"التنمّر الإلكتروني".. مصيدة تفترس الأطفال والنساء وتقود للانتحار

الأمم المتحدة تحذّر من وقوع ضحايا

"التنمّر الإلكتروني".. مصيدة تفترس الأطفال والنساء وتقود للانتحار

يونيسف: أكثر من ثلث الشباب عبر 30 دولة صرحوا بأنهم تعرضوا للتنمر عبر شبكة الإنترنت

الأمم المتحدة: التنمر الإلكتروني يمكن أن يحدث عبر وسائل التواصل أو منصات التراسل أو منصات الألعاب الإلكترونية أو الهواتف الخلوية

خبير التحول الرقمي والأمن المعلوماتي: ظاهرة التنمر الإلكتروني تشكل تهديداً حقيقياً على الاستقرار النفسي والاجتماعي للأفراد والمجتمعات

 

خلف شاشة الهاتف أو جهاز الكمبيوتر، تغتال أصابع التنمر العديد من الأرواح بكتابة عبارات مشينة تحض على التنمر والكراهية والعنف، ما يقود بعض المشاهد الإلكترونية إلى ساحات القضاء والمحاكمات. 

والتنمر الإلكتروني هو استغلال الإنترنت والتقنيات المتعلقة به، بهدف إيذاء أشخاص آخرين بطريقة مكررة وعدائية، ونظرا لأن هذه الوسيلة أصبحت شائعة في المجتمع خاصة بين فئة الشباب، وبسبب تنامي مخاطرها وضعت بعض الدول تشريعات وحملات توعوية لمكافحتها.

وبحسب تقديرات نشرها تقرير حديث لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، فإن أكثر من ثلث الشباب عبر 30 دولة قد صرحوا بأنهم تعرضوا للتنمر عبر شبكة الإنترنت، ويمتنع طفل من بين 5 أطفال عن التردد على المدرسة بسبب التنمر.

وأفاد التقرير بأن عام 2023 شهد استخدام نسبة 79 بالمئة ممن أعمارهم بين 15 و24 عاما منصات التواصل عبر الإنترنت، إلى جانب أن الأطفال يقضون وقتا أطول على الإنترنت حاليا أكثر من أي وقت مضى.

وللمرة الأولى، يستخدم 175 ألف طفل حول العالم الإنترنت بمعدل يومي، ليبلغ ثلث مستخدمي الإنترنت من الأطفال، ولذلك حذرت اليونيسف من مخاطر التنمر باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، لا سيما وأنه أصبح منتشرا بشكل لافت خلال الآونة الأخيرة. 

وهناك 130 مليون طالب في جميع أنحاء العالم يتعرضون للتنمر، والذي تفاقم بسبب انتشار التقنيات الرقمية، حيث يقع ضحية للتنمر واحد من كل 3 طلاب تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاما. 

أنماط التنمر

وبحسب التقديرات الأممية، فإن التنمر الإلكتروني يمكن أن يحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو منصات التراسل أو منصات الألعاب الإلكترونية أو الهواتف الخلوية، وهو سلوك متكرر يهدف إلى تخويف الأشخاص المستهدفين أو إغضابهم أو التشهير بهم أو التقليل منهم.

وتتنوع أنماط التنمر الإلكتروني بين نشر الأكاذيب أو نشر صور محرجة لشخص ما على وسائل التواصل الاجتماعي، أو إرسال رسائل أو صور أو مقاطع فيديو مؤذية أو مسيئة أو تهديدات عبر منصات التراسل، أو انتحال شخصية ما وتوجيه رسائل دنيئة للآخرين باسمه أو من خلال حسابات وهمية وغيرها.

وتميز منظمة اليونيسف بين المزاح والتنمر، قائلة: "عادة الأصدقاء أن يمزحوا مع بعضهم البعض، ولكن أحياناً من الصعب أن نحدد ما إذا كان شخص ما يمزح أم يسعى إلى التسبب بالأذى، خصوصاً على شبكة الإنترنت، وأحياناً قد يضحك هذا الشخص من الأمر برمته ويقول (كنت أمزح فقط) أو (لا تأخذ الأمور بجدية زائدة)". 

ولكن إذا كان الشخص مبتئساً أو معتقدا أن الشخص الآخر يضحك عليه بدلاً من أن يضحك معه، فحينها تكون المزحة قد تجاوزت حدودها، وإذا استمر الأمر بعد أن طلب من الشخص التوقّف، والشعور بالانزعاج بهذا الشأن، فحينها قد يكون الأمر تنمّراً عبر الإنترنت، وفق تعريف منظمة "يونيسف".

ويؤدي التنمر إلى تأثيرات عقلية ونفسية وبدنية تتمثل في "الشعور بالانزعاج والحرج، أو أن الشخص ساذج، أو حتى الغضب، إضافة إلى الشعور بالخزي أو فقدان الاهتمام بالأشياء التي تحبها، بجانب الشعور بالتعب والأرق، أو المعاناة من أعراض من قبيل المغص والصداع، وفي حالات متطرفة تقود إلى الانتحار". 

وبحسب تقرير "يونيسف" فإن مواجهة التنمّر الإلكتروني تستوجب أن يفكر الشخص في تجنب الشخص الذي يمارس التنمّر والإبلاغ عن سلوكه إلى موقع التواصل الاجتماعي المعني، إلى جانب أن شركات مواقع التواصل الاجتماعي مُلزمة بالمحافظة على سلامة المستخدمين.

ويتسبب التنمر الإلكتروني في اكتئاب الشخص المتنمر عليه في حال لم يتلق المساعدة الفورية، وفقدان ثقة الضحية بالآخرين والنظر إليهم بعين الشك والخوف وافتقاد الشعور بالأمان، فضلا عن لجوء الشخص المتنمر عليه إلى الانعزال خصوصا في حالة صغار السن والمراهقين.

ويضاف أيضا إلى مخاطر التنمر تشتت الذهن وتدني المستوى الدراسي للضحية، إلى جانب الشعور بالقلق والخوف والترقب لكل شيء جديد ومزعج، والتعرض إلى العديد من الأمراض الجسدية والنفسية، والإصابة باضطرابات في الأكل والنوم.

وتحث المنظمة الأممية على جمع أدلة من قبيل رسائل نصية أو صورة عن شاشة الكمبيوتر تتضمن المواد المسيئة المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، داعية إلى أنه إذا تحول السلوك غير المقبول للمتنمّر إلى خطر وشيك، يجب التوجه إلى الاتصال بالأجهزة الأمنية. 

وينقل التقرير عن شركات التواصل الاجتماعي تأكيدات عن دور لها في مواجهة التنمر، حيث تتحدث منصتا فيسبوك وإنستغرام عن تيسير الإبلاغ عن التنمر مباشرة بإرسال تقرير إلى فريقهما بشأن منشور أو تعليق أو قصة أو رسالة، مع الحق في عدم الكشف عن الهوية أو معرفة الحساب الذي أبلغت عنه بالمبلغ عنه، إلى جانب وجود فريق يراجع هذه التقارير على مدار الساعة في جميع أنحاء العالم وبأكثر من 70 لغة، وإزالة أي انتهاك يحدث في هذا الإطار، كما تدعو منصات "سناب شات"، و"إكس"، وتيك توك"، أيضا للإبلاغ عن أي محتوى ينتهك حظر التنمر.

وكشفت مديرة سياسة السلامة في شركة ميتا، ديبالي ليبرهان، في مؤتمر دولي لحقوق الإنسان في سبتمبر الماضي، أنه في الربع الثالث من عام 2023 تم اكتشاف حوالي 15 مليون منشور لمحتوى على منصات ميتا “فيسبوك وإنستغرام” تعد تنمرا وتحرشا، وأكدت أن معظم ذلك المحتوى تمت إزالته بشكل استباقي بواسطة شركة ميتا قبل الإبلاغ عنه.

"فيسبوك" في قفص الاتهام

وبحسب نتائج دراسة مصرية نشرتها مجلة علمية بجامعة دمياط أواخر عام 2023، بالتطبيق على 420 مبحوثا، كانت منصة "فيسبوك" أكثر مواقع التواصل الاجتماعي استخداماً بين الشباب بنسبة 65.24 بالمئة، يليها منصة "إنستغرام" بنسبة 24.29 بالمئة، ثم منصة "يوتيوب" بنسبة 13.10 بالمئة، وفي المرتبة الرابعة منصة تليغرام بنسبة  7.62 بالمئة، وأخيرا منصة "إكس" بنسبة 6.43 بالمئة.

ووفق الدراسة ذاتها، انتشرت ظاهرة التنمر الإلكتروني على منصة "فيسبوك" في المقام الأول بنسبة 69.29 بالمئة، إذ جاء نشر تعليقات محرجة ومؤذية بشكل متعمد عن الآخرين في مقدمة أشكال التنمر الإلكتروني التي تناولتها مواقع التواصل الاجتماعي، يليه الخداع المعتمد على كشف أسرار الحياة الشخصية للأفراد في المرتبة الثانية، ثم جاء إنشاء حساب وهمى على مواقع التواصل الاجتماعي للتنمر على شخص ما في المرتبة الثالثة.

واستعرض مؤتمر للمجلس الوطني لشؤون الأسرة في الأردن، المنعقد في 20 أغسطس الجاري، بشأن العنف ضد الأطفال بالبلاد، دراسة أعدّها المجلس بالتعاون مع منظمة "يونيسف" أظهرت حضورا لافتا للتنمر الإلكتروني.

وأسفرت نتائج الدراسة الأردنية الأممية، عن تعرض ما نسبته 74.6 بالمئة من الأطفال في الفئة العمرية من (8-17) عاماً لشكل واحد على الأقل من أشكال العنف الجسدي، وبما نسبته 58.3 بالمئة من الفئة ذاتها، يتعرضون لشكل واحد على الأقل من أشكال العنف النفسي، و27.3 بالمئة يتعرضون لشكل واحد على الأقل من أشكال العنف الجنسي. 

وتناولت الدراسة أيضا التنمر الإلكتروني باعتباره "عنفا إلكترونيا يتصاعد مع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي بين صفوف الأطفال أيضاً"؛ وأظهرت النتائج تعرض ما نسبته 13.2 بالمئة من الفئة المشار إليها لشكل واحد على الأقل من أشكال العنف الإلكتروني.

وتلعب المنصات الاجتماعية دوراً حاسماً في مواجهة ظاهرة التنمر الإلكتروني نظراً لأهميتها كأماكن حيث يحدث مثل هذا السلوك في كثير من الأحيان. 

في حين تختلف القوانين والتشريعات حسب الاختصاص، إلا أن العديد من الدول تتوقع من المنصات الاجتماعية اتخاذ تدابير استباقية لمنع ومعالجة هذه المشاكل.

نهج شامل للمواجهة

وقال خبير التحول الرقمي والأمن المعلوماتي بمصر المهندس عمرو صبحي، إن وسائل التواصل الاجتماعي باتت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، ورغم المكاسب الكبيرة لانتشارها فإنها جلبت العديد من التحديات أبرزها ظاهرة التنمر الإلكتروني، التي تشكل تهديدًا حقيقيًا على الاستقرار النفسي والاجتماعي للأفراد والمجتمعات وبالأخص على النساء. 

وأضاف صبحي في تصريحه لـ"جسور بوست" أن تلك الظاهرة تؤثر بشكل لافت في المجتمعات الشرقية، التي تعتبر القيم الثقافية والاجتماعية أمرًا جوهريًا في تكوين النسيج المجتمعي، إلى جانب كونها مجتمعات تميل إلى المحافظة والتقليدية، ولذلك فإن أثر التنمر الإلكتروني يكون أكثر حدة وشراسة، خاصة في حالات العار الاجتماعي المرتبط بالسمعة والشرف. 

المهندس عمرو صبحي

وتابع: "في مثل هذه المجتمعات، قد يتعرض الأفراد، وخاصة النساء والشباب، لضغوط كبيرة تؤدي إلى تداعيات نفسية واجتماعية خطيرة، بما في ذلك العزلة والانتحار في بعض الأحيان"، مستشهدا بحالتي المصرية حنين حسام الشهيرة بـ"فتاة التيك توك" والتي تعرضت للتنمر الإلكتروني والتهديد بعد اتهامها بنشر محتوى غير لائق على وسائل التواصل، وكذلك الفتاة الأردنية رشا بسيسو والتي تعرضت لتنمر إلكتروني شديد بسبب اتهامات كاذبة انتشرت حولها على وسائل التواصل، ما أودى بها إلى الانتحار.

في المقابل أوضح المهندس عمرو صبحي، أن "المجتمعات الغربية ليست في مأمن من تأثيرات التنمر الإلكتروني، ولكن بمعدلات وأساليب مختلفة، وذلك بسبب أنها مجتمعات أكثر انفتاحًا ووعيًا اجتماعيًا ووجود نظم دعم نفسي متطورة للمواطنين.

وعلى صعيد مواجهة الظاهرة، أفاد صبحي بأهمية وجود نهج شامل يجمع بين التشريعات الفعالة والتوعية المجتمعية بكيفية استخدام الإنترنت بشكل آمن ومسؤول، لتقليل تأثير التنمر الإلكتروني والتوعية بمخاطر الظاهرة، فضلا عن ضرورة تعزيز قيم التسامح والاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع.

واختتم حديثه، قائلا: "سواء كان الحل عبر تشريعات صارمة أو توعية مجتمعية، فإن الجهود يجب أن تكون متكاملة لضمان بيئة رقمية آمنة للجميع، كما أن الوعي التقني له دور كبير في التصدي لمثل هذه التحديدات المتنامية لاستخدامات منصات التواصل الاجتماعي".

 

 


 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية