عقب مصادرة مقرها بالقدس.. «الأونروا» في مرمى نيران إسرائيل لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين

عقب مصادرة مقرها بالقدس.. «الأونروا» في مرمى نيران إسرائيل لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين

مدفوعة برغبة عارمة في تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، تستهدف إسرائيل عمدا الإضرار بوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) طوال عام على الحرب بقطاع غزة.

وقبل أيام، قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن هناك أمرا بمصادرة الأراضي المقام عليها مقر الوكالة الأممية في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، في حين أوضحت صحيفة "إسرائيل اليوم" أنه ستتم المصادرة لبناء 1440 وحدة سكنية، وأن المشروع في مراحل الإعداد.

ومقر الأونروا في حي الشيخ جراح القدس الشرقية، هو المقر الرئيسي للوكالة في الأراضي الفلسطينية، ويضم مكاتب ومخازن وعشرات الموظفين، وتعرض المقر خلال الأشهر الماضية لسلسلة اعتداءات من يمينيين إسرائيليين في محاولات لإضرام النيران به.

ويأتي هذا القرار ضمن جهود إسرائيل المستمرة لإضعاف وجود "الأونروا" في القدس، حيث تسعى أيضًا لتجريم أنشطتها وقطع العلاقات معها، إلى جانب التوسع في المشروع الاستيطاني الذي يهدف استكمال مخططات حرب الإبادة والتطهير العرقي والتهجير القسري للفلسطينيين.

وبررت السلطات الإسرائيلية هذه الخطوة بحجة "استخدام الأرض بدون موافقة سلطة أراضي إسرائيل"، وأمرت الوكالة بدفع غرامات كبيرة عن "إيجارات متأخرة"، وذلك بالتزامن مع تنظيم يمينيين إسرائيليين لمظاهرات واحتجاجات تطالب بإغلاق مقر "الأونروا" بالقدس الشرقية.

ووفق الخبراء والمراقبين، يشكل هذا الإجراء جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقليص دور وكالة "الأونروا" في القدس واستبدالها ببنية استيطانية، ما يهدد تقليص عدد الفلسطينيين في المنطقة وتعزيز السيطرة الإسرائيلية عليها.​

بدورها اعتبرت وزارة الخارجية الفلسطينية، في بيان، قرار إسرائيل مصادرة المقر الرئيسي لوكالة الأونروا بالقدس الشرقية "انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وتعديًا على حصانة ورفعة مؤسسات الأمم المتحدة".

وطالبت الخارجية الفلسطينية "المجتمع الدولي بالانضمام إلى الموقف الفلسطيني الرافض لهذا القرار الجائر، باعتباره أداة إضافية لترسيخ الاحتلال والاضطهاد ضد الشعب الفلسطيني، واتخاذ ما يلزم لمعاقبة إسرائيل كدولة مارقة، ومساءلة قادتها كمجرمي حرب".

مهام وتحديات

والأونروا هي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، تأسست عام 1949 بهدف تقديم المساعدة والحماية للاجئين الفلسطينيين في خمسة مناطق رئيسية، وهي: قطاع غزة، والضفة الغربية، والأردن، ولبنان، وسوريا، وتقدم مجموعة من الخدمات الإنسانية التي تشمل التعليم، والرعاية الصحية، والإغاثة الاجتماعية، وتحسين البنية التحتية للمخيمات.

وجاء تأسيس "الأونروا" بعد النكبة عام 1948، لتلبية احتياجات الفلسطينيين الذين فقدوا ديارهم جراء الصراع، وتعد الوكالة محورًا مهمًا في الحفاظ على حقوق اللاجئين الفلسطينيين، حيث تشرف على تعليم مئات الآلاف من الأطفال وتوفير الرعاية الصحية لملايين اللاجئين. 

وتعتمد الأونروا على تبرعات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتمويل أنشطتها، إلا أنها تواجه تحديات مستمرة في التمويل، بجانب الضغوط السياسية التي تسعى لتقليص دورها، إذ أعلنت الولايات المتحدة في يناير الماضي أنها أوقفت مؤقتا التمويل الجديد للوكالة، بعد أن اتهمت إسرائيل 12 من موظفيها البالغ عددهم 13 ألف موظف في غزة بالمشاركة في هجوم 7 أكتوبر 2023.

ومؤخرًا، تواجه وكالة "الأونروا" تحديات كبيرة في القدس الشرقية، حيث تسعى إسرائيل إلى إنهاء وجودها في المدينة وإلغاء الأنشطة التي تقوم بها، كما حدث مع مصادرة مقرها في حي الشيخ جراح وتحويله لمشروع استيطاني.

وفي يوليو الماضي، صادق الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) بالقراءة الأولى على 3 مشروعات قوانين تصنف "الأونروا" منظمة إرهابية، ولا يزال يناقشه إلى الآن، في حين تقضي مشاريع القوانين الجديدة بإعلان الأونروا منظمة إرهابية، وحظر عملها في إسرائيل وسلب الحصانة الممنوحة لموظفيها.

تنديد عربي ودولي

ولاقى القرار الإسرائيلي بمصادرة مقر وكالة "الأونروا" في حي الشيخ جراح بالقدس، تنديدًا واسعًا على الأصعدة الإسلامية والعربية والدولية، من قبل منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول العربية. 

ونددت منظمة التعاون الإسلامي (تضم 57 دولة) بـ"القرار غير القانوني للسلطات الإسرائيلية بالاستيلاء على الأرض المقامة عليها وكالة الأونروا في القدس، وتحويل الموقع إلى بؤرة استعمارية".

وقالت المنظمة في بيان إن "القرار امتداد للإجراءات الإسرائيلية غير القانونية التي تهدف إلى تقويض وجود الأونروا وولايتها وأنشطتها ودورها باعتبارها منظمة أممية، في انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة".

وجددت التأكيد على أهمية وكالة "الأونروا" كعامل استقرار في المنطقة، ودورها الحيوي في تقديم الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين"، داعية المجتمع الدولي إلى "تحمل مسؤولياته تجاه إلزام إسرائيل باحترام التفويض الممنوح للوكالة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتوفير الحماية لمنشآتها وموظفيها والنازحين في مدارسها، ووقف جميع الاعتداءات والإجراءات غير القانونية ضدها".

فيما أدانت جامعة الدول العربية القرار الإسرائيلي، معتبرة إياه "جزءا من مخطط لتصفية الأونروا وتهميش حقوق اللاجئين الفلسطينيين، مطالبة المجتمع الدولي بالتدخل لدعم الوكالة وضمان استمرار عملها".

ودعا الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط إلى التضامن العربي مع وكالة "الأونروا" التي تقوم بدور محوري في دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه، وفي مساعدة اللاجئين في مناطق عملياتها الخمس، مطالبا المجتمع الدولي بالدفاع عن الوكالة في مواجهة واحدة من أشرس حملات التصفية التي تتعرض لها على يد السلطات الإسرائيلية.

ووفق بيانات رسمية اطلعت عليها "جسور بوست"، أدانت الإمارات ومصر والسعودية والأردن وقطر والكويت، إعلان السلطات الإسرائيلية مصادرة مقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في القدس الشرقية.

وشددت الدول العربية في بيانات لوزارات الخارجية لديها على أن هذه المصادرة تستهدف تقويض عمل الأونروا وعرقلة جهودها في تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، خاصة في ظل الظروف الصعبة في غزة والضفة الغربية.

كما دعت الدول العربية أيضا ​الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمجتمع الدولي إلى دعم الوكالة الأممية، في ظل الهجمة التي تواجهها من الاحتلال الإسرائيلي، لاسيما أن تلك الخطوات تمثل انتهاكا سافرا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.

ومن جانبه أعرب الاتحاد الأوروبي (يتألف من 27 دولة) عن قلقه البالغ إزاء مشروع القانون الإسرائيلي الذي من شأنه أن يحظر عمل وكالة الأمم المتحدة "الأونروا"، محذراً من عواقب كارثية في حال إقراره ومؤكداً مواصلة دعمه للأونروا.

ووفق بيان صادر عن دائرة العمل الخارجي في الاتحاد الأوروبي: "يعرب عن قلقه البالغ إزاء مشروع القانون الخاص بالأونروا الذي يناقشه البرلمان الإسرائيلي حاليًا، ويدعم بقوة دعوة أمين عام الأمم المتحدة بشأن هذه المسألة ويشارك في القلق من أن مشروع القانون هذا -إذا تم اعتماده- سيكون له عواقب كارثية، بمنعه الوكالة التابعة للأمم المتحدة من الاستمرار في تقديم خدماتها وحمايتها للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية وقطاع غزة".

رغبة في التصفية

بدوره، قال الدكتور محمود الحنفي، أستاذ القانون الدولي ورئيس المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان "شاهد"، إن القرار الإسرائيلي غير قانوني لأن وكالة "الأونروا" أسستها الأمم المتحدة، وبالتالي فإن الاعتراض عليها يعني رفض المنظومة الأممية كلها رغم أن إسرائيل جزء منها، إلى جانب أن تأسيسها كان بموجب القرار 194 والتي تضمن حق عودة اللاجئين، ومن ثم فإن إلغاء القرار يتطلب تشكيل "لوبي" عالمي.

وأوضح الحنفي في تصريح لـ"جسور بوست" أن وكالة "الأونروا" ارتبطت بأكبر قضية سياسية وإنسانية عميقة وهي الاحتلال المستمر منذ عام 1948، وهو ما يعني أن دور المنظمة في الإغاثة بات لا غنى عنه وإلا سيتعرض اللاجئون الذين يتجاوز تعدادهم 6 ملايين شخص إلى البطالة والجوع والخوف والتشرد.

وأضاف: "الاستهداف الإسرائيلي للوكالة الأممية لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين تعد حلقة في سلسلة من محاولات لإجهاض الجهود الإغاثية وطمس قضية اللاجئين، والتي تبدو بعض جوانبها في تقليص التمويل ومصادرة المقرات وقتل الموظفين وإدراجها كمنظمة إرهابية وغيرها من مخططات تفريغ الوكالة الأممية من مضمونها وتعطيل دورها الإنقاذي".

ومن جانبه، أوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس الدكتور أيمن الرقب أن الجيش الإسرائيلي يستهدف إنهاء وتفكيك الوكالة الأممية "الأونروا" خلال السنوات الأخيرة، والذي ظهر جليا مع قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عام 2018 بوقف المساعدات التي تقدمها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.

وأضاف الرقب في تصريح لـ"جسور بوست" أن الجيش يشن حملة "مسعورة" ضد الأونروا مع الحرب ضد قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، والذي كان أحدثها مصادرة مقرها في القدس وإعلان إنشاء مستوطنة بدلا منها تضم 1440 وحدة استيطانية، الأمر الذي يعكس رغبة إسرائيل في عدم استمرار الوكالة الأممية والتي تجسد معاناة اللاجئين الفلسطينيين.

وأوضح أن خطة تصفية الوكالة الأممية في القدس ستنطبق في المستقبل على الضفة الغربية وغزة، من خلال التضييق والمحاصرة والقتل والترويع وتقليص التمويل الذي يسد فجواته بصورة كبيرة الدول العربية والاتحاد الأوروبي خلال السنوات الماضية.

ومضى الرقب قائلا: "الأونروا قلصت جزءاً كبيراً جدا من نشاطاتها في المناطق الخمس المعنية بها بسبب  نقص ميزانياتها، لكنها حافظت حتى هذه اللحظة على بقائها، الأمر الذي يعكس أن خطوة مصادرة مقرها الرئيسي في الأراضي الفلسطينية لن يقوى على تصفيتها أو إضعاف تأثيرها أو إجهاض قضية اللاجئين الفلسطينيين بالعالم".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية