«فايننشيال تايمز»: الناخبون بالولايات المتحدة يرون الازدهار الاقتصادي «سراب»
«فايننشيال تايمز»: الناخبون بالولايات المتحدة يرون الازدهار الاقتصادي «سراب»
قالت صحيفة "فايننشيال تايمز" إنه مع اقتراب الانتخابات الرئاسية يبدو الاقتصاد الأمريكي في حالة ازدهار غير معتادة، حيث بلغ معدل النمو 3% على مدى 27 شهرا، كما اجتذب الاقتصاد الأمريكي تدفقات ضخمة من الاستثمارات الأجنبية، وقد ارتفعت حصة الولايات المتحدة في مؤشر سوق الأسهم العالمية إلى أكثر من 60%، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق، ولكن رغم أن هذه المؤشرات الاقتصادية الإيجابية، يعبر الناخبون الأمريكيون عن تشاؤمهم المتزايد إزاء آفاقهم الاقتصادية.
تناول رئيس مؤسسة روكفلر الدولية، روشير شارما، وهو صاحب كتاب "ما الذي حدث خطأ مع الرأسمالية" في حديثه مع الصحيفة اليوم الإثنين الأسباب التي تجعل هذا النمو يبدو كسراب لغالبية الأمريكيين، إذ أشار إلى أن النمو الاقتصادي الحالي تقوده زيادة الثروة والإنفاق التقديري بين المستهلكين الأكثر ثراءً، فضلاً عن تحقيق كبرى الشركات لأرباح قياسية، لكن هذا النمو يظل هشاً وغير متوازن، حيث يعتمد بشكل أساسي على الإنفاق الحكومي والاقتراض، الذي غالباً ما يكون بمثابة الملاذ الأخير أثناء الأزمات.
في المقابل، كشفت البيانات عن أن أفقر 40% من السكان يسهمون بنحو 20% فقط من إجمالي الإنفاق، بينما يشكل أغنى 20% من الأمريكيين نحو 40% من الإنفاق، وهو أكبر فارق تم تسجيله حتى الآن.
وتوقعت شركة الاستشارات الاقتصادية "أوكسفورد إيكونوميكس" أن يتسع هذا التفاوت في السنوات المقبلة، وهذا التباين يعني أن الكثير من الأمريكيين أصبحوا يعانون من صعوبة تلبية احتياجاتهم الأساسية، وارتفعت التكاليف على الضروريات مثل الغذاء والسكن، مما حرم العديد من الأسر من رفاهية الإنفاق على السفر وتناول الطعام في الخارج.
التحول في أنماط الثقة
أظهرت الصحيفة البريطانية أن التفاؤل والإنفاق أصبحا ميزة للأثرياء فقط، فعلى الرغم من انهيار مستويات الثقة خلال جائحة كورونا فإن الثقة تعافت بشكل قوي بين الثلث الأعلى دخلاً من المستهلكين، في حين ظل مستوى الثقة ضعيفاً بين الطبقات المتوسطة والدنيا.
وتُعزى هذه الفجوة إلى زيادة الثروة التي تتركز في الأصول التي يمتلكها الأثرياء، حيث أضافت الأسواق المالية المزدهرة في العقد الحالي نحو 51 تريليون دولار إلى الثروة الوطنية.
ورغم أن جيل الألفية حقق مكاسب مالية مهمة، فإن الأغلبية العظمى من هذه المكاسب تركزت في شريحة الأثرياء من هذا الجيل، ما أدى إلى زيادة الفجوة بين الشباب وكبار السن، وظهور انقسامات جديدة بين أفراد الجيل نفسه.
سيطرة الشركات الكبرى
تابعت "فايننشيال تايمز" تسليط الضوء على آثار التفاوت الاقتصادي على المستوى المؤسسي، حيث تمثل أكبر عشر شركات أمريكية نحو 36% من إجمالي القيمة السوقية للأسهم، وهو مستوى لم تشهده الأسواق منذ بداية تسجيل البيانات في عام 1980.
وأوضحت أن السهم الأكثر قيمة في الولايات المتحدة الآن يُتداول بقيمة تزيد 750 ضعفاً على أقل الأسهم قيمة، مقارنة بـ200 ضعف قبل عشر سنوات، ما يبرز أوسع فجوة منذ أوائل الثلاثينيات.
ومع ازدياد قوة الشركات الكبرى، يتزايد الشعور بالقلق بين الشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث أظهرت الاستطلاعات ارتفاعاً غير معتاد في حصة الشركات الصغيرة التي تعبر عن عدم يقينها إزاء مستقبل الاقتصاد، فضلاً عن تراجع مستويات ثقتها إلى مستويات منخفضة لا تُرى إلا في فترات الركود.
زيادة العجز الحكومي
يعتمد الاقتصاد الأمريكي في هذه الدورة الاقتصادية بشكل كبير على الإنفاق الحكومي لتمويل هذه الطفرة، فقد تضاعف العجز الحكومي خلال العقد الماضي ليصل إلى أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي.
ومن المتوقع أن يستمر في الارتفاع في السنوات المقبلة، وبلغ الدين العام الأمريكي 17 تريليون دولار في العقد الماضي، وهو ما يوازي حجم الدين المتراكم خلال 240 عاماً منذ تأسيس الولايات المتحدة.
يعكس هذا العجز الحكومي، وفقاً للتعريفات المحاسبية، صورة معكوسة للمدخرات الخاصة، بما في ذلك أرباح الشركات الكبرى، فمع تزايد العجز الحكومي، استمرت أرباح الشركات في الارتفاع، ما يعكس العلاقة الاقتصادية التي صاغتها "معادلة كاليكي-ليفي" منذ عام 1908، وقد استمر هذا الارتباط خلال السنوات الأخيرة، حيث عزز العجز المتزايد صعود أرباح الشركات الكبرى في السوق الأمريكية.
تحديات مالية
رأت "فايننشيال تايمز"، أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي يتحدان في عدم إبداء القلق إزاء العجز الحكومي، المتوقع أن يستمر في التزايد بغض النظر عن نتيجة الانتخابات القادمة، رغم تدفق الأموال العالمية على الاقتصاد الأمريكي وارتفاع الطلب على الدولار كعملة احتياطية عالمية، ونبهت إلى أنه لا توجد أي دولة في التاريخ تمتعت بمناعة أبدية تجاه الديون.
واستيقظ "حراس السندات" منذ عامين بعد فترة طويلة من أسعار الفائدة الصفرية، وبدؤوا بمعاقبة الدول التي تعاني من تفاقم الديون، بدءاً من الدول الحدودية مثل سريلانكا وغانا، ثم الأسواق الناشئة كالبرازيل وتركيا، وصولاً إلى الأسواق المتقدمة مثل المملكة المتحدة وفرنسا.
ورغم أن الولايات المتحدة تبدو أقل عرضة للمخاطر بفضل الطلب العالمي المرتفع على الدولار، فإن الصحيفة نبهت إلى أن تراكم العجز وارتفاع الدين يسهمان في رفع أسعار الفائدة.
اختتمت "فايننشيال تايمز" تقريرها، بالإشارة إلى أن الإمبراطوريات غالباً ما تنهار حينما تعجز عن سداد ديونها المتراكمة، وبهذا المسار الذي تتبعه الولايات المتحدة، قد يجد رئيسها المقبل نفسه أمام درس قاسٍ بشأن التحديات المالية والمخاطر الاقتصادية التي تحيط بالنمو المستدام في ظل العجز والدين المتصاعدين.