ناديا مراد.. إيزيدية نجت من "العبودية الجنسية" ونالت جائزة الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان
عقب فوزها بجائزة سخاروف
"تم تجميع النّساء والأطفال في حافلات وبيعهم في عبودية جنسية مرعبة بشكلٍ لا يمكن وصفه".. بهذه الكلمات القاسية تروي الناشطة الإيزيدية العراقية ناديا مراد مأساتها، قبل أشهر من حصولها على جائزة الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان وحرية التعبير.
وفي يوليو الجاري، قالت المجموعة الليبرالية في البرلمان الأوروبي، إنها منحت جائزة "أندريه سخاروف" لحقوق الإنسان وحرية التعبير إلى ناديا مراد ولمياء حجي بشار من الطائفة الإيزيدية في العراق، اللتين تعرضتا للاعتداء والاضطهاد من جانب تنظيم "داعش" الإرهابي.
ناديا مراد باسي (مواليد عام 1993) هي ناشطة إيزيدية عراقية من قرية كوجو في قضاء سنجار، تم اختيارها في عام 2016 سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة، فيما حصلت على جائزة نوبل للسلام في عام 2018.
وكانت ناديا مراد من بين آلاف السيدات والفتيات اللاتي خطفن واحتجزن في إطار ما سمي بـ"العبودية الجنسية" على يد مقاتلي التنظيم المتطرف الذين حاصروا الإيزيديين في قريتهم بشمال العراق في صيف 2014.
وأُخذت ناديا عنوة لتكون سبية بعد أن تمكن "داعش" من احتلال منطقتها وقتل أهلها في القرية من بينهم أمها وستة من إخوانها، لكنها تمكنت من الهروب بعد 3 أشهر من اختطافها وبيعها على يد التنظيم الإرهابي لوجهة آمنة، قبل ترحيلها إلى ألمانيا لتتلقى العلاج من الأذى الجسدي والنفسي الذي تعرضت له، بما في ذلك الاغتصاب الجنسي والعنف وكافة أنواع التنكيل.
وعقب هروب ناديا بوقت قصير بدأت تتحدث علناً عن الاتجار بالبشر والعنف الجنسي، خاصة أن هذه القضايا تتعلق بالنساء الإيزيديات، كما تتحدث أيضًا عن سوء معاملة المجتمع الإيزيدي على نطاق أوسع.
ودعت مراد إلى اعتبار المذبحة التي قام بها تنظيم "داعش" الإرهابي ضد كثير من الإيزيديين "إبادة جماعية"، إذ تقول في إحدى مقالاتها: "لن تغادرنا يومًا صدمةُ ما حدث في قريتنا يومها، وبينما كان العالم يدرك أن داعش كان يسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي في العراق، لم تُنقل أخبارُ مأساتنا الشخصية".
أحلام مسروقة
ومن رحم المعاناة باتت ناديا مراد داعية حقوقية، حيث زارت كلا من هولندا والسويد وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا، للمطالبة بتحرير المختطفات الإيزيديات لدى تنظيم "داعش" ولحماية حقوق المرأة والطفل في جميع أنحاء العالم.
وظهرت في عدة مقابلات تلفزيونية لتروي قصة خطفها من قبل التنظيم الإرهابي، وعقدت لقاءات دبلوماسية منها لقاء مع مجلس الأمن الدولي، ومؤسسة الأزهر الشريف في مصر، والكنيست الإسرائيلي حيث طالبت تل أبيب بالاعتراف بالإبادة التي حصلت للإيزيديين في العراق.
وتقول ناديا مراد: "كانت النساء الإيزيديات على هامش المجتمع في وقت السلم، ولكن مع احتدام الصراع، صرنا غير مرئيات، ومع ذلك، لو أن أحدًا بحث عنّا لوجدَ الأدلّة، فقد كتبتْ داعش بوضوح في بيانها أنّها تريد القضاء على الإيزيديين بالقتل والاغتصاب وتغيير الدين قسريا، كما أن المسلحين كانوا يبيعون النساء والفتيات الإيزيديات علنًا على وسائل التّواصل الاجتماعي".
وتعد الشابة الإيزيدية أول مبعوثة خاصة لصيانة كرامة الناجين من الاتجار بالبشر في منظمة الأمم المتحدة، واعترافا بجهودها نالت في عام 2018 جائزة نوبل للسلام.
وفي اليوم العالمي للمرأة 2022 قالت ناديا مراد: "تشجعنا على تصور عالم تسوده العدالة بين الجنسين، إلا أنني أقول إنه لا يتوجب علينا تصور هذا العالم إطلاقا، الأحرى بنا أن نبدأ ببنائه فعليا، بشكل مباشر".
وأضافت: "لقد تصورت حياتي بشكل مختلف تماما عما أعيشه اليوم، إلا أن عالم الواقع الحافل بالظلم، الذي نعيشه، والذي يغذيه العنف والحرب قادني إلى طرق مختلفة، لكنني اليوم أرفع صوتي بكل فخر من أجل النساء اللاتي سرقت أحلامُهن، كما سُرِقت أحلامي".
وأوضحت: "بمجرد أن هربت من خاطفيّ في العراق، بدأتُ أتكلّم. أردتُ أن يعرف العالم عن العنف الجنسي المنهجي الذي يرتكبه داعش، لم أكن أملك أداةً إلا صوتي أحاول بها إنقاذَ صديقاتي وأفراد عائلتي الذين كانوا ما يزالون في الأسر".
واستطردت قائلة: "أستخدم صوتي، عسى أن يأتي ذات يوم تصبح فيه المساواة بين الجنسين حقيقة، وحيث لا تضطر فيه سيدة أو فتاة للتخلي عن أحلامها أو آمالها، في سبيل الحفاظ على الوضع الراهن الظالم".
من رحم المعاناة
وتعمل الفتاة الإيزيدية إلى جانب عملها من أجل الناجين من جرائم القتل الجماعي والعنف الجنسي على “مبادرة ناديا”، التي تسعى إلى تحقيق عالم تعيش فيه المرأة بسلام، وحيث تتم بمشاركتها إعادة بناء المجتمعات التي تعاني من آثار العنف والصدمات.
وتقول ناديا مراد: "لدينا هدفان رئيسيان أولا: توفير الخدمات والموارد الرئيسية الأساسية للمعيشة في وطني، حيث تعاني المنطقة تحت وطأة ما تعرضت له من خسائر فادحة وظلم كبير، ثانيا: الكفاح من أجل فرض تغييرات سياسية في العالم تمنع بشكل خاص العنف الجنسي في مناطق النزاعات، وتحمي ضحايا مثل هذه الاعتداءات، وتوفر لهم الدعم والمساعدة اللازمين".
وتضيف: "بمساعدة الهيئة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) نجحنا على سبيل المثال في إعادة تأهيل 438 أسرة ريفية تعيلها النساء، وقمنا بتأمين مستلزمات المعيشة لها وتوفير التأهيل المهني للنسوة المعيلات، بحيث أصبح بمقدورهن الآن الزراعة وفق أسس الاستدامة".
وتابعت: "في ذات العام قمنا في سنجار بتنفيذ أول برنامج احتضان لمشروعات صغيرة أسستها النساء، ونجحنا في خلق آمال وآفاق جديدة لسبع وخمسين سيدة من الناجيات من سجون داعش، وقد حقق المشروع نجاحا باهرا، إلى درجة أننا قمنا بتحضير حملة ثانية من الدعم والمساعدة من أجل دعم 50 سيدة أخرى".
وتعتبر ناديا مراد أنه من دون تحقيق العدالة والمساواة بين الجنسين تبقى الإمكانيات في المشاركة بعمليات التحول والتطوير محدودة، ويصبح الفاعلون غير قادرين على تجنب أو منع الكثير مما أصاب الآخرين، وبالتالي يجب على الجميع العمل بنشاط وفعالية من أجل الوصول إلى العدالة والمساواة بين الجنسين، لأن بدونها تبقى المحاولات الرامية إلى إنهاء العنف الجنسي والسعي إلى عدم تكرار تجربة اضطرار أحد إلى الهروب من وطنه، محكوما عليها بالفشل.
وتتعاون مبادرة ناديا مع المجتمعات والمنظمات المحلية والدولية لتصميم ودعم وتنفيذ المشاريع التي تعزز استعادة التعليم والرعاية الصحية وسبل العيش والمياه والصرف الصحي والنظافة والثقافة وتمكين المرأة في المنطقة.
وجميع برامج مبادرة نادية موجهة نحو المجتمع، وتتمحور حول الناجين، ومصممة لتعزيز بناء السلام على المدى الطويل، كما أن المبادرة تدعو الحكومات والمنظمات الدولية إلى دعم الجهود لإعادة بناء سنجار، والسعي لتحقيق العدالة للإيزيديين، وتحسين الأمن في المنطقة، ودعم الناجين من العنف الجنسي في جميع أنحاء العالم.
قضية عادلة
والناشطة الإيزيدية هي مؤلفة مذكرات بعنوان "الفتاة الأخيرة: قصتي في الأسر ومعركتي ضد داعش"، والتي تحكي فيها كيف ألقي القبض عليها وتم استعبادها من قبل تنظيم داعش خلال الحرب الأهلية العراقية الثانية، والكتاب تسبب بفوز نادية مراد بجائزة نوبل للسلام 2018، وقد كتبت مقدمته المحامية الدولية البارزة أمل كلوني.
وفي العام نفسه، رفعت ناديا مراد دعوى قضائية ضد قادة تنظيم "داعش" الإرهابي بسبب أفعالهم في الإبادة الجماعية والاتجار بالبشر، كما لعبت دورًا فعالًا في صياغة وإصدار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2379، الذي دعا إلى إنشاء فريق تحقيق لدعم الجهود الرامية إلى محاسبة تنظيم داعش على جرائمه في العراق.
وفي عام 2019، شاركت مراد في تأسيس الصندوق العالمي للناجين مع الطبيب الكونغولي دينيس موكويجي، والملقب بـ"ملاك بوكافو" لجهده الدؤوب في مكافحة العنف الجنسي كسلاح في الحرب بجمهورية الكونغو الديمقراطية.
وساعدت الناشطة الإيزيدية في تمرير قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2467 لتوسيع التزام الأمم المتحدة ضد العنف الجنسي في حالات النزاع.
وتحدثت أيضا إلى العديد من المجموعات حول تجاربها وتجارب اللاجئين الإيزيديين الآخرين، ودافعت عن تشريعات حقوق المرأة، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، وتقديم دعم أفضل للناجين من العنف الجنسي المرتبط بالنزاع.
ويعانى المجتمع الإيزيدي، الذي يقع إلى حد كبير حول جبال سنجار في العراق، من الاضطهاد والتمييز لفترات طويلة، على عكس العديد من الأقليات الدينية الأخرى، إذ غالبًا ما يتعرض الإيزيديون للاضطهاد على أساس تعاليمهم.
وبحسب التقارير الدولية، لم يكن العنف القائم على السلوك الجنسي ضد المرأة الإيزيدية محض المصادفة، ولم يكن نوعا من التأثيرات الجانبية للنزاع المسلح، وإنما كان أحد الأسلحة الرئيسية لتنظيم داعش لإثارة الرعب والهلع وإعاقة التنمية وتقويض المجتمعات.
بعد حوالي 10 سنوات لا يزال حوالي 2800 طفل وامرأة سجناء أو مفقودين، بينما تمكن مئات الآلاف من الهروب والنجاة من داعش، لكنهم لا يستطيعون حتى الآن العودة إلى إقليم سنجار، بحسب التقديرات المحلية.