تراجع عالمي لحماية البيانات خلال 2024 يضع الخصوصية الرقمية في مهب الريح

تراجع عالمي لحماية البيانات خلال 2024 يضع الخصوصية الرقمية في مهب الريح
الخصوصية الرقمية

شهدت الحقوق الرقمية وحرية الإنترنت في عام 2024 حالة من التدهور حيث تتعرض الخصوصية لانتهاكات متزايدة من قبل الحكومات والشركات الكبرى على حد سواء، ومع تنامي الاستخدام الرقمي أصبحت بيانات الأفراد سلعة ثمينة تتسابق الأطراف المتعددة للاستفادة منها، بينما تتزايد المخاوف من استخدام تلك البيانات في التلاعب أو الاستغلال.

وعلى الرغم من المحاولات الدولية والإقليمية لحماية الخصوصية وحفظ الحقوق الرقمية، فإن الواقع يشير إلى أن الحقوق الرقمية، وخاصة الحق في الخصوصية، في أزمة حقيقية في عالم مليء بالتحديات التقنية والتشريعية.

وفي السنوات الأخيرة، تحول الإنترنت من مجرد منصة للتواصل والمشاركة إلى ساحة تتنافس فيها الحكومات والشركات على جمع البيانات واستخدامها باتت المعلومات الشخصية التي يحتفظ بها المستخدمون على الإنترنت تشكل مصدرًا ضخمًا للإيرادات، بل أصبحت محركًا اقتصاديًا إذ يصل حجم سوق البيانات الشخصية إلى 524 مليار دولار سنويًا، وفقًا لتقرير Statista لعام 2024. 

وتشير هذه الأرقام بوضوح إلى أن الخصوصية لم تعد حقًا أساسياً بل تحولت إلى سلعة تُعرض في أسواق رقمية ضخمة، يتم استغلالها من قبل العديد من الأطراف.

ولا تزال فضائح مثل "كامبريدج أناليتيكا" تمثل حالة مثيرة للقلق، حيث استخدمت الشركة معلومات 87 مليون مستخدم من "فيسبوك" للتأثير على نتائج الانتخابات الأمريكية عام 2016، وهو ما سلط الضوء على خطورة استغلال البيانات الشخصية في الأغراض السياسية، ورغم الوعود المتكررة من الشركات التقنية بحماية خصوصية المستخدمين، فإن الواقع أظهر أن هذه الوعود غالبًا ما تظل حبرًا على ورق، بل وأحيانًا تصبح أدوات للاستغلال بدلاً من الحماية.

وتسعى الحكومات في مختلف أنحاء العالم إلى فرض سيطرتها على الفضاء الرقمي بحجة حماية الأمن القومي أو مكافحة الإرهاب. على سبيل المثال، في الصين، يُطبق نظام الرصيد الاجتماعي، الذي يتتبع سلوك المواطنين عبر الإنترنت ويقيم درجاتهم بناءً على تصرفاتهم الرقمية، ما يعزز الرقابة بشكل غير مسبوق. 

وأشارت تقارير فريدوم هاوس لعام 2024 إلى أن 70% من سكان العالم يعيشون في دول تفرض قيودًا صارمة على حرية الإنترنت، ما يعكس بوضوح اتساع رقعة الرقابة والحد من حرية التعبير على الإنترنت.

وفي الولايات المتحدة، السياق مختلف لكن النتائج تشترك في توجه واحد، وهو تزايد النفوذ الحكومي على البيانات الشخصية، قانون "CLOUD Act" الذي صدر عام 2018 منح السلطات الأمريكية صلاحيات غير محدودة للوصول إلى البيانات المخزنة في خوادم الإنترنت، حتى وإن كانت خارج حدود الولايات المتحدة.

 هذا القانون أثار قلقًا عالميًا حول إمكانية استخدامه لتجاوز الحواجز القانونية للدول الأخرى، ما يهدد بمساحات الخصوصية الرقمية في مختلف أنحاء العالم.

حماية الخصوصية والحقوق الرقمية

ونجحت بعض الدول في تبني تشريعات تهدف إلى حماية الخصوصية وحفظ الحقوق الرقمية، على رأس هذه الدول تأتي الدول الأوروبية، التي طبقت قانون "اللائحة العامة لحماية البيانات" (GDPR) في مايو 2018، وهو القانون الذي فرض غرامات ضخمة على شركات كبرى مثل "ميتا" بسبب نقل البيانات بشكل غير قانوني.

وكشف تقرير CNBC لعام 2024، أن الاتحاد الأوروبي قد فرض غرامات بلغت 1.2 مليار يورو على "ميتا" بسبب خرق قواعد حماية البيانات، في خطوة تُعد من أقوى الخطوات التشريعية على مستوى العالم لحماية الخصوصية. 

ولا تزال العديد من الدول تواجه تحديات في تطبيق قوانين مشابهة… مناطق مثل الشرق الأوسط وإفريقيا تعاني من غياب تشريعات فعالة لحماية البيانات، ما يعرض مواطنيها لتهديدات خطيرة تتعلق بالخصوصية.

وفقًا لدراسة صادرة عن "مركز الخليج لحقوق الإنسان" لعام 2024، تُظهر البيانات أن بعض الدول العربية تفتقر إلى أطر قانونية متكاملة لحماية البيانات الشخصية، هذا الواقع يعكس التحديات التي يواجهها المواطنون في هذه المناطق، حيث تظل الخصوصية في خطر دائم، ففي بعض الدول تم تبني قوانين لحماية البيانات الشخصية، لكن تلك القوانين لا تواكب التطورات الرقمية المتسارعة، ولا توفر الحماية الكافية للمواطنين.

على الصعيد الاجتماعي العالمي، لا تقتصر الانتهاكات على تهديد الخصوصية فقط، بل تمتد لتقويض أسس الديمقراطية نفسها، في استطلاع أجرته "Pew Research" في عام 2024 تبين أن 59% من المستخدمين في الولايات المتحدة يعبرون عن قلقهم الشديد من مشاركة آرائهم السياسية عبر الإنترنت، خوفًا من الرقابة أو التتبع، هذا الخوف ينسحب على العديد من المواطنين حول العالم الذين باتوا يشكون في قدرتهم على التعبير عن آرائهم بحرية عبر الإنترنت، الوضع الاجتماعي في ظل هذه الممارسات يظهر تراجعًا في الحريات الفردية، بل وأحيانًا انهيارًا في الأسس الديمقراطية التي يجب أن تقوم عليها مجتمعاتنا.

اقتصاديًا، تؤثر الانتهاكات المستمرة للحقوق الرقمية على الثقة في الاقتصاد الرقمي، تشير دراسة من McKinsey إلى أن تعزيز قوانين حماية البيانات قد يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تصل إلى 3% بحلول عام 2030، وهذه النسبة تشير إلى أن الحماية الفعّالة للبيانات يمكن أن تسهم بشكل ملموس في تحقيق النمو الاقتصادي، من خلال زيادة الثقة في الأنظمة الرقمية، وهو ما يؤدي إلى زيادة الاستثمارات الرقمية وتوسيع الأسواق الرقمية في مختلف أنحاء العالم.

ومع تقدم التكنولوجيا، لا يمكن إنكار أن هناك أدوات ووسائل تكنولوجية قد تسهم في تعزيز الخصوصية الرقمية تقنيات مثل التشفير وظهور تطبيقات مثل "سيجنال" تسهم بشكل كبير في حماية المحادثات والبيانات الشخصية، ومع ذلك، يبقى أن التكنولوجيا تمثل سلاحًا ذا حدين، حيث تُستخدم أيضًا من قبل بعض الحكومات والشركات لتعزيز الرقابة والاستهداف. دراسة أجراها MITفي 2023 أظهرت أن 89% من التطبيقات الرقمية تعتمد على خوارزميات معقدة قادرة على التنبؤ بتوجهات المستخدمين السياسية والاجتماعية، ما يعزز المخاوف من فقدان الأفراد القدرة على التحكم في بياناتهم.

انتهاك الخصوصية وتهديدات الرقابة

وقالت سفيرة التسامح والنوايا الحسنة، الحقوقية بسمة العميري، إن حماية الخصوصية، التي كانت في يوم من الأيام أحد أركان الحقوق الأساسية للإنسان، أصبحت مهددة بشكل متزايد في عالم يتسم بانتشار الرقمنة واستغلال البيانات الشخصية لأغراض متعددة، وعلى الرغم من الإعلانات المتكررة حول حماية الحقوق الرقمية يبقى الواقع مخالفًا لهذه التصريحات، إذ غالبًا ما يُساء استخدام البيانات الشخصية من قبل الحكومات والشركات على حد سواء، ما يؤدي إلى انتهاك الخصوصية الفردية بشكل متسارع.

وتابعت العميري، في تصريحات لـ"جسور بوست": الحق في الخصوصية يُعد من الحقوق الأساسية التي نصت عليها العديد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أكّد على "الحق في الخصوصية" في المادة 12، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي اعتبر هذا الحق جزءًا لا يتجزأ من الكرامة الإنسانية، ولذا يعد انتهاك الخصوصية في العالم الرقمي بمثابة انتهاك لحق أساسي في الحفاظ على الكرامة الشخصية وحرية الأفراد في التحكم بمعلوماتهم الخاصة.

واسترسلت الخبيرة الحقوقية: ما نراه اليوم هو أن العديد من الحكومات والشركات تتعامل مع البيانات الشخصية كسلعة قابلة للاستغلال، وتفعل ذلك تحت مسميات متعددة، سواء كان ذلك من خلال مكافحة الإرهاب أو تحسين الخدمات أو تقديم الإعلانات المستهدفة، وفي هذا الإطار، يبرز تساؤل مهم حول التوازن بين حماية الحقوق الرقمية وضمان الأمن القومي أو الأمن الاقتصادي. هل يمكن التوفيق بين حقوق الإنسان والحاجة إلى حماية الأمن في هذا العصر الرقمي؟ أم أن هذا التوازن قد تم اختلاله لصالح مصالح اقتصادية وسياسية ضيقة؟

وانتقدت الوضع بقولها: المؤسف أن غالبية الدول لم تُقدّر بشكل كافٍ أهمية حماية الخصوصية الرقمية كما ينبغي، إذ إن قوانين حماية البيانات الشخصية في كثير من الدول تظل قاصرة، إن لم تكن غائبة تمامًا في بعض الأماكن. في بعض الدول، على الرغم من ظهور بعض التشريعات، فإنها غالبًا ما تكون غير فعّالة بسبب الثغرات القانونية، أو بسبب ضعف الرقابة في تطبيق هذه القوانين، ذلك يؤدي إلى تعرض الأفراد لمخاطر جسيمة تتعلق بالاستغلال غير المشروع لبياناتهم، والتي قد تؤثر على حياتهم الشخصية والاجتماعية والمهنية.

وقالت إن السلطات الحكومية في مختلف أنحاء العالم تسعى لفرض رقابة على الفضاء الرقمي تحت ذرائع متعددة، كالحد من الإرهاب أو تنظيم الهويات الرقمية، ولكن ما يحدث فعليًا هو تزايد عمليات المراقبة الجماعية التي تستهدف الأفراد بشكل غير عادل، وتؤدي إلى تقويض حرية التعبير، فالحكومة التي تطلب من مواطنيها "التخلي عن الخصوصية" مقابل الأمن هي في الواقع تقوض أحد أركان الديمقراطية الأساسية، وهو الحق في المشاركة الحرة في الحياة السياسية والاجتماعية، إن ممارسة الرقابة بهذا الشكل تُعد انتهاكًا لحقوق الإنسان، فكل فرد له الحق في حماية حياته الخاصة، ولا يمكن للحكومات أن تبرر سلب هذا الحق بمبررات أمنية غامضة.

وتحدثت العميري عن أن تكديس البيانات الشخصية قد أصبح هو السمة الغالبة في عصرنا الرقمي، وهي مسألة تعكس تحولات اقتصادية جوهرية، فالبيانات اليوم تُعد من أكبر الموارد الاقتصادية التي تُستغل في تحسين العوائد المالية عبر الإعلانات المستهدفة، والمنتجات الشخصية، وحتى في بعض الحالات التلاعب في الانتخابات السياسية، حينما يُسعى إلى زيادة الأرباح من خلال استغلال البيانات الشخصية للمستخدمين دون إذن صريح منهم، فإن ذلك يشكل انتهاكًا فاضحًا لحقوق الأفراد في التحكم بمعلوماتهم الشخصية، وهذه الشركات غالبًا ما تبدي اهتمامًا محدودًا جدًا بمبادئ حقوق الإنسان، وترى في الخصوصية عائقًا أمام تحقيق الأرباح.

وأشارت إلى ضرورة أن نتذكر دائمًا أن الخصوصية ليست مجرد مسألة تقنية أو اقتصادية، بل هي حق إنساني متأصل لا يجوز المساس به، فالحقوق الرقمية، مثل الحق في الخصوصية وحماية البيانات الشخصية، هي جزء من جملة الحقوق التي تكفل للإنسان كرامته وحريته في اتخاذ قراراته الشخصية دون الخوف من التتبع أو المراقبة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال فصل هذه الحقوق عن غيرها من الحقوق الأساسية مثل الحق في التعبير، والحق في المعلومات، وحق الأفراد في المشاركة في الحياة العامة دون قيود.

وقالت إن التعامل مع حقوق البيانات وحمايتها يجب أن يكون وفقًا لمعايير حقوق الإنسان التي لا يمكن المساس بها تحت أي ذريعة، ولذلك فإن التشريعات التي تسعى إلى حماية الخصوصية يجب أن تكون شاملة وفعّالة، وتستند إلى احترام المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، مثل الشفافية، والموافقة الطوعية، والحق في الوصول إلى المعلومات.

ويجب أن تتسم هذه التشريعات بالقوة لتفرض عقوبات صارمة على أي جهة تنتهك هذه الحقوق، سواء كانت حكومة أو شركة، ولا يمكن الاستمرار في تجاهل الانتهاكات المستمرة للحقوق الرقمية، إن هذا الوضع لا يضر فقط بالأفراد المتأثرين به، بل يهدد أيضًا بنية المجتمع الديمقراطي نفسه، فالحرية على الإنترنت تمثل أكثر من مجرد استخدام منصات التواصل أو التصفح، إنها جوهر القدرة على التعبير بحرية، والنقد، والمشاركة في العمليات السياسية والاجتماعية، وفي ظل ما نشهده من تزايد الرقابة والتضييق على هذه الحريات أصبح من الضروري تبني إطار قانوني دولي أكثر صرامة وقوة لحماية حقوق الإنسان في الفضاء الرقمي.

وقالت إن انتهاك الخصوصية وحقوق البيانات في العصر الرقمي يمثل تحديًا حقيقيًا يجب أن يُواجَه بحلول قانونية فعّالة، تحتاج الدول إلى تطبيق تشريعات تضمن حماية الحقوق الرقمية بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، كما يجب على الشركات أن تتحمل مسؤوليتها في التعامل مع بيانات الأفراد بشفافية واحترام، وإذا استمرت الانتهاكات في هذا السياق فإننا نواجه خطرًا جسيمًا قد يقوض أسس الديمقراطية والحقوق الإنسانية، ويحول الإنترنت إلى أداة للسيطرة على الأفراد بدلاً من أن يكون وسيلة للتحرر والتفاعل.

تأثير انتهاك البيانات

وقالت خبيرة الإقتصاد والأكاديمية، خلود ياسر، إن هذا الاستغلال غير العادل للبيانات له تبعات كبيرة على الاقتصاد الفردي والمؤسسي والاجتماعي، وقد يعيد تشكيل المفاهيم التقليدية للحرية الاقتصادية والمشاركة المجتمعية، وتزايدت أهمية البيانات الشخصية كعنصر محوري في الاقتصاد الرقمي، فالشركات الكبرى، مثل "ميتا"، تعتمد على جمع وتحليل البيانات الشخصية لمستخدميها، وتحقيق أرباح ضخمة من خلال الإعلانات المستهدفة وتحسين الخدمات. 

وتابعت في تصريحات لـ"جسور بوست": يُعتبر هذا النموذج التجاري ركيزة أساسية للاقتصاد الرقمي، إذ تتيح هذه الشركات جمع بيانات المستخدمين وتحويلها إلى مصادر دخل ضخمة، ومع ذلك، في غياب حماية فعالة للخصوصية، تصبح هذه الشركات بمثابة أدوات استغلال للمعلومات الشخصية التي هي في الأساس ملك الأفراد، بالتالي يتم تهديد الاستقلالية الاقتصادية للأفراد الذين يصبحون جزءًا من سوق تفتقر إلى الرقابة أو الشفافية الكافية. هذا الأمر يؤدي إلى اختلال في التوازن بين الشركات الضخمة والمستهلكين العاديين، ويؤثر على قدرة الأفراد على اتخاذ قرارات اقتصادية مستقلة دون أن يتم استغلال بياناتهم لأغراض تجارية، وتؤثر انتهاكات الخصوصية الرقمية بشكل سلبي على الثقة بين الأفراد والمؤسسات.

وأكدت أنه في غياب إطار قانوني يضمن حماية البيانات الشخصية، يزداد الخوف لدى الأفراد من فقدان السيطرة على معلوماتهم، مما يدفعهم إلى تقليص مشاركتهم في الأنشطة الرقمية، هذا الانخفاض في الثقة ينعكس على الاقتصاد الرقمي ككل، إذ يتراجع حجم المعاملات الإلكترونية، ما يؤدي إلى انخفاض الإيرادات من التجارة الإلكترونية والخدمات الرقمية، وتعزيز قوانين حماية البيانات يمكن أن يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تصل إلى 3%، وهو ما يعكس أهمية الاستقرار في الحقوق الرقمية لزيادة النشاط الاقتصادي الرقمي.

واسترسلت: تنعكس انتهاكات الخصوصية الرقمية أيضًا على الاقتصاد الاجتماعي من خلال تأثيرها في مشاركة الأفراد في الحياة العامة في العديد من الدول، خصوصًا تلك التي تفرض رقابة شديدة على الإنترنت، إذ يخشى المواطنون من التعبير بحرية خوفًا من تعرضهم للمراقبة أو الملاحقة هذا النوع من الانتهاكات لا يقتصر على الحقوق الفردية فقط، بل يؤدي إلى تآكل الأسس الاجتماعية للمجتمعات الديمقراطية، فعندما يشعر الأفراد أنهم تحت المراقبة المستمرة، فإنهم قد يتجنبون الانخراط في الأنشطة الاجتماعية أو السياسية، مما يضعف التواصل المجتمعي ويؤثر سلبًا على المشاركة المدنية هكذا، تضعف قدرة المجتمع على التعاون والعمل الجماعي، وهو ما يضر بالاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية على المدى البعيد.

وذكرت: لا تقتصر التداعيات الاقتصادية لخرق الخصوصية على الشركات الكبرى فقط، بل تمتد إلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على التفاعل الرقمي مع عملائها، إذ إن الشركات التي تفقد ثقة عملائها بسبب مخاوف من انتهاك الخصوصية ستجد نفسها في وضع صعب من حيث تحقيق الأرباح، فعلى سبيل المثال، قد يقرر العملاء تجنب شراء منتجات أو خدمات من شركات لا تلتزم بحماية بياناتهم الشخصية، وهو ما يضر بأداء هذه الشركات ويؤثر على الاقتصاد المحلي. 

في هذا السياق، يبرز التحدي الاقتصادي أمام المؤسسات التي عليها أن تبني سياسات لحماية الخصوصية إذا كانت ترغب في الحفاظ على سمعتها وتحقيق استدامتها في بيئة تزداد فيها الوعي بحقوق البيانات.

وأضافت، يمكن القول إن التأثيرات الاقتصادية لانتهاك الخصوصية تتجاوز حدود الأضرار الفردية لتصل إلى مستويات مؤسسية واجتماعية واسعة النطاق… إن انتهاك الحقوق الرقمية يعزز من تفشي حالات عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية، إذ تصبح الشركات الكبرى هي المستفيد الأكبر بينما يظل الأفراد فريسة للاستغلال. 

وأتمت: على الحكومات وضع تشريعات أكثر صرامة لحماية بيانات المواطنين بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، مثل اللائحة العامة لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي، التي تُمثل نموذجًا إيجابيًا في حماية الخصوصية الرقمية وتقديم إشعار قانوني للمؤسسات بضرورة الامتثال لمعايير حماية البيانات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية