المستقبل والسلام المستدام
المستقبل والسلام المستدام
في رحلتي في الصيف الماضي إلى السويد والنرويج كنت حريصاً على زيارة مقر جائزة نوبل في العاصمة السويدية، التي تضم تاريخ هذه الجائزة والشخصية الملهمة التي أطلقتها وهو ألفريد نوبل، بفروعها الخمسة الفيزياء والكيمياء والطب والاقتصاد والآداب.
وفي العاصمة النرويجية يوجد مقر الفرع السادس من الجائزة وهي نوبل للسلام، والحقيقة أنه لا يبدو واضحاً إلى هذا اليوم أسباب اختيار نوبل للسلام كأحد موضوعات جوائزه. فيمكن تفسير جائزة نوبل في الكيمياء أو الفيزياء لكون ألفريد نوبل كان مهندساً كيميائياً.. والبعض يفسر وجود هذا الفرع بأن نوبل أراد أن يوجد نوعاً من التوازن تجاه اختراعه -الذي قد يسبب الحرب والدمار- حيث إنه مخترع الديناميت، وتبقى هذه الجائزة الأبرز والأهم عالمياً في مجال السلام.
كان متحف نوبل للسلام مثيراً للإعجاب وخصوصاً عندما تدخل وتشاهد صور عشرات الرجال والنساء ممن فازوا بهذه الجائزة منذ انطلاقتها في عام 1901.
كان المتحف مليئاً بطاقة السلام والتسامح، فأغلب من فازوا بتلك الجائزة حملوا قلوباً بيضاء ولم يسقط غصن الزيتون من أيديهم طوال حياتهم، ولكن السؤال الذي كان يشغل تفكيري وأنا أتجول في ردهات هذا الصرح، أين هو السلام في عالمنا؟ وأين هو السلام في منطقتنا؟ وما مدى التزام دول العالم بهذا المطلب الإنساني الكبير؟! فلا تصلني إلا الإجابات المتناقضة بين ما يتكلم عنه العالم وبين ما يحدث على أرض الواقع.
في مثل هذه الأيام من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمي للسلام الذي يصادف 21 سبتمبر من كل عام الذي التزم العالم به منذ 1981 بهدف التفكير في السلام والعمل على نشر ثقافته بين الشعوب، ورغم الجهود الدولية منذ أكثر من أربعين عاماً فإن المشهد العالمي يعج بالعنف والحروب وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد منذ أحد عشر شهراً واحدة من أشرس الحروب وأكثرها عنفاً ودموية وأكثرها خرقاً للقوانين الدولية والمواثيق الأممية.
فحرب غزة التي بدأتها حماس في السابع من أكتوبر وأكملتها إسرائيل إلى اليوم أصبحت تضع مسألة السلام في محل التساؤل والاستفهام والاستنكار، فأين السلام في ظل مثل هذه الحرب؟ وكيف يمكن أن نطبق شعار اليوم العالمي للسلام 2024، "معاً نحو سلام مستدام”.. فنحن بحاجة إلى أن نحقق السلام أولاً ثم نعمل على استدامته.
المسؤولية التي تقع على عاتق المجتمع الدولي كبيرة، وهو أمام مسؤولية أخلاقية أمام الأجيال الجديدة التي تراقب التخاذل الأممي في حماية الأبرياء والضعف في إيقاف الحروب والتأخر في محاسبة المجرمين!
في منطقة الشرق الأوسط بالتحديد السلام أمر ملح وحيوي ولا جدال فيه، فقضية فلسطين يجب أن تجد حلاً نهائياً وعلى إسرائيل أن تتقبل الحلول المطروحة وتعيد الحق لأصحابه ولا تستمر في اختلاق الأعذار للتهرب من السلام في المنطقة.. وفي منطقتنا نحارب الإرهاب وجماعاته المسلحة التي تحمل فكر العنف والقتل، وتتعاهد على إبقاء المنطقة على فوهة بركان، ولا ترغب في أن يعم السلام والأمن والاستقرار!
اليوم نشعر أكثر من أي يوم مضى أننا بحاجة إلى التمسك بالسلام والعمل من أجل تحقيقه وعدم الاستسلام لصوت العنف والكراهية والقتل والدمار.. وهذا يتطلب الوعي الدائم والعمل والتضامن من الجميع، الحكومات والشعوب، ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية، حتى نضمن مستقبلًا أفضل للبشر في كل مكان.
وأخيراً يذكرنا اليوم العالمي للسلام بأن الحلول السلمية ليست فقط ممكنة، بل هي ضرورية.. والدبلوماسية، والحوار، والتعليم، وتمكين المجتمعات المحلية من المشاركة في صنع القرار، جميعها أدوات فعالة لبناء مستقبل سلام مستدام.