«تكلفة إنسانية باهظة».. مخاوف من تحويل لبنان لـ«غزة أخرى» وتحذيرات من «حرب شاملة»

«تكلفة إنسانية باهظة».. مخاوف من تحويل لبنان لـ«غزة أخرى» وتحذيرات من «حرب شاملة»

مع اقتراب حلول عام على الحرب الإسرائيلية المدمرة لقطاع غزة، انتقلت مشاهد القصف والدمار والنزوح إلى جنوب لبنان، لتنذر بتحويل بلد "أشجار الأرز" إلى غزة أخرى، وسط ترقب عالمي لاندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط.

وفي تطور مقلق، أعلن الجيش الإسرائيلي رسميا، صباح السبت، تمكنه من "القضاء" على الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، في غارة جوية على العاصمة اللبنانية بيروت، وهو ما أكده الحزب في بيان لاحق، إذ توعد الأخير بمواجهة العدو إسنادًا لغزة وفلسطين ودفاعًا عن لبنان وشعبه.

ويأتي تعدد فتح جبهات الحرب بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، ليضاعف حجم الكلفة السياسية والاقتصادية والإنسانية بتدمير البنى التحتية ومقتل وإصابة عشرات الآلاف ونزوح مئات الآلاف في مشاهد غير مسبوقة مقارنة بحرب "تموز" التي اندلعت بين إسرائيل ولبنان في عام 2006.

ومنذ اندلاع الحرب على غزة، في 7 أكتوبر 2023، شن حزب الله اللبناني (الموالي لإيران) هجمات ضد إسرائيل لدعم القضية الفلسطينية، راهناً وقفها بوقف الحرب على القطاع المنكوب، إذ أسفر تبادل النار عبر الحدود -شبه اليومي- عن مئات القتلى وآلاف الجرحى والنازحين من البلدات الحدودية.

وبحسب تقديرات لجنة تنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات الوطنية في لبنان (رسمية) شهد البلد العربي إجمالا 7 آلاف و34 غارة أو قصفاً، و248 قصفا بالفوسفور، و133 عملية إطلاق نار من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ أكتوبر 2023. 

هجوم غير مسبوق

وفي يوم الاثنين الماضي، شنت إسرائيل هجوما غير مسبوق ضد جنوب لبنان، ما ساهم في ارتفاع حصيلة الضحايا والنازحين إلى مراكز الإيواء وتدمير البنى التحتية، ليضاعف من حجم الخسائر على جميع المستويات.

وذكرت منظمة الصحة العالمية أن 37 مركزاً صحياً، من أصل 317 مركزاً في لبنان، لم تعد قادرة على تقديم الخدمات؛ بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل، وقالت في تغريدة على موقع "إكس" إن "الوصول إلى الخدمات الصحية يُعَدّ حيوياً تماماً كالوصول إلى الغذاء والمياه والمأوى".

ومع تصاعد غارات إسرائيل على لبنان، قال وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام، في تصريحات إعلامية، إن الحرب الإسرائيلية على لبنان فاقمت الأعباء والمخاطر وزادت أكثر من شدة الانهيار، نظرًا لتكلفتها الباهظة وتزامنها مع ظروف اقتصادية صعبة يمر بها لبنان.

وحذر سلام من أن "استمرار الحرب سيستنزف ما تبقى من الاقتصاد اللبناني وسيأخذه إلى مكان صعب، حيث دفع لبنان أثمانا باهظة على مدى عقود طويلة في هذه الحرب التي يبدو أنها طويلة ومستمرة، وفواتيرها الاقتصادية على لبنان ستكون غالية للغاية".

خسائر بشرية فادحة

والأربعاء الماضي، قال صندوق النقد الدولي، "نراقب بقلق بالغ تصعيد الصراع في المنطقة، والصراع الحالي يشهد خسائر بشرية فادحة ويلحق الضرر بالبنية الأساسية المادية في جنوب لبنان، ويؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي الكلي والاجتماعي الهش بالفعل في البلد العربي".

وأكدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أن "الهجمات على المدنيين تزيد من البؤس في لبنان"، إذ قال ممثلها إيفو فرايسن، في مؤتمر صحفي بجنيف: "بعد خمسة أيام من أعنف الهجمات التي شهدها لبنان وأوسعها نطاقاً منذ ما يقرب من عقدين من الزمان، وصلنا الآن إلى ما كنا نحذر منه ونخشاه، وهو وقوع كارثة إنسانية".

وأضاف فرايسن: "بينما كنا نستعد لهذا السيناريو على مدى 11 شهراً، فإن مشكلة نقص التمويل تعوق تنفيذ برامج المساعدة في لبنان نكرر دعوتنا للمانحين لزيادة التمويل لجهود الإغاثة الإنسانية في لبنان بشكل عاجل". 

وتابع: "منذ حرب أكتوبر 2023 نزح أكثر من 211 ألف شخص، بمن في ذلك أكثر من 118 ألف شخص هذا الأسبوع وحده، ودفعت الغارات الجوية المتواصلة عشرات الآلاف للخروج من الجنوب والضواحي الجنوبية لبيروت والبقاع إلى أماكن أكثر أماناً في بيروت وجبل لبنان والشمال".

ومضى قائلا: "يخبرنا النازحون الجدد من السوريين واللبنانيين في عدة مناطق أنهم اضطروا إلى النوم في العراء، هذا هو الوقت المناسب للمجتمع الدولي لتكثيف دعمه للبنان وشعبه"، محذرا من أن الفشل في تقديم الدعم العاجل والملموس من شأنه أن يؤدي إلى تعقيد الوضع أكثر من ذلك وإلى نشوء احتياجات أكثر تجذراً، ما يجعل من الصعب معالجة هذه الأزمة سريعة النمو.

ووفق التقديرات الأممية، بلغت حركة النزوح في لبنان ذروتها يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، وهو ما تسبب في حدوث حالات من الازدحام والفوضى، حيث لا يزال العديد من الأشخاص يبحثون عن منازل ومراكز إيواء لهم حتى الآن، ما يدفع البلاد إلى وضع أكثر خطورة.

وحذرت منظمات دولية، من العواقب طويلة الأمد على الفئات الأكثر ضعفا واحتياجا في لبنان، والتي باتت مقلقة للغاية مع استمرار تصعيد الأعمال العدائية في جنوب البلاد، والذي أدى إلى مزيد من النزوح وإغلاق المدارس، في حين وضع أيضا ضغوطا على خدمات الرعاية الصحية فيما تشرف الخدمات الأساسية على الانهيار الكامل.

مآسٍ إنسانية في لبنان

ومنذ انفجار مرفأ بيروت في عام 2020، تضاعفت أعداد الفئات الأكثر احتياجا في لبنان، وباتت المساعدات الإنسانية والإغاثية الدولية والأممية غير قادرة على تلبية الاحتياجات الجديدة والتحديات والمعوقات التي تواجه جميع نواحي الحياة في البلد العربي المأزوم.

والجمعة، طلب رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، خلال لقائهما في نيويورك، دعماً طارئاً من منظمات الأمم المتحدة الإنسانية لدعم بلاده في هذه المرحلة الحرجة.

جاء ذلك غداة إعلان وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي، في مؤتمر صحفي، أن عدد النازحين في مراكز الإيواء بلغ أكثر من 70 ألفا، مؤكدا أن مساعدات المنظمات الدولية أصبحت "غير كافية".

وتأتي هذه التصريحات في ظل تصاعد انتقادات العديد من النازحين الذين لم يجدوا أي مساعدات في عدد من المدارس اللبنانية الرسمية التي فتحتها الدولة لاستقبالهم كمراكز إيواء، حيث أكد العديد منهم أنهم لم يجدوا "فرشاً" كافية ليناموا، بحسب تقارير إعلامية محلية.

وبالتزامن مع حالات النزوح الداخلي، تتزايد حالات العبور الحدودية من لبنان إلى سوريا خلال الأيام الماضية، في بلد يشكو من أعباء استضافة ما يقدر بنحو 1.5 مليون لاجئ سوري، وأكثر من 11 ألف لاجئ من جنسيات أخرى.

وفي سبتمبر الجاري، أعلن منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في لبنان عمران ريزا، تخصيص حزمة مساعدات طارئة بقيمة 24 مليون دولار من الصندوق الإنساني للبنان لدعم الفئات الأكثر ضعفا في البلاد، وتلبية الاحتياجات العاجلة للمتضررين من الأعمال العدائية المستمرة في الجنوب.

وقال ريزا في بيان إن "هذا التمويل يأتي في وقت يواجه فيه لبنان تحديات غير مسبوقة طغت على قدرة البلاد على التكيف معها، حيث سيوفر التمويل الدعم العاجل للأشخاص، بما في ذلك الغذاء والمأوى والرعاية الصحية والمياه والصرف الصحي والحماية".

ويشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، تتّسم بتراجع غير مسبوق لقيمة عملته ونقص حاد في السلع الغذائية والوقود، ما أدى إلى إغراق نصف الشعب اللبناني في الفقر والبطالة، بالتزامن مع حدوث فراغ سياسي، وهو ما جعل البلد العربي يعاني واحدة من أشد ثلاث أزمات على مستوى العالم.

مخاوف من تطورات الحرب

وتحليلا لتطورات الأوضاع على الساحة اللبنانية، قال الأكاديمي المتخصص في العلاقات الدولية الدكتور سعيد صادق، إن إسرائيل تستهدف تحويل لبنان إلى "غزة جديدة"، لكن تنفيذ ذلك سيواجه صعوبة لأن لبنان بلد مفتوح ولديه حدود دولية ويتلقى دعما أمميا ودوليا، بخلاف الوضع في غزة كقطاع محاصر ومقاطع من الجميع.

وأضاف صادق في تصريح لـ"جسور بوست": "ليس من مصلحة المنطقة انهيار لبنان، لكن الهدف الإسرائيلي يركز على إضعاف وتدمير "حزب الله" وتحويله إلى حزب سياسي دون مليشيات لتقليم أظفاره، لكن النجاح في تحقيق هذا الهدف الإسرائيلي سيكون ذا تكلفة باهظة للغاية على الشعب اللبناني.

واستطرد: "لبنان كان يشهد تراجعا في معدلات السياحة وارتفاعا في معدلات الفقر والبطالة وأزمة كبيرة وخانقة في الأوضاع الاقتصادية قبل الحرب، وبالتالي فإن الحرب الإسرائيلية الحالية ستفاقم من هذه الأوضاع المتردية بشكل غير مسبوق أو متوقع".

واستبعد الخبير الأكاديمي أن تكون لبنان ساحة لاندلاع حرب شاملة بالمنطقة، مؤكدا أن إيران لديها خطوط حمراء لا تتجاوزها مهما بلغت في التهديد لإسرائيل، قائلا: "ستتعامل طهران مع مقتل حسن نصر الله مثلما تعاملت مع مقتل القيادي البارز في حزب الله فؤاد شكر أواخر يوليو الماضي".

وتابع: "إيران لن تدخل حربا بالمنطقة الآن، غير أن لبنان سيستمر في دفع أثمان غالية سياسية واقتصادية وإنسانية، إذ يتزايد أعداد القتلى والجرحى والنازحين، في ظل تدمير هائل في البنى التحتية واحتدام الأزمة السياسية بعد إتمام الاستحقاق الرئاسي باختيار رئيس جديد للبلاد".

وحذر سعيد صادق من استمرار تدهور الأوضاع قائلا: "كل التكلفة الباهظة التي سيدفعها لبنان قد تتعاظم، حال استمرار الحرب عبر الجهود الدبلوماسية أو حال نفذت إسرائيل غزوا بريا متوقعا ضد قواعد حزب الله في الجنوب".

أوضاع إنسانية بالغة الصعوبة

وأوضح الحقوقي د. محمود الحنفي، مدير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان "شاهد"، استمرار الجرائم الإسرائيلية بحق الأرواح والبنى التحتية في لبنان بشكل غير مسبوق، موضحا أن هناك تدميرا واسع النطاق على جميع المستويات، في ظل أوضاع إنسانية بالغة الصعوبة بدت في تزايد أعداد المواطنين الذين ينامون على أرصفة الشوارع وفي الحدائق العامة.

وقال الحنفي، في تصريح لـ"جسور بوست" من مقر إقامته في لبنان، إن "إسرائيل بدأت الحرب منذ تفجير أجهزة الاتصالات وتوالي الاغتيالات ولا يتوقع إلى أي مدى تصل له هذه الحرب المدمرة".

ومضى قائلا: "الحرب الإسرائيلية تستمر في لبنان من حيث انتهت في جرائم إبادتها في غزة، خاصة مع عدم وجود موانع دولية تحول دون ارتكاب إسرائيل هذه الجرائم في ظل دعم أمريكي وصمت دولي"، مؤكدا أن كلفة الحرب باهظة جدا وستتزايد بشكل مرعب خلال الأيام المقبلة.

ويتوقع الخبراء والمراقبون أن تسفر جريمة مقتل زعيم حزب الله القيادي الشيعي حسن نصر الله في غارة إسرائيلية، في تصعيد حاد للنزاع المتواصل بين إسرائيل وحزب الله المستمر منذ نحو عام، على خلفية الحرب في قطاع غزة، ما أسفر عن مقتل وجرح المئات ونزوح آلاف اللبنانيين.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية