بعد ارتفاع جنوني للأسعار.. سيناريوهات لخروج العالم من مجاعة محتملة

بعد ارتفاع جنوني للأسعار.. سيناريوهات لخروج العالم من مجاعة محتملة

القمح موجود.. الأزمة في ارتفاع أسعار الغذاء مما يظهر ما يسمى بـ"الوجه الجديد للجوع"

 بوتين استخدم القمح ضمن أسلحة الحرب بعد إعلانه زيادته بنسبة 10% وعدم تصديره إلّا للدول الصديقة 

الحل زيادة إنتاج الدول لسلعها الاستراتيجية خاصة من في استطاعتهم زراعة القمح 

الدول المنهارة اقتصادياً احتمالات تعرضها لمجاعة كبيرة جدا

 

تُعرف المجاعة بأنّها قلة توفر الموارد الغذائيّة التي تلبي احتياجات الناس، وهي واحدة من أقسى وأشدّ المشكلات، وتترافق المجاعات عادةً مع العديد من المشكلات الأخرى، من بينها، ارتفاع مُعدّلات الوفيّات.

المجاعة، سيناريو يرجح حدوثه لغالبية سكان الكرة الأرضية في الفترة القادمة، بعد غزو الدب الروسي لأوكرانيا، فبينما كان العالم يتعافى تدريجيًا من "كوفيد-19"، جاءت الأزمة لتهدد ذلك التقدم الذي حققته، وكثير من بلدان المنطقة معرض لدرجة كبيرة من المخاطر من آثار الحرب، وذلك تحديدًا بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وتراجع السياحة في بعض الدول، والصعوبة المحتملة في الوصول إلى أسواق رأس المال الدولية.

وجاء في تقرير أصدره صندوق النقد الدولي في مارس 2022، أن روسيا وأوكرانيا من أكبر البلدان المنتجة للسلع الأولية خاصة الحبوب، وأدت انقطاعات سلاسل الإمداد إلى ارتفاع الأسعار العالمية بصورة حادة، ولا سيما أسعار النفط والغاز الطبيعي. 

وشهدت تكاليف الغذاء قفزة في ظل المستوى التاريخي الذي بلغه سعر القمح، حيث تسهم كل من أوكرانيا وروسيا بنسبة 30% من صادرات القمح العالمية.

وأعلن مدير برنامج الأغذية العالمي، ديفيد بيسلي، أنه في الوقت "الذي يواجه فيه العالم مستوى غير مسبوق من المجاعة، من المقلق جدا بشكل خاص أن نرى الجوع يظهر في بلد لطالما كان يعتبر مخزن أوروبا، وقد يدفع الرصاص والقنابل في أوكرانيا أزمة الغذاء العالمية إلى مستويات لم يسبق لها مثيل".

وقال مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء، مايكل فخري، إن الغزو الروسي لأوكرانيا تسبب في معدلات جوع شديدة في البلاد، ويزيد من مخاطر ارتفاع معدلات الجوع في روسيا، وقد يتسبب في زيادة عالمية في سوء التغذية والمجاعة.

ووفقا للخبير الأممي، بدأت الآثار المباشرة للنزاع على الغذاء تظهر في مصر، وتركيا، وبنغلاديش، وإيران، حيث تشتري هذه الدول أكثر من 60 في المئة من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، كما تعتمد بلدان مثل لبنان وتونس واليمن وليبيا وباكستان بشكل كبير على البلدين في إمدادات القمح. 

وتمثّل روسيا وأوكرانيا معاً حصة ضخمة من الإمدادات الزراعية في العالم، إذ تصدّران الكثير من القمح والذرة وزيت عبّاد الشمس وأنواع الغذاء الأخرى، التي تضيف كلها ما يصل إلى أكثر من عُشر إجمالي السُعرات الحرارية المتداولة عالمياً. لكن الآن، توقفت الشحنات من كلا البلدين تقريباً.

انطلاقًا من حجم الأزمة وما قد تخلفه على البشرية، تفتح "جسور بوست" النقاش بين خبراء اقتصاديين للوقوف على تأثير الأزمة وسيناريوهات الخروج منها.

إنهاء الحرب أول الحلول

قال الأستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة والخبير الإستراتيجي بالجمعية العامة لمنظمة الأغذية والزراعة فاو نادر نور الدين، إن هناك مخاوف أعلن عنها البنك الدولي ومنظمة الأغذية والزراعة على ما يزيد على خمسين دولة في إفريقيا وآسيا، كانت تعتمد كليًا على البلدين المتحاربين في استيراد القمح، مهددة بعد ارتفاع أسعار الغذاء بازدياد عدد الفقراء والجوعى، ولكن حتى الآن لم ترصد زيادة الجوعى بشكل ملموس، وما زالوا في تعدادهم المعروف حول العالم كله، فقط رصد في الصومال وإثيوبيا بسبب نهري"جوبا وإشبيلية".

وعن سيناريوهات النجاة والحلول التي يمكن للدول فعلها لتفادي المجاعة أضاف نور الدين: "وضعتها الدول الغربية، أولًا العمل على خفض أسعار البترول، لارتباطها بشكل كبير بأسعار الغذاء، حيث البترول يمثل ثلث إنتاج الغذاء، يتمثل في النقل من الموانئ وتفريغ الشاحنات ونقلها إلى المدن، والزراعة وصناعة الأسمدة والمبيدات، رفع المياه من جوف التربة، وحرث الأراضي ونقل المحاصيل إلى الأسواق جميعها يحتاج إلى الطاقة، وبالتالي رفع أسعار البترول يؤدي بالضرورة إلى رفع أسعار الغذاء، وهذا ما حدث في الحرب، حيث ارتفعت أسعار البترول من 60 إلى 90 دولاراً، حتى وصلت إلى 200، ثم أعلنت أمريكا وبعض الدول الكبرى أنها ستسحب من الاحتياطي الإستراتيجي الموجود بها".

وتابع نور الدين: "الأمر الثاني خفض أسعار الغذاء التي سببتها الحرب، ولذا الحل في العمل على إنهاء الحرب، التي تتحكم في نحو 30% من تجارة أغذية العالم، حيث يخرج من روسيا وأوكرانيا 34% من تجارة القمح، 37% من تجارة الشعير، 17% من تجارة الذرة الصفراء، 15% من تجارة الأسمدة النيتروجينية اللازمة لإنتاج الغذاء، 17% فوسفات، 20% صادرات الغاز الروسي للعالم منها 40% إلى أوروبا، والأهم أن روسيا وأوكرانيا تتحكمان في تصدير 73% من صادرات العالم من زيوت عباد الشمس وهو الزيت الأكثر استهلاكًا في العالم، ولذلك في الأزمة الحالية أكثر ما ارتفعت أسعاره هي زيوت الطعام، فإنهاء الحرب وعودة فتح الموانئ الأوكرانية سيخفف كثيرًا من الأزمة.

 أيضًا فرض رسوم مخاطر على الموانئ الروسية عند نقل القمح منها، كذلك فإن العالم بدأ يشير إلى وجود بدائل للدول التي تعتمد على روسيا وأوكرانيا كأستراليا حيث إنها من أكبر الدول المصدرة للقمح في العالم، وفرنسا ورومانيا المجر وكندا الولايات المتحدة حتى تتحكم بمفردها في 28% من صادرات الغذاء، وأكبر دولة مصدرة للقمح عالميًا، فهناك وفرة في وجود القمح ولكن الأزمة هي في ارتفاع أسعار الغذاء يظهر بما يسمى بـ"الوجه الجديد للجوع"، ويعني ألا يكون الجوع بسبب نقص الغذاء وإنما لارتفاع أسعار الغذاء، أي أنه موجود بالأسواق لكن الفقير غير قادر على الشراء، وبالتالي يعتبر كأنه غير موجود، ولذا فالدول بدأت تنوع مصادر الاستيراد ومنها مصر، وسيؤدي هذا إلى عودة الأسعار إلى التوازن مرة أخرى.

وقال نور الدين: “إن مصر على سبيل المثال، أخذت قرارًا مهمًا، ففي العام القادم سيتم إضافة من نصف إلى مليون فدان لزراعة القمح، ودخول شمال سيناء (400 ألف فدان) في زراعة القمح وكذلك أراضي توشكى، جميعها ستقلل اعتمادنا على الواردات من الخارج”.

وأشار إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن زيادة 10% على أسعار القمح وأنه لن يصدره إلا للدول الصديقة، مما يعني أن القمح بدأ يُستخدم كسلاح يخلق تبعية سياسية للدول مؤيدة لروسيا، وهو أمر غير مرغوب فيه.

زراعة القمح ضرورة

وبدوره، قال أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات إيهاب الدسوقي: لا شك أن الحرب بينت اعتماد الدول على استيراد السلع الإستراتيجية خطأ كبير، فضلًا عن تركز الاستيراد من دولة واحدة يعظم المشكلة، حيث تعتمد بعض الدول كمصر ودول إفريقيا في استيرادها للقمح على روسيا وأوكرانيا، وعندما حدثت الحرب أدت إلى أزمة وضرورة البحث عن بدائل، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار، فما الوضع إذن إذا لم تكن هناك بدائل؟ بلا شك سيضع الدول في أزمة، ولذلك الحل لهذا المشكلة ولتفادي تكرارها هو زيادة الإنتاج خاصة من السلع الإستراتيجية، خاصة أن مثل هذه الدول كان من إمكانها زراعة القمح لكنهم تقاعسوا عن ذلك مثل مصر، أيضًا التعاون في زراعة القمح بين دول إفريقية، حيث تعطي الدول لبعض الدول التي تتوافر لديها تربة خصبة وماء، رأس المال والعمالة على أن يوزع المحصول بينهما.

وأوضح أن هناك حلولاً جذرية طويلة الأمد وأخرى سريعة، مؤكدًا أنه لا يصح إلا الصحيح، ولا بد من البدء بالحلول الجذرية، لأن الحلول المؤقتة بمثابة مسكنات ولذا لا بد من التوسع في زراعة القمح في الدول المتاح لها ذلك.

وبالنسبة للدول المنهارة اقتصاديًا، فإن احتمالات تعرضها لمجاعة كبير، كلبنان، ما زالت لديها فرصة تنشيط السياحة إذا أوقفت النزاعات والطائفية التي تعيش فيها، فيمكن للسياحة أن تعيد البلاد إلى سابق عهدها.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية