«السياسة الوطنية لحماية المدنيين».. العراق يسعى لاتخاذ خطوات حقوقية جادة
«السياسة الوطنية لحماية المدنيين».. العراق يسعى لاتخاذ خطوات حقوقية جادة
بحضور أممي، أطلق العراق السياسة الوطنية لحماية المدنيين، والتي تعد أحد بنود البرنامج الحكومي، لتكون التزاما في المرحلة المقبلة في ظل تحديات تواجهها البلاد، لا سيما في ظل انتقادات حقوقية دولية.
ويرى البعض أن إطلاق السياسية الوطنية لحماية المدنيين خطوة للأمام تعزز مسارات عمل الحكومة الحالية في دعم حقوق الإنسان، فيما يعدها آخرون سياسية تسويقية أكثر للغرب خاصة الجانب الأمريكي المتشدد مع بغداد وستمضي كغيرها دون مواجهة حقيقية للتجاوزات والانتهاكات المعروفة والمرصودة من الجميع.
وتحت رعاية رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، أقامت اللجنة الوطنية الدائمة للقانون الدولي الإنساني بالتنسيق مع مستشارية الأمن القومي وبالتعاون مع مؤسسة PAX، والمؤتمر الوطني لإطلاق السياسة الوطنية لحماية المدنيين.
وثمن قاسم الأعرجي، مستشار الأمن القومي في افتتاح أعمال المؤتمر "الجهود الحكومية بإنجاز فقرة مهمة من فقرات البرنامج الحكومي، خاصة وأن هذا المؤتمر هو حدث مهم يهدف لسيادة القانون، وأن إطلاق السياسة الوطنية لحماية المدنيين ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو التزام وطني ودولي نابع من إيمان الدولة العراقية بأن حماية المدنيين هي الركيزة الأساسية لتحقيق الأمن والاستقرار".
استجابة للبرنامج الحكومي
وأشار الأعرجي إلى أن "سياسة حماية المدنيين هي استجابة للبرنامج الحكومي وفقا لمعايير حقوق الإنسان، وتماشيا مع الدستور العراقي والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها العراق، لمنع الانتهاكات وضمان عدم الإفلات من العقاب واحترام كرامة وحقوق المدنيين، لاسيما الأطفال والنساء، إلى جانب الشفافية في عمل المؤسسات الأمنية".
ونقل رئيسُ بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) الدكتور محمد الحسّان، في كلمة بالمؤتمر إشادة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بقرار الحكومة العراقية إطلاق السياسة الوطنية لحماية المدنيين، مضيفا: "نحن معكم في هذه المبادرة ونعتقد أن الأوان قد حان لإطلاق مثل هكذا مبادرة".
وأكّد الحسّان، "أهمية صياغة سياسةٍ وطنيةٍ لتعزيز المساءلة ومحاسبة مرتكبي الجرائم، وشدّد على ضرورة أن تكون من خلال قوانين نزيهة وشفافة لتحقيق العدالة".
انتقادات دولية
وقالت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي عن العراق لعام 2023، إن "السلطات العراقية لم تتخذ أي خطوات جادة لكي تقدِّم إلى ساحة العدالة أفراد قوات الأمن والميليشيات التابعة للدولة الضالعين في القمع العنيف للمظاهرات التي عمَّت البلاد في أكتوبر 2019، وإن قوات الأمن استمرت في تعريض رجال وفتيان للاختفاء القسري، وظلَّ في طي المجهول مصير آلاف العراقيين الذين تعرّضوا للاختفاء القسري في السنوات السابقة".
وأضافت: "اعتدت السلطات العراقية على حرية التعبير، وأعدَّت قوانين جديدة لفرض مزيد من القيود على هذا الحق. وشدَّدت السلطات قمعها لحقوق مجتمع الميم. وما زالت الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي محدودةً للغاية في وسط العراق وإقليم كردستان العراق. وظلَّ أغلب النازحين داخليًا في العراق، والبالغ عددهم 1.1 مليون نسمة، من بينهم 175,000 شخص في مخيمات، والباقون في أوضاع نزوح للمرة الثانية، يعيشون في أوضاع محفوفة بالمخاطر وغير قادرين على الحصول على حقوق أساسية".
وفي ما يتعلق بتغيُّر المناخ، استمر ترتيب العراق بين البلدان "الأكثر عُرضة للتأثر بتغير المناخ، والأقل استعدادًا له. ومع ذلك، استمرت عناصر، يُعتقد أنها ضمن فصائل الحشد الشعبي، في ترهيب نشطاء وخبراء البيئة، بل واختطافهم في بعض الحالات".
وفي أكتوبر 2024، قالت منظمة العفو الدولية في تحقيق جديد لها إن "العراقيين يتعرضون للتعذيب والمعاملة السيئة، فضلًا عن الاختفاء القسري، بعد اعتقالهم في مركز الجدعة للتأهيل المجتمعي شمالي العراق".
وتابعت، أن "خمس سنوات على تظاهرات أكتوبر 2019، ولا يزال الإفلات من العقاب هو سيد الموقف، مؤكدة أن الحكومات العراقية المتعاقبة تقاعست عن ضمان تحقيق العدالة، والكشف عن الحقيقة، وتقديم التعويضات بشأن حملة القمع المميتة التي استهدفت تظاهرات عام 2019، وأسفرت عن مقتل واختفاء المئات من المتظاهرين وإصابة آلاف آخرين بجروح".
خطوة للأمام
بدوره قال المحلل السياسي العراقي عباس العرداوي، في تصريح لـ"جسور بوست" إن "إطلاق السياسة الوطنية لحماية المدنيين خطوة جيدة جدا وللأمام في مسار دعم حقوق الإنسان، ستتبعها خطوات مماثلة، وسوف تتراكم المسارات الداعمة للدفع بتطبيق هذه السياسة بشكل إيجابي".
وأكد العرداوي أن "الدستور العراقي به نص واضح يتحدث عن حرية المدنيين والرأي، وهذا واحد من المنطلقات التي يتم الاعتماد عليها في التعبير وإبداء الرأي وبالتالي ما يتم هو استكمال ودعم لحماية المدنيين بشكل عام"، مشددا على أن "الحكومة العراقية تعمل بشكل سريع جدا لتقليل المشاكل المتعلقة بحماية المدنيين".
وبرأي العرداوي، "تنطلق السياسة الوطنية لحماية المدنيين من طبيعة النظام السياسي العراقي الذي يحرص على أن تكون هناك حالة من الاستقرار، ويعزز النظام الديمقراطي وجوده والتداول السلمي للسلطة، وهذا مهم، خاصة أن العراق تعرض لكثير من انتهاكات حقوق المدنيين ولديه عشرات الآلاف من الضحايا في فترات سابقة كثيرة".
وأكد أن مؤتمر إطلاق السياسية الوطنية لحماية المدنيين، سيكون له انعكاس كبير عبر مسارات ليست سياسية فقط بل اجتماعية".
ولنجاح السياسة الوطنية لحماية المدنيين، يرى المحلل السياسي العراقي عباس العرداوي، أهمية "التزام القوى السياسية بدعم منهجية حماية المدنيين والابتعاد عن أي مسار يؤزم الوضع السياسي، والاستمرار بنهج التداول السلمي والسعي لتكريس الديمقراطية".
مسار مشروط
ويرى الدبلوماسي السابق ورئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، الدكتور غازي فيصل، أن "إطلاق السياسة الوطنية لحماية المدنيين واحدة من القواعد الجوهرية من حقوق الإنسان الواردة في الدستور الضامن لحقوق الطفل والمرأة والمجتمع المدني عموما، ويعد أحد التطبيقات الرئيسية للقانون الدولي الإنساني الذي يضع قواعد لحماية المدنيين خلال اندلاع الحروب والأزمات والصراعات المسلحة".
واستشهد فيصل، في تصريح لـ"جسور بوست"، بما حدث للمدنيين إبان الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، قائلا إنه خلال المواجهات كان المدنيون والمنشآت المدنية الأكثر ضررا واستهدافا، وبالتالي حماية المواطنين أولوية قصوى مطلوبة، وشرط جوهري لتطبيق الدستور العراقي المعني بحماية المواطن العراقي من مختلف مظاهر العنف المسلح.
وأشار إلى أن "هناك ظاهرة خطيرة مستمرة من الفصائل المسلحة خارج سيطرة الدولة والقوات المسلحة ووزارة الدفاع والقائد العام، وتعريض المدنيين لخطر هجماتهم ويكونوا أحد ضحاياها، كما رأينا مرات عديدة صواريخ تستهدف السفارة الأمريكية في بغداد وتذهب بعيدا في مناطق سكنية وتسفر عن ضحايا مدنيين".
وشدد فيصل على أن إطلاق السياسة الوطنية لحماية المواطنين يجب أن يصاحبه الاحترام الكامل والالتزام بالقانون الدولي الإنساني وعدم السماح بحرب عشوائية خارج إطار استراتيجية الدولة للأمن الوطني العراقي حتى يتم تجنيب المدنيين أي صراعات.
وأكد ضرورة بناء ثقة متبادلة في ظل تلك السياسة التي أطلقت لحماية المدنيين مع القوات المسلحة العراقية، وأن يكون السلاح فقط حكرا على قيادة الدولة وتحت سيطرة مؤسساتها العسكرية والأمنية وتحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة، على أن يكون مجلس النواب وحده المعلن بإعلان الحرب أو السلام، مؤكدا أنه ليس من حق أي فصيل مسلح النيابة عن الدولة تحت قيم وعقائد وأيديولوجيات لا تتعلق بالأمن الوطني العراقي، خاصة أن هذا يضر ويهدد السياسية الوطنية لحماية المواطنين ويجعلهم عرضة لفقد حياتهم أو تدمير مؤسساتهم.
تسويق خارجي
وقال المحلل السياسي العراقي المتواجد خارج البلاد، حسين السبعاوي: "أغلب العراقيين لا يعلمون بهذا المؤتمر، فيجب أن تكون الحماية للمواطن وليس للنخب والأحزاب، وهذا يأتي من مؤسسات تنفذ العدالة وتحارب الفساد والمليشيات ذات النفوذ العسكري في البلاد".
وأكد السبعاوي، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن "الخطوة الأولى وجود دور للنزاهة وحماية المال العام وحل الأجهزة المليشياوية ودمجها بالقوات المسلحة"، مضيفا: "وهذا المؤتمر وتلك السياسة ليست للداخل العراقي، بل هي للتسويق الخارجي لترامب الذي يقف موقفا رافضا للمليشيات وغيره".
ويرى أن "المواطن سيظل الضحية الأولى والمغلوب على أمره، مهجرا في بلاده، والملايين مهجرين خارج بلادهم"، مؤكدا أن "حرية التعبير مكفولة في العراق تمتدح السلطة، والمكون السني لا يزال المهددة حقوقه والمستهدف الأول".
وشدد السبعاوي، على أن "المجتمع الدولي وضع العراق في أزمة وعليه أن يصلح ذلك"، مشددا أن "تلك السياسات المعنية بحماية المدنيين هي تسويق خارجي لذلك المجتمع الدولي ويجب أن ينتبه الجميع وينقذ بلاده دون أي تدخل خارجي من ترامب أو غيره، فالمواطنون أولى أن يروا حقوقهم موجودة والعدالة تنفذ، ويجب أن يأخذ كل مواطن حقه".