كيف لعبت المحاكم والهيئات الدولية دورًا محوريًا في معالجة القضايا والنزاعات الحقوقية في 2024؟

كيف لعبت المحاكم والهيئات الدولية دورًا محوريًا في معالجة القضايا والنزاعات الحقوقية في 2024؟
محكمة العدل الدولية

شهد عام 2024 تطورات بارزة في مجال العدالة الدولية، حيث لعبت المحاكم والهيئات الدولية دورًا محوريًا في معالجة القضايا الحقوقية والنزاعات العابرة للحدود، وفي ظل عالمٍ تتسارع فيه الأحداث السياسية والأمنية، برزت التحديات المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان والنزاعات الإقليمية، ما استدعى تدخل المحاكم الدولية كجهات حاسمة للفصل في هذه القضايا.

واتسم العام الجاري بتزايد عدد القضايا الحقوقية المثيرة للجدل، من بينها المحاكمات المرتبطة بالنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، والتحقيقات في الانتهاكات خلال النزاعات المسلحة في الشرق الأوسط وإفريقيا، إضافة إلى الدعوات المتزايدة لمحاسبة القادة السياسيين والعسكريين المسؤولين عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية.

وتعد محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وتختص بالنظر في القضايا التي ترفعها الدول ضد بعضها فحسب، إذ تتمثل مهمتها الأساسية بالفصل في النزاعات القانونية بين الدول استناداً إلى أحكام القانون الدولي.

وتقدم المحكمة آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي تُحال إليها من قِبل أجهزة الأمم المتحدة، مثل الجمعية العامة ومجلس الأمن، اللذين يمكنهما طرح أسئلة قانونية تتعلق بأي مسألة، وإلى جانب ذلك يمكن لبعض وكالات الأمم المتحدة المتخصصة طلب آراء استشارية من المحكمة في نطاق عملها المحدود. 

وتختلف اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية، إذ إنها تحاكم الأفراد وليس الدول، في قضايا مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والعدوان، ويمكن إحالة القضايا إلى المحكمة من قبل دولة طرف في نظام روما الأساسي، ومجلس الأمن الدولي بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والمدعي العام للمحكمة بناءً على تحقيق مستقل.

"جسور بوست" رصدت أبرز 4 قضايا حقوقية أمام المحاكم الدولية في عام 2024 فيما يلي:

دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل

في يناير 2024 أصدرت محكمة العدل الدولية حكمًا ابتدائيًا وتدابير طارئة بحق إسرائيل في الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب إفريقيا، متهمةً إسرائيل بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية خلال عملياتها العسكرية في قطاع غزة.

وأمرت تل أبيب بمنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والحفاظ على الأدلة بشأن الجرائم المرتكبة في القطاع.

وكانت حكومة جنوب إفريقيا قد رفعت قضية ضد إسرائيل تتهمها فيها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة، واستندت في دعواها على الأدلة بقتل إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين بأعداد كبيرة وتدمير منازلهم وطردهم وتشريدهم، إضافة إلى فرض الحصار على الغذاء والماء والمساعدات الطبية في القطاع، وتدمير المرفقات الصحية الأساسية.

لكن إسرائيل وصفت دعوى جنوب إفريقيا بالسخيفة واعتبرتها "افتراء"، إذ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إن تهمة الإبادة الجماعية الموجهة لإسرائيل في محكمة العدل الدولية مشينة وتمييز ضدها.

وتقدمت عدة دول للتدخل في القضية باستخدام بند في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية يسمح لأطراف ثالثة بالانضمام إلى الإجراءات، أبرزها نيكاراغوا، كولومبيا، ليبيا، تركيا، المكسيك، تشيلي، كوبا، وإسبانيا.

مذكرات توقيف بحق قادة إسرائيليين وفلسطينيين

في مايو 2024، أعلنت المحكمة الجنائية الدولية عزمها إصدار مذكرات توقيف بحق مسؤولين من إسرائيل وحركة حماس على خلفية الحرب المستمرة في غزة، إذ شملت القائمة من الجانب الإسرائيلي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، ومن حماس إسماعيل هنية زعيم الحركة، ويحيى السنوار رئيس الحركة في قطاع غزة، ومحمد دياب إبراهيم المصري، المعروف بـ"محمد الضيف" القائد العام لكتائب عز الدين القسام.

وفي نوفمبر الماضي، أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق كل من نتنياهو وغالانت، والضيف، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وذلك بعد سحب مذكرة الاعتقال بحق هنية والسنوار عقب مقتلهما.

وقالت دائرة المحكمة إن مذكرات الاعتقال تُصنف على أنها "سرية"، لحماية الشهود وضمان سير التحقيقات، ومع ذلك قررت إصدار المعلومات الواردة في بيانها "لأن السلوك المماثل للسلوك الذي تناولته مذكرة الاعتقال يبدو أنه مستمر". 

وأضافت أنها ترى أنه من مصلحة الضحايا وأسرهم أن يتم إعلامهم بوجود مذكرات الاعتقال، واعتبرت المحكمة أن السلوك المزعوم لنتنياهو وغالانت يقع ضمن اختصاص المحكمة، لأنه يمتد إلى غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.

دعوى هولندا وكندا ضد سوريا

في فبراير 2024، حددت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة، موعد تقديم كندا وهولندا المذكرتين القانونيتين المتعلقتين بانتهاكات سوريا لاتفاقية مناهضة التعذيب، في فبراير 2025، وموعد تسليم سوريا لمذكرتها المضادة للشكوى في فبراير 2026.

وجاء تحديد الموعد النهائي من المحكمة العدل الدولية، بناء على طلب مشترك قدمته كل من كندا وهولندا إلى محكمة، في يونيو 2023، لإقامة دعوى ضد النظام السوري، ويتعلق الطلب بالمسؤولية الدولية للنظام بسبب فشله "الجسيم والممنهج" في الوفاء بالتزامات سوريا المتعلقة بمنع التعذيب وغيره من أشكال المعاملة القاسية واللاإنسانية والانتهاكات العديدة لأحكام اتفاقية مناهضة التعذيب.

تستند الدعوى إلى أن السلطات السورية مارست تعذيبًا ممنهجًا وواسع النطاق منذ اندلاع النزاع في عام 2011، مما أدى إلى مقتل أكثر من نصف مليون شخص، بينهم نحو 15 ألفا من المدنيين قضوا تحت التعذيب في سجون الحكومة السورية.

وطلبت كل من كندا وهولندا من المحكمة أن تأمر باتخاذ "تدابير مؤقتة"، وفقًا للمادة 41 من نظام المحكمة، لوقف التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة من قبل حكومة النظام لحين البت في القضية.

وتُعد هذه القضية الأولى من نوعها التي تُرفع أمام محكمة العدل الدولية ضد سوريا منذ بدء النزاع، وتهدف إلى تحميل الحكومة السورية مسؤولية انتهاكات حقوق الإنسان والمطالبة بتعويضات للضحايا.

دعوى فانواتو وجزر المحيط الهادئ

في 2 ديسمبر 2024، بدأت محكمة العدل الدولية في لاهاي جلسات استماع تاريخية حول التزامات الدول في مواجهة تغير المناخ، بناءً على طلب من فانواتو ودول جزرية أخرى في المحيط الهادئ، بهدف تحديد المسؤوليات القانونية للدول بموجب القانون الدولي لحماية المناخ، خاصةً تجاه الدول الصغيرة المهددة بارتفاع مستوى البحار والتغيرات المناخية القاسية.

وتسعى فانواتو، التي بادرت بهذه الخطوة في سبتمبر 2021، إلى الحصول على رأي استشاري من المحكمة لتوضيح التزامات الدول في حماية النظام المناخي للأجيال الحالية والمستقبلية، وتحديد العواقب القانونية لعدم الامتثال. حظيت هذه المبادرة بدعم واسع، حيث شاركت 132 دولة في رعاية القرار الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس 2023.

وتُعد هذه القضية الأكبر في تاريخ المحكمة، حيث قدمت 91 دولة بيانات مكتوبة، وشاركت 97 دولة و11 منظمة دولية في الجلسات الشفهية، ورغم أن آراء المحكمة استشارية وغير ملزمة، فإنها تحمل وزنًا أخلاقيًا كبيرًا، وقد تؤثر على السياسات والتشريعات المستقبلية المتعلقة بالمناخ.

ويأمل المدافعون عن المناخ أن يساهم رأي المحكمة في تعزيز المساءلة وتوجيه الجهود الدولية لمكافحة تغير المناخ، خاصةً في دعم الدول الجزرية الصغيرة النامية التي تواجه تهديدات وجودية بسبب ارتفاع مستوى البحار والظواهر الجوية المتطرفة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية