اللاجئون الأفارقة.. رقم جديد في معادلة أزمات تونس
اللاجئون الأفارقة.. رقم جديد في معادلة أزمات تونس
يعتصم 214 لاجئاً إفريقياً بينهم 25 طفلاً و45 قاصراً غير مصحوبين بذويهم و19 امرأة
الخارجية التونسية: لا نقبل توظيف مناخ الحرية الممنوح للاجئين وطالبي اللجوء في الإساءة لسمعة تونس
حقوقي تونسي: الوضع الصحي للاجئين الأفارقة صعب والمفوضية السامية تعاني نقص الموارد وضعف تدريب العاملين
بأزمة جديدة لم يكن لها حساب في المعادلة السياسية، تفجرت أوضاع اللاجئين الأفارقة في تونس، لتضع البلد العربي في حرج دولي، بعد أن طالبوا بالمغادرة الفورية جراء انتهاكات تعرضوا لها.
وبدأت الأزمة منذ 3 أشهر، عندما نظم عشرات اللاجئين الأفارقة اعتصاما في مدينة جرجيس (جنوب)، قبل أيام نقلوا اعتصامهم إلى مقر المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين بالعاصمة التونسية.
ويعتصم 214 لاجئًا إفريقيًا بينهم 25 طفلاً و45 قاصراً غير مصحوبين بذويهم، و19 امرأة، احتجاجا على "انتهاكات" تعرضوا لها في تونس، قالوا إن أبرزها "مضايقات عنصرية واعتداءات بدنية، لا سيما تجاه الأطفال داخل المدارس".
واللاجئون الأفارقة من السودان، وإثيوبيا، وإريتريا، ونيجيريا، وتشاد، والكاميرون، والنيجر، والصومال، ومالي، وكوت ديفوار.
وطالبت المفوضية السامية، اللاجئين الأفارقة، بمغادرة مراكز الإيواء الموجودة في الجنوب التونسي، بدعوى نقص الإمكانيات المادية لديها، ما دفعهم إلى الاحتجاج والاعتصام ومن ثم المطالبة بإجلائهم من تونس فورا وإعادة توطينهم في دول أخرى.
غضب رسمي
ونقلت وسائل إعلام تونسية، عن مصادر حكومية (لم تسمها) قولها إن "الأزمة تخص المفوضية السامية لحقوق اللاجئين، لكن جماعة الإخوان يحاولون استغلالها لتشويه العلاقة بين المفوضية والدولة التونسية".
وأضافت المصادر أن “جماعة الإخوان هي التي أقنعت اللاجئين الأفارقة بنقل اعتصامهم من الجنوب التونسي إلى مدينة تونس العاصمة”.
فيما أدانت وزارة الخارجية التونسية، في بيان الخميس، ما وصفته بـ"الشائعات التي يروجها المعتصمون عن تعرضهم لانتهاكات حقوقية جسيمة"، رافضة الإساءة إلى الدولة التونسية والزج بها للضغط على المفوضية السامية لإجلائهم أو توطينهم في دولة أخرى.
وأوضح البيان أن "تونس لا تقبل بتوظيف مناخ الحرية الممنوح للاجئين وطالبي اللجوء في الإساءة إلى صورتها وتشويهها بأي شكل من الأشكال، بعد إنقاذ حياتهم من الغرق في البحر واستقبالهم وتوفير جميع الإمكانيات المتاحة من سكن وإعاشة وحماية".
وأضاف أن تونس لن تسمح بأن تتحول أراضيها منبرا للهجوم على المنظمات الدولية العاملة بها ومنعها من أداء مهامها أو تهديد موظفيها، كما ترفض ترويج الشائعات التي تسيء إلى سمعة البلاد.
وعلى صعيد متصل، قالت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إنها تواصل جهودها للتفاوض مع المعتصمين لبحث الحلول المطروحة وإيجاد حلول عملية للأزمة، مؤكدة أنها لم تقطع المساعدات المادية عنهم رغم الأزمة المادية التي تمر بها هذا العام.
مطالب مشروعة
بدوره، قال المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، إن الأزمة بدأت بقرار المفوضية السامية باستبعاد هؤلاء اللاجئين من مراكز الإيواء جنوبي تونس.
وأوضح بن عمر لـ"جسور بوست": "رغم مرور أكثر من شهرين إلا أن الأمر لم يحل بسبب موقف المفوضية الصلب وعدم رغبتها في التفاوض مع المعتصمين، وذلك في ظل تجاهل رسمي".
وأضاف: "الوضع داخل الاعتصام صعب جدًا بسبب نقص الخدمات الإنسانية، ورفض وزارة الداخلية تسهيل عمل المنظمات الأهلية لتوفير خيمة طبية وفرق صحية متنقلة داخل الاعتصام، للحد من انتشار أمراض جلدية ظهرت آثارها على بعض اللاجئين المعتصمين".
وأشار إلى أن المفوضية طرحت على المعتصمين بعض الحلول، التي لم تلبِ طموحاتهم، ثم تراجعت في قرارها وطلبت منهم فض الاعتصام في العاصمة، والعودة إلى مراكز الإيواء في الجنوب التونسي، لكنهم لا يثقون في المفوضية لعدم وجود ضمانات بشأن إدماجهم في المجتمع التونسي.
وأوضح بن عمر أن المعتصمين يتمسكون بمطالبهم في إجلائهم من تونس وإعادة توطينهم في دولة أخرى، بسبب الانتهاكات العديدة التي تعرضوا لها في تونس، وعدم تمتعهم بالحقوق الأساسية، كالحق في الصحة والتعليم والعمل وإلحاق أبنائهم بالمدارس.
وأضاف: "لذلك لا يثق اللاجئون الأفارقة في المفوضية السامية، ويتمسكون بمطلب إجلائهم من تونس، وإعادة توطينهم في أي من الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة أو كندا".
وقال بن عمر إن هذه الأزمة لها بعدان أساسيان، أولهما يتمثل في تقصير الدولة التونسية في واجباتها القانونية بموجب معاهدة جنيف لعام 1976، ولم توفر لهم حماية اجتماعية أو إنسانية.
ويتمثل البعد الثاني في قصور أداء المنظمات الأممية في تونس، بسبب نقص الإمكانيات المادية وضعف تدريب العناصر العاملة، ما أدى إلى وقوع كثير من الانتهاكات بحق اللاجئين أو طالبي اللجوء، بحسب بن عمر.
وتابع أن “عدد اللاجئين وطالبي اللجوء في تونس، بحسب آخر إحصائية للمفوضية السامية لحقوق اللاجئين، يبلغ نحو 9 آلاف و500 لاجئ، معظمهم استبعدوا من مراكز الإيواء بدعوى تحسن أوضاعهم، رغم عدم حصولهم على فرص عمل متكافئة وحصولهم على أجور أقل من التونسيين بعدد ساعات أكثر”.
ولفت بن عمر أيضاً إلى صعوبات حصول اللاجئين على إقامة قانونية في تونس، ومن ثم فإنهم لا يتمتعون بالحد الأدنى من حقوقهم الاجتماعية والإنسانية.
حملة تضامنية
ودعت 22 منظمة تونسية ودولية، في بيان مشترك، السبت، السلطات التونسية إلى الوفاء بالتزاماتها في ما يتعلق بحماية اللاجئين، وإطلاق حملة وطنية تضامنية لدعمهم.
وقال البيان: "المعتصمون يعيشون اليوم وضعاً صحياً خطيراً وظروفاً معيشية صعبة، دون مأوى، دون توفر المياه، معتمدين بالأساس على مساعدات تأتيهم من المواطنين والجمعيات".
وأشار إلى أنه "رغم اختلاف أصول وجنسيات المعتصمين الأفارقة وحتى الأشخاص عديمي الجنسية، فإن مطلبهم واحد بالإجلاء من تونس وإعادة التوطين في بلد تحترم حقوق الإنسان".
وحث البيان "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تونس على مواجهة أزمة اللاجئين وطالبي اللجوء في تونس وإيجاد حلول دائمة في أقرب وقت ممكن على غرار زيادة الموارد المخصصة لبرامج إعادة التوطين".
ولفت إلى أنه "منذ ديسمبر 2021، خفضت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بشكل كبير المساعدات والمنح المخصصة للاجئين، بما في ذلك توفير أماكن الإقامة رغم الزيادة في عدد الأشخاص طالبي الحماية في تونس، لا سيما النساء والقصر".
وسنوياً يصل إلى سواحل تونس الجنوبية مئات اللاجئين الأفارقة بعد تعطّل قواربهم في البحر، خلال توجههم بطريقة غير نظامية من ليبيا إلى إيطاليا.