"الترويع عملة شائعة".. مدعي المحكمة الجنائية الدولية يحذّر من تفاقم الوضع في دارفور
"الترويع عملة شائعة".. مدعي المحكمة الجنائية الدولية يحذّر من تفاقم الوضع في دارفور
حذر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، من تصاعد العنف والمعاناة في دارفور، واصفا الأشهر الستة الماضية منذ أن قدم آخر إحاطة له بشأن الوضع في الإقليم بأنها كانت أشهرا من البؤس والعذاب لأهل دارفور.
وقدم المدعي العام، كريم خان إحاطة لمجلس الأمن، يوم الاثنين، استعرض خلالها تقريره التاسع والثلاثين عن الحالة في دارفور، مشيرا إلى تقارير موثوقة عن جرائم اغتصاب ضد الأطفال واضطهاد واسع النطاق ضد المدنيين الأكثر ضعفا، مؤكدا أن "الترويع أصبح عملة شائعة". ونبه إلى أن "هذا الترويع لا يشعر به من يحملون البنادق والأسلحة وإنما يشعر به الناس الذين يهربون في كثير من الأحيان حفاة".
وشدد على أن هذه الجرائم ليست مجرد أصداء للماضي، بل هي كابوس يعيشه الناس اليوم. ودعا مجلس الأمن إلى النظر في طرق مبتكرة لوقف دائرة العنف هذه، متسائلا عما إذا كان قد تم بذل ما يكفي من الجهود لفرض السلام وإعطاء وقف إطلاق النار فرصة وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.
وسلط المدعي العام الضوء على الجهود الكبيرة المبذولة في الأشهر الستة الماضية في التواصل مع المجتمعات المتضررة، وقادة المجتمع العربي، ومنظمات المجتمع المدني، والسلطات الوطنية ذات الصلة في السودان، ودول ثالثة، ومنظمات دولية إقليمية.
وقال كريم خان إن هذه الأزمة لا تتغذى من السياسة والأسلحة فحسب، بل أيضا من شعور عميق بالإفلات من العقاب، مشيرا إلى أن مكتبه يعمل على ضمان أن يحس بالقانون في دارفور كل من يسعى إلى الحماية التي يوفرها وأولئك الذين يعتقدون أنه لا ينطبق عليهم.
نوعان من الجرائم
وأعرب المدعي العام عن انزعاجه، بشكل خاص، إزاء الروايات المروعة للغاية عن الجرائم المرتكبة ضد الأطفال والجرائم المتعلقة بالنوع الاجتماعي، قائلا إن مكتبه يعطي الأولوية للادعاءات المتعلقة بهذين النوعين من الجرائم، بوصفها جرائم أثرت -تاريخيا في السودان، وفي العالم الأوسع، بشكل غير متناسب- على أكثر الفئات ضعفا.
وتطرق السيد خان إلى زيارته الأخيرة إلى مخيم فرشنا للاجئين السودانيين على الحدود التشادية- السودانية، مشيرا إلى أن الزيارة كانت بمثابة فرصة للاستماع إلى تجارب الناجين من العنف في دارفور والصدمات التي تعرضوا لها "وبعض توقعاتهم مني ومن المحكمة الجنائية الدولية وكذلك من مجلس الأمن".
سبل جديدة لجمع المعلومات
وقال كريم خان إن المحكمة تحاول استكشاف سبل جديدة للانخراط والحصول على روايات الناجين وقصصهم وحفظها وتحليلها وتجميعها معا لمعرفة الجرائم والمسؤولين عن اقترافها بعناد وإصرار ضد شعب دارفور، مضيفا: "كما قمنا أيضا بنشر أدوات تكنولوجية حتى نتمكن من تجميع أنواع مختلفة من الأدلة المتاحة الآن من الهواتف وتسجيلات الفيديو وملفات الصوت التي أثبتت أيضا أنها بالغة الأهمية في اختراق حجاب الإفلات من العقاب بشكل جماعي".
تعاون السلطات السودانية
على الرغم من التحديات، أكد خان أن المحكمة الجنائية الدولية تعمل بلا كلل لضمان المساءلة، وسلط الضوء على التعاون الأخير مع السلطات السودانية وجهود جمع الأدلة من النازحين والشهود، مشيرا إلى أنه تمت الموافقة على تأشيرات دخول فريق المحكمة إلى بورتسودان وقد التقى الفريق بالسلطات السودانية بمن في ذلك النائب العام واللجنة الوطنية التي تم إنشاؤها للتحقيق في الجرائم المرتكبة في سياق الصراع الحالي في دارفور. وأضاف أنه تلقى التزامات من رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان العام الماضي.
قضية علي كوشيب
أما في ما يتعلق بمحاكمة علي محمد علي عبدالرحمن المعروف باسم علي كوشيب، قال كريم خان إن المحاكمة تسير على ما يرام على الرغم من تأخرها إلى حد ما بسبب انعدام الأمن في دارفور واضطرار القضاة إلى إدخال تعديلات مختلفة على الجدول الزمني الأصلي، "ولكنها لا تزال واحدة من أكثر المحاكمات فعالية في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية"، على حد تعبيره. واختتم حديثه بالتأكيد على الضرورة الملحة للعمل الجماعي لإنهاء هذه الأزمة الإنسانية.
الأزمة السودانية
ويشهد السودان منذ 15 أبريل 2023 معارك بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي".
وأدّى النزاع إلى مقتل وإصابة آلاف الأشخاص، مع أن الرقم الحقيقي للقتلى قد لا يُعرف أبداً لعدم وجود إحصاءات رسمية موثقة.
وأدى الصراع كذلك إلى تدمير أجزاء كبيرة من العاصمة الخرطوم وإلى زيادة حادة في أعمال العنف المدفوعة عرقياً وإلى تشريد أكثر من ثمانية ملايين سوداني لجأ من بينهم أكثر من مليون شخص إلى دول مجاورة، وفق بيانات المنظمة الدولية للهجرة، وخصوصاً إلى مصر شمالاً وتشاد غرباً.
وأبرم طرفا النزاع أكثر من هدنة، غالبا بوساطة الولايات المتحدة والسعودية، سرعان ما كان يتمّ خرقها.
كما يحاول كل من الاتحاد الإفريقي ومنظمة إيغاد للتنمية بشرق إفريقيا التوسط لحل الأزمة في السودان.
ولم يفِ طرفا القتال بتعهدات متكررة بوقف إطلاق النار يتيح للمدنيين الخروج من مناطق القتال أو توفير ممرات آمنة لإدخال مساعدات إغاثية.
وتكرر المنظمات الإنسانية التحذير من خطورة الوضع الإنساني في السودان الذي كان يعدّ من أكثر دول العالم فقرا حتى قبل اندلاع المعارك الأخيرة.
وتؤكد الأمم المتحدة أن 25 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان السودان، باتوا الآن بحاجة للمساعدة والحماية.