مع تولي الفصائل المعارضة للحكم.. مخاوف بشأن تدهور أوضاع النساء في سوريا الجديدة

مع تولي الفصائل المعارضة للحكم.. مخاوف بشأن تدهور أوضاع النساء في سوريا الجديدة
مخاوف بشأن تدهور أوضاع النساء في سوريا

باتت أوضاع النساء في سوريا محل تحليل وتفنيد على جميع الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، متأثرة بالصراع المستمر منذ عام 2011، لا سيما بعد التطورات الأخيرة التي أعقبت انتهاء نظام حكم الرئيس السابق بشار الأسد وتولي الفصائل المعارضة مقاليد الحكم في البلاد.

وتعاني النساء السوريات من مستويات مرتفعة من العنف الجنسي والجسدي في مناطق النزاع، سواء على يد الجماعات المسلحة أو في مخيمات اللاجئين، كما تم تسجيل حالات عديدة لاختطاف النساء واعتقالهن، وهنّ غالباً ما يُستخدمن كوسيلة ضغط في النزاع.

وتشكل النساء والأطفال غالبية النازحين داخلياً في سوريا، حيث يعشن في ظروف صعبة وأوضاع قاسية في المخيمات أو المناطق المدمرة، فيما تواجه النساء اللاجئات تحديات كبرى أبرزها الاستغلال الجنسي، وصعوبة الحصول على الرعاية الصحية والإنجابية والتعليم.

ومع تدمير البنية التحتية وانهيار الاقتصاد في سوريا طوال العشرية الماضية، اضطرت العديد من النساء للعمل في ظروف قاسية وغير آمنة لإعالة أسرهن، خاصة في ظل غياب أو فقدان الأزواج جراء استمرار النزاعات المسلحة في البلاد.

وعلى صعيد موازٍ، تعاني النساء من تمييز قانوني في بعض القوانين السورية، مثل قوانين الأحوال الشخصية التي لا تعطيهن حقوقاً متساوية في الزواج والطلاق والحضانة، كما تم فرض قوانين تقيّد حريات النساء بشكل كبير في المناطق التي تسيطر عليها جماعات متشددة مثل تنظيم "داعش".

وحرمت نسبة كبيرة من الفتيات من التعليم بسبب الحرب والنزوح، خاصة في المناطق الريفية والمناطق التي شهدت معارك عنيفة، ورغم وجود منظمات محلية ودولية تعمل على تقديم الدعم النفسي والقانوني والاجتماعي للنساء، لكن التحديات كبيرة والوصول إلى جميع المحتاجات ليس سهلا.

تصريحات صادمة

ورغم  مشاعر السعادة والتفاؤل التي تغمر الشعب السوري بعد سقوط نظام الأسد، جاءت تصريحات المتحدث الرسمي باسم الإدارة السياسية التابعة لإدارة العمليات العسكرية، عبيدة أرناؤوط، عن دور النساء في ظل حكم فصائل المعارضة، لتثير التشاؤم والإحباط في الأوساط السياسية والحقوقية بالبلاد.

وقال أرناؤوط في تصريحات متلفزة قبل أيام، إن "المرأة بطبيعتها البيولوجية والنفسية لا تتناسب مع كل الوظائف في الدولة كوزارة الدفاع مثلاً (..) ما زال مبكراً الحديث عن عملها في مجال القضاء، وسيُترك للمختصين والقانونيين الدستوريين الذين يعملون على إعادة النظر في شكل الدولة الجديدة والمحددات التي ستوضع لعمل المرأة كعنصر مهم ومُكرّم وضرورة أن تكون المهام المنوطة بها تناسب طبيعتها البيولوجية".

وأثارت تصريحات أرناؤوط موجة عاصفة من الانتقادات النسوية، لا سيما في ظل المخاوف والشكوك من تدهور أوضاع النساء والفتيات والحرمان من حقوقهن، في ظل حكم ديني مسلح.

تفاؤل حذر

وقالت الكاتبة والناشطة السورية، ديانا جبور، إن مواطني سوريا متساوون في الحقوق والواجبات تجاه الوطن، وهو ما يجب أن يكون واضحا ومصانا في الدستور القادم بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد.

وأضافت جبور في تصريح لـ"جسور بوست"، أن "الدستور سيكتب في سوريا ونحن نحاول أن تأخذ المرأة السورية نصيبها من المشاركة السياسية في الحياة العامة، وخاصة أن النساء بذلن جهودا جبارة في مختلف الأحداث التي شهدها التاريخ السوري".

وأوضحت أن "مشاركة النساء والفتيات وخروجهن إلى الساحات والتشبيك والتحشيد هو نوع من الاحتفاء بالقدرة على صياغة مستقبل سوريا بعد أن حرم جميع السوريين من حق التعبير لأكثر من نصف قرن".

وتابعت: "قبل الحديث عن الشكوك والمخاوف المحتملة تجاه مستقبل أوضاع النساء، ينبغي التأكيد على تجميع شمل كافة القوى والمكونات السورية في رسم  المشهد المستقبلي للوطن".

إخفاقات في ملف حقوق المرأة 

ومن جانبه، أشار أستاذ العلاقات الدولية السوري، الدكتور عبدالقادر عزوز، إلى احتمال حدوث بعض الإخفاقات في ملف حقوق المرأة مع بداية المرحلة الانتقالية الجديدة لسوريا، قائلا: "اليوم من المبكر الحكم مسبقا حول مستقبل أوضاع النساء في سوريا".

وقال عزوز في تصريح لـ"جسور بوست"، إن "أي قيادة جديدة يجب أن تأخذ التاريخ الحضاري لسوريا المعروفة بحضارتها وتنوعها عبر التاريخ، وأن العديد من النساء تبوؤوا مواقع متقدمة بالدولة، ليس في مرحلة سابقة لكن عبر مئات وآلاف السنين، حيث كانت المرأة تحكم في سوريا ولها وضعها". 

وشدد عزوز على أهمية النظر إلى خصوصية الحالة السورية بعين الاعتبار وترجمتها من خلال الدستور الجديد لمواجهة أي هواجس أو مخاوف محتملة، على أن يكون ذلك واضحا في المبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدستور.

ويرى عزوز أن أي ملامح للحل السياسي وإبعاد أية هواجس، يتمثل في وضع دستور يتم دمج فيه كل الفئات والطوائف سواء في لجنة صياغته أو في ما بعد ذلك، معربا عن أمله في إنهاء تلك المخاوف الخاصة بحقوق المرأة وغيرها مع كتابة دستور والذي يعد مشروعا وطنيا جامعا لا يقصي أحداً ويكفل المشاركة السياسية للجميع.

الحقوق ليست ترفاً

وقال المحامي والناشط السوري، أنس جودة، إن هناك مخاوف حقيقية وفعلية بشأن حقوق النساء ومساحة الحريات في سوريا، لا سيما في الحياة العامة، خاصة أن معظم التصريحات عن الهيئة أو القيادة التي وصلت للحكم في سوريا تتحدث عن مساحة للنساء بالأساس هي محفوظة كحق التعليم وغيره وكأنها "منحة وعطايا وليست حقوقاً أصيلة".

وأوضح جودة في تصريح لـ"جسور بوست"، أن "حق النساء في التعليم والعمل هي أمور منتهية منذ زمن بعيد، ولا علاقة لها بنظام البعث أو أي نظام آخر، ولا تقبل بأحد يفرض عليها شروطا أو يضع عليها قيودا".

وأضاف: "النقاش الأساسي والتحدي الرئيسي حاليا هو على مساحة تواجد النساء في العمل العام وتمكينهن من اتخاذ القرارات الخاصة بقضاياهن أو قضايا الشأن العام، خاصة أن سوريا صارت في ظل العمليات العسكرية بلدا أغلب سكانه من النساء".

وسرد جودة عددا من وقائع تحمل مخاوف وهواجس بشأن فرض القيود على حقوق المرأة السورية، لافتا إلى أن ظهور كل كوادر الهيئة تقريبا من الرجال، يبعث برسالة واضحة مناهضة لتمكين النساء، وذلك دون التصريح مباشرة بمنع عمل المرأة لكن التوجهات واضحة وكاشفة.

وأشار إلى أن الاجتماعات التي أدارتها القيادة الجديدة مع القضاة في حلب وحمص والتي تم التحقق منها والتي طلب فيها صراحة بتحويل النساء القاضيات لشؤون إدارية، وأخرى بتصريحات أخرى متعلقة بجلوس النساء في البيت قبل أن تعتذر تلك الإدارة الجديدة وتتحدث عن أنها تصرفات فردية.

وأوضح الناشط السوري أنس جودة، أن تلك الاعتذارات وغيرها ستكون محاولة للتهدئة لحين استقرار الأمور، مؤكدا أن حقوق النساء واضحة وليست ترفا، وأنها باتت قضية أساسية ومركزية بعيدا عن عقلية الصراع والاستهداف، وإلا سوف ترجع سوريا لعصور حجرية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية