«قنابل موقوتة».. استهداف السفن التجارية يهدد بكوارث بيئية في البحر الأحمر
وسط صمت المجتمع الدولي
بتسرب نفطي محتمل، يواجه البحر الأحمر أكبر تهديد بيئي، على وقع حرب يقودها الحوثيون الموالون لإيران في اليمن ضد السفن التجارية.
واستهدفت جماعة الحوثي أواخر أغسطس الماضي ناقلة معروفة باسم "سونيون" تحمل مليون برميل من النفط، ما أدى لاشتعالها عدة أيام وتوقعات بحدوث مخاطر بيئية غير مسبوقة.
ووسط مساعٍ دولية تسابق الزمن لتفادي كارثة بيئية محتملة، تتعالى نداءات أممية لسرعة التعامل مع الناقلة، ووقف الحرب الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر.
وفي نوفمبر الماضي، أعلنت جماعة الحوثي باليمن، أنها سترد على استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة بعمليات تستهدف السفن الإسرائيلية أو من يتعامل مع إسرائيل في مناطق سيطرتها، قبل أن تواجه بعمليات لتحالف تقوده واشنطن ولندن، وتتوعد باستهداف السفن التابعة لها أيضا.
وأثّرت تلك الهجمات على حركة الشحن في المنطقة الاستراتيجية، التي يمرّ عبرها 12 بالمئة من التجارة العالمية، وسط مخاطر بيئية عديدة أسفرت عنها استهدافات سابقة للسفن بالبحر الأحمر، أبرزها السفينة "روبيمار" التي غرقت بحمولتها في مارس الماضي.
مسار الأحداث
في 21 أغسطس الماضي، تسبب هجوم حوثي أولى على السفينة "سونيون" التي تديرها شركة "دلتا تانكرز" ومقرها في أثينا، باندلاع حريق على متنها وفقدان قوة محركها، ما دفع إلى إجلاء طاقمها المؤلف من 25 شخصاً، وفق إعلان المهمة البحرية الاتحاد الأوروبي في البحر الأحمر "أسبيدس".
وفي اليوم التالي، قالت "أسبيديس" في بيان على منصة "إكس" إن ناقلة النفط "سونيون" التي تحمل 150 ألف طن من النفط الخام (مليون برميل) صارت تشكل الآن خطرا ملاحيا وبيئيا بعد تعرضها لهجوم في البحر الأحمر.
وأفاد مسؤول في المهمة البحرية للاتحاد الأوروبي في البحر الأحمر (أسبيديس) آنذاك، بأن أفراد طاقم ناقلة النفط "سونيون" التي ترفع علم اليونان، غادروا الناقلة وجرى نقلهم إلى جيبوتي، وأن الناقلة ترسو الآن بين اليمن وإريتريا في جنوب البحر الأحمر.
وفي أول تعقيب حوثي، قال المتحدث العسكري باسم الجماعة يحيى سريع، إنه تم استهدف سفينة "سونيون" النفطية التابعة لشركة تتعامل مع إسرائيل، وانتهكت قرار حظر الدخول إلى الموانئ الإسرائيلية، مؤكدا أن السفينة أصيبت إصابة دقيقة ومباشرة أثناء إبحارها في البحر الأحمر وهي معرضة للغرق الآن.
بدورها، حذرت السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف في تغريدة على منصة "إكس" من كارثة بيئية، قائلة: "هجوم حوثي آخر يهدد سواحل اليمن وصيادي الأسماك وينذر بكارثة بيئية. لحسن الحظ تم إنقاذ الطاقم، لكن سفينة (سونيون) التي تحمل 150 ألف طن من النفط أصبحت مهدرة في البحر.. ندعو الحوثيين مرة أخرى إلى وقف هذه الهجمات المتهورة وغير القانونية".
وأدان وزير الشحن اليوناني كريستوس ستيليانيديس، الهجوم على السفينة سونيون، قائلاً إنه "انتهاك صارخ للقانون الدولي، وتهديد خطير لسلامة الشحن الدولي".
مساعي الإنقاذ
وفي 27 أغسطس الماضي، قالت وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون)، إن طرفا ثالثا (لم يسمه) حاول إرسال قاطرتين للمساعدة في إنقاذ الناقلة لكن الحوثيين هددوا بمهاجمتهما.
وفي اليوم التالي على ذلك، أشارت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة، إلى موافقة الحوثيين على إنقاذ الناقلة سونيون، نظراً للمخاوف الإنسانية والبيئة التي تشكلها.
وقالت البعثة الإيرانية آنذاك إن عدة دول "تواصلت لتطلب من الحوثيين هدنة مؤقتة لدخول زوارق وسفن الإنقاذ إلى منطقة الحادث، ومراعاة للمخاوف الإنسانية والبيئية وافقوا (في إشارة للحوثيين) على هذا الطلب".
وعقب ذلك قال المتحدث باسم الحوثيين محمد عبدالسلام في تصريحات: “بعد تواصل جهات دولية عدة، خاصة أوروبية، تم السماح لهم بسحب سفينة النفط المحترقة سونيون تفاديا لوقوع أضرار بالبيئة البحرية”، مؤكدا في الوقت ذاته عدم الموافقة على هدنة مؤقتة.
ويوم 29 أغسطس الماضي، نشرت جماعة الحوثي، على وسائل إعلام تابعة لها، مقطعا مصورا يظهر تفخيخ مناطق بمتن ناقلة النفط سونيون التي سبق أن هاجموها في البحر الأحمر، ما تسبب باندلاع حرائق عدة على متنها وتصاعد أعمدة الدخان الأسود منها.
وتعقيبا على ذلك، قال زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي، في خطابه الأسبوعي، إن قواته نفذت عملية جريئة وشجاعة هذا الأسبوع عبر اقتحام السفينة سونيون وتدمير ما فيها من الشحنات واستهداف السفينة نفسها وتفخيخها وتفجيرها، مشيرا إلى أن الناقلة كانت تخالف قرار الحظر وتحمل شحنات للعدو الإسرائيلي.
وبحسب إفادات سلطة الموانئ اليونانية، فإن السفينة سونيون مملوكة لشركة "دلتا تانكرز" اليونانية للشحن، وقد أبحرت من العراق وكانت متجهة إلى ميناء قريب من العاصمة اليونانية أثينا.
بدورها أكدت البعثة البحرية الأوروبية "أسبيدس" في البحر الأحمر، أن الناقلة سونيون مشتعلة منذ 23 أغسطس الماضي، مع رصد حرائق في مواقع عدة على السطح الرئيسي للسفينة، موضحة أنها تستعد لتسهيل أي مسارات عمل، بالتنسيق مع السلطات الأوروبية والدول المجاورة، لتجنب أزمة بيئية كارثية.
وفي 3 سبتمبر الجاري، أعلنت "أسبيدس" عبر حسابها على منصة "إكس"، أن “الشركات الخاصة المسؤولة عن عملية الإنقاذ توصلت إلى أن الظروف لم تكن مواتية لإجراء عملية القطر، وأنه لم يكن من الآمن المضي قدماً، والشركات الخاصة تدرس الآن حلولاً بديلة”.
وأوضحت أن مهمتها تهدف لتسهيل الوقاية من كارثة بيئية غير مسبوقة في المنطقة، مؤكدة أنها تواصل التركيز على مهمتها الأصلية، وهي العمل كمزود موثوق للأمن البحري من الاتحاد الأوروبي، بهدف المساهمة في حرية الملاحة للسفن التجارية في منطقة عملياتها.
استمرار الكارثة
في 12 سبتمبر الجاري، قالت "أسبيدس" إن “السفينة سونيون لا تزال مشتعلة وليست منجرفة، ومن الضروري أن تتعاون المنظمات العامة والخاصة والجهات الفاعلة بشكل وثيق لمنع وقوع كارثة بيئية”، كاشفة عن الاستعداد لتسهيل عملية إنقاذ جديدة في الأيام المقبلة من خلال توفير الحماية للسفن المستأجرة تجاريًا والتي ستسحب السفينة إلى موقع آمن.
وقالت مصادر بحرية لوسائل إعلام أجنبية، إن الخبراء يستأنفون هذا الأسبوع عملية محفوفة بالمخاطر لإنقاذ الناقلة "سونيون" التي هاجمتها جماعة الحوثي اليمنية في البحر الأحمر الشهر الماضي ولا تزال تحمل نحو مليون برميل من النفط الخام.
وسرعان ما أوقفت الشركات التي حاولت قطر الناقلة نشاطها لأنها اعتبرت هذه العملية غير آمنة، إذ قال مسؤولون إن عملية القطر ستكون حساسة جداً لأن الناقلة محملة بالكامل وأي تسرب قد يحدث سيكون الأكبر من نوعه في التاريخ وسيحدث كارثة بيئية في المنطقة.
وبحسب تقارير أجنبية، يحمل الحادث تهديدا بتسرب هذه الكمية الهائلة من النفط، وهي كمية أكبر بأربعة أضعاف من كارثة "إكسون فالديز" التي وقعت عام 1989، والتي شكلت آنذاك واحدة من أكبر الكوارث البيئية في تاريخ الولايات المتحدة.
بدورها، حذرت منظمة "غرينبيس" البيئية من أن أي تسرب أو انفجار على متن السفينة قد يتسبب بأضرار لا يمكن إصلاحها، إذ قال مدير برامجها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جوليان جريصاتي: "بمجرد تسربها، قد يستحيل تقريبًا احتواء بقعة نفطية بهذا الحجم، ما سيؤدي إلى انتشار التلوث في مساحات شاسعة من مياه البحر والسواحل".
وأضاف: "قد تكون التداعيات الطويلة الأمد على التنوع البيولوجي البحري مدمّرة، إذ من المحتمل أن تبقى بقايا النفط في البيئة لسنوات أو حتى عقود طويلة".
والخميس الماضي، جدد مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن هانس غروندبرغ، الإعراب عن قلقه من خطر تسرب نفطي كارثي على نطاق غير مسبوق، في جلسة بمجلس الأمن لبحث تطورات الوضع في اليمن.
سوابق إجرامية
في 19 نوفمبر 2023، نفذ الحوثيون إنزالاً على السفينة "غالاكسي ليدر" في البحر الأحمر واستولوا عليها وخطفوا طاقمها المؤلف من 25 فرداً من جنسيات مختلفة، واقتادوا السفينة إلى ميناء الصليف في محافظة الحديدة الخاضعة لسيطرتهم.
والسفينة ناقلة مركبات تشغلها شركة يابانية وتملكها شركة بريطانية مرتبطة برجل أعمال إسرائيلي، ولا يزال أفراد الطاقم محتجزين لدى الحوثيين حتى الآن.
في 18 فبراير 2024، ألحق هجوم صاروخي حوثي أضراراً جسيمة بالسفينة "روبيمار" في البحر الأحمر، ما دفع إلى إجلاء طاقمها المؤلف من 24 فرداً إلى جيبوتي المجاورة.
وتسبب الهجوم على سفينة الشحن التي تديرها شركة لبنانية، في تسرب المياه إليها وخلف بقعة نفط بطول 18 ميلاً، ما أثار مخاوف من كارثة بيئية.
في 6 مارس 2024، أصابت صواريخ حوثية سفينة "ترو كونفيدنس" في خليج عدن، ما تسبب في مقتل ثلاثة من أفراد الطاقم، وإصابة أربعة آخرين في الأقل.
وتم إجلاء أفراد الطاقم الـ21 إلى جيبوتي، وجرى قطر ناقلة البضائع المملوكة من ليبيريا، والتي لحقت بها أضرار جسيمة، إلى ميناء الدقم في سلطنة عمان.
في 12 يونيو 2024، أصيبت السفينة "توتور" بأضرار كبيرة جراء استهدافها في البحر الأحمر، ما أدى إلى مقتل أحد أفراد طاقمها من الجنسية الفلبينية.
وتسبب الهجوم في تسرب المياه إليها ودفع إلى إجلاء طاقمها، وبعد أيام غرقت ناقلة البضائع المملوكة لشركة يونانية، لتصبح بذلك ثاني سفينة تغرق جراء هجمات الحوثيين.
تهديدات متواصلة
بدوره، قال الخبير والمحلل الاقتصادي اليمني عبدالحميد المساجدي، إن مبررات الحوثيين لاستهداف السفن التجارية في البحر الأحمر واهية وتسبب أضرارا كبيرة لليمنيين، أبرزها تقويض عملية السلام في البلاد، وتوقف توزيع المساعدات الإنسانية، إضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود والسلع الغذائية، خاصة في المناطق التي تخضع لسيطرة الحوثي.
وأوضح المساجدي في تصريح لـ"جسور بوست" أن الهجمات التي يشنها الحوثيون في مياه البحر الأحمر أدت إلى فقدان شريحة عريضة من الصيادين لمصدر رزقهم الوحيد، فضلا عن نقص ملحوظ للإنتاج السمكي في الأسواق المحلية، وفقدان السكان مصدرا مهما من مصادر الغذاء في بلد يعاني أكثر من نصف تعداد سكانه (نحو 18 مليونا) من انعدام للأمن الغذائي.
وأضاف: "شكّلت هجمات الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر تهديدا اقتصاديا جديدا على الدول العربية المحيطة بفعل تعطيل حركة التجارة العالمية وارتفاع تكاليف الشحن والتأمين وعرقلة سلاسل الإمداد، وهي عوامل تسبب ارتفاع الأسعار بشكل جنوني في البلدان العربية وتؤدي لزيادة تكاليف المعيشة".
ودلل المساجدي على سلامة رأيه قائلا: "بسبب هذه الهجمات الحوثية انخفضت حركة الملاحة في قناة السويس وتراجعت إيراداتها السنوية، إضافة إلى تأثيرات أخرى على جميع الدول المشاطئة للبحر الأحمر نتيجة تحول الملاحة في هذا الخط إلى عملية عالية المخاطر".
وفي ما يخص الخسائر والمخاطر البيئية، قال الخبير اليمني: "شكل غرق السفينة روبيمار تهديدا حقيقيا للحياة البحرية خاصة الأسماك والأحياء البحرية والشعب المرجانية، إضافة إلى التهديد الذي يمثله اشتعال السفينة سونيون التي تحمل كميات كبيرة من النفط، وقد وصلت إلى السواحل اليمنية كميات من البقع الزيتية نتيجة التلوث الذي أصاب خليج عدن والبحر الأحمر، وستصل هذه البقع الزيتية إلى مزيد من سواحل الدول المشاطئة للبحر الأحمر في ظل استمرار التصعيد واستهداف السفن وناقلات النفط".
قنابل موقوتة
ومن جانبه، قال الرئيس السابق لهيئة حماية البيئة في اليمن الدكتور عبدالقادر الخراز، إن الحوثيين تورطوا مرارا في إلقاء النفايات الخطرة بالمياه الإقليمية اليمنية في البحر الأحمر، إضافة إلى المخاطر الكارثية لاستهداف السفن التجارية والناقلات البحرية.
وأوضح الخراز في تصريح لـ"جسور بوست" أن الناقلة "سونيون" مستمرة في الاشتعال منذ قرابة 3 أسابيع متواصلة، وهو ما ينتج تلوثا ضخما في الهواء ستكون له تداعيات بيئية خطيرة على دول الجوار والدول المشاطئة على البحر الأحمر بسبب الأمطار الحمضية وتأثيراتها على النبات والتربة وصحة الإنسان.
وأضاف: "حدث تسرب نفطي لا يزال محدودا، لكن انعكاساته خطيرة على تسمم ونفوق الأسماك وهو ما ظهر جليا بالفعل على شواطئ مدينة المخا اليمنية (جنوب غرب)، إضافة إلى الإضرار المباشر بالشعاب المرجانية والكائنات البحرية، والتي تعد ثروة بيئية ضخمة ليست ملكا لليمن وحده ولكن لجميع الدول المشاطئة على البحر الأحمر أيضا".
ومضى الخراز قائلا: "استهدافات الحوثيين للسفن التجارية في البحر الأحمر أصبحت تهديدا خطيرا له تأثيرات اقتصادية واجتماعية وصحية وبيئية على العاملين بقطاع الصيد في اليمن بشكل خاص والمناخ وصحة الإنسان بشكل عام، كما أن معظم جهود الحل الأممية والدولية تبوء بالفشل بسبب تعنت ميلشيا الحوثي".
وتابع: "هذه الناقلات النفطية تعد قنابل موقوتة في البحر الأحمر وتنذر بسيناريوهات كارثية، لا سيما أنه من غير مستبعد أن تهدد ميلشيا الحوثي بتفجيرها أمام العالم، حيث تدعي زورا وكذبا أنها تدافع عن اليمنيين والقضية الفلسطينية لكنها في الواقع تلوث البيئة البحرية وإغراق الشعب اليمني والدول المشاطئة في البحر الأحمر".
واختتم المسؤول اليمني حديثه بعبارة: "التحدي الأكبر الآن هو السيطرة على مخاطر وتأثيرات الناقلة (سونيون) واحتواء الكوارث البيئية التي ستنتقل بالتبعية إلى دول الجوار وتضر بمصالح الشعوب المطلة دولها على البحر الأحمر، خاصة السعودية ومصر، إضافة إلى عسكرة البحر الأحمر وسط صمت المجتمع الدولي والولايات المتحدة".