قضاياهم أثارت جدلاً واسعاً.. أفراح في المغرب بعد عفو الملك عن صحفيين ونشطاء
قضاياهم أثارت جدلاً واسعاً.. أفراح في المغرب بعد عفو الملك عن صحفيين ونشطاء
العفو الملكي عن صحفيين ونشطاء يحيي آمال الإفراج عن معتقلي حراك الريف
رئيس نقابة الصحفيين: العفو عن صحفيين ونشطاء رسالة لتعزيز مسار الإصلاحات المنتظرة
حقوقي بارز: إطلاق سراح معتقلي الرأي مبادرة إنسانية كبيرة وكل المنظمات الحقوقية كانت تنتظرها
محلل سياسي: تدخل الملك يفتح صفحة جديدة في تعامل السلطات مع ممتهني الصحافة والإعلام
المغرب- سامي جولال
عمت حالة من الفرح والأجواء الإيجابية المملكة المغربية منذ مساء الاثنين الماضي، بعدما شمل عفو ملكي أصدره الملك محمد السادس مجموعة من الصحفيين والنشطاء، الذين أثار اعتقالهم، وإدانتهم بأحكام قضائية في ملفات ترتبط بالحق العام، جدلاً واسعاً داخل المغرب وخارجه.
واستفاد من العفو الملكي، الذي جاء بمناسبة الذكرى الـ25 لعيد العرش، الصحفيون توفيق بوعشرين، وسليمان الريسوني، وعمر الراضي، والنشطاء رضا الطاوجني، ويوسف الحيرش، وسعيدة العلمي، ومحمد قنزوز، بعدما قضوا مدداً مختلفة من عقوباتهم السالبة للحرية، بعد صدور أحكام قضائية في حقهم في قضايا متفرقة.
شمل العفو الملكي، الذي استفاد منه في المجمل 2476 شخصاً، مدانون قضائيًّا في حالة سراح، وهم الصحفي عماد استيتو، والناشطة عفاف برناني، والصحفي هشام منصوري، والصحفي عبدالصمد آيت عيشة.
واعتبرت مصادر مغربية، تنتمي إلى المشهد الأكاديمي، والحقوقي، والصحفي، تحدثت إليها "جسور بوست"، أن "العفو الملكي التفاتة إنسانية بارزة، ورسالة تهدف إلى تعزيز مسار الإصلاحات المنتظرة بجرعات تمكن من إعادة الاعتبار للممارسة المهنية النبيلة، وأنه يتماشى مع التحولات العميقة والإصلاحات الكبرى، التي حققها المغرب، ويعكس تفاعله الإيجابي مع منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان"، وأن "هذه الالتفاتة الملكية شكل من أشكال الانفراج على مستوى التعامل مع قطاع الإعلام، وتشكل انفراجاً حقيقيّاً، وتعطي نفسًا جديداً لحقوق الإنسان في المغرب"، وأن "إطلاق سراح معتقلي الرأي مبادرة إنسانية كبيرة، كانت تنتظرها كل المنظمات الحقوقية، والجمعيات المغربية، وحتى الموجودون خارج الوطن، وجاءت في الوقت المناسب".
وخلقت قضايا هؤلاء الصحفيين والنشطاء المغاربة حالة من الجدل الواسع خلال السنوات القليلة الماضية؛ فبينما تمت إدانتهم بتهم تتعلق بالحق العام، ترى جهات حقوقية، وصحفية أن تلك التهم "غير صحيحة، وأن الأسباب الحقيقية تتعلق بنشاطهم الصحفي وبتعبيرهم عن آرائهم".
لفتة ملكية إنسانية بارزة
من جهته، قال رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، عبدالكبير أخشيشن: "نعتبر أن العفو الملكي، الذي شمل مجموعة من الصحفيين والنشطاء، هو التفاتة ملكية إنسانية بارزة، ورسالة تهدف إلى تعزيز مسار الإصلاحات المنتظرة بجرعات تمكننا من إعادة الاعتبار للممارسة المهنية النبيلة".
وأضاف أخشيشن، في تصريحاته لـ"جسور بوست": "هذا العفو يتماشى مع التحولات العميقة والإصلاحات الكبرى، التي حققتها بلادنا، ويعكس تفاعلنا الإيجابي مع منظومة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بما في ذلك آليات هيئات المعاهدات والالتزامات الاتفاقية، فضلاً عن رئاسة بلادنا لمجلس حقوق الإنسان".
عبد الكبير أخشيشن
وتابع أخشيشن: "لقد سبق للنقابة الوطنية للصحافة المغربية أن عبرت في مناسبات عديدة عن أن "حوادث السير"، التي تعرض لها الجسم الإعلامي، قد أضرت به كثيراً، وأثرت سلباً على صورة بلادنا، التي أحرزت خطوات هامة وكبيرة في مجال الحريات".
وبيَّن أخشيشن أنه "من واجبنا اليوم أن نلتقط هذه الرسالة بجدية، وأن نتحمل مسؤولياتنا كل من موقعه، داخل المقاولات الإعلامية، التي يجب أن تصان فيها كرامة الصحفيات والصحفيين والعاملات والعاملين، وفي أوساط المهنيين، للتسلح بأخلاقيات وقواعد المهنة، وأن تكون مناسبةُ مراجعةِ منظومة القوانين فرصة للانتصار للمهنة والمهنيين، من مدخل التحصين الذاتي والموضوعي".
تصريحاتُ مفرجٍ عنهم
وقال الصحفي، توفيق بوعشرين، في تصريحات لوسائل إعلام استقبلته أمام باب السجن، إنه يشكر ملك المغرب على هذا العفو الكريم، وأعرب عن أسفه واعتذاره لكل من تضرر من قريب أو من بعيد بسبب قضيته، وشكر عائلته وهيئة المحامين.
توفيق بوعشرين
ومن جانبه، قال الصحفي، عمر الراضي، إنه يشكر من أتوا لاستقباله، وأنه يحييهم على تضامنهم معه طوال مدة اعتقاله.
وأفاد الراضي، في كلمة ألقاها بعد خروجه من السجن، بأنه ممتن لهذا العفو الملكي، وشاكر لكل من تدخل من أجل هذا الإفراج، وتمنى أن تشمل موجة الانفراج هذه جميع المعتقلين في القضايا المشابهة، وأن يكون هناك انفراج حقيقي، وأن يصبح الفضاء العمومي حرّاً لجميع الآراء، وأن يتسع المغرب للكل ولجميع الآراء، مبرزاً أن قصص السجن جميلة ومؤثرة، وسيأتي وقت ليحكيها.
وتمنى الراضي أن يتم الإفراج عن جميع معتقلي حراك الريف، معربا عن أسفه لأن الإفراج لم يشملهم، لكنه يعتقد أنه سيكون هناك في القريب العاجل، وفي مرحلة قادمة، أمل ليتم إغلاق ملف معتقلي حراك الريف بشكل نهائي.
عمر الراضي
فيما اختار الصحفي، سليمان الريسوني، أن يكتفي في ردوده على أسئلة وسائل الإعلام، التي استقبلته أمام باب السجن، بعبارات الشكر والتحية لهم ولمن تضامنوا معه.
استجابة للانتظارات
من جانبه، قال الحقوقي المغربي البارز، محمد النشناش، إن العفو الملكي في مثل هذه المناسبات شيء عادي، وإن الملك محمد السادس يفتح في كل مناسبة أبواب السجون على المعتقلين في قضايا متعددة، لكن هذه السنة، بعد ربع قرن من جلوسه على العرش العلوي، جاءت هذه المبادرة الإنسانية الكبيرة، وهي إطلاق سراح معتقلي الرأي.
وأضاف النشناش، في تصريحاته لـ"جسور بوست"، أن كل المنظمات الحقوقية، والجمعيات المغربية، وحتى الموجودين خارج الوطن، كانوا ينتظرون هذه المبادرة، التي جاءت في الوقت المناسب، لأن هؤلاء الصحفيين اعتقلوا في ظروف معينة، لسنا الآن في حاجة لإعادة الحديث عنها، وتم الحكم عليهم بأحكام قاسية، أغلبها مبنية على قضايا الرأي، وهم صحفيون معروفون، وكانت لديهم مصداقية كبيرة لدى المواطنين.
محمد النشناش
وتابع النشناش، أنهم بصفتهم حقوقيين، وصحفيين، وأصحاب الرأي، في المغرب، كانوا ينتظرون هذه المبادرة، لإطلاق سراحهم، ولهذا فإن إطلاق سراح هؤلاء الصحفيين ومعتقلي الرأي مبادرة إيجابية جدّاً، تسير في الاتجاه، الذي يخططه دائماً الملك محمد السادس، الضامن لحريات المواطنين، من أجل احترام حقوق الإنسان والحريات.
إطلاق سراح معتقلي الريف
وأبرز النشناش، أنهم يعتبرون هذه الخطوة خطوة أولى، في انتظار باقي الخطوات في الأيام المقبلة، لإطلاق سراح معتقلي حراك الريف كذلك، الذين حكموا بأحكام قاسية، لأنهم عبروا عن احتجاجاتهم في قضايا اجتماعية.
وأردف أن المغرب الآن، الذي يعتبر مغرب الحريات، واحترام الديمقراطية، لن يكون مقبولاً فيه استمرار اعتقال معتقلي الرأي، ولهذا يرحبون بهذه المبادرة، ويأملون ألا تتكرر مثل هذه الاعتقالات.
وفي ما يخص أن أولئك الصحفيين والنشطاء أدينوا بتهم تتعلق بالحق العام، في حين أن هناك جهات (حقوقية، وصحفية) ترى أن تلك التهم "غير صحيحة، وأن الأسباب الحقيقية تتعلق بنشاطهم الصحفي وتعبيرهم عن الرأي"، أوضح "النشناش"، أن تلك التهم في اعتقاده، وفي اعتقاد كل الحقوقيين، وكل من تابعوا القضية، "ملفقة"، معتبراً أن هذا أمر انتهى، وأنه يأمل ألا يتكرر في المستقبل.
ومنذ صدور قانون الصحافة والنشر المغربي (القانون رقم 88.13) في عام 2016، لم تعد هناك عقوبات حبسية لكن تم تحويل بعض العقوبات المتعلقة بالنشر إلى القانون الجنائي، وهو ما اعترضت عليه منظمات مهنية وفاعلون حقوقيون، لأن "تلك الأفعال تتعلق، بحسبهم، بحرية التعبير، ولا تصل إلى درجة جرائم الحق العام، التي تستوجب سلب حرية الفاعل".
عادة الملوك المغاربة
وعن دلالات العفو الملكي عن هؤلاء الصحفيين والنشطاء، قال المحلل السياسي المغربي وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة عبدالمالك السعدي بطنجة (شمال)، محمد العمراني بوخبزة، إن عيد العرش مناسبة يقوم من خلالها الملك بمبادرات إنسانية، تخص العفو عن مجموعة من الأشخاص، الذين يقضون عقوبات سجنية، أو مدانين قضائيّاً في حالة سراح، وهي عادة دأب عليها الملوك المتعاقبون على العرش في المغرب، لأنها تحمل الكثير من الرسائل، لأنها تتصل بصفة العفو، التي لها أهمية كبيرة جدّاً بالنسبة لأي إنسان، بحسب بوخبزة، الذي أوضح أنه من هذا المنطلق يعتبر أن المبادرة هي مبادرة إنسانية من قِبل جلالة الملك.
وأضاف بوخبزة، في تصريحاته لـ "جسور بوست"، أن هذا النوع من الملفات طرح الكثير من النقاش على مستوى حقوق الإنسان في المغرب، وحرية التعبير، وطي صفحة انتهاكات حقوق الإنسان، وأن وجود مجموعة من الأشخاص، الذين لهم علاقة بالمجال الصحفي، وبمجال صناعة الرأي العام، في السجن، قد أحاط تطور ملف حقوق الإنسان بكثير من التساؤلات، وأن أصواتاً من الداخل والخارج طالبت بضرورة طي هذا الملف، لأنه يسيء إلى سمعة المغرب.
محمد العمراني بوخبزة
صفحة جديدة
وتابع بوخبزة، أن المغرب حاول منذ أن بدأ الإصلاحات الكبرى، وخاصة الإصلاحات المؤسساتية، أن يكون للقضاء مجاله المستقل، وأن تكون السلطة القضائية فعلاً سلطة مستقلة، وأن هذا الأمر جعل من الصعوبة بمكان التدخل في المسطرة القضائية عند فتح متابعات في حق هؤلاء الأشخاص، لأنهم تمت متابعتهم في قضايا ليست لها علاقة بالصحافة أو بمجال الإعلام، ولها علاقة بملفات مرتبطة بالحق العام، وأنه من هذا المنطلق يأتي تدخل جلالة الملك، لطي هذا الملف، وفتح صفحة جديدة بالنسبة لتعامل السلطات مع ممتهني الصحافة والإعلام، لأن لديهم خصوصية كما يعلم الجميع، وعملهم محفوف بالمخاطر، لأنه مرتبط بحرية الرأي.
نفس جديد لحقوق الإنسان
وأردف بوخبزة أن هذه اللفتة الملكية هي شكل من أشكال الانفراج على مستوى التعامل مع هذا القطاع، لأن متابعة هؤلاء الصحفيين والنشطاء أعادت النقاش حول وضعية حقوق الإنسان في المغرب، بعدما كان هذا الملف قد طوي مع مرحلة العدالة الانتقالية، ومع هيئة الإنصاف والمصالحة (أنشأها الملك محمد السادس في عام 2004، لتصفية ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي عرفها المغرب من 1956 إلى 1999، وكشف الحقيقة، وتعويض الضحايا، وإصدار توصيات لتفادي تكرار الانتهاكات)، ومع خلق مجموعة من المؤسسات، التي ترعى حماية حقوق الإنسان، ومع تطوير الترسانة القانونية المغربية، وخاصة ملاءمتها مع المواثيق الدولية.
وأفاد بوخبزة بأن المبادرة الملكية بالعفو عن هؤلاء تشكل انفراجاً حقيقيّاً، وتعطي تنفساً جديداً لحقوق الإنسان في المغرب، وإن كان هناك نقاش حول هل هؤلاء توبعوا في إطار حرية التعبير، أم توبعوا في قضايا تَهُمُّ الحق العام، مردفاً بأن العفو الملكي عن هؤلاء الأشخاص بعينهم رسالة قوية من قِبل المؤسسة الملكية، التي تقوم بأدوار فيها الكثير من الإنسانية، مفادها أن هناك إرادة لفتح صفحة جديدة في مجال حقوق الإنسان، وانفراج حقوقي مهم جدّاً، وانفراج سياسي كذلك، وأن المؤسسة الملكية صمام أمان، خاصة في العهد الجديد، وأن المغاربة عهدوا من جلالة الملك أخذ مبادرات من هذا النوع، تتم بها تصفية الأجواء وتنقيتها، لكي يواصل المغرب مشواره نحو الوضعية، التي يطمح إليها، وهي أن يكون ضمن الكبار، على حد قوله.