«بعد منحهم مهلة 60 يوماً».. العمالة الأجنبية في ليبيا بين سندان التضييق ومطرقة التنظيم

«بعد منحهم مهلة 60 يوماً».. العمالة الأجنبية في ليبيا بين سندان التضييق ومطرقة التنظيم
العمالة الأجنبية في ليبيا - أرشيف

منحت السلطات الليبية مهلة رسمية تمتد لنحو شهرين لتنظيم وجود العمالة الأجنبية (الذين يقدرون بنحو 3 ملايين عامل)، بعد حملات مناهضة لوجودها داخل البلاد، باعتبارها تهدد فرص العمل والعملة المحلية، إذ كشف وزير العمل الليبي علي العابد في تصريحات صحفية مؤخرا أن هذا العدد يشكل تهديدًا للأمن الديموغرافي في البلاد.

وأعلنت وزارة العمل والتأهيل بحكومة الوحدة الوطنية الليبية، في بيان، منح مهلة مدتها 60 يوما للعمالة الأجنبية، تبدأ من 12 فبراير الجاري، بهدف "تنظيم سوق العمل الوطنية لتنظيم سوق العمل وتعزيز الاستقرار الاقتصادي في ليبيا".

وتلزم المهلة "العمالة الأجنبية بالتسجيل عبر منصة (وافد) الرقمية، وإبرام عقود عمل رسمية مع جهات العمل، بالإضافة إلى استكمال الفحوصات الطبية المطلوبة"، وتشمل جميع العمالة الأجنبية الموجودة في ليبيا حتى 31 ديسمبر 2025.

وحذّرت الوزارة الليبية من أن عدم الالتزام بهذه الإجراءات خلال الفترة المحددة سيؤدي إلى اتخاذ إجراءات قانونية بحق المخالفين. 

القرار في عيون الليبيين

وأيدت حسابات بمنصات التواصل الاجتماعي قرار تنظيم وجود العمالة الأجنبية في ليبيا، وقال “هنا العاصمة”: “ليبيا نحو 27 مليار دينار تم تحويلها لخارج البلاد، ومن كل سنة من قبل العمالة الوافدة دون دفع دينار واحد كضريبة”.

وأضاف: "لو كان في دولة ثانية أقل شي 13 مليار دينار يمشي ضرائب، ويعتبر مصدر دخل جيد للدولة، لكن للأسف في ليبيا يفرضوا ضرائب على المواطن الليبي، أما الأجنبي يجي يخدم 10 سنين يروح لبلاده مليونير". 

وعلق حساب "Salem"، قائلا: "الأجانب نسبة بسيطة جدا تشتغل في الدولة وأغلبهم في القطاع الخاص. يعني المفترض كل من يشتغل عنده أجنبي يلتزم بالإجراءات المعمول بها في الدولة فلا تستأجر له بيت ولا توفر له فرصة عمل طالما لا يدفع في اي للدولة. فلا تلقي اللوم على الدولة وأنت شريك رئيسي في هذه الكارثة".

غير أن حساب "المثنى"، علق برأي مختلف، قائلا: "نظم العمالة وقلل من عددها، أما فرض الضرائب وبدون تحكم في الدولة على تسعيرة العامل، فإن الضرائب ستخلص من جلد المواطن، يعني اليومية مثلا بـ80 ستصبح بـ100".

وذكرت وسائل إعلام ليبيا، أنه بدأ تفعيل خطة أمنية موسعة في مدينة زوارة، تشمل فرض حظر التجول على العمالة الوافدة في جميع المناطق ضمن نطاق البلدية، من الساعة 9:00 مساء إلى الساعة 7:00 صباحاً، بسبب التزايد المستمر للعمالة الوافدة غير النظامية، التي تهدد الاستقرار الأمني.

والأحد قال وزير الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عماد الطرابلسي، إن ليبيا تحتضن أكثر من ثلاثة ملايين مهاجر غير نظامي، وإنها الأكثر تضررًا من تدفقات الهجرة، لافتًا إلى أن زيادة أعداد المهاجرين أثرت سلبًا على المواطن الليبي في قطاعات الغذاء والصحة، كاشفا عن دعوته لعقد مؤتمر دولي بعد شهر رمضان للحصول على دعم في ملف العودة الطوعية للمهاجرين.

حملات هجومية

وتأتي هذه المهلة بعد شهور من حملات مناهضة في ليبيا بمنصات التواصل تطالب بضرورة طرد العمالة الأجنبية المخالفة وفرض ضرائب على عملية استقدامهم وإقامتهم بالبلاد، بخلاف مبادرات حكومية لتنظيم التواجد وحصر الأعداد.

وتضمنت المنشورات وقتها دعوات بطرد العمالة الأجنبية من ليبيا للسيطرة على النقد الأجنبي وعدم خروج أي أموالهم بكميات كبيرة، لافتة إلى أنهم لا يدفعون ضرائب مثل الليبيين وتتم معاملتهم مثل الليبيين.

ودفع التحريض ضد العمالة الأجنبية بليبيا، المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان المستقلة بالبلاد، للتنديد في بيان أواخر أكتوبر الماضي، بالمحتويات التي يجري نشرها عبر مختلف المنصات الإعلامية والموجهة ضدّ المهاجرين والعمال الوافدين.

وقالت المؤسسة الليبية، إن تلك المنشورة تحمل رسالة تحريضية على التمييز وتؤجج مشاعر وروح الكراهية والعداء، كما تشكلّ انتهاكا جسيما لحقوق الأجانب الموجودين على الأراضي الليبية.

ودعت المنظمة إلى ضرورة تنظيم وجود العمالة الأجنبية والوافدة والمهاجرة على الأراضي الليبية، بالأساليب والوسائل القانونيّة والإنسانيّة، من خلال وزارات العمل والتأهيل والداخلية والاقتصاد، وجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، ومصلحة الجوازات والجنسية وشؤون الأجانب.

وسبق أن أعلنت حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة في أكتوبر الماضي عن ترتيبها لفرض ضرائب على العمال الأجانب الوافدين في ليبيا، في إطار مساعيها لتعظيم الإيرادات الضريبية وتنظيم سوق العمل، بما يتماشى مع الأهداف الاقتصادية والسياسية للدولة، وفق وزارة العمل والتأهيل.

وفي نوفمبر الماضي، قالت وزارة العمل والتأهيل بحكومة الوحدة الوطنية، في بيان: "من خلال الحملات التفتيشية على مواقع العمل في أغلب المناطق بالبلاد، لاحظت الوزارة ازدياد أعداد العمالة الأجنبية بشكل متزايد وكبير دون وجود قاعدة بيانات لها، أو حتى تحاليل طبية، وأن أغلب التجمعات التي يقطنون بها تكون بالقرب من التجمعات السكنية للمواطنين، الأمر الذي يعد ظاهرة سلبية لها عدة جوانب سلبية أبرزها الأمني والاجتماعي".

وأضافت: "من حرصنا على تنظيم سوق العمل قامت الوزارة بإطلاق مبادرة السكن العمالي، والذي سيكون مخصصا فقط لإقامة العمالة التي دخلت بطرق شرعية عبر المنافذ الرسمية حيث نسعى من خلال هذا القرار إلى تنظيم وتطوير بيئة السكن العمالي وفق اشتراطات الأمن والسلامة، ولقطع الطريق على أي فرصة للتوطين أو الإقامة داخل الأحياء السكنية، وإلزام العمالة بالخروج والعودة من البلاد في مدة أقصاها 3 سنوات من تاريخ دخوله الرسمي.

وقتها، دعا التجمع الوطني الليبي إلى ضرورة التعامل بحذر وحكمة مع ملف العمالة الأجنبية، مع مراعاة التوازن بين الحاجة إلى العمالة الماهرة وحماية المصالح الوطنية العليا.

وأضاف التجمع، في بيان، أن هذا الملف الحساس يتطلب تعاونًا مثمرًا بين كل الأطراف المعنية، موضحًا أن دوافعه في هذا الشأن منطلقة بالأساس من الحرص على حفظ الوطن وسلامة المجتمع بما له من خصوصية.

وطالب بتكثيف الجهود لتوفير فرص عمل للشباب الليبي، وتأهيلهم لسوق العمل، مشيدًا بجهود وزارة العمل والتأهيل في هذا الإطار، مطالبًا السلطتين التشريعية والتنفيذية بدعمه.

وكشف وزير العمل والتأهيل بحكومة الوحدة علي العابد، أواخر أبريل 2024، أن العمالة الأجنبية في ليبيا تفوق المليونين، وبعد شهرين في يوليو من العام ذاته، ذكر أن "تحويلات العمالة الأجنبية تجاوزت 26 مليار دينار ليبي في 2023"، لافتا إلى أن "التحويلات أحد الأسباب الرئيسية للضغط على السوق الموازية لتحويل العملة الأجنبية للخارج ليبيا". 

وقال العابد عقب اجتماع في ديسمبر الماضي: “نسعى لتوثيق وحوكمة حركة العمالة الأجنبية في ليبيا مع ضمان تحقيق الشفافية وتبسيط الإجراءات المتعلقة بتنقل وإقامة وآلية الحوالات المالية عبر المصارف الواقعة في إطار الدول الأعضاء بتجمع س.ص، وبما يعزز من كفاءة سوق العمل ويدعم الاقتصاد الوطني”.

ضغوط وتحديات

وقال الخبير الاقتصادي الليبي، خالد بوزعكوك، إن العمالة الأجنبية الموجودة في المنطقة الشرقية التي تقع تحت سيطرة حكومة أسامة حماد أغلبيتها من العمالة المصرية ثم السودانية، بسبب قرب الحدود وسهولة والتكلفة القليلة للدخول.

وأضاف بوزعكوك في تصريح لـ"جسور بوست"، أن العمالة الإفريقية تتركز بشكل كبير للغاية في المنطقة الغربية وخاصة في طرابلس التي تقع تحت سيطرة ونفوذ الحكومة الوطنية، بخلاف التونسية ثم المصرية وسط تفاوت في الأعداد بالمنطقتين، لافتا إلى أن العمالة الأجنبية تمركز في المدن الرئيسية مثل طرابلس وبنغازي ومصراتة. 

ولفت إلى أن العمالة الأجنبية تتعرض للترحيل على فترات بأعداد كبيرة، وخاصة أن الرغبة في العمل في ليبيا مرتبطة بالهجرة الاقتصادية التي يتم جمع خلالها مبالغ مالية، أو تحت ضغط النزوح، مثلا الوجود السوداني الكبير بسبب النزاع الذي تشهد بلاده.

وأوضح الخبير الاقتصادي الليبي أن مشكلات عديدة تنسب للعمالة الأجنبية في بلاده، قائلا: "فئة العمال الأجانب عادة ما يتهمون بالضغط على الاقتصاد ونقل الأمراض والأوبئة، والتورط في الجرائم الجنائية والتي يأتي أبرزها التزوير".

ومن جانبه، أوضح المستشار السياسي لرئيس مجلس النواب فيصل بورايقة، في تصريحات صحفية، أن العمالة الوافدة للخدمات المنزلية أصبحت سوقاً منتشرة في ليبيا.

وأضاف: "نتحدث عن الضغوطات التي يتعرض لها المجتمع الليبي في موضوع سوق العمل، ونحن نحتاج إلى طرح رؤية توضح ما الاحتياجات المطلوبة في السوق الليبية، ولكن في ظل الانقسام القائم لا توجد هذه المعلومات التي نستطيع طرحها".

وتابع: "لا توجد محددات مطلوبة لكل قطاع، فهل الاحتياجات الأكثر في مجال المقاولات العامة، أم في الخدمات المنزلية؟ حيث نرى مكاتب لاستقدام العمالة للخدمات المنزلية عن طريق استجلاب الوافدين".

ومضى، قائلا: "نتيجة للحروب التي حدثت في السودان نرى انتقالا كبيرا للكفاءات السودانية كهجرة غير شرعية عبر الحدود، وهذه التحديات يجب أن تكون ضمن رؤية واضحة وشاملة للجهاز التنفيذي ومربوطة ببقية القطاعات للحفاظ على الهوية الوطنية في ليبيا، حيث أصبح الوافدون محمولين بمشكلاتهم وبتعقيدات وأزمات، وهذا أمر خطير".



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية