"حياة الماعز".. دراما "مسيسة" تغض البصر عن النقلة النوعية للعمالة الوافدة بالسعودية
يتحدث عن نظام الكفيل المُلغى بالمملكة منذ 3 سنوات
لم يصمت الباكستاني المقيم بالسعودية ذو الفقار طويلا، إذ نشر مقطعا مصورا عبر حسابه على منصة "إكس" قائلا: "أنا لي 40 عاما مقيما بالسعودية، ووجدت فيها ما لم أجده في بلدي من حفظ حقوق وكرامة وإنسانية، والله ما أحد يخطئ في حقك.. نعيش وسط أمن وأمان وشعب مضياف".
رسالة ذو الفقار عن حقوق العمالة الوافدة إلى السعودية لم تكن الوحيدة، بل رافقتها آلاف الرسائل عبر منصات التواصل الاجتماعي العربية المختلفة للتشكيك في الرواية التي جاء بها الفيلم الهندي "حياة الماعز" أو The Goat Life"".
ولقي الفيلم الهندي انتقادات من المقيمين بالسعودية أكثر من المواطنين السعوديين، انطلاقا من تجاهل العديد من الحقائق والمتغيرات الإيجابية التي طرأت على أوضاع العمالة الوافدة إلى البلد الخليجي، إلى جانب أن الرواية الحقيقية أدين فيها الشخص الهندي بقتل كفيله، قبل أن يتم العفو عنه من ذوي رب العمل وإكرامه بمنحه أموالا للعودة إلى بلاده، ما يثبت أن العمل تشوبه نوازع انتقامية واضحة.
وتشكل العمالة الوافدة إلى السعودية إمبراطورية لا يستهان بها في البلد الخليجي المضياف، إذ يفوق أعداد القادمين من الخارج تعداد أبناء الوطن عدة مرات، بحسب إحصاءات رسمية.
وفي يناير 2024، أفاد المرصد الوطني للعمل السعودي، بأن أعداد المقيمين العاملين في القطاع الخاص بلغت نحو 9 ملايين من جنسيات مختلفة، فيما بلغ إجمالي المواطنين السعوديين العاملين في القطاع الخاص 2.327 مليون.
وبحسب بيانات أعلنتها الهيئة العامة للإحصاء السعودية في مايو 2023، سيطرت 5 جنسيات على نحو 68 بالمئة من الجاليات الأجنبية العاملة في السعودية، وهي بالترتيب العددي بنغلاديش والهند وباكستان واليمن ومصر.
وتُعد السعودية أكبر دولة خليجية من حيث استضافة العمالة الأجنبية الوافدة، تليها الإمارات بنحو 5 ملايين عامل، وتتقارب حصة كل من الكويت وقطر بما يزيد على 2 مليون عامل لكل منها، ثم سلطنة عمان بقرابة 1.9 مليون عامل، وتعد البحرين الأقل من حيث حصتها من العمالة الوافدة بنحو 594 ألف عامل.
ومضات إصلاحية
وشهدت حقوق العمالة الوافدة إلى السعودية العديد من مراحل التطور طوال السنوات الماضية، إذ صدر في سبتمبر 2005، مرسوم ملكي حول نظام العمل والذي تضمن حقوقا متقدمة للعمالة الأجنبية.
وفي نوفمبر 2013، صدر مرسوم ملكي يشمل تعديلات تقر بإنشاء المحكمة العمالية، وهي محكمة من محاكم الدرجة الأولى وتختص بالنظر في المنازعات بين العمال وأصحاب الأعمال أو الشركات، وتنظم العلاقة بينهم لضمان حفظ حقوق كافة الأطراف وتطبيق أحكام العمل بشكل منصف ومنضبط.
وفي أبريل 2018، أشارت هيئة حقوق الإنسان الحكومية بالسعودية أمام الأمم المتحدة، إلى أنه في مجال العمل تم "اتخاذ عدد من التدابير لحماية حقوق العاملين، أبرزها صدور قرار مجلس الوزراء بإلغاء مصطلح الكفيل، وحظر احتفاظ صاحب العمل بجواز سفر العامل الوافد"، وهو إجراء يمنح العمالة الوافدة حرية التنقل وعدم احتجاز وثائقهم أو جوازات سفرهم.
وفي نوفمبر 2020، أطلقت وزارة الموارد البشرية السعودية، مبادرة تهدف إلى الارتقاء بقدرة سوق العمل السعودي التنافسية لتعزيز "رؤية 2030"، وإصلاح قانون العمل.
في ديسمبر 2020، أكدت المتحدثة باسم هيئة حقوق الإنسان، نورة الحقباني، أن المملكة أولت الحق في العمل اهتمامًا كبيرًا، وكفلت أنظمتها هذا الحق وعززته وحمته، دون أي تمييز بأي شكل من الأشكال، حيث نص النظام الأساسي للحكم في المادة (28) على أن "تيسر الدولة مجالات العمل لكل قادرٍ عليه، وتسن الأنظمة التي تحمي العامل وصاحب العمل".
وأوضحت الحقباني، أنه "في ظل رؤية المملكة 2030 أُصدرت العديد من الأنظمة واللوائح والأُطر المؤسسية لتعزيز حماية حق العامل، بما يتماشى مع معايير حقوق الإنسان ومعايير العمل الدولية، وأجرت في هذا الإطار تعديلات متلاحقة على نظام العمل وأطلقت لائحة عمال الخدمة المنزلية ومن في حكمهم".
وأطلقت السعودية العديد من المبادرات والبرامج والمحاكم والدوائر العمالية، وهيئات تسوية الخلافات العمالية، وخصصت رقمًا موحدًا لاستقبال شكاوى العمال الوافدين بعدة لغات، إضافة إلى إطلاق مبادرة باسم "تحسين العلاقة التعاقدية" بهدف تخفيف القيود المفروضة على العمال، تماشيا مع معايير حقوق الإنسان.
إلغاء نظام الكفيل
وفي مارس 2021، بدأت السلطات السعودية في إلغاء نظام الكفيل، بالتزامن مع دخول مبادرة "تحسين العلاقة التعاقدية" للعاملين في القطاع الخاص حيز التنفيذ.
وتقدم هذه المبادرة الحكومية حزمة من الخدمات، أبرزها "التنقل الوظيفي" الذي يتيح للعامل الوافد الانتقال عند انتهاء عقد عمله دون الحاجة لموافقة صاحب العمل، إلى جانب خدمة "الخروج والعودة"، والتي تسمح للعامل الوافد بالسفر خارج المملكة، وذلك عند تقديم الطلب مع إشعار صاحب العمل إلكترونيًّا.
ويستفيد العامل من هذه الخدمات وفق شروط، أهمها أن يكون ضمن العمالة المهنية الوافدة الخاضعة لنظام العمل، وأن يمضي العامل الوافد 12 شهرًا لدى صاحب العمل الحالي منذ دخوله السعودية، وأن يتقدم بإشعار صاحب العمل إلكترونيًّا بطلب نقل الخدمة قبل 90 يومًا من الانتقال أو عند الرغبة في إنهاء العلاقة التعاقدية.
وتشمل خدمات المبادرة جميع العاملين الوافدين في منشآت القطاع الخاص ضمن ضوابط محددة، وتراعي حقوق طرفَي العلاقة التعاقدية، والتي تتوفر عبر منصتي (قوى) و(أبشر)، وتشمل جميع العاملين الوافدين في منشآت القطاع الخاص.
في يناير 2022، أعلن البنك الدولي في تقرير نشره بموقعه الإلكتروني، أن حرية انتقال العمالة الأجنبية في السعودية "آخذة في الازدياد"، مشيرا إلى أنه في الربع الثالث من عام 2020 زادت عمليات انتقال العمالة إلى وظائف أخرى بنسبة 23 بالمئة، مقارنة بالعام السابق، وبحلول الربع الثالث من عام 2021 ارتفع هذا المعدل السنوي ليصل إلى 93 بالمئة.
ولفت تقرير البنك في التقرير ذاته، إلى أن "التغييرات الأخيرة التي أدخلتها السلطات السعودية على نظام الكفالة للعمال الأجانب أتاحت إمكانية تغيير أماكن عملهم بسهولة ويسر".
وفي سبتمبر 2022، أدخلت المملكة تعديلات جديدة على نظام العمل استهدفت "تعزيز حرية العمال في التنقل والبحث عن فرص عمل أفضل، من دون الحاجة إلى موافقة صاحب العمل، وتحسين ظروف العمل وبيئته لتصبح أكثر أماناً وإنصافاً، مع تقلص فرص الاستغلال وسوء المعاملة".
تطورات فارقة
وفي يناير 2024، قالت رئيسة هيئة حقوق الإنسان السعودية، هلا التويجري، في جلسة أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إن العمال الوافدين إلى بلادها يتمتعون الآن بحماية أفضل بموجب القانون.
وفي يوليو 2024، أظهر استطلاع رأي أجرته شبكة "InterNations" الألمانية، ارتفاع ترتيب السعودية إلى المركز الثاني كأفضل دولة للعمالة الوافدة في العالم، بعد رحلة التحول التي خاضتها المملكة، وفق فضائية العربية السعودية.
وجاء ترتيب السعودية في المرتبة الثانية خلف الدنمارك في مؤشر العمل بالخارج، حيث اعتبرها أكثر من نصف المشاركين في استطلاع الرأي تملك سوقا إيجابية وصحية مناسبة للعمل.
ووفق 5 نتائج لاستطلاعات رأي أجنبية، حجزت السعودية موقعها ضمن أفضل الدول العشر الأولى بالعالم كأفضل واجهات للعمالة الوافدة، كما جاء ترتيبها في المركز الأول في المؤشر الفرعي لآفاق العمل، والثاني عالمياً للراتب والأمن الوظيفي، بينما احتلت المرتبة السابعة في مؤشر ثقافة العمل والرضا الوظيفي.
وبحسب استطلاع الرأي السنوي لـ"InterNations" فإن 75 بالمئة من العمالة الوافدة إلى السعودية، يعتقدون أن خطوة الانتقال إلى المملكة عملت على تحسين آفاقهم المهنية، وذلك وفق قياسات تعتمد على عناصر الرضا الوظيفي ومعدل الأجور وجودة الحياة.
وساهم عرض الفيلم الهندي "حياة الماعز" في تسليط الضوء على مكتسبات وحقوق العمالة الوافدة إلى السعودية، والتي شهدت نقلة نوعية فارقة خلال العشرية الأخيرة سواء من حيث التشريعات والممارسات.
رئيسة هيئة حقوق الإنسان السعودية، هلا التويجري
القصة الحقيقية
ويرتكن فيلم "حياة الماعز" على نظام الكفيل الذي انتهى تماما في السعودية منذ عام 2021، ما يجعل توقيت عرضه مثارا للشبهات والانتقادات والجدل.
واتساقا مع ذلك قال الراوي والقاص السعودي، عبدالرحمن الدعيلج، إن قصة الفيلم الهندي محرفة، مشيرا إلى أن القصة الحقيقية معروفة وكانت حديث المجالس السعودية في ذلك الوقت.
وأوضح الدعيلج، في مداخلة متلفزة، أن الشخص الذي عمل لديه الهندي لم يكن كفيله، وإنما أخذه من المطار عنوة، وأينما وجد البشر وجدت الجريمة وتمثل صاحبها فقط، ولا يجوز أن تنطلي على الشعب بالكامل".
وأضاف: "قصة الفيلم معروفة منذ 30 عاما، والجميع تعاطف مع الوافد وقضيته، لأن الرجل ذهب به إلى الصحراء ووضعه عند الغنم، والاستعباد لا يجوز شرعا، وجلس الوافد 5 سنوات، ثم طلب من الرجل راتبه، فقال له الرجل ما في راتب، فطلب العودة إلى بلده، ورفض الرجل طلبه أيضا".
وتابع: "حدثت مشادة بينهما، وتطور الأمر إلى عراك، وأخذ الهندي حديدة وضرب الرجل وأرداه قتيلا، ثم هرب، وأبلغ أبناء الرجل عن مقتله، وألقت الشرطة القبض على الهندي وسجن لمدة 5 سنوات".
ومضى الدعيلج، قائلا: "حكم على الهندي بالقصاص، لكن وقف إلى جواره محافظ وأعيان البلد ورجال الدين وجمعوا 170 ألف ريال في ذلك الوقت، وذهبوا لأبناء القتيل وقالوا لهم إن والدهم رحمه الله أخطأ في حق الهندي، وطلبوا منهم العفو وقبول الدية.. وقرر أبناء القتيل العفو لوجه الله سبحانه وتعالى ومنحوه مبلغ الـ170 ألف ريال عوضا عن السنوات الـ10 العجاف التي مر بها مع والدهم".
وأبدى عبدالرحمن الدعيلج اندهاشه من تحريف الرواية لوصم السعودية وشعبها، مؤكدا أن المملكة تستضيف ملايين العمال الوافدين، ويتم التعامل معهم بما يرضي الله ووفق التشريعات والقوانين المنصفة.
أزمة التعميم
ومن جانبه، قال الناقد الفني السعودي عبدالرحمن الناصر، إن "قصة حياة الماعز من تأثير الخيال القذر لتشويه صورة المملكة الجميلة بالعالم إضافة إلى الأخطاء الفنية الجسيمة والمشوهة للسعودية".
وأوضح الأكاديمي الإماراتي ومستشار الشؤون الدينية، وسيم يوسف، أن فيلم حياة الماعز يسيء للمملكة العربية السعودية أولا، وفرضا لو كان قصة حقيقية لو جئنا لتصرف الفرادى للحكم على الدول فهذه كارثة".
وأضاف في تغريدة عبر منصة “إكس”: "نستطيع أن ننتج فيلما عن حياة اثنين من السائحين البريطانيين ذهب هو وزوجته إلى الهند وتعرضت زوجته للاغتصاب أمام زوجها من 10 هنود وهذه قصة حقيقية حتى الصحف الهندية نقلت هذا الأمر، فهل يمكن أن نعمم تصرفات 10 أشخاص على الشعب الهندي الذي يصل تعداده إلى مليار و400 مليون نسمة؟!".
وتابع: "السعودية تعدادها 40 مليونا ووارد أن تحدث تجاوزات، لكن هذا لا يعني أن آخذ شخصا وأحكم على دولة وخدمات دولة وقيادة دولة وتعامل دولة وأقول انظروا ماذا تفعل هذه الدولة".
ومن جهته، قال أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، الدكتور سامح عبدالعزيز، في تصريحات متلفزة، إن فيلم "حياة الماعز"، بمثابة محاولة لتشويه السعودية، والفيلم الأخير الذي تم عرضه له أهداف سياسية واضحة.