كامالا هاريس من النضال العرقي إلى الحقوق الإنسانية.. هل تعيد صياغة السياسة العالمية؟

كامالا هاريس من النضال العرقي إلى الحقوق الإنسانية.. هل تعيد صياغة السياسة العالمية؟
كامالا هاريس

كامالا هاريس من النضال الفردي إلى التأثير الجماعي.. كيف يمكن أن تعيد تشكيل السياسات الإنسانية الأمريكية؟

ترتيل درويش: كيف يمكن لنجاح كامالا هاريس أن يعزز حقوق الإنسان في غزة ويوفر أفقًا جديدًا للسلام؟

ليلى حداد: كيف يمكن تحويل تحديات السباق الرئاسي إلى فرص لتحقيق العدالة والمساواة؟

 

في زخم الحياة السياسية الأمريكية، تتألق كامالا هاريس كنجمة مضيئة في سماء العدالة وحقوق الإنسان، رحلتها ليست مجرد حكاية صعود سياسي، بل قصة نضال لا ينتهي من أجل قيم الإنسانية. 

كامالا، ابنة المهاجرين من جامايكا والهند، تشبه تلك الزهرة التي تتفتح في حقول متنوعة، مستمدة قوتها من جذور متعددة الثقافات، هذه النشأة الفريدة جعلتها تشعر بأوجاع الناس، وتتبنى قضاياهم بصدق وإخلاص. 

العدالة العرقية كانت ولا تزال في قلب اهتمامات هاريس في زمنٍ تزداد فيه الهوة بين الأعراق، تجد هاريس نفسها في الصفوف الأمامية، تنادي بالمساواة والعدالة.

تتردد في ذاكرتها صور الاحتجاجات التي عمت البلاد بعد مقتل جورج فلويد، وتدرك تمامًا أن الأمر يتعدى مجرد حادثة فردية، إنه انعكاس لنظام متجذر في الظلم.

أرقام مكتب التحقيقات الفيدرالي في عام 2021 تكشف عن زيادة بنسبة 76% في جرائم الكراهية ضد الأمريكيين من أصول إفريقية مقارنة بالعام السابق، هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي نبضات قلوب متألمة، وأصوات تنادي بالتغيير.

ولأن الحقوق ليست حكرًا على جنس دون آخر، كانت هاريس دائمًا نصيرة لحقوق المرأة، ترى في المرأة شجرة قوية جذورها في الأرض، وأغصانها ترتفع عالية في السماء، خلال عملها مدعية عامة في كاليفورنيا، حاربت العنف المنزلي وتجارة البشر بصرامة وحزم. 

لقد شهدت مكانة كامالا هاريس في الحزب الديمقراطي تحسنًا كبيرًا بفضل دفاعها القوي عن الحقوق الإنجابية، خاصة بعد قرار المحكمة العليا في عام 2022 بإلغاء قضية "رو ضد ويد"، التي كانت تضمن حق المرأة في الإجهاض. 

وقد أشاد الرئيس بايدن بدور هاريس في المساعدة على التصدي لموجة انتصارات الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي ذلك العام، حيث كانت هاريس بمثابة الصوت البارز للحملة المدافعة عن حقوق الإجهاض، سابحة عبر البلاد كمُتحدثة رئيسية في هذا الشأن.

الإحصائيات الصادرة عن مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) تشير إلى أن نحو 1 من كل 3 نساء في الولايات المتحدة قد تعرضن لنوع من العنف الجسدي من قبل شريك حميم في حياتهن، هذه الحقائق تضيف وقودًا لنار عزمها على تحقيق المساواة والعدالة للنساء.

ولا يمكن الحديث عن حقوق الإنسان دون أن نتطرق إلى معاناة المهاجرين واللاجئين هاريس، التي ترى في قصة كل مهاجر فصلًا من روايتها الخاصة، تشعر بعمق بمعاناتهم وأحلامهم المكسورة. 

في عام 2021، عملت إدارة بايدن على لم شمل أكثر من 500 عائلة مهاجرة فصلت على الحدود خلال إدارة ترامب، وصفت هاريس هذا الإجراء بأنه "خطوة نحو العدالة، ولكن الطريق ما زال طويلًا." في هذه الكلمات، نجد صدى لصوت كل أم مهاجرة فقدت أطفالها، وكل أب يائس يبحث عن ملاذ آمن لعائلته. 

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية تمثل جزءًا لا يتجزأ من رؤية هاريس لحقوق الإنسان، تدرك أن الفقر ليس مجرد نقص في المال، بل هو جرح عميق في كرامة الإنسان. 

تشير بيانات مكتب إحصاءات العمل الأمريكي إلى أن نسبة البطالة بين الأمريكيين من أصل إفريقي في عام 2020 بلغت نحو 9.6%، وهي نسبة أعلى بكثير من نظيرتها بين البيض (5.3%)، هذه الفجوة الاقتصادية تعكس ظلما صارخا، يجعل هاريس تعمل بلا كلل لتحسين الظروف الاقتصادية للفئات المهمشة، وتؤمن بأن الجميع يستحقون فرصًا متساوية في التعليم والصحة والعمل. 

وفي ميدان الصحة، تجد هاريس نفسها محاطة بمسؤولية ضخمة، فالحق في الرعاية الصحية ليس ترفًا، بل هو حق أساسي يجب أن يتمتع به الجميع. 

خلال جائحة كورونا، كانت هاريس من أشد الداعمين لتوسيع نطاق الرعاية الصحية لتشمل الفئات الأكثر تضررًا. 

تظهر بيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أن الأمريكيين من أصول إفريقية كانوا أكثر عرضة للوفاة بسبب كوفيد-19 بمعدل 2.8 مرة مقارنة بالبيض. 

هذه الأرقام تبرز الظلم الصحي الذي تعاني منه الأقليات، وحفزت هاريس للعمل على تحقيق العدالة الصحية. 

وفي مواجهة التغير المناخي، تقف هاريس كالشجرة التي تتحدى العواصف، تؤمن بأن البيئة الصحية هي حق للجميع، بغض النظر عن العرق أو الطبقة الاجتماعية. 

ففي قمة المناخ COP28، دعت هاريس إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الكوكب. قالت في خطابها: "التغير المناخي هو التحدي الذي يتطلب منا جميعًا أن نقف معًا، لأننا نعيش جميعًا تحت نفس السماء." هذه الكلمات تلمس قلوبنا، وتدعو الجميع للعمل من أجل كوكب أكثر صحة وأمانًا. 

من بين الأرقام والإحصائيات، تبرز كامالا هاريس كشخصية مميزة تجمع بين القوة والعطف، رحلة نضالها من أجل حقوق الإنسان ليست مجرد واجب سياسي، بل هي تعبير عن حب عميق للعدالة والكرامة الإنسانية. 

في عالم مليء بالتحديات والانقسامات، تظل هاريس شعلة أمل لكل من ينشد العدالة والحرية والمساواة، رؤيتها تعكس إيمانًا عميقًا بأن الإنسان يستحق حياة كريمة، بغض النظر عن عرقه أو جنسه أو دينه. 

في قلب هذه الرحلة الإنسانية، تتجلى قناعة هاريس بأن التغيير يبدأ من الفرد، وأن كل صوت وكل جهد يمكن أن يحدث فرقًا، كامالا هاريس ليست مجرد سياسية، بل هي تجسيد حي للقيم الإنسانية التي تجعل من عالمنا مكانًا أفضل للجميع. 

في نضالها المستمر، تظل مثالًا يُحتذى، تضيء الطريق أمام الأجيال القادمة، وتدعوهم للعمل من أجل حقوق الإنسان بصدق وشجاعة.

وأظهرت استطلاعات الرأي التي أجرتها (رويترز/ إبسوس) في الفترة من 15 إلى 16 يوليو تعادلًا بين هاريس وترامب بنسبة 44% لكل منهما، بينما تقدم ترامب على بايدن بنسبة 43% مقابل 41%. 

تعكس هذه الأرقام حالة الاستقطاب الشديد في المجتمع الأمريكي، حيث يبدو أن كل مرشح يتمتع بقاعدة قوية من المؤيدين والمعارضين.

وبحسب مؤسسة استطلاعات الرأي "Five Thirty Eight"، فإن 38.6% من الأمريكيين يوافقون على هاريس، بينما يعارضها 50.4%، وهي نسبة أعلى من بايدن الذي حصل على موافقة 38.5% ورفض 56.2%. 

هذه الأرقام تشير إلى أن هاريس تواجه تحديات كبيرة في كسب تأييد الجمهور، على الرغم من أنها تحظى بشعبية أكبر مقارنة ببعض الشخصيات الديمقراطية الأخرى التي تم اقتراحها كمرشحين محتملين للرئاسة، مثل حاكم كاليفورنيا جافين نيوسوم وحاكمة ميشيغان جريتشن ويتمير.

كيف يمكن لنجاح كامالا هاريس أن يغير مسار الأوضاع الإنسانية في غزة؟

علّقت الأكاديمية وخبيرة حقوق الإنسان اللبنانية، ترتيل درويش، بقولها، إنه وفي ظل الأجواء السياسية المتوترة والجدل الدولي المحيط بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي، يبدو أن نجاح كامالا هاريس في سباق الانتخابات الرئاسية قد يحمل تأثيراً ملحوظاً على حقوق الإنسان، وخصوصاً في غزة، فوز هاريس إذا تحقق، قد يعيد تشكيل السياسات الأمريكية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بشكل إيجابي، ويوفر فرصة حقيقية لتحسين الوضع الإنساني في غزة. 

وتابعت “ترتيل”، في تصريحات لـ"جسور بوست": لقد تميزت هاريس بمواقف قوية وملتزمة تجاه حقوق الإنسان خلال فترة توليها المنصب، وأبدت قلقها العميق إزاء الوضع في غزة، مشيرة إلى أهمية احترام القانون الإنساني الدولي حتى أثناء الدفاع عن النفس، لقد عبّرت بوضوح عن معارضتها للأعمال التي تستهدف المدنيين الأبرياء، معتبرة أن حجم معاناة الفلسطينيين في غزة "مدمر ومفجع"، هذه التصريحات ليست مجرد كلمات، بل تعكس قناعة عميقة بأن أي عملية عسكرية يجب أن تراعي حماية حقوق المدنيين وتخفيف معاناتهم. 

واسترسلت “ترتيل”: إنها تدعو إلى تعزيز مبادئ حقوق الإنسان في السياسات الدولية، مشددة على أهمية تطبيق خمسة مبادئ أساسية هي: عدم تهجير الفلسطينيين، وعدم إعادة احتلال غزة، وإنهاء الحصار، وعدم تقليص الأراضي الفلسطينية، وعدم استخدام غزة كمنصة للإرهاب. 

وشددت على أن هذه المبادئ تشكل قاعدة مهمة للتعامل مع النزاع بطريقة تحترم الحقوق الإنسانية الأساسية، وتفتح المجال لتحقيق تسوية سلمية دائمة، علاوة على ذلك، فإن هاريس تقدم رؤية تتجاوز النقاشات حول الوضع الحالي، لتشمل إعادة بناء البنية التحتية الأساسية في غزة، وتعزيز الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية، وتنشيط هيكل الحكم الفلسطيني، هذه الخطوات تمثل اعترافاً بأهمية تحسين الأوضاع المعيشية والإدارية في الأراضي الفلسطينية كجزء من استراتيجية أوسع لتحقيق السلام والاستقرار.

ترتيل درويش

وأشارت إلى أنه في حالة وصول هاريس إلى البيت الأبيض، فإنها تعتزم العمل على تحقيق رؤيتها التي تركز على السلام والأمن والازدهار في المنطقة، هذه الأهداف تشير إلى رغبة في تحقيق تغيير حقيقي وإيجابي في حياة الفلسطينيين، من خلال تقديم فرص التنمية وتحقيق الأمان الذي يعزز حقوق الإنسان من خلال هذه الرؤية والسياسات، فإن نجاح هاريس في الانتخابات قد يشكل تحولاً مهماً نحو تحسين الوضع الإنساني في غزة.

واستطردت: تقديم الدعم لإعادة بناء البنية التحتية، وتعزيز الحكم الرشيد، وضمان احترام حقوق الإنسان يمكن أن يسهم في تحقيق السلام والاستقرار، وبالتالي، تحسين حياة الفلسطينيين بشكل ملموس. 

وأتمت: نجاح كامالا هاريس في سباق الانتخابات الرئاسية قد يفتح آفاقاً جديدة لحقوق الإنسان في المنطقة، وسيعتمد نجاح هذه السياسات على تنفيذها الفعّال وتعاون المجتمع الدولي لتحقيق الأهداف الإنسانية المنشودة.

من الإنجازات إلى العقبات.. كيف يمكن لامرأة سوداء أن تحوّل الصعوبات إلى فرص؟

وقالت الحقوقية والبرلمانية التونسية السابقة ليلى حداد، إنه وعلى الرغم من النجاحات والإنجازات التي حققتها هاريس في مسيرتها المهنية، فإن الطريق إلى البيت الأبيض يبدو محفوفاً بالتحديات والصعوبات، إذا ما تمت ترقيتها لتكون مرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة، فسيكون أمامها ثلاثة أشهر فقط لتدشين حملتها، ولتوحيد الحزب والمانحين خلفها، وهي مهمة ليست باليسيرة في ظل الظروف السياسية الراهنة التي تشهد انقسامات حادة. 

وأكدت ليلى، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن تجربة الولايات المتحدة في انتخاب باراك أوباما كأول رئيس أسود في عام 2008 تظل إنجازًا تاريخيًا غير مسبوق، بينما فشلت هيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديمقراطي في عام 2016، في الفوز أمام دونالد ترامب، ما يسلط الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجهها أي مرشحة تسعى لتجاوز الحواجز في السياسة الأمريكية.

وقالت إن النظام الأبوي لا يزال متجذرًا في المجتمع الأمريكي، وإن هناك تحفظًا ملحوظًا على وجود امرأة سوداء في منصب الرئيس، هذا التردد يبرز العقبات التي تضعها البنية الاجتماعية أمام النساء، وبالأخص النساء السود، في الوصول إلى المناصب القيادية الرئيسية.

واسترسلت: كامالا هاريس، البالغة من العمر 59 عامًا، تتميز بأنها أصغر من ترامب بعقدين من الزمن، وهي زعيمة في حزبها وفي مواجهة ترامب، يمكن أن تعتمد هاريس على مهاراتها البارزة في المناظرات وخبرتها السياسية العميقة.

ليلى حداد

واستطردت: رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها، يرى أنصار هاريس أنها قادرة على التغلب عليها، فالتاريخ الأمريكي مليء بالعنصرية والتمييز على أساس الجنس، ومع ذلك نجحت هاريس في الصمود في وجه الهجمات غير العادلة المرتبطة بعرقها وجنسها، كما أن النساء السود والعديد من الأمريكيين الأفارقة قد يتجمعون لدعم هاريس، مستذكرين تجربة عدم التصويت لهيلاري كلينتون في عام 2016، على الرغم من التحديات التي تواجهها، فإن هاريس تتمتع بشهرة أكبر مقارنة ببعض القادة الديمقراطيين الآخرين الذين تم اقتراحهم كمرشحين محتملين، ومع ذلك، فإن ارتباطها بإدارة بايدن قد يشكل عقبة أمامها، حيث لم تظهر تقدمًا كبيرًا في بعض القضايا الأساسية التي كُلفت بها، مثل حماية حقوق التصويت ووقف الهجرة من أمريكا الوسطى. 

وأتمت: يعتمد نجاح هاريس في سباق الانتخابات الرئاسية على قدرتها على تجاوز العقبات الكبيرة التي تواجهها، سيكون عليها توحيد الحزب الديمقراطي خلفها، وكسب تأييد الناخبين من جميع الفئات، والتغلب على التحفظات المتعلقة بعرقها وجنسها، السباق إلى البيت الأبيض ليس سهلاً، لكنه مليء بالفرص لأولئك الذين يملكون الشجاعة والإرادة لمواجهة التحديات هاريس، بما تملكه من خبرة وإرادة قوية، قد تكون قادرة على تحقيق هذا الهدف، لكنها تحتاج إلى دعم واسع وإستراتيجية متقنة للتغلب على العقبات التي تواجهها.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية