خبيرة أممية لـ«جسور بوست»: النزاع المسلح وضع اليمنيات بين شقي الرحى (حوار)

الدكتورة رائدة الذبحاني: المرأة اليمنية أكثر الفئات المتضررة من الحرب

خبيرة أممية لـ«جسور بوست»: النزاع المسلح وضع اليمنيات بين شقي الرحى (حوار)
الدكتورة رائدة الذبحاني

تزداد أوضاع النساء والفئات المهمشة في اليمن تدهورًا وسوءًا، جراء تفاقم الأوضاع بين طرفي النزاع واستمرار الحرب والنهب والسرقة وتدني الأحوال الاجتماعية والصحية، وسط صمت شبه مطبق للمنظمات الأممية والجهات الدولية الحقوقية.

وتعاني النساء في اليمن من تحديات كبيرة نتيجة العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المستمرة منذ سنوات طويلة، والتي تفاقمت في ظل الحرب المستمرة منذ عام 2014، إذ تواجه قيودًا شديدة نتيجة الأعراف القبلية والمجتمعية التي تحد من حريتهن وتقلل من فرصهن في اتخاذ القرارات.

ولا تزال نسبة الأمية بين النساء والفتيات في اليمن مرتفعة، بسبب محدودية الوصول إلى التعليم، خاصة في المناطق الريفية، إلى جانب انتشار ظاهرة الزواج المبكر والقسري على نطاق واسع، ما يؤثر سلبًا على الصحة والتعليم والمشاركة الاجتماعية للمرأة في اليمن.

وأدت الحرب المستمرة باليمن إلى نزوح ملايين السكان، معظمهم من النساء والأطفال، ما أثر على استقرار الأسر والظروف المعيشة، حيث تصاعدت حالات العنف ضد المرأة، وازدادت نسبة الفقر بين النساء مع تزايد البطالة وصعوبة الحصول على فرص عمل.

وبسبب انهيار الرعاية الصحية والخدمات الطبية، تأثرت صحة النساء الحوامل والأمهات، وارتفعت معدلات الإصابة بمرض سوء التغذية بين النساء، خاصة في ظل نقص الغذاء وتراجع التمويلات العالمية.

ورغم التحديات، تلعب النساء أدوارًا حيوية في تقديم الدعم الإنساني والمشاركة في المبادرات المجتمعية في اليمن، لكن هذه الأدوار تواجه تحديات كبيرة بسبب استمرار النزاع وانعدام الأمن.

«جسور بوست» حاورت الدكتورة اليمنية رائدة الذبحاني، سفيرة السلام والإنسانية بالأمم المتحدة، وأستاذة القانون الدولي، للتعرف على ما آلت إليه الأوضاع في اليمن والتحديات الكبرى التي تعوق لعب النساء أدوارا بارزة في تحقيق السلام والاستقرار بالبلد العربي المأزوم.

وإلى نص الحوار..

كيف تقيّمين الوضع السياسي الحالي في اليمن؟ وما التحديات التي تواجهها البلاد؟

يعكس الوضع الحالي في اليمن تعقيدا كبيرا وتعد الأزمة الحالية من أكثر الأزمات تعقيدا، حيث أثرت بشكل كبير على جميع النواحي، فرغم الجهود الدولية المبذولة لا يزال هناك جمود في المفاوضات بين الأطراف المتنازعة ما يعيق أي احتمالات للتقدم نحو حل سياسي توافقي، وقد أدت الحرب إلى تدمير البنية التحتية وارتفاع معدلات الفقر والجوع، وخلف الوضع الراهن إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، إذ يواجه الملايين نقصا في الغذاء والرعاية الصحية، وأصبح ملايين اليمنيين بحاجة إلى المساعدات الإنسانية العاجلة، وأصبحت الحكومة تعاني من ضعف في المؤسسات وعدم القدرة على فرض الأمن والنظام، الأمر الذي ترتب عليه تفشي الفساد والانفلات الأمني في عموم اليمن.

وهناك الكثير من التحديات التي تراكمت خلال سنوات الحرب، وأدت إلى أزمات إنسانية متعددة وواسعة النطاق، ومن أهم هذه التحديات الحرب المستمرة التي تزيد حدتها وتزيد من الانقسامات السياسية التي تعد أيضا من أبرز التحديات، إلى جانب تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لليمنيين في ظل تدهور العملة المستمر وارتفاع الأسعار وما يترتب عليه من زيادة للفقر والجوع وانتشار الأمراض والأوبئة، وهو ما يعد تحديا إنسانيا يزيد بدوره من أعداد المحتاجين إلى المساعدات الطارئة، كما أدت الحرب أيضا إلى تفكيك النسيج الاجتماعي وزيادة العنف والكراهية بين مختلف المكونات في اليمن.

ما الدور الذي يمكن أن تلعبه المرأة اليمنية في تحقيق السلام والاستقرار بعد 10 سنوات على الحرب؟

المرأة اليمنية هي ركيزة مهمة في المجتمع اليمني، وقد أثبتت طيلة سنوات الحرب قدرتها على الصمود والتكيف مع مختلف الظروف التي مرت بها البلاد، وطالما كان للمرأة دور مهم وبارز في بناء السلام وكانت المرأة في طليعة جهود بناء الاستقرار في البلاد.

وتلعب المرأة اليمنية أيضا دورا مهما في التنمية الاقتصادية، فقد برزت النساء في عدد من الأعمال التي كانت حكرا على الرجال، وامتلكت النساء مشاريع اقتصادية ساهمت في الحفاظ على الأسرة والمجتمع، لذا يجب أن يكون هناك دور للمرأة ومشاركة فعلية وملموسة في صناعة القرار من أجل سلام دائم في بلد يعاني من توترات سياسية وحرب لأكثر من 10 سنوات.

ما تقييمك للجهود التي يبذلها المجتمع الدولي في دعم النساء اليمنيات؟

هناك اهتمام دولي بقضية النساء اليمنيات في ظل ما تعانيه المرأة من ظروف صعبة وقاسية، ورغم ذلك فإن تلك الجهود ما زالت تواجه الكثير من التحديات المتشابكة والمعقدة، ولكن أصبح هناك وعي متزايد بقضايا النساء وبأهمية دورهن في بناء السلام والتنمية والاستقرار في بلدانهم، وضرورة تواجدهن في مختلف الأصعدة والمجالات من أجل تحقيق هذه الأهداف، ويتم إطلاق العديد من برامج الدعم والمبادرات للمرأة اليمنية وبرامج لتمويل المشاريع النسوية الصغيرة والمتوسطة لإبراز جهودهن وتواجدهن في مواقع التأثير باليمن، ومع ذلك لا تزال النساء اليمنيات بحاجة أكثر للدعم وتوسيع نطاق المساندة والاهتمام بإنشاء برامج مستدامة لبناء قدراتهن وتمكينهن من تحقيق الاكتفاء الذاتي والحفاظ على مكتسباتهن.

ويجب اتخاذ إجراءات لضمان حماية الناشطات والحقوقيات والمؤثرات في المجال العام من التهديدات التي تلحق بهن والمضايقات التي يواجهونها بسبب التوترات الأمنية واستمرار النزاع ووجود بيئة غير آمنة على النساء الفاعلات في اليمن.

كيف أثرت الصراعات على قضايا مثل التعليم والصحة وحقوق الإنسان وتمكين النساء في اليمن؟ 

لقد أحدثت الصراعات في اليمن آثارا كارثية على قطاعي التعليم والصحة وتمكين المرأة، خلال الحرب تدمرت العديد من المدارس والمنشآت التعليمية والصحية، وفرت العديد من الكوادر الطبية والتعليمية من مناطق الصراعات ما أدى إلى نقص شديد في هذه الكوادر، كما أن انقطاع الرواتب أدى إلى توقف العديد من المعلمين، وبسبب تدهور الخدمات الصحية وعدم القدرة على الحصول على مياه نظيفة، فقد انتشرت أمراض وأوبئة في اليمن مثل الكوليرا وحمى الضنك والدفتيريا، بسبب الحصار فقدت الأسواق اليمنية القدرة على توفير الأدوية والمستلزمات الطبية وأصبح الحصول عليها مكلفا، ما أدى إلى تدهور حالات أصحاب الأمراض المزمنة والوبائية.

وأدت الحرب إلى تراجع مشاركة النساء وزادت نسب العنف المنزلي بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ما أثر بشكل أو بآخر على تواجد النساء في المجال العام، وبسبب تدهور الأوضاع الأمنية انقطعت العديد من الفتيات عن الدراسة ومواصلة التعليم، ما تسبب في ارتفاع نسبة الزواج المبكر والعنف الموجه ضد النساء والفتيات باليمن.

وتستحق المرأة اليمنية كل التحية والتقدير لصمودها في مواجهة كل الظروف والتحديات التي فرضتها الحروب والنزاعات المسلحة، حيث أصبحت رمزا وأيقونة للقوة والتحدي والصمود ومواجهة التحديات، وأقول للمرأة اليمنية استمري في الصمود والتحدي لست وحدك هناك الآلاف من اليمنيات يتشاركن في نفس المعاناة.

ما الرسالة التي توجهينها للمرأة اليمنية؟ وما النصيحة التي تقدمينها للشابات الراغبات في العمل العام باليمن؟

المرأة التي ترغب في دخول العمل العام في اليمن يجب أن تتسلح بالعلم والمعرفة والثقة بالنفس وهي من أهم مقومات النجاح، وعليها أن تؤمن بحقها في العمل والتواجد، وأن تعمل على بناء علاقات قوية مع النساء الأخريات، وأن تعمل دائما على تطوير مهاراتها وقدراتها التي تجعلها قادرة على الصمود والاستمرارية وسط هذا الكم الهائل من المعوقات والتهديدات في البلاد.

ما رؤيتك لمستقبل اليمن؟ وما ضمانات تحقيق السلام المستدام؟

هناك العديد من الرؤى لمستقبل السلام في اليمن، أسوؤها على الإطلاق هو استمرار هذا الصراع والنزاع دون أفق لحل سياسي، الأمر الذي يعني تدهورا أكبر في مختلف الأوضاع والنواحي، وبالتالي يصبح الملف اليمني ملفا منسيا بالنسبة للعالم، وكل مكون سيذهب لتحقيق مصالحه مع حلفائه، وقد يحدث أن تتدخل قوات دولية خارجية لحل الأزمة اليمنية، وبالتالي تغير موازين القوى في المنطقة، وقد يؤدي الصراع المستمر لمزيد من التقسيمات وبالتالي تعقيد أكبر للأزمة الراهنة. 

وهناك سيناريو إيجابي وهو أن يكون هناك حل سياسي وتفاوضات حقيقية وجادة مبنية على الثقة المشتركة بين مختلف الأطراف، بحيث تضمن تفاهمات مشتركة، وهذا سيتطلب تنازلات جدية من جميع الأطراف المتحاربة في اليمن.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية