عوائل داعش بين مخيم الهول والجدعة.. إعادة الدمج أم إعادة إنتاج التطرف؟
تحديات العراق في تفكيك "المخيم الأسود"
تتواصل عمليات نقل دفعات جديدة من عائلات تنظيم داعش الإرهابي من مخيم الهول شمال شرقي سوريا إلى العراق، ضمن تنسيق سوري-عراقي تصاعدت وتيرته بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وترافق هذه العمليات مخاوف حقوقية متزايدة، خاصة أن المرحّلين يُنقلون إلى مخيم "الجدعة" في العراق، تمهيدًا لخطط تهدف إلى دمجهم في المجتمع العراقي.
ويرى خبراء في الشأنين السوري والعراقي، تحدثوا لـ"جسور بوست"، أن هذه الأسر تواجه تحديات جسيمة، إذ تنتقل من معاناة المخيم السوري إلى واقع لا يقل صعوبة في المخيم العراقي. ويؤكد الخبراء أهمية وجود إشراف أممي وإنساني فعال، يتواكب مع الخطط الأمنية التي عادةً ما تتقدّم على الاعتبارات الحقوقية في مثل هذه القضايا.
شرارة العودة
بعد شهرين من سقوط نظام بشار الأسد، صرّح الرئيس المشترك لمكتب شؤون النازحين واللاجئين، شيخموس أحمد، وفقاً لما أوردته وكالة "فرانس برس" في فبراير الماضي بأن الإدارة الذاتية تهدف إلى إفراغ المخيمات بحلول عام 2025، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.
وأضاف في مقابلة مع قناة "العربية" أن توقف عمل المنظمات الدولية قد يؤدي إلى تنامي التطرف داخل مخيم الهول، حيث يواصل تنظيم داعش عمليات التجنيد وإعادة تنظيم خلاياه.
ويُعد مخيم الهول الأكبر من نوعه، إذ كان يضم في ذروته عام 2019 أكثر من 70 ألف شخص، واليوم يبلغ عدد قاطنيه نحو 50 ألفاً، 90% منهم من النساء والأطفال، من بينهم 25 ألف عراقي، و18 ألف سوري، و7,800 من رعايا 57 دولة أجنبية.
وبحسب تقرير لمؤسسة "كارنيغي" الأمريكية في يوليو 2023، فإن 23% من سكان المخيم هم دون سن الخامسة، و42% منهم أطفال تراوح أعمارهم بين 5 و18 عاماً.
تحديات الإدماج
تُدير المخيم الإدارة الذاتية الكردية المدعومة أمريكياً، والتي تحتفظ بعلاقات متوترة مع السلطة المركزية في دمشق، وفي ظل استمرار التوترات، تعمل السلطات العراقية على إعادة آلاف المواطنين الذين عاشوا في المخيم لسنوات، وغالبًا ما يُشتبه بارتباطهم بتنظيم داعش.
ويبرز التحدي الأبرز في كيفية دمج هؤلاء العائدين في المجتمع العراقي، في ظل رفض شعبي ومخاوف أمنية، حسب ما أفاد به تقرير للتلفزيون الألماني في أبريل الماضي.
وتمت منذ عام 2021 إعادة نحو 12 ألف عراقي من مخيم الهول، فيما غادر أكثر من 1200 شخص المخيم منذ بداية 2025، وتخطط الحكومة العراقية لتسيير قافلتين شهرياً بهدف إجلاء جميع العراقيين بحلول عام 2027.
وتُقدّر أعداد العراقيين الذين لا يزالون في المخيم بين 15 و20 ألف شخص، مع صعوبة في تحديد الأرقام بدقة بسبب حالات التهريب أو المغادرة غير الرسمية، ويُقدّر أن نحو 10 آلاف عراقي مرّوا عبر مخيم "الجدعة" قرب الموصل.
تحركات حكومية
صرّح علي عبد الله، رئيس لجنة مكافحة التطرف في مستشارية الأمن القومي العراقي، لوكالة الأنباء العراقية في مارس الماضي، أن "مخيم الهول يضم جنسيات متعددة، لكن الجهود تتركز على استعادة العراقيين، موضحاً أن بقاء هؤلاء في المخيم يشكل تهديداً لأمن المنطقة.
وأضاف عبد الله أن عمليات إعادة العراقيين مستمرة، ويستقبل مخيم الجدعة أعداداً متزايدة من العائدين، مؤكداً العمل لتسهيل دمجهم في مجتمعاتهم الأصلية.
كما أشار إلى أن الحكومة تعمل وفق رؤية واضحة لترسيخ مفاهيم الاعتدال، عبر برامج تشمل مختلف المحافظات والوزارات، تتصدرها مبادرات إدماج النازحين العائدين.
وفي مارس الماضي، أعلنت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا عن مغادرة 161 عائلة عراقية، تضم 607 أشخاص، من مخيم الهول إلى العراق، في إطار الدفعة السادسة خلال عام 2025، وفي أبريل، تم نقل دفعة جديدة من 241 عائلة، شملت نحو 866 شخصاً.
خلفية تاريخية وأمنية
بلغ تنظيم داعش ذروة قوته بين عامي 2014 و2017، حيث سيطر على مناطق واسعة من العراق وسوريا، قبل أن يُهزم عسكرياً بحلول عام 2019، وأُلقي القبض على العديد من عناصره، فيما بقيت عائلاتهم في مخيمات مثل الهول، دون حلول واضحة لمستقبلهم.
وبحسب موقع "رووداو" العراقي، تبذل الحكومة جهوداً حثيثة لمعالجة هذه الإشكالية، في ظل تحديات أمنية واجتماعية تتطلب تنسيقاً متكاملاً بين الجهات الرسمية والأمنية والمنظمات الإنسانية، لضمان دمج العائدين بطريقة فعّالة، ومنع نشوء أي تهديدات مستقبلية.
فيما كشف تقرير نشره مركز المستقبل للدراسات في 17 مايو الماضي، أن أحد أبرز التحديات التي تواجه الحكومة العراقية في ملف إعادة عائلات تنظيم داعش من مخيم الهول، يتمثل في تصاعد التهديدات الأمنية نتيجة وجود نحو 20 ألف طفل عراقي دون سن 18 عاماً في المخيم، ما يجعله بيئة خصبة لإعادة إنتاج جيل جديد من المتطرفين، بفعل نشأتهم في أجواء فكرية متطرفة.
وأشار التقرير إلى أن الحكومة العراقية تعد تسريع وتيرة إعادة دمج عائلات هؤلاء الأطفال في المجتمع، من خلال برامج تأهيل تمهيدية تؤهلهم للعودة الطوعية إلى مناطقهم الأصلية، وسيلة استراتيجية لمنع التنظيم من استعادة قدرته على "تفريخ" عناصر جديدة، بعد خسارته الميدانية والأمنية.
انقسام سياسي ومجتمعي
ووفق التقرير، هناك تباين واضح في مواقف القوى السياسية العراقية تجاه إعادة "عوائل داعش"، إذ أبدت العشائر السنية في محافظات مثل الأنبار ونينوى وديالى وصلاح الدين دعمها لهذه الخطوة، وتشارك الحكومة في جهود التأهيل، بشرط عدم تورط هؤلاء الأفراد في جرائم إرهابية.
في المقابل، ترفض قوى "الإطار التنسيقي" الشيعية إلى حد كبير هذا التوجه، وتضغط باتجاه وقف مسار الإعادة، خشية أن يؤدي تفكيك ما يُعرف بـ"المخيم الأسود" (في إشارة إلى مخيم الهول) إلى زعزعة الاستقرار الداخلي، وخلق خلايا نائمة مرتبطة بالتنظيم على الحدود السورية-العراقية.
وأشار التقرير أيضاً إلى وجود رفض شعبي واسع النطاق، سواء لدى الطائفة السنية أو الشيعية، إذ يخشى كثيرون أن يؤدي رفض المجتمع للعائدين إلى شعورهم بالنبذ والمظلومية، ما قد يُعيد إنتاج نماذج ناقمة قد تنخرط في العنف أو الجريمة.
ومن أبرز التحديات أيضاً ما وصفه التقرير بـالقدرات المحدودة للمؤسسات المعنية بعمليات التأهيل والدمج، إذ تحتاج عملية استيعاب هذه العائلات إلى مؤسسات متخصصة، تتعاون بشكل فعّال مع برنامج الأمم المتحدة وجهات حكومية ومنظمات مدنية، لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي والتربوي المطلوب.
وأكد التقرير أن نصف سكان مخيم الهول من العراقيين، ما يزيد من الضغط على المؤسسات العراقية ويجعل من الصعب إحداث تأثير ملموس في ظل استمرار تدفق العائدين، وخلص إلى أن إنهاء أزمة المخيم لا يزال أمراً بعيد المنال، رغم المساعي العراقية المتواصلة.
دعوات لإشراف دولي
من جانبه، قال العقيد السوري السابق عبد الله الأسعد، الخبير العسكري والاستراتيجي، في تصريح لـ"جسور بوست"، إن العراق يتحمل العبء الأكبر من سكان مخيم الهول، إذ يشكلون أساس عائلات داعش التي نشأت بالأساس على الأراضي العراقية.
وأضاف: "أعداد النساء والأطفال المرتبطة بالتنظيم كبيرة جداً، وهم بحاجة إلى برامج تأهيل عاجلة، خاصة الأطفال، لأن استغلالهم بطريقة خاطئة قد يؤدي إلى كارثة مستقبلية للمنطقة بأكملها"، داعياً إلى إشراف دولي وأممي لضمان معاملة إنسانية للعائدين، وتحقيق اندماج عادل وفعّال في المجتمع العراقي.
انتقادات للنهج الحالي
بدوره أكد المحلل السياسي العراقي حسين السبعاوي، في تصريح لـ"جسور بوست" أن سقوط نظام الأسد كان نقطة التحول التي دفعت "قسد" للتقارب مع الحكومة العراقية على حساب النظام السوري، بهدف إنهاء ملف المخيمات.
وأشار إلى أن "قسد" استخدمت هذه الأسر كورقة ضغط، دون تقديم إصلاح فكري أو نفسي حقيقي لهم، وأن انتقالهم من مخيم الهول إلى مخيم الجدعة في العراق لا ينهي معاناتهم رغم التصريحات الحكومية المتكررة حول برامج الدمج.
وانتقد السبعاوي ما وصفه بـ"غياب الجدية" في معالجة الملف، مشيراً إلى أن بعض القوى الشيعية تعرقل تنفيذ برامج الدمج وتحتفظ بموقف متشدد، ولم يستبعد أن يُحاكم بعض العائدين في العراق، خاصة من يثبت تورطه في جرائم سابقة، مشدداً على أن الملف لا يزال شائكاً ويتطلب معالجات شاملة تتجاوز البُعد الأمني.
واختتم السبعاوي حديثه بالتحذير من أن الإجراءات الأمنية وحدها غير كافية، مطالباً بضرورة تبني رؤية متكاملة تشمل الجوانب الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية، لتجنب تفاقم الأزمات وضمان إعادة دمج ناجحة ومستقرة لهؤلاء العائدين.