تحالف الحوثيين و «الجماعات الإرهابية».. دعم إيراني وعلاقات معقدة تزيد التوتر في المنطقة
تقرير أممي يفيد باتساع الجرائم
جراء دعم إيراني غير مسبوق، كشف فريق الخبراء الأُمميين باليمن، أن ميليشيات الحوثي متورطة بالتعاون مع تنظيمات إرهابية وجماعات مسلحة في المنطقة، ويتضمن هذا التعاون تبادل الدعم العسكري والتكتيكي وتنسيق الجهود لتنفيذ عمليات تهدد السلم والأمن الدوليين.
وذكر التقرير السنوي للخبراء الأُمميين المُقدم إلى مجلس الأمن الدولي، أن ميليشيات الحوثي تنسق عملياتها بشكل مباشر منذ مطلع العام الجاري 2024 مع تنظيم "القاعدة"، وتنقل طائرات مسيرة وصواريخ حرارية وأجهزة متفجرة إليه، وتوفر التدريب لمقاتليه، إضافة إلى التعاون من أجل توفير ملاذات آمنة لأفراد بعضهما بعضاً، وتعزيز معاقلهما، وتنسيق الجهود لاستهداف القوات الحكومية.
واتهم التقرير الأممي ميليشيات الحوثي بابتزاز وكالات الشحن البحري مقابل عدم اعتراض سفنها التجارية؛ للحصول على مبالغ قُدّر بأنها تصل إلى 180 مليون دولار شهريا، إلى جانب تنامي التعاون مع "حركة الشباب" المتشددة في الصومال، في إطار خططها لتنفيذ هجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، وخليج عدن من الساحل الصومالي، لتوسيع نطاق منطقة عملياتها العدائية ضد الملاحة الدولية.
في العراق ولبنان
وكشف التقرير عن تزايد التعاون بين ميليشيات الحوثي وجماعات عراقية ولبنانية، واستغلالها التصعيد في المنطقة لتعزيز تعاونها مع "محور المقاومة" التابع لإيران، وتَلقّي الحوثيين مساعدات تقنية ومالية وتدريبات من إيران والجماعات العراقية و"حزب الله" اللبناني، وإنشاء مراكز عمليات مشتركة في العراق ولبنان تضم تمثيلاً حوثياً.
وأوضح التقرير أنه يجري تمويل ميليشيات الحوثي من خلال شحنات النفط التي تُرسَل من العراق إلى اليمن، ويتلقى المقاتلون الحوثيون تدريبات عسكرية تحت إشراف خبراء من "الحشد الشعبي" في معسكرات خاصة، مثل مركز بهبهان التدريبي بمنطقة جرف الصخر (جنوب غرب بغداد).
وتنظم جماعات عراقية حملات تبرعات لدعم ميليشيات الحوثي، بإشراف قيادات محلية بارزة، مثل أمير الموسوي، المتحدث باسم "تجمّع شباب الشريعة"، الخاضع لسيطرة "كتائب حزب الله"، ويتم تدريب المقاتلين الحوثيين على استهداف السفن، ويجري نقلهم باستخدام جوازات سفر مزوّرة منذ إعادة فتح مطار صنعاء خلال العام قبل الماضي.
ونقل التقرير معلوماته عن مصادر وصفها بالسرية، بأن هذا التعاون والتنسيق يعتبر جزءًا من توسع النفوذ الإقليمي لبعض القوى في المنطقة، حيث تُستخدم هذه العلاقات لدعم الأجندات السياسية والأمنية من خلال الشبكات المسلحة، ما يثير قلقًا دوليًا حول استقرار الشرق الأوسط، ويفتح نقاشًا حول تأثيرات هذه التحالفات على جهود السلام في اليمن وعلى أمن الدول المجاورة.
تجنيد مقاتلين
وكشف التقرير الأممي، أيضا كيف استخدم الحوثيون مسألة التضامن مع الفلسطينيين من أجل إطلاق "حملة تجنيد واسعة"، وأورد تقديرات للمقاتلين الذين بلغ عددهم 350 ألفا بحلول منتصف عام 2024، في مقابل 220 ألفا عام 2022 و30 ألفا عام 2015.
وتحدث التقرير عن مجندين لدى الحوثيين من الشباب والأطفال، وأيضا من المهاجرين الإثيوبيين غير النظاميين الذين أجبِروا على الانضمام إلى صفوفهم، مشيرا كذلك إلى أن الحوثيين جندوا أيضا مرتزقة من قبيلتي "تيغراي وأورومو" الإثيوبيتين.
ويربط العديد من الخبراء والمحللين هذا التنسيق بمحور إقليمي يمتد عبر إيران، التي يُعتقد أنها تدعم هذه الجماعات بشكل مباشر أو غير مباشر لتعزيز مصالحها في المنطقة، كما يُنظر إلى هذا التعاون على أنه جزء من استراتيجية إقليمية تهدف إلى تحقيق نفوذ أكبر من خلال دعم حلفاء ووكلاء في عدة ساحات نزاع، ما يسمح بزيادة الضغط على خصومها وتوسيع تأثيرها في المنطقة.
ويثير هذا الوضع مخاوف واسعة حول تأثير هذا التنسيق على الاستقرار الإقليمي، حيث يؤدي إلى تعقيد الصراعات القائمة ويزيد من صعوبة الوصول إلى حلول سلمية، خاصة في اليمن الذي أتم عامه العاشر في حرب طاحنة بين الحكومة المعترف بها دوليا، وجماعة الحوثيين الموالية لإيران.
وأسفر هذا الصراع عن دمار واسع النطاق وأزمة إنسانية ضخمة، إذ عانى المدنيون في اليمن من نقص الغذاء والدواء والبنية التحتية، وأدى النزاع إلى نزوح الملايين ومقتل الآلاف، وتطورت الحرب إلى نزاع معقد، حيث انخرطت فيه العديد من الفصائل المحلية والدولية، وأصبح من الصعب التوصل إلى حل سياسي شامل ينهي هذا الصراع الممتد.
رد ميليشيات الحوثي
وفي أول تعليق لميليشيات الحوثيين على تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، قال رئيس لجنة الأسرى لدى جماعة الحوثي، السلالي عبدالقادر المرتضى، إن "التقرير الصادر عن اللجنة التابعة للأمم المتحدة بشأن اليمن مسيّس وعدواني بشكل مريع".
وأوضح القيادي الحوثي في بيان، أن الهدف من التقرير الأممي هو تشويه الدور الذي تقوم به جماعة الحوثيين لمساندة أبناء فلسطين في غزة، كما أن هدفه أيضا الضغط على الجماعة لعرقلة "إيقاف هذا العمل خصوصاً في البحر الأحمر وباب المندب".
واعتبر المرتضى أن التقرير "تمهيد لشن عدوان أمريكي واسع على اليمن مساندةً لإسرائيل، وانتقاماً لما سببه الموقف اليمني من إحراج كبير لأكبر قوة عسكرية في العالم بالإضافة الى الخسائر العسكرية والاقتصادية لإسرائيل وأمريكا ومن معهما".
على الجانب المقابل، علقت الحكومة الشرعية على ما ورد في تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة، عن تحالف الميليشيات الحوثية مع تنظيمات إرهابية في المنطقة.
وقال وزير الإعلام في الحكومة، معمر الإرياني، إن العلاقة بين ميليشيا الحوثي وتنظيمي القاعدة وداعش تؤكد مصداقية تحذيراتنا عن مستوى مخاطر التنسيق بين الطرفين برعاية إيرانية على الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
وأوضح معمر الإرياني، في مؤتمر صحفي، أن التحالف القائم بين ميليشيا الحوثي والتنظيمات الإرهابية بدعم من طهران، يهدف إلى تحقيق أهداف مشتركة، تتمثل في إضعاف الدولة اليمنية، وزعزعة الأمن والاستقرار في المناطق المحررة، وتوسيع نطاق الفوضى، ما يهدد دول الجوار ويشكل خطراً على التجارة الدولية وخطوط الملاحة البحرية، وتهديد الأمن الإقليمي والدولي.
وأضاف: "التحالف الانتهازي بين الطرفين يتميز بالتعاون في المجالين الأمني والاستخباري، وقيامهما بتوفير ملاذات آمنة لأفراد بعضهما البعض، وتعزيز معاقلهما وتنسيق الجهود لاستهداف القوات الحكومية"، محذرا من عودة تنظيم القاعدة إلى الظهور بدعم من ميليشيا الحوثي بعد تعيين التنظيم قائداً جديداً يدعى سعد بن عاطف العولقي.
وتابع: "التقرير يكشف عن اتفاق بين الطرفين على وقف الأعمال العدائية وتبادل الأسرى، حيث تم حل جبهة تنظيم القاعدة في محافظة البيضاء، وأطلق الحوثيون القيادي في التنظيم سامي ديان، والذي كان يقضي عقوبة السجن لمدة 15 عاما، كما ناقش الطرفان إمكانية أن يقدم التنظيم الدعم في الهجمات على خطوط الملاحة الدولية".
قلق ومخاوف
وعبر خبراء ومحللون باليمن عن قلقهم إزاء هذا التعاون، لا سيما أنه يزيد من تعقيد الصراع ويجعل من التوصل إلى حل سياسي شامل أمرًا صعبًا، كما طالبوا المجتمع الدولي بموقف أكثر حزمًا تجاه هذا النوع من الدعم الخارجي الذي يسهم في تأجيج النزاع.
ومن جانبه، قال المحلل السياسي اليمني، محمود الطاهر، إن مضمون التقرير ليس بجديد، لأن الحوثيين بدؤوا في التعاون والتنسيق مع تنظيمي "القاعدة" و"داعش" منذ عام 2020، لاستهداف السفن وناقلات الحاويات في البحر الأحمر.
وأوضح الطاهر في تصريح لـ"جسور بوست" أن الحوثيين تورطوا في تهريب الأسلحة وتنفيذ عمليات القرصنة، حيث يصدرون الأسلحة إلى الحركات الإرهابية في الصومال والسودان، إلى جانب استقطاب وتجنيد الشباب المقاتلين، هذا التعاون بين تنظيمات الإرهابية في المنطقة خطير للغاية وله انعكاسات كارثية على المنطقة".
وأضاف: "هذا الأمر يعكس بالدليل القاطع أن إيران لها أهداف في المنطقة تعمل على تنفيذها من خلال ذراعها اليمني وهم جماعة الحوثي، حيث تريد السيطرة على باب المندب وقناة السويس، لا سيما أن طهران لها مخططات توسعية واستحواذية في السيطرة على الدول العربية"، مشيرا إلى ضرورة أن يكون المجتمع الدولي والعربي في حالة يقظة قبل فوات الأوان.
تقارير ليست جديدة
وعلى الجانب المقابل، قال الباحث السياسي والدبلوماسي اليمني، عبد الله صبري، إن مثل هذه التقارير ليست جديدة لا شكلا ولا مضمونا، وحتى مصادر التقرير التي زعم أنها سرية ليست إلا منشورات في وسائل التواصل الاجتماعي معظمها تتبع ناشطين ومسؤولين في الحكومة الشرعية.
وأوضح صبري في تصريح لـ"جسور بوست" أن التعاون بين الحوثيين في اليمن وتنظيمات إرهابية مثل القاعدة وداعش لا أساس لها، لأن لهم تاريخ في الاشتباكات الميدانية وألحقوا بهم هزائم قاسية في معظم مناطق اليمن، والحقيقة هي أن التنسيق بين هذه التنظيمات والولايات المتحدة معروف وموثق لدى الباحثين والمطلعين على حقيقة الحرب الأمريكية على اليمن.
وأضاف: “التقرير الأممي يتحدث عن مزاعم وأوهام ويتجاهل أن جذور المشكلة في المنطقة هي حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، والعدوان الهمجي على شعب عربي يكتوي بنار الاحتلال منذ 70 عاما، لكن الغرب يعمل على تسويق سردية مغايرة للواقع”.
يأتي ذلك وسط مأساة إنسانية يعيشها اليمن، والتي تعد من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يعاني اليمنيون من تداعيات الحرب المستمرة منذ عام 2014، وهذه الحرب أدت إلى تدمير واسع للبنية التحتية، وانهيار الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والمياه، مما ترك الملايين من المدنيين في ظروف قاسية وصعبة للغاية.