لبنان تحت الحصار.. مخاوف من أزمة إنسانية وشيكة ونداءات عاجلة لوقف الحرب

لبنان تحت الحصار.. مخاوف من أزمة إنسانية وشيكة ونداءات عاجلة لوقف الحرب

شهد العدوان الإسرائيلي على لبنان تحولات دراماتيكية في الأسابيع الأخيرة، حيث بدأت إسرائيل بالتضييق على البلاد عبر البر والبحر والجو، وهو ما اعتبره الكثير من الخبراء بمثابة حصار غير مباشر، يتوقع أن يؤدي إلى كارثة إنسانية، حيث تم قصف طريق المصنع الذي يربط لبنان بسوريا، ومنع هبوط بعض الطائرات في مطار بيروت، بالإضافة إلى دعوات للمواطنين بعدم الولوج إلى الشواطئ على طول الحدود الجنوبية، حيث تشير هذه الإجراءات إلى احتمال وقوع أزمة إنسانية خطيرة.

وتشير منظمة "إنقاذ الطفولة - لبنان" إلى أن الأطفال يواجهون أزمة إنسانية حادة نتيجة الانهيار الاقتصادي والصراع المستمر، مشيرة إلى أن الوضع يزداد خطورة، وأن هناك مخاوف كبيرة من عواقب الحصار المحتمل على الأطفال، حيث قد تتآكل قدرتهم على التعامل مع آثار الحرب.

وتشير تقديرات المنظمة الدولية، إلى أن 80% من السعرات الحرارية المستهلكة في لبنان مستوردة، مما يعني أن أي تعطيل في واردات الغذاء سيؤثر بشكل كبير على الأمن الغذائي، ويؤدي إلى نقص في المواد الأساسية مثل الوقود والمياه والأطعمة المغذية.

ومع اقتراب فصل الشتاء، تخشى المنظمة من أن الأطفال والعائلات النازحة، الذين ينامون في العراء أو في ملاجئ جماعية، قد يتعرضون لظروف قاسية، حيث إنهم سيواجهون الطقس البارد بدون حماية مناسبة، مما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض، خاصة التهابات الجهاز التنفسي.

وللحد من الأزمات، تخطط منظمة "إنقاذ الطفولة" لتوزيع مواد دعم للأسر لمواجهة الطقس البارد، مثل الملابس الدافئة والبطانيات والسخانات، كما ستقوم بتوزيع حصص غذائية طارئة ومكملات غذائية للأطفال دون سن الخامسة والنساء الحوامل والمرضعات، وتؤكد المنظمة أنها تعمل بشكل وثيق مع الحكومة والسلطات المحلية لتقديم الدعم في الملاجئ الجماعية وتوزيع المواد الغذائية.

وبحسب منظمة "إنقاذ الطفولة"، يعيش حوالي 70-90% من الأطفال دون سن الثانية من الأسر اللبنانية والسورية والفلسطينية في فقر غذائي، وتشير التقديرات إلى أن 14% من الأطفال دون سن الخامسة يعانون من التقزم، مما يهدد نموهم وتطورهم، ويعيش حوالي 350 ألف شخص، معظمهم من الأطفال، في ظروف صعبة جراء النزاع الحالي، ويعاني الكثيرون من عدم القدرة على الحصول على التعليم والرعاية الصحية الأساسية.

قلق على القطاع الطبي

وقالت منسقة الشؤون الطبية لمنظمة أطباء بلا حدود في لبنان، الدكتورة لونا حمد، إن "الوضع الحالي يفاقم الأزمة الإنسانية المستمرة، وقد تواجه المراكز الصحية المحلية، التي تعمل بكامل طاقتها، ضغوطًا متزايدة في ظل تزايد أعداد النازحين".

وأوضحت "حمد" في حديث مع "جسور بوست"، أن "الغارات الإسرائيلية المكثفة تعيق الوصول إلى الرعاية الصحية في لبنان، حيث أدت الغارات المستمرة وما تسببت فيه من قطع للطرق، إلى تقييد حركة الأشخاص والوصول الإنساني إلى العديد من المناطق المتضررة".

وأشارت إلى أن النازحين بحاجة إلى مواد أساسية، بما في ذلك الفرش والبطانيات ومستلزمات النظافة، بالإضافة إلى الوصول إلى الرعاية الطبية المستمرة ودعم الصحة العقلية، مشيرة إلى أن منظمة أطباء بلا حدود تعمل على توسيع نطاق أنشطتها في لبنان للاستجابة للاحتياجات الأكثر إلحاحًا.

وقالت إن المنظمة لديها "فرق طبية متنقلة تعمل كل يوم في مختلف المحافظات، وتقدم الإسعافات الأولية النفسية والاستشارات الطبية العامة والأدوية والاستشارات المتعلقة بالصحة العقلية."

وتابعت، "في الوقت الحالي، لا تشهد فرقنا أي نقص في الإمدادات أو المعدات الطبية، ولا يزال المطار يعمل ونحن نواصل مراقبة الوضع عن كثب والتعاون مع الجهات الفاعلة ذات الصلة في هذا الصدد، والمنظمة تتعاون وتنسق بشكل وثيق مع وزارة الصحة وجميع الجهات الفاعلة الصحية الأخرى لضمان تحسين الموارد من أجل استجابة فعالة".

ودعت الدكتورة لونا حمد، المؤسسات الدولية "إلى تكثيف جهودها الرامية إلى الحد من التوترات في المنطقة ومنع المزيد من المعاناة والإصابات وخسائر الأرواح والتدهور في الوضع الإنساني المتردي بالفعل، مع ضرورة من ضمان وصول الإمدادات الإنسانية وعمال الإغاثة إلى البلاد، والسماح للمساعدات الإنسانية والطبية من الوصول إلى المحتاجين في مختلف أنحاء البلاد، وخاصة في المناطق الأكثر تضرراً".

إغلاق عيادات صحية

وبحسب أطباء بلا حدود، فإنه نتيجة الغارات الإسرائيلية المستمرة اضطرت المنظمة لإغلاق عيادة لها في مدينة بعلبك الهرمل، كما أجبرت على إغلاق عيادات لها في برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وكان وزير الصحة فراس الأبيض قد أشار في تصريحات صحفية إلى أن القطاع الصحي في لبنان صامد في ظل الظروف الراهنة وبدعم من المساعدات الخارجية، لافتا إلى أن موارد القطاع ليست غير محدودة، موضحا أن "غالبية الأدوية موجودة وتكفي لنحو الـ4 الى 5 أشهر".

وبحسب وزارة الصحة فإن هناك ما لا يقل عن 150 ضحية من العاملين الصحيين ورجال الإطفاء سقطوا منذ بداية الحرب، بالإضافة إلى أكثر من 250 جريج و13 مستشفى خارج الخدمة.

وحذرت منظمة الصحة العالمية من خطر تفشي الأمراض  بين اللبنانيين، في ظل اكتظاظ مراكز الإيواء بالنازحين وغياب وسائل النظافة الشخصية، وذلك بعد إعلان وزارة الصحة اللبنانية عن تسجيل أول حالة إصابة بمرض الكوليرا.

الحصار جريمة حرب

بدورها، أكدت المحامية والناشطة الحقوقية، ديالا شحادة، أن القانون الإنساني الدولي، وتحديدا إتفاقيات جنيف التي وافقت عليها أغلب دول العالم، تحظر أي جرائم بحق المدنيين في النزاعات المسلحة، لجهة استهدافهم أو استهداف مناطق يتواجدون فيها أو ضرب أملاكهم الخاصة، أو المباني المحمية مثل المدارس والمستشفيات ودور العبادة، أو قوة لحفظ السلام والإغاثة الإنسانية. 

وأضافت شحادة، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن اتفاقيات جنيف ملزمة، خاصة وأنها أقرت في الأمم المتحدة بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية لمنع تكرار الانتهاكات التي حدثت خلال كلا الحربين".

وعن الملاحقة القاونية لإسرائيل، قالت "إن العواقب القانونية المحتملة، هي ملاحقة أشخاص سواء على مستوى المحكمة الجنائية الدولية أو على مستوى المحاكم غير الدولية، مثل المحاكم الوطنية في دول تمنح اختصاصًا لمحاكمها على جرائم دولية خطيرة، كما هو الحال في العديد من الدول الأوروبية وغيرها، لكن بالطبع، يقتصر اختصاص هذه المحاكم على أراضيها، خلافًا للمحكمة الجنائية الدولية الذي يطبق اختصاصها في طبق في حوالي ثلثي دول العالم. 

وأضافت، أما العواقب القانونية في حالة تقديم شكوى إلى الأمم المتحدة، فهي غير موجودة إلا إذا قرر مجلس الأمن اتخاذ إجراءات تنفيذية لتطبيق قراراته بشأن هذا الموضوع، وقد تشمل محاسبة إسرائيل عبر عقوبات سياسية أو اقتصادية ولكن الإجراءات العسكرية نادرا ما رأيناها.

وقالت "شحادة"، إن لبنان يستطيع أن يقدم شكوى لمجلس الأمن، بمخالفة إسرائيل للقانون الدولي واتفاقيات جنيف الأربعة وغيرها من الاتفاقيات التي صدرت عن الأمم المتحدة والتي صادقت عليها أغلب دول العالم. 

وتابعت، يستطيع لبنان التوجه لمحكمة العدل الدولية، في حال وجدت اتفاقية وقعتها إسرائيل وقبلت فيها باختصاص تلك المحكمة، مثل الحال مع اتفاقية الإبادة الجماعية، ولو أن هناك جدل حول هذه الاتفاقية، حول ما إذا كانت الجرائم التي ترتكب حاليا من قبل إسرائيل، هي جرائم إبادة جماعية.

وقالت إنه يمكن للبنان أن يلاحق إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية، مشيرة إلى أنه بذلك، يحق للمدعي العام التحقيق في هذه الجرائم من أجل اتخاذ إجراءات قضائية ضد الأشخاص الإسرائيليين الذين أصدروا الأوامر من المناصب العليا لاستهداف المدنيين".

وأضافت "شحادة"، أن لبنان كان يتجه بالفعل في أبريل الماضي لفعل ذلك عبر حكومته قبل أن يتراجع عن تلك الخطوة في شهر مايو، كاشفة أن السبب وراء ذلك "بحسب التسريبات ومواقف الوزراء، هو الضغط الذي مارسه حزب الله على الوزراء للتراجع عن هذا القرار، خشية أن يتم ملاحقة حزب الله أيضاً بشأن انتهاكات القانون الدولي، مع العلم أن هناك بالفعل ملاحقات قضائية دولية لأشخاص في حزب الله، كما هو الحال مع الأحكام الغيابية في المحكمة الخاصة بلبنان، وبالتالي، يبدو أن حزب الله فضل تجنب هذا الإزعاج على أن يعطي للمتضررين اللبنانيين حق المحاسبة وحق جبر الضرر، لأن المحكمة الجنائية الدولية تقدم جبر الضرر للضحايا حتى قبل أن تكون هناك محاكمة د عبر صندوق ائتماني للضحايا، يتم تمويله من الدول الأعضاء والدول المانحة".

وقف دعم إسرائيل

وقالت "شحادة"، إنه على المجتمع الدولي والتزاما بموجباته القانونية الدولية، أن يستنفذ كل الطرق لمنع إسرائيل من مواصلة ارتكاب جرائمها، وأضعف الإيمان هو قطع الدعم العسكري والمالي لها، فإن تم إيقاف الدعم العسكري المباشر عبر السلاح والتدريب أو غير المباشر بوقف المنح الخاصة بالدفاع العسكري، سنصل إلى وقت لا يمكن لإسرائيل تلبية احتياجاتها العسكرية".

وتايعت، "يمكن للمجتمع الدولي التصعيد على المستوى السياسي من خلال الضغط بملاحقات قضائية للأفراد أو من خلال فرض عقوبات عبر مجلس الأمن، ومن الممكن أيضا قطع العلاقات الدبلوماسية على غرار ما فعلت بعض الدول بسبب الإبادة الحاصلة في غزة.. كل ذلك يؤثر على اسرائيل، ولكننا لا نرى أي تحرك جدي على الأقل من قبل الدول التي تقدم نفسها مدافعا عن حقوق الإنسان".

واختتمت حديثها، بالقول إنه "على المجتمع الدولي أن يقدم الإغاثة الإنسانية العاجلة والطارئة لضحايا الانتهاكات، خصوصًا أنه فشل في توقيفها أو المحاسبة عليها بشكل جدي حتى الآن، ويجب أن يتم توفير مساعدات طبية، بالإضافة إلى تأمين ملاذ آمن ومعسكرات (للإيواء) في لبنان، أو يفتح المجتمع الدولي أبوابه وحدوده لاستقبال اللاجئين الهاربين من تلك الانتهاكات الجسيمة".

اتفاقيات جنيف

وتتكون اتفاقيات جنيف من أربع معاهدات أنشئت لحماية الأفراد أثناء الحرب، وكل منها تتناول مخاوف إنسانية محددة، فاتفاقية جنيف الأولى (1949) تحمي الجنود الجرحى والمرضى على الأرض أثناء الحرب، وتضمن حصولهم على الرعاية الطبية والمعاملة الإنسانية. 

أما اتفاقية جنيف الثانية (1949) فتوسع نطاق الحماية ليشمل الجرحى والمرضى وأفراد القوات المنكوبة في البحر، وتؤكد على حقهم في الرعاية والمعاملة الإنسانية.

وتركز اتفاقية جنيف الثالثة (1949) على معاملة أسرى الحرب، وضمان معاملتهم بإنسانية وحمايتهم من العنف والترهيب والفضول العام، بينما تحمي اتفاقية جنيف الرابعة (1949) المدنيين في أوقات الحرب، وخاصة في الأراضي المحتلة، وتصون حقوقهم ورفاهيتهم ضد المعاملة اللاإنسانية.

كارثة إنسانية ومساعدات

وصف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الوضع الإنساني الحالي في لبنان بالكارثي، كاشفا أنه "في 23 سبتمبر 2024، كان هناك تصعيد دراماتيكي (في لبنان)، ففي غضون يوم أو يومين فقط، ارتفع عدد النازحين إلى ما يقرب من 600 ألف شخص".

وأوضح المكتب أن "العديد من المدنيين في لبنان تأثروا وأن أضرارًا جسيمة حدثت للبنية التحتية المدنية، وخاصة المراكز الصحية، كما تعرضت البنية التحتية للمياه لأضرار، مما ترك حوالي 30 ألف فرد لا يستطيعون الوصول إلى المياه النظيفة".

وقال المكتب إنه يعمل بشكل استباقي مع الحكومة اللبنانية وشركائها للحد من أي اضطرابات محتملة في العمليات الإنسانية، وهو ملتزم تمامًا بمبادئ الحياد والنزاهة، وسوف يستكشف كل السبل الممكنة لمواصلة تقديم الدعم الحاسم للأشخاص المحتاجين، حيث أن سلامة وحماية المحتاجين هي الأولوية القصوى".

وردا على سؤال "جسور بوست"، حول الخطط الموضوعة لدعم النازحين، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، "نحن محظوظون بوجودنا الإنساني القوي في لبنان، وعلى مدار العام الماضي، كنا نعمل بنشاط على تقييم مختلف الطوارئ والاستعداد للتصعيد المحتمل في الموقف، وكان أحد التحديات الكبيرة التي نواجهها تأمين الموارد والتمويل اللازمين للاستجابة الفعالة".

وتابع، في الأيام الماضية "أطلقنا نداءً عاجلاً لجمع 426 مليون دولار، وهو أمر بالغ الأهمية لمعالجة الاحتياجات العاجلة المتعلقة بالمأوى والغذاء والمياه والرعاية الصحية والحماية، ويؤكد نهجنا على التعاون الوثيق مع الحكومة اللبنانية وآليات التنسيق المعمول بها، ونحن نشارك حاليًا في قيادة الاستجابة الإنسانية، ونعتقد أن جهودنا كانت فعالة بشكل خاص في الأسابيع الأخيرة وسط التصعيد الكبير في الاحتياجات".

وأضاف المكتب، أنه "لتيسير التنسيق، نناقش بنشاط استراتيجيات توفير المأوى وإدارة المساهمات العينية، والتي يتم توجيه العديد منها إلى الحكومة من شركاء مثل الإمارات وقطر، وفي الأيام الأخيرة، تلقينا العديد من الرحلات الجوية التي تحمل إمدادات الإغاثة، كما نعمل على دعم المؤسسات الوطنية في معالجة أزمة السكان بشكل فعال."

واختتم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، بقوله: "ندعو المجتمع الدولي على إعطاء الأولوية لحماية المدنيين في لبنان واحترام القانون الإنساني الدولي".

ووفق أرقام رسمية فإن عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية على لبنان تخطى الـ 2350 في حين عدد تجاوز الجرحى 11 ألفا.

مساعدات عربية للبنان

وكانت دول عربية وأجنبية صديقة لبنان قد قدمت أطنانا من المساعدات الغذائية والطبية لإغاثة الشعب اللبناني، ومن بين تلك الدول هي العراق والسعودية ومصر، بالإضافة إلى الإمارات التي أطلقت حملة شعبية لدعم لبنان تحت عنوان "الإمارات معك يا لبنان" ووفرت حزمة مساعدات عاجلة بقيمة 100  مليون دولار.

يأتي ذلك في ظل مخاوقف من حصار شامل تفرضه إسرائيل على لبنان في وقت تعاني البلاد منذ عام 2019 من أزمة اقتصادية حادة، حيث وصل سعر الدولار الواحد إلى 90 ألف ليرة لبنانية، مما تسبب في تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، ورفع نسبة الفقر بين الفقر إلى 44% بحسب تقرير نشره البنك الدولي في مارس الماضي.

ويسعى لبنان لإنهاء الحرب الدائرة منذ أكثر من سنة عبر الإعلان عن استعداده للقبول بوقف إطلاق النار، وتطبيق القرار الأممي 1701 وتعزيز قدرات الجيش اللبناني ليدير الأمن في جنوب لبنان، في حين ترفض إسرائيل مطلب لبنان وتفرض شروطا للقبول بوقف الحرب.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية