مهاجرون.. أم غزاة؟

مهاجرون.. أم غزاة؟

العنوان أعلاه لا يستهدف واقع المهاجرين في مصر، ولا يتماهى مع حملات ظالمة، في الغالب، تنال منهم، وتسعى إلى تحميلهم المسؤولية عن بعض المشكلات التي نواجهها في واقعنا الوطني راهنًا، ولكنه يتعلق ببعض المهاجرين الذين وصلوا إلى دول غربية أو شرقية مختلفة، ثم أقاموا فيها، واستفادوا من أنساقها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية السائدة، قبل أن يسعوا لتقويضها، وفرض رؤيتهم الخاصة عليها.

لقد ظهرت مخاوف جدية في الآونة الأخيرة إثر موجات من الرفض والعداء، في بعض المجتمعات الغربية تحديدًا، ضد المهاجرين من دول عربية وإسلامية، وهي مخاوف توزعت على مجالات عديدة، منها ما يتصل بفرص العمل، أو المنع من الدخول، أو الطرد، أو الاستهداف الجسدي، أو التحريض السياسي المتصاعد، خصوصًا من التيارات اليمينية والقومية.

وبدأت دول غربية، عُرفت طويلًا بأنها وجهة مواتية للمهاجرين الذين ضاقت بهم السبل في بلادهم بسبب الحروب والنزاعات والفقر أو الاضطهاد والتمييز، في اتخاذ إجراءات للحد من موجات المهاجرين الجدد، أو للتضييق على المهاجرين المتواجدين بالفعل.

وانتهزت بعض التيارات السياسية الشعبوية والقومية وجود عدد من الحوادث المنسوبة لمهاجرين لتطوير خطاب سياسي زاعق من أجل الضغط عليهم، والإغراء بهم، لكسب الأصوات في الانتخابات العامة، ومن ثم تحقيق صعود سياسي على حساب المهاجرين وقضاياهم.

بالنظر إلى أن كثيرًا من المهاجرين، الذين حط بهم الرحال في دول أكثر استقرارًا وأمانًا واستيعابًا، كانوا قد تركوا بلدانهم بسبب ظروف قسرية وأوضاع غير قابلة للاحتمال؛ فلا يجوز أن يُلقى اللوم عليهم في تسويغ الممارسات والدعوات الرافضة لوجودهم، وترك هؤلاء الذين يستغلون قضيتهم سياسيًا، أو الذين ينطلقون في معاداتهم للمهاجرين من دوافع أيديولوجية وأمراض نفسية أو أزمات شخصية.

سيكون هذا بمنزلة لوم للضحية وإيجاد مسوغات للجاني، وهو أمر مُستهجن بكل تأكيد، لكن مع ذلك لا يمكن التغاضي عن بعض الممارسات التي تصدر عن مهاجرين، هاجروا قسرًا أو بإرادتهم الحرة، قبل أن يشرعوا في التعامل مع المجتمعات المُستضيفة بتعال وفوقية، أو يحاولوا تطويع تلك المجتمعات لثقافتهم، وفرض أنماط معيشتهم عليها.

بعض المهاجرين من الدول العربية والإسلامية، سواء هاجروا قسرًا أو بإرادتهم الحرة، وجدوا في المجتمعات المُستضيفة ملجأ وملاذًا ونمط عيش مناسبًا لاستيعابهم ودمجهم، كما حصلوا على مساعدات وفرص، مكنت بعضهم من بناء عوالم جديدة، نعموا فيها بالأمان والكفاية والاستدامة.

ومع ذلك، فإن نسبة منهم قررت، لأسباب مختلفة، أن تتعامل مع تلك المجتمعات المستضيفة باعتبارها «ملاذات ضرورة» أو «ديار كفر» أو «مجتمعات منحلة وضالة»، قبل أن تبحث عن وسائل للتعبير عن مواقفها تلك، وهي وسائل تنوعت بين الانطواء والعزلة وعدم الاندماج، والأخطر من ذلك هؤلاء الذين قرروا تغيير ثقافة تلك المجتمعات بالدعوة، أو بالعنف والإرهاب.

وعندما تقع الحوادث الحادة من بعض المهاجرين؛ مثل القتل والطعن، أو السرقة والاغتصاب، أو كيل الانتقادات الحادة عبر وسائل «التواصل الاجتماعي»، أو محاولة ممارسة شعائر دينية معينة في الأماكن العامة، أو بناء تنظيمات اجتماعية وسياسية للضغط على المجال العام لتغيير بعض العادات الثقافية السائدة فيه، تستغل التيارات السياسية الوطنية واليمينية تلك الحوادث أبشع استغلال، وتسعى إلى تعميمها، وتسخيرها لبناء ذرائعها السياسية، التي قد تتحول لاحقًا سياسات وإجراءات، يدفع ثمنها جميع المهاجرين الحاليين والمحتملين.

ورغم عدم استبعاد وجود توجهات ومصالح سياسية يمكن أن تكون وراء بعض ممارسات المهاجرين الحادة، فإن الأبعاد النفسية والثقافية لها دور حاكم ورئيس في هذا الصدد.

فبعض المهاجرين، خصوصًا الذين يهاجرون إلى دول غربية متقدمة، يسعون إلى موازنة نفسية تمكنهم من استيعاب حالتهم الصعبة، وهم في سعيهم هذا يلوذون بآليات دفاعية تنطلق من إيمانهم بأن ثقافتهم، ودينهم، ونمط عيشهم، وتقاليدهم، أعلى وأرقى مما تتوافر عليه المجتمعات المُضيفة.

ولتحقيق هذا التوازن النفسي فإنهم يسعون إلى رفض ثقافة تلك المجتمعات، أو مقاطعتها، وبعضهم يسعى أيضًا إلى تغييرها، سواء بالدعوة أو بالقوة، وهنا يقع الإشكال.

وربما لا يدرك هؤلاء أن مجتمعاتهم لفظتهم، أو انفجرت من الداخل ولم تعد قابلة للعيش الآمن والمستقر والمستدام، بسبب انطوائها على مشكلات جذرية في مجالات الثقافة والتدين والحريات والإدارة والحكم الرشيدين، وأن استيعابهم في مجتمعاتهم الجديدة تم بسبب ما تمتلكه تلك المجتمعات من تقدم وسوية ثقافية وتقاليد أكثر رشدًا وقابلية للعيش المشترك.

ليت كل مهاجر يعرف أن وجود فرصة في مجتمع مُضيف لاستقباله وإدماجه هو أمر رائع، وأن التعايش والتسامح، وقبول الآخر، وتفهم ثقافته واحترامها، كلها قيم تصب في صالحه، وأن تغيير هذه القيم سيطيح بعالمه، وسيتركه مُعلقًا بين مجتمعه الذي لفظه، والمجتمع الجديد الذي يريد أن يغيره لأنه قبل بوجوده.


* نقلا عن صحيفة المصري اليوم



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية