«على وقع اغتيال حسن نصر الله».. لبنان يبحث عن هدنة لالتقاط الأنفاس خوفاً من أزمة إنسانية كارثية

«على وقع اغتيال حسن نصر الله».. لبنان يبحث عن هدنة لالتقاط الأنفاس خوفاً من أزمة إنسانية كارثية

 

من حفرة عميقة نجمت عن الانفجار، سطر الأمين العام لحزب الله اللبناني القيادي الشيعي حسن نصر الله، آخر حروف قصته مع المقاومة في بلاده، ليفوق لبنان على أزمة إنسانية حادة تخيم على جميع أرجائه وتبحث عن هدنة لالتقاط الأنفاس.

والسبت، أعلن الجيش الإسرائيلي مسؤوليته عن "تصفية" زعيم "حزب الله" حسن نصر الله في غارة جوية، فيما قالت وسائل إعلام عبرية إن الجيش استخدم 85 قنبلة خارقة للتحصينات من طراز "بانكر باستر" لاستهداف القيادة المركزية لحزب الله الواقعة أسفل مبنى سكني في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وغداة مقتل الأمين العام لحزب الله اللبناني، أعلن الجيش الإسرائيلي، مقتل قائد وحدة الأمن الوقائي للحزب وأحد قياداته الكبار نبيل قاووق، فيما لا تزال الغارات الإسرائيلية تستهدف لبنان.

ويقف البلد العربي المأزوم اقتصاديا وسياسيا على حافة الهاوية، مع تصاعد أعداد النازحين ليصل إلى نحو مليون شخص، في ظل عدم تلبية المساعدات الدولية احتياجات المتضررين من تصاعد الغارات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية منذ نحو عام.

ومنذ انفجار مرفأ بيروت في عام 2020، تضاعفت أعداد الفئات الأكثر احتياجا وضعفا وفقرا في لبنان، وباتت المساعدات الإنسانية والإغاثية الدولية والأممية غير قادرة على تلبية الاحتياجات الجديدة والتحديات والمعوقات التي تواجه جميع نواحي الحياة في البلد العربي المأزوم.

ترجيح بمواصلة التصعيد

وبين مخاوف من تصاعد حدة الضربات المتبادلة بين إسرائيل وحزب الله على وقع اغتيال حسن نصر الله، والتحذيرات الأممية من اندلاع "حرب شاملة" بالشرق الأوسط، ينتظر لبنان قطر الغيث لإنقاذه من نزيف الانهيارات التي أصابت جميع جوانبه.

والأحد نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تحليلا قالت فيه إن "حسن نصر الله (المقرب من إيران) في مواجهة الاختيار بين الحرب الشاملة مع إسرائيل أو الاختباء من أجل الحفاظ على نفسه، يبدو أنه انحاز للخيار الأخير، في الوقت الذي توسعت فيه تل أبيب من مساحات ضرباتها، لتستهدف مناطق عدة من مدينة الحديدة باليمن، والتي تسيطر عليها جماعة الحوثي التابعة لإيران".

ووفق ما رآه الخبير السياسي اللبناني ومدير مركز تطوير للدراسات الاستراتيجية هشام دبسي، فإن حادث اغتيال حسن نصر الله سيكون بمثابة تصعيد من إسرائيل لاستدراج "حزب الله" نحو الردود العنيفة لتبرير قرارات حكومة نتنياهو باستمرار المعركة في جبهة لبنان، لا سيما أن الحزب لن يصمت أمام اغتيال أمينه العام وعدد من قياداته دون رد يتناسب مع الأثر النفسي والمعنوي والعسكري للحادث. 

وقال دبسي في تصريحه لـ"جسور بوست" إن الحرب في لبنان تنجرف نحو الاشتباك الخشن وتبادل الضربات، لفتح جبهة الحرب في لبنان لفترات زمنية أطول على غرار ما يحدث في غزة، وذلك انتظارا لمعطيات جديدة مع الإدارة الأمريكية الجديدة وقرارات مجلس الأمن الدولي.

وأضاف: "جميع المؤشرات في لبنان تتجه نحو تصاعد وتكثيف حدة العمليات العسكرية مع إسرائيل، وحادث اغتيال حسن نصر الله سيكون هو مفتاح التصعيد وليس التهدئة، بهدف إطالة أمد الحرب في لبنان لإحداث تغييرات عميقة في توازنات القوى الداخلية اللبنانية وموازين القوى بالمنطقة، وذلك حال فرض الحصار البري والبحري والجوي لمنع أي إمدادات تدعم حزب الله".

وبشأن الأوضاع الإنسانية، أوضح دبسي أن عدد النازحين اللبنانيين تجاوز مليون شخص، ما يفاقم الأزمات التي يعيشها لبنان خاصة أن البلد في حالة ضعف شديد منذ 5 سنوات على الأقل، وبالتالي فإن النازحين اللبنانيين والمقيمين من السوريين والفلسطينين أمام مأزق كبير سواء في الإيواء أو توفير الغذاء والكساء خاصة مع قدوم فصل الشتاء.

وتابع: "الحكومة اللبنانية تبحث كيفية احتواء النازحين في المدارس والمباني الحكومية لأن الإيجارات في لبنان مشكلة كبيرة نظرا لارتفاع أسعار استئجار الشقق لوجود خلافات عميقة بين التيارات والفصائل في لبنان، ما يدفع البلاد نحو أزمة إنسانية كبيرة".

وتوقع الخبير السياسي اللبناني زيادة أعداد النازحين مع تواصل العمليات العسكرية الإسرائيلية، مؤكدا أن أزمات لبنان باتت أكبر من معالجات منظمة الأمم المتحدة وحدها وتحتاج إلى تحرك دولي جماعي، لا سيما مع تزايد المخاوف من تحول الأزمات الإنسانية إلى معارك طائفية سياسية تلوح في الأفق بحرب أهلية جديدة.

لا تضميد للجراح

ومن جانبه، يرى الكاتب والناشط السياسي اللبناني مصطفى فحص، أن إسرائيل تستهدف ضرب قدرة حزب الله اللبناني على مواجهتها أو تهديدها من خلال تصفية قياداته، الأمر الذي ينذر بمزيد من الضربات الإسرائيلية الموجهة إلى حزب الله لإلغاء هذا التهديد لمدة لا تقل عن 25 عاما على الأقل.

 ورجح فحص في تصريحه لـ"جسور بوست" احتمالات وقوع غزو بري من القوات الإسرائيلية إلى لبنان للقضاء على حزب الله، ورغم أن هذه الفكرة صعبة التحقق فإن الضربات القاسية التي يتلقاها الحزب خلال هذه الأيام سوف تدفعه إلى التراجع كثيرا.

ومضى فحص مضيفاً: "هذا التراجع ليس تكتيكيا ولكنه استراتيجي، لأن إقدام قوات الاحتلال الإسرائيلي على معركة برية سيعني أننا أمام تحول استراتيجي فارق".

وتوقع الكاتب والمحلل اللبناني أن تكون هناك زيادة في أعداد النازحين في ظل استمرار عقاب جماعي من العدو الإسرائيلي في مسعى منه لتكرار سيناريو غزة في لبنان، ليصبح حزب الله أمام انتكاسات عسكرية واجتماعية ضخمة لا يقوى على إصلاحها.

وبشأن دور المجتمع الدولي، قال مصطفى فحص: "لبنان أمام تهديد حقيقي بأكبر أزمة إنسانية في تاريخه، ليس هناك داعم أو وسيط يضمد جراح لبنان الغائرة"، مؤكدا أن غزة شهدت تضامنا إغاثيا كبيرا لكن لبنان مُهمل من العالم رغم التصعيد العسكري المتواصل.

نداءات استغاثة 

ويوم الأحد قال رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي: "خيارنا هو الحل الدبلوماسي، وهو الأفضل، وذلك بحسب المنطق والعقل وانطلاقا من تمسكنا بالشرعية الدولية وبالسلام، بأنه يجب أن يذهب نحو هذا الخيار".

وأضاف ميقاتي بعد ترؤس اجتماع لجنة الطوارئ الحكومية: "نحن لن نتقاعس لحظة عن متابعة الدور الدبلوماسي، ولا خيار لنا سوى الخيار الدبلوماسي، منذ بدء الأزمة قلنا بتطبيق القرار 1701، وأنا ذكرت الأمر أيضاً في مجلس الأمن في كلمتي، وكل مواقفنا تؤكد هذا الموضوع".

وأوضح أنه "مهما طالت الحرب فسنعود بالنهاية إلى القرار 1701، فلنوفر الدماء وكل ما يحصل، ولنذهب إلى تطبيق الاتفاق، الجيش اللبناني حاضر لهذا الموضوع، ويجب أن نهيئ له المستلزمات اللازمة ليكون موجودا".

وتابع: "الجيش موجود على الحدود، ولا نستطيع في بعض الأحيان تأمين الغذاء له، لأن الشاحنات التي تؤمن الغذاء له تتعرض للعدوان، وبالتالي فكل اتصالاتنا تركز على تطبيق هذا القرار نداؤنا هو لوقف إطلاق النار على كل الجبهات فيحل الأمن والاستقرار في المنطقة".

ومضى ميقاتي قائلا: "هناك مليون شخص نزحوا خلال أيام، في أكبر عملية نزوح في لبنان والمنطقة، إدارة الأزمة ليست مقتصرة على الإيواء والغذاء فحسب بل هناك أمور أخرى تتعلق بالصحة العامة حتى لا تتفشى الأمراض نتيجة عدم توافر الأجواء الصحية المناسبة، وكذلك هناك موضوع النفايات الذي يحتاج إلى إدارة خاصة والتي تتراكم جراء وجود أعداد كبيرة من النازحين في أماكن معينة". 

مساعدات إغاثية عاجلة

ويتواصل إعلان دول عربية، أبرزها مصر والإمارات العراق، عن تقديم مساعدات إغاثية عاجلة للبنان، كما تتحرك الحكومة اللبنانية مع المنظمات الدولية لتجاوز تداعيات الأزمة، إذ عقد محافظ بيروت القاضي مروان عبود، اجتماعا مع المنظمات الأممية لتنظيم عملية تقديم المساعدات الإنسانية التي يحتاج إليها النازحون اللبنانيون.

وأكد عبود ضرورة التنسيق المباشر بين منظمات الأمم المتحدة وغرفة إدارة الأزمات والكوارث في محافظة بيروت لإيصال المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها مباشرة.

ومن جانبه قال ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، إيفو فرايسن، إن "الهجمات على المدنيين تزيد من البؤس في لبنان، وصلنا الآن إلى ما كنا نحذر منه ونخشاه، وهو وقوع كارثة إنسانية".

وأضاف فرايسن: "قد شهد لبنان حالات مماثلة من الاضطراب خلال حرب يوليو 2006 مع إسرائيل، وذلك عندما اضطر اللبنانيون للفرار إلى سوريا وأوروبا، لكن البلاد في وضع أكثر خطورة الآن، حيث تستمر في مواجهة أزمة اجتماعية واقتصادية".

وحذر المسؤول الأممي من أن "الفشل في تقديم الدعم العاجل والملموس من شأنه أن يؤدي إلى تعقيد الوضع أكثر من ذلك وإلى نشوء احتياجات أكثر تجذراً، ما يجعل من الصعب معالجة هذه الأزمة سريعة النمو".

ويواصل الجيش الإسرائيلي، شن عشرات الغارات الجديدة على أهداف تابعة لحزب الله في لبنان بعد أيام على مقتل حسن نصر الله، في وقت نفى فيه حزب الله اتخاذ "إجراءات تنظيمية" داخل قيادة الحزب بعد مقتل الأمين العام.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية