مع غياب الملاجئ المناسبة.. مخاوف لبنانية من اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل
مع غياب الملاجئ المناسبة.. مخاوف لبنانية من اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل
المعارك الأخيرة مع إسرائيل أدت إلى تهجير أكثر من 110 آلاف لبناني من الجنوب
رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات: لا توجد مناطق آمنة والناس تتصرف بعشوائية خاصة مع الأزمات
مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية: نعمل على تحديث الملاجئ القائمة لتعزيز قدرتها واستعدادها ومساعدة النازحين
ناشط حقوقي: على جمعيات المجتمع المدني وضع خطة طوارئ لتقديم المساعدة وتأمين أبسط مقومات العيش
لبنان- بلال نور الدين
بينما تستمر الاشتباكات المتفرقة بين لبنان وإسرائيل في منطقة الجنوب منذ 8 أكتوبر 2023، يزداد خوف اللبنانيين من اندلاع حرب شاملة قد تؤدي إلى تدمير الأرض وتشريد الملايين.
وفي وقت توفر إسرائيل لسكانها ملاجئ متطورة تحت أغلب أبنيتها، يجد اللبنانيون أنفسهم في حالة من عدم الأمان مما هو قادم.
وقد أدت المعارك إلى تهجير أكثر من 110 آلاف لبناني من الجنوب، نزحوا نحو بيروت والشمال بحثا عن مراكز إيواء في مناطق آمنة، بالإضافة إلى مقتل أكثر من 500 شخص بينهم ما لا يقل عن 170 مدنيا، إلى جانب جرح مئات آخرين.
وتضرر نتيجة الحرب حوالي 3000 منزل جزئيا أو كليا، هذا المشهد يطرح أسئلة حول ما إذا كان هناك ملاجئ في البلاد وما هي قدراتها على حماية المواطنين.
نسبة الملاجئ
في محاولة للإجابة عن تلك التساؤلات، قال أمين سر الهيئة اللبنانية للعقارات، المهندس علي دياب، إن "عدد المباني التي تحتوي على ملاجئ لا يزيد على 10%.. والملاجئ القديمة لا يوجد فيها تهوية ووسائل إطفاء الحريق ومخارج طوارئ".
وكشف "دياب" في حديثه مع "جسور بوست"، عن أنه "لا وجود للملاجئ في معظم الأبنية المشيدة حديثا، حيث إنها (الملاجئ) تستثمر كمستودعات، إذ يستعاض عن الملجأ بدفع غرامة للدفاع المدني".
وردا على سؤال حول مدى قدرة تحمل المباني للقصف والحروب، قال "دياب"، "الكل يعلم أن طاقة التدمير كبيرة جدا، وبالتالي لا تصمد بوجه القنابل الفراغية، وأن المباني المنفذة حاليا تؤمن السلامة العامة في ما يخص الزلازل فقط".
ويتوافق كلام "دياب" مع آراء خبراء عسكريين يعتقدون أن الحماية، التي توفرها الملاجئ والمباني الحديثة، تبقى نسبية في ظل التطور المستمر في نوعية وقدرات الأسلحة.
ووفق القانون اللبناني، فإنه لا تحصل أي بناية على ترخيص إلا إذا كان فيها ملجأ مستوفٍ للشروط، على أن يقوم الدفاع المدني بجولات سنوية للكشف على تلك الأبنية للتأكد من توفر الملاجئ، على أن تفرض غرامات مالية، في حال لوحظ تحويل تلك المساحات إلى مستودعات أو مواقف سيارات.
وقد أصدر الدفاع المدني مرسوماً سنة 1968، بوجوب بناء ملاجئ في صيدا وضواحيها، وبيروت وضواحيها، وطرابلس وضواحيها، في وقت لم يتم النظر إلى وضع الجنوب الذي يشهد منذ 1982 أقسى المعارك مع إسرائيل.
وقد عدل هذا المرسوم سنة 1971، وبات بإمكان المواطن استبدال بناء الملجأ برسم مالي، بينما بقيت المستشفيات والجامعات ملزمة ببناء ملجأ، ومن ثم عدّل مرة أخرى سنة 2016، بحيث تم وضع مواصفات أكثر دقة من أجل أن تتوافق تلك الملاجئ من المعايير الأمريكية والأوروبية والكندية، كما بات الرسم أكثر كلفة.
ويأتي ضعف عدد الملاجئ في لبنان، بينما تغطي الملاجئ في إسرائيل ما نسبته 45% من المباني المشيدة، بالإضافة إلى توافر ملاجئ متنقلة توضع في مناطق الحرب عند الحاجة.
غياب ثقافة الملاجئ
بدورها، أوضحت رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات، المحامية أنديرا الزهيري، أن" ثقافة الملجأ اختفت من لبنان رغم أن البلد كل فترة يمر بحروب وأزمات أمنية".
وأضافت الزهيري، في حديثها مع "جسور بوست"، أنه "بعد انتهاء حرب 2006 التي هدمت فيها منازل كثيرة، أعادت الناس بناء منازلها ولكنها لم تضع ضمن حساباتها إنشاء ملاجئ، ومن ضمن هؤلاء أبناء الجنوب الذين يعانون دائما من توترات، فمثلا، لا يوجد في الجنوب ملاجئ عامة، ومنها ما يمكن تسميته بالملاجئ الذكية التي تكون مرتبطة بالهواتف المحمولة، بحيث تعطي تحذيرات للناس بأن يذهبوا للاختباء في أقرب ملجأ. على أن تحتوي هذه الملاجئ على عيادات طبية وتهوية مناسبة وممرات إخلاء للخروج في حال حدوث طارئ ما".
وقالت "للأسف كل ذلك غير موجود. لذلك نجد الناس خلال الحرب يتركون منازلهم من منطقة غير آمنة إلى منطقة آمنة، علما أنه حتى تلك المناطق المسماة آمنة لم تعد كذلك، فالمدارس مثلا، التي كانت تعتبر مساحة آمنة في حال وقوع حرب، هي قديمة العهد وتفتقد الصيانة، وفي حال حدوث أي زلزال أو حادث اختراق صوت مثلا يحدث فيها تصدع وانهيار جزئي أو كلي.. وهكذا فإن الناس الباحثة عن الأمان تضطر للسكن في مبان قد تكون مهددة بالسقوط ما يجعلهم في وضع خطر، وهذه مشكلة إضافية يجب مواجهتها".
وفي السياق، ذكرت الزهيري بوضع الأبنية القديمة، مشيرة إلى أنها "باتت قنبلة موقوتة، فهي تفتقد الصيانة، فمثلا، في حال وقع جدار صوت تجد أن زجاجا انهار هنا أو سقفا وقع هناك، كما أن انفجار مرفأ بيروت عام 2020 أثر على وضع تلك الأبنية القديمة".
يذكر أن لبنان كان قد التزم بمعايير السلامة، التي هي معايير دولية، بعد عام 2005. وقد عدلت المراسيم المرتبطة بتلك المعايير أربع مرات إلى حد سنة 2012، بحيث بات من الضروري أن تبنى المباني بطريقة تكون مقاومة للزلازل والحرائق.
وردا على سؤال حول ما الذي يجعل الملاجئ في أدنى الأولويات، قالت، "اليوم تطغى ثقافة الربح لدى الناس بحيث لم يعد هناك التزام بالمعايير.. فالأبنية التي باتت تبنى اليوم لم يعد يوضع ضمن رخصها بناء ملجأ بل بات (أسفلها) يتحول إلى مستودع أو موقف سيارات".
وختمت "الزهيري" حديثها، موضحة أنه بنتيجة تلك الصورة المأساوية "نجد الناس تتصرف بعشوائية. خاصة أنه ليس لدينا (كدولة) ثقافة التعامل مع الأزمات".
ويعتبر لبنان من البلدان التي شهدت معارك عديدة في فترات زمنية متقاربة، وأبرزها الحرب الأهلية اللبنانية التي وقعت ما بين عامي 1975 و1990 وراح ضحيتها أكثر من 120 شخصا بالإضافة إلى آلاف المعوقين، إلى جانب الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982 وحرب تموز 2006 التي سقط ضحيتها أكثر من 1400 لبناني.
ورغم تلك المآسي فإن الملاجئ التي بنيت في الجنوب خلال فترات الستينيات والسبعينيات، تحولت إلى أماكن لتربية المواشي وتخزين السماد الزراعي، وهي في الأساس عبارة عن غرفة إسمنتية متواضعة.
خطط طوارئ
وبهدف التعامل مع أي مخاطر قد تنشأ في حال اندلاع حرب مع إسرائيل، فعلت الحكومة اللبنانية "هيئة إدارة الكوارث".
وتعمل الهيئة على وضع خطط استجابة بما يتعلق بأمور الإيواء، والطوارئ الصحية والإسعاف، والطرق والجسور والمرافق البحرية ومطار رفيق الحريري الدولي والاتصالات، والأمن الغذائي وحفظ الأمن والقضايا ذات الصلة، وتستمر الهيئة في اجتماعاتها لمواكبة أي مستجدات.
وعلمت "جسور بوست" من مصدر معني مباشرة بالهيئة أن "عملها يتركز على مراكز الإيواء ولا حديث عن ملاجئ".
وفي السياق، أوضح مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في بيروت لـ"جسور بوست" أنه "كجزء من خطة الطوارئ للمجتمع الإنساني لدعم جهود الاستعداد والاستجابة لحالات الطوارئ التي تبذلها الحكومة، اتخذنا (كأمم متحدة) عدة خطوات رئيسية لضمان حماية المدنيين الذين قد يتأثرون بأي تصعيد".
وأضاف المكتب، أنه "منذ أكتوبر 2023، دعم شركاء الأمم المتحدة الحكومة في تحديد الملاجئ وتحديث الملاجئ القائمة لتعزيز قدرتها واستعدادها، وبالإضافة إلى ذلك، يقوم شركاؤنا بتحديد الشقق التي يمكن استخدامها لاستضافة النازحين داخليًا.
وتوفيرا لمزيد من المساعدة للنازحين، استفاد بعضهم بالفعل من المساعدات النقدية.. ما ساعدهم على تأمين سكن آمن، ومع ذلك، لا تزال الحاجة كبيرة، ونحن ندعو دائما إلى توفير المزيد من الأموال للوصول إلى ما لا يقل عن 10,000 أسرة".
وتابع المكتب "كما أننا ندعم الحكومة في تحديد المواقع الإضافية التي يمكن أن تكون بمثابة ملاجئ جماعية في جميع أنحاء البلاد، وفي حين تم تحديد بعض المدارس كملاجئ محتملة، فإننا نعطي الأولوية للمباني غير المدرسية لتقليل انقطاع التعليم، وهذا النهج هو جزء من جهدنا الأوسع لتوفير السلامة للمدنيين، لا سيما في حالة تدهور الوضع".
مؤخرا، جمع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، 85 منظمة دولية، وطلب منهم تمويل خطة الطوارئ التي تصل كلفتها إلى 100 مليون دولار، حيث إن الدولة استطاعت تأمين 25 مليون دولار من ذلك المبلغ.
ووعدت تلك المنظمات وبعض السفارات بالمساعدة. وتأتي هذه المحاولات في ظل ضعف التمويل في دولة تعاني من أزمة اقتصادية خانقة منذ 2019، حيث تراجعت ميزانية الحكومة اللبنانية إلى 3 مليارات فقط، ما يجعل إمكانات الوزارات محدودة.
وفي ظل موجة النزوح الشديدة، وضعت عدة بلديات خططا لاستقبال المواطنين. في وقت ارتفعت فيه إيجارات المنازل في مناطق أخرى بشكل كبير.
غياب الالتزام بالمعايير الدولية
وبينما يعتبر الأمان حقا أساسيا من حقوق الإنسان، يرى المحامي والناشط الحقوقي محمد صلبوح، أنه “لا يوجد أي التزام ولا أي اهتمام بالإنسان، إذ إن الدولة اللبنانية تعتبر الناس أرقاما وليسوا بشرا”، مضيفا "لبنان لا يلتزم بالمعايير الدولية، ومن يقف مع الناس هي جمعيات المجتمع المدني".
وقال صلبوح في حديث مع "جسور بوست"، إن "الكثير من المؤسسات لا تقوم بواجبها، كما لا توجد رؤية واضحة لدى الحكومة اللبنانية لمعالجة أي شيء في حالات الطوارئ في المستقبل"، مشيرا إلى أن “لبنان مر بفترات طويلة من الحرب الأهلية والحروب مع إسرائيل، وفي كل هذه الحروب، لم يكن لبنان مهيأً نهائيًا لتلبية أبسط احتياجات اللبنانيين”.
يذكر أن جنوب لبنان يغطي مساحة تقدر بـ1045 كلم مربعا من مساحة البلاد البالغة 10452 كلم مربعا، بينما يقدر عدد سكانه بحوالي 800 ألف نسمة.
وعن المطلوب فعله للتعامل مع أي طارئ يرى "صلبوح"، أن الحل الأمثل هو أن "تقوم جمعيات المجتمع المدني بوضع خطة طوارئ، لتقديم المساعدة وتأمين أبسط مقومات العيش للناس".
وتابع أن على المجتمع الدولي ألا يدعم الدولة اللبنانية ومؤسساتها "بل عليه أن يدعم المجتمع المدني، ولكن تحت رقابة صارمة.. لضمان تنفيذ هذا الدعم بشكل صحيح لأجل دعم مساعدة هؤلاء الناس".