هل تنجح ثقافة حقوق الإنسان في عصر العبودية الإلكترونية؟!

هل تنجح ثقافة حقوق الإنسان في عصر العبودية الإلكترونية؟!

كلما ارتقى المستوى التعليمي والأخلاقي للسكان اقتربت ثقافة المجتمع من النمو المثالي لحقوق الإنسان، هكذا ينظر الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع السياسي، لتعزيز ثقافة حقوق الإنسان في المجتمع، والحقيقة أن هذا ما يثير انتباهي في الفترة الأخيرة، خاصة مع انتشار ثقافة «التريند»، وأصبح الناس يلهثون وراء «التريند»، منهم فنانون، وصانعو المحتوى على «السوشيال ميديا» وقطاع كبير من المواطنين.

يبدو أن هوس «السوشيال ميديا» جعل الناس تسعى وراء ما يتم تقديمه، والبحث عن التواجد في ذهن رواد التواصل الاجتماعي، حتى ولو عبر تقديم محتوى غير هادف ولا يهم الناس بالأساس، مثل مطرب شهير يقوم بمشاركة مقطع غنائي مع متابعيه وهو في الحمام، وبرر ذلك بأنه يبحث عن مشاركة الناس تفاصيل يومه، وأن يكون قريبًا منهم دائمًا.

هناك أيضًا من يبحث عن إثارة الجدل، حتى ولو تعرض للسباب والنقد، فالمهم هو أن يكون في أذهان الناس، وأن يتحدثوا عنه سلبًا أو إيجابًا، لا يهم، وكأنهم يروجون لقاعدة: «أنا أتعرض للسباب إذًا أنا موجود»!

الحقيقة كلها أمور تعود لقصور في التنشئة والبيئة الثقافية والاجتماعية المحيطة بهم، فالمحتوى التعليمي لم يعد كما كان، إلى جانب ضعف المساحة الممنوحة للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في دفع مزيد من الأفراد للانضمام إليهم، وبالتالي خلق مناخ صحي يقوم على أنشطة مختلفة على أرض الواقع، وليس عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وسبق أن أسست جمعية النهضة بالتعليم من أجل ربط التربية المدنية بالتعليم، وجذب الشباب في سن مبكرة للانخراط في المجتمع بشكل إيجابي، وعمل أنشطة وفعاليات مختلفة تعود بالنفع عليهم أولًا ثم مجتمعهم، وربما لو تم تفعيل هذه الأفكار مرة أخرى مع تقديم حوافز عبر درجات في المجموع الكلي سيكون لها دافع أكبر وأشمل، وكذلك ستكون فرصة لكي يقدم كل طالب إبداعه وأفكاره في سن مبكرة، على أن يتم صقلها لاحقًا، وتعزيز فرص تنشئة مجتمع صحي يقوم على حماية المواهب ورعايتها ومنحها امتيازات، بدلًا من ترك هؤلاء فريسة غول منصات التواصل الاجتماعي بلا فائدة. المتابع لما يحدث على الفضاء الإلكتروني يشعر بالأسى على شبابنا وأطفالنا، فلا توجد خطة واضحة لهم، اليوم يلهثون وراء أغنية ما أو موقف ما، وغدًا ينسون ذاك ويبحثون عن الجديد، لكن ماذا عن العقل النقدي؟ ماذا عن المحتوى التعليمي؟ ما المنتج الثقافي الذي يقدمه المجتمع؟ كلها تساؤلات نقف عندها، وتوضح غياب القيم الأخلاقية التي كانت سائدة في عقود سابقة، وهو ما دعا المثقفين وخبراء التنمية يؤكدون أننا نشهد ردة ثقافية وأخلاقية غير مسبوقة.

الحل بسيط، عبر تكامل وتعاون بين وزارتي التربية والتعليم والثقافة، وربط مراكز الشباب بالقصور الثقافية، وفتح مؤسسات الدولة للجميع عبر برنامج قومي يبدأ مع الأطفال، وتقديم حوافز لهم حتى يتم الإقبال عليه، وحينها ينمو الطفل على قيم محددة وثقافة مجتمعية تحترم حقوق الإنسان والقيم الأخلاقية والمعرفة السياسية حول الأحزاب، وتنظيم رحلات مدرسية للقصور الثقافية والأحزاب السياسية، وعمل ندوات مصغرة لهم، ومناقشة قضايا مجتمعية، ومحاولة فصل الناس تدريجيًا عن الفضاء الإلكتروني من خلال فتح المجال العام، ففي الإغلاق سم قاتل، ويجعلهم يكتفون بما يقومون به على المنصات الإلكترونية، وتدمير عقول وأحلام ملايين الناس.

وسبق أن قدمت مقترحات خلال وجودي في اللجنة الثقافية والاجتماعية بالمجلس القومي لحقوق الإنسان خلال رئاسة الوزير المخضرم والحقوقي البارز محمد فائق، ويمكن الحديث عنها بالتفصيل لاحقًا، لكن المهم علينا أن نبدأ الآن وننتشل هؤلاء من عبودية المنصات الإلكترونية.


نقلاً عن صحيفة المصري اليوم


 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية