضد النساء.
- كيف أثرت الحرب في غزة على الأوضاع السياسية والاقتصادية في الأردن، وما انعكاس هذا على التمتع بحقوق الإنسان؟
الحرب في غزة كان لها ضرر كبير جدا على الاقتصاد في الأردن، فالتشابك بين الأردن وفلسطين واسع جدا، وما يحدث في فلسطين من عمليات إبادة جماعية وعمليات قتل مستمر وحملة تجويع وتهجير تؤثر على الأردن، ولذلك فإن الأردن منذ 7 من أكتوبر وحتى هذه اللحظة يواجه ركودا اقتصاديا في كل القطاعات، وتحديدا في القطاع السياحي، لأنه حين يحدث شيء في فلسطين فإن المنطقة تتأثر وتصبح كلها منطقة حرب، وبالتالي يمتنع الناس عن السفر.
التفاعل مع حرب الإبادة التي تمارس على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية دفع الآلاف من المواطنين والمواطنات في الأردن إلى تنظيم تظاهرات وحملات احتجاج مستمرة وكانت السفارة الإسرائيلية في عمان هدفا لهذه التظاهرات، وقد أحدث ذلك أيضا حالة احتكاك بين رجال الأمن والمتظاهرين، وتسبب هذا الموضوع بالضغط على حق الناس في التجمع والتظاهر، وقد أدى أحيانا لحالات توقيف وإحالات للمحكمة بجرم مخالفة قانون الجرائم الإلكترونية، وأحيانا بموجب قوانين أخرى.
وأستطيع أن أقول بأنه في الأشهر الأولى من العدوان الإسرائيلي على غزة حرصت الحكومة على ضبط النفس وعلى أن تحاول قدر الإمكان ألّا تحتك مع جمهور المتظاهرين ولكن لم تبق الأمور على ما هي عليه، وحدثت احتكاكات وحدثت انتهاكات قد يكون المسؤول عنها أحيانا رجال الأمن، وقد يكون المسؤول عنها بعض المتظاهرين الذين لا يلتزمون بالتوجيهات الصادرة عن الأمن العام بعدم تجاوز بعض المناطق التي لا يسمح بالتقدم بعدها.
- احتفل الأردن مؤخرا بمرور 25 عاما على جلوس الملك عبدالله على العرش.. ما التطورات الحقوقية التي شهدتموها في عهده؟
في هذا الربع قرن منذ عام 1999 شهدنا أحداثا مفصلية، على سبيل المثال نتذكر أحداث 11 سبتمبر التي ضربت في عمق الولايات المتحدة وأثرت بشكل كبير على العالم، وكان لها تداعيات على العالم العربي والإسلامي، وبلورت صورة ربط الإرهاب بالعرب والمسلمين.
بذل الملك عبدالله جهودا كبيرة من أجل تغيير هذه الصورة، ومن أجل تأكيد أن الإرهاب لا دين له ولا هوية له، ثم جاءت الحرب التي شنتها الولايات المتحدة والتحالف من أجل إسقاط نظام صدام حسين في العراق، وما تبعه من ذلك من تأثيرات وتداعيات على الأردن، وكيف أراد الأردن أن يعزز ويواصل علاقاته المتميزة مع الحكم الجديد في العراق، رغم محاولات إيران والنظام الإيراني سحب العراق خارج الإطار العربي.
ويجب أن نتذكر أنه كانت هناك محطة ثالثة هي الربيع العربي في 2011 وكيف تداعت وسقطت أنظمة محاذية وقريبة من الأردن، وكيف استطاع النظام الأردني بقيادة الملك عبدالله أن يصل بالناس إلى بر الأمان في ظل هذه القضايا، ويجب أن نرى التحولات التي أحدثها في الاقتصاد الأردني وفي السياحة وفي التحول نحو الاقتصاد الرقمي.
- ما التحديات القائمة التي تتطلب جهدا أكبر لتعزيز حقوق الإنسان في الأردن؟
أعتقد أن هناك سياقات مهمة يجب أن نبذل جهدا من أجل أن نعمل عليها، السياق الأول هو المسار التشريعي، وأعتقد أنه من الضرورة أن يكون هناك عمل حثيث لمواءمة كل القوانين والأنظمة والتعليمات في الأردن مع منظومة حقوق الإنسان، ويجب أن تكون متسقة مع المعاهدات والاتفاقيات التي صادق عليها الأردن، وأيضا على الأردن أن يذهب للمصادقة على اتفاقيات أخرى لم يصادق عليها.
وقد شكلت الحكومة الأردنية لجنة لمواءمة التشريعات مع المعايير الدولية ومع المعاهدات والاتفاقيات الدولية لكنها لم تنجح حتى الآن في أن تفعِّل عملها وأن تنطلق نحو جهد عملي لوضع كل التشريعات تحت التشريح لإحداث تعديلات جوهرية.
ويجب كذلك أن تكون كل السياسات الحكومية لديها مقاربة تتفق مع أن أي سياسة يجب أن تدرس الأثر الذي يترتب عليها على حقوق الإنسان، وهذا يذكرني بأن هناك استراتيجية لحقوق الإنسان تجب مراجعتها ويجب أن تكون لديها مؤشرات قابلة للقياس وليس كلاما مرسلا وعاما.