«الفخّ القانوني».. كيف تُستخدم القوانين وسيلةً للقمع ضد الصحفيين حول العالم؟

«الفخّ القانوني».. كيف تُستخدم القوانين وسيلةً للقمع ضد الصحفيين حول العالم؟

في عالم متسارع، حيث تزداد أهمية المعلومات وحرية التعبير، تُظهر التقارير الصادرة عن منظمة اليونسكو أن حرية الصحافة تواجه تهديدات متزايدة عبر استخدام القوانين المالية وسيلةً لإسكات الصحفيين حول العالم.

ويُشير تقرير صادر عن اليونسكو إلى استخدام اتهامات مالية كاذبة مثل الابتزاز، والتهرب الضريبي، وغسيل الأموال، أدوات للقمع، ما يسلط الضوء على أزمة تتفاقم مع مرور الوقت.

منذ عام 2005، تم توثيق نحو 120 حالة تتعلق بجرائم مالية ضد صحفيين حول العالم، وقد تزايدت هذه الحالات بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، حيث يشير التقرير إلى أن أكثر من 60% من هذه القضايا وقعت بين عامي 2019 و2023. 

وتسجل أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى أكثر المناطق تأثرًا بهذه الظاهرة، إذ سُجلت 60 حالة منذ عام 2008، مع 41 حالة حدثت فقط منذ عام 2020.

تُظهر البيانات أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين الحكومات حول العالم واتهامات الجرائم المالية الموجهة ضد الصحفيين، هذه الاتهامات، والتي قد تبدو قانونية على السطح، غالبًا ما تُستخدم ستاراً لإسكات الأصوات النقدية، هذه الظاهرة تؤكد دور الحكومات في قمع حرية الصحافة، حيث تستغل القوانين لتضييق الخناق على الصحفيين، وهو ما يتعارض بشكل صارخ مع مبادئ حقوق الإنسان التي تنص على حرية التعبير وتبادل المعلومات.

في ما يتعلق بالأحكام، انتهت 22 من هذه القضايا بأحكام بالسجن لست سنوات أو أكثر، ما يُظهر عدم التسامح مع الصحفيين الذين يجرؤون على فضح الفساد أو انتقاد السلطات، هذه الأحكام تعكس مستوى الخوف الذي يعيشه الصحفيون في هذه المناطق، حيث يكون خطر الاعتقال أو السجن واقعًا مريرًا يعوق عملهم.

اتهامات بدون أدلة قوية

تتعدد الأوجه التي يمكن من خلالها تحليل هذه الظاهرة، فهي تعكس انعدام الثقة في الأنظمة القضائية، حيث إن الاتهامات المالية غالبًا ما تُطرح بدون أدلة قوية، ما يزيد من تعقيد الوضع، وعلى الرغم من أن هذه الاتهامات كاذبة في كثير من الأحيان، فإنها لا تحظى بالقدر الكافي من التدقيق الدولي مقارنة بالتشريعات الأخرى التي تستهدف وسائل الإعلام بشكل مباشر.

وأكد التقرير أن الحكومات التي تسعى للضغط على الصحفيين تجد في القوانين المالية وسيلة فعالة لتحقيق أهدافها مع الإفلات من المحاسبة، هذه الظاهرة ليست محصورة في منطقة معينة، بل تمتد لتشمل مناطق أخرى مثل آسيا والمحيط الهادئ، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية، ما يستدعي رد فعل عالميا.

وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، فإن حماية حرية الصحافة تُعد جزءًا أساسيًا من حقوق الإنسان، إذ تعكس التزام المجتمع الدولي بالدفاع عن الحق في التعبير، كما أن الأمم المتحدة تدعو الدول الأعضاء إلى اتخاذ خطوات فعالة لحماية الصحفيين وضمان عدم تعرضهم لأي نوع من أنواع الضغط أو الترهيب.

وتستند هذه الظواهر إلى ثقافة الصمت التي تزرعها الحكومات من خلال استخدام القوانين، وهو ما يؤدي إلى تقليص المساحة المتاحة للنقاش العام، فإخماد أصوات الصحفيين يعد بمثابة تآكل لأسس الديمقراطية، حيث يتعذر على المجتمع الحصول على معلومات دقيقة وموثوقة عن الشؤون العامة، والقوانين التي يُفترض أن تحمي المجتمع تُستخدم بدلًا من ذلك أداةً للقمع.

إعادة النظر في السياسات

ويرى مراقبون أن هذه المعطيات تظهر حاجة ماسة لإعادة النظر في السياسات التي تتبناها الدول في ما يتعلق بالصحافة وحرية التعبير، فالتقدم نحو مجتمع ديمقراطي يتطلب خلق بيئة آمنة للصحفيين، حيث يمكنهم ممارسة عملهم بحرية دون خوف من التهديدات القانونية، من المهم أيضًا تعزيز الشفافية والمساءلة في الأنظمة القضائية، لضمان عدم استخدام القوانين أدوات للضغط على الإعلام.

ويحذر المراقبون، من أنه إذا لم نتخذ موقفًا حازمًا الآن، فإن العواقب ستكون وخيمة على حرية التعبير في جميع أنحاء العالم. إن إحياء حرية الصحافة يتطلب منا جميعًا أن نكون دعاة للتغيير، وأن نرفض أي شكل من أشكال القمع، يجب أن نتذكر دائمًا أن كل صوت يُسكت هو خطوة نحو الاستبداد، وأن حرية التعبير هي جسر نحو مستقبل أفضل.

حالات بارزة لتقييد حرية الصحافة

من خلال تقرير اليونسكو، تتضح عدة حالات بارزة من انتهاكات حرية الصحافة، حيث واجه الصحفيون اتهامات كاذبة تم استخدامها أداة لإسكاتهم، يمكننا تسليط الضوء على بعض الحالات التي تبرز هذه الانتهاكات وتأثيرها على الصحفيين وحرية التعبير بشكل عام.

أولًا، حالة الصحفية دافني كاروانا غاليزيا من مالطا، التي قُتلت في عام 2017 بعد تعرضها لتهديدات متكررة بسبب تحقيقاتها في قضايا الفساد. 

كانت غاليزيا تُعرف بتغطيتها الجريئة للفساد الحكومي، وقد تلقت العديد من التحذيرات قبل أن تتعرض للاغتيال. 

أثارت هذه الجريمة ردود فعل دولية واسعة، حيث دعت منظمات حقوق الإنسان إلى ضرورة حماية الصحفيين وتطبيق العدالة في قضيتها، ورغم القبض على عدد من المشتبه بهم، فإن القضية لا تزال مثار جدل حول عدم وجود محاسبة حقيقية.

ثانيا، الصحفية الفلبينية، ماريا ريسا، التي واجهت اتهامات بالتشهير وتزوير البيانات بسبب تقاريرها حول حكومة الرئيس رودريغو دوتيرتي. في عام 2020، أُدينت ريسا بتهم تتعلق بنشر معلومات كاذبة، وتعرضت للسجن لفترة قصيرة. ورغم ذلك، أظهرت ريسا شجاعة استثنائية في الدفاع عن حرية الصحافة، وقد حصلت على جوائز دولية تقديرًا لجهودها في مجال حقوق الإنسان.

حرية مكبوتة

وعقّب البرلماني البحريني السابق، علي بن زايد، بقوله، إن تسليط الضوء على كيفية استغلال الاتهامات الكاذبة، مثل الابتزاز والتهرب الضريبي وغسيل الأموال، لتقييد حرية الصحافة، يعكس واقعًا مريرًا يعيشه العديد من الصحفيين، القوانين المعقدة والمحددة، التي كانت في الأصل تهدف إلى حماية المجتمع، أصبحت تستخدم شكل متزايد وسيلةً لقمع الأصوات المعارضة.

وتابع في تصريحات لـ"جسور بوست"، الحرية الإعلامية تعد ركنًا أساسيًا من أركان الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي ليست مجرد حق للصحفيين، بل حق للجمهور في الوصول إلى المعلومات، عندما يتم إسكات الصحفيين، فإن المجتمع ككل يفقد حقه في المعرفة والمساءلة، الحالات تتعلق بانتهاكات حصلت في السنوات القليلة الماضية، ما يعكس تدهورًا مقلقًا في حرية الصحافة.

وأوضح، هذه الظاهرة ليست محصورة في دول معينة، بل تنتشر في عدة مناطق، واستخدام الاتهامات المالية الكاذبة في هذا السياق يشكل تهديدًا ليس فقط للصحفيين، بل أيضًا لكل من يسعى للكشف عن الحقائق، يُظهر ذلك كيف أن الأنظمة السلطوية تسعى إلى تعزيز سيطرتها على المعلومات، مستخدمة أدوات قانونية تخفي خلفها نواياها القمعية، كما أن عدم وجود تدقيق دولي كافٍ على هذه الاتهامات يشكل نقطة ضعف إضافية، والكثير من هذه القوانين تمر دون تحقيق كافٍ، ما يتيح للدول استخدام هذه الاتهامات لتصفية الحسابات مع الصحفيين دون الخوف من المحاسبة أو التبعات، ينبغي للمجتمع الدولي أن يكون أكثر حزمًا في مواجهة هذه الانتهاكات، وأن يدعم الصحفيين الذين يتعرضون للتهديدات بسبب عملهم. لقد أظهرت الدراسات أن الصحافة الحرة تساهم بشكل كبير في التنمية المستدامة والمجتمعات المستقرة، لذا فإن تقييدها ينعكس سلبًا على جميع جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية.

واسترسل، يجب أن نلفت الانتباه إلى أهمية دعم المنظمات الحقوقية، مثل منظمة اليونسكو، في مهمتها لتعزيز حرية التعبير والصحافة، يتطلب الأمر تحركًا جماعيًا من الحكومات والمجتمع المدني والجهات الدولية لوقف هذا الاتجاه المقلق، وتعزيز التشريعات التي تحمي الصحفيين وضمان عدم استخدام القوانين أداةً للقمع هو أمر ضروري، الحرية الصحفية ليست مجرد قضية وطنية، بل هي قضية عالمية تتطلب تضامنًا دوليًا.

وأتم، إذا لم يتم التصدي لهذه الانتهاكات بجدية، فإن المستقبل يحمل في طياته خطر تآكل المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، كذلك فإن جميع المؤشرات توضح أن وضع الصحافة في العالم يتجه نحو الأسوأ، ما يستدعي منا جميعًا الوعي والتحرك لحماية هذه الحقوق الأساسية.

مواجهة القمع القانوني

وقال الإعلامي الجزائري البارز، توفيق قويدر، إن حرية الصحافة من الركائز الأساسية لأي نظام ديمقراطي، حيث تمثل صوت المجتمع وتحمل مسؤولية نقل الحقيقة، يعكس تقرير اليونسكو الأخير حول استخدام القوانين أداةً لإسكات الصحفيين هذه الحقيقة بوضوح، ويعكس التحولات الخطيرة التي تجري في المشهد الإعلامي العالمي، كما الأنظمة القمعية تلجأ بشكل متزايد إلى الاتهامات الكاذبة والذرائع القانونية مثل الابتزاز والتهرب الضريبي كوسائل لاستهداف الصحفيين، ما يؤدي إلى تآكل حرية التعبير.

وتابع في تصريحات لـ"جسور بوست"، عندما تُستخدم القوانين لإسكات الصحفيين، يتعرض المجتمع ككل لخطر فقدان الوصول إلى المعلومات الدقيقة والموثوقة، ودور الصحافة لا يقتصر على نقل الأخبار، بل يتضمن أيضًا توثيق الوقائع وكشف الحقائق، وبالتالي تعزيز المساءلة والمشاركة الديمقراطية، هذا يعكس بيئة خطيرة للغاية للصحفيين، وخاصة في المناطق التي تواجه تحديات سياسية واجتماعية.

واسترسل، تُعتبر هذه الانتهاكات انتهاكًا لحقوق الإنسان الأساسية، وهي ليست مجرد قضايا قانونية أو سياسية، بل تعبر عن تدهور القيم الديمقراطية في المجتمعات. الدول التي تمارس هذه السياسات غالبًا ما تكون مستبدة، حيث تسعى جاهدة للحفاظ على سلطتها من خلال قمع الأصوات النقدية، ولعل الأرقام التي تشير إلى عدد الصحفيين الذين تعرضوا للاعتقال أو التهديد تبرز بوضوح كيف تُستخدم القوانين وسيلةً للقمع، في بعض الحالات، تتجلى هذه الظاهرة في سياقات متنوعة، بدءًا من اعتقال الصحفيين وحتى تجريمهم بتهم مفبركة.

وتابع، يجب أن يُنظر إلى حرية الصحافة كحق إنساني أصيل يتطلب الحماية والدعم من جميع الجهات. إن التصدي للانتهاكات الممنهجة لحرية الصحافة يتطلب تكاتف المجتمع الدولي، حيث يمكن للضغط الدولي أن يسهم في إحداث التغيير الإيجابي، من الأهمية بمكان أن تكون هناك آليات فعالة لمراقبة هذه الانتهاكات وتوثيقها، بالإضافة إلى تقديم الدعم للصحفيين الذين يتعرضون للخطر.

وأكد، تتطلب المرحلة الراهنة أيضاً أن تلتزم الحكومات بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان وتوفير البيئة المناسبة لحرية التعبير، وفي الوقت الذي تبرز فيه التحديات التي تواجه الصحافة، يجب أن تكون هناك استجابة من المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي، تدعمها التشريعات التي تحمي الصحفيين وتضمن عدم تعرضهم للتهديد أو الانتقام.

وأتم، حرية الصحافة هي حجر الزاوية للديمقراطية، وما يحدث اليوم يعكس الحاجة الملحة لإعادة النظر في السياسات القانونية والضغط من أجل تغيير حقيقي، يحتاج العالم إلى صحافة حرة ومستقلة لكي يتمكن المواطنون من اتخاذ قرارات مستنيرة. هذا هو الوقت المناسب لنعيد التأكيد على أهمية دور الصحافة كمدافع عن الحقائق، وعامل رئيسي في تعزيز الديمقراطية والحرية.



ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية