الأمم المتحدة ترصد نزوح آلاف السكان في كولومبيا هرباً من العنف
الأمم المتحدة ترصد نزوح آلاف السكان في كولومبيا هرباً من العنف
شهدت منطقة كاتاتومبو شمال شرق كولومبيا تصعيدًا خطيرًا في النزاع المسلح منذ 15 يناير من العام الجاري، ما أدى إلى معاناة نحو 80 ألف شخص من تداعيات هذا الصراع العنيف.
ووفقا لتقرير نشره موقع أخبار الأمم المتحدة، وقع الآلاف في مرمى النيران بين الجماعات المسلحة المتصارعة، فاضطر كثيرون إلى الفرار من منازلهم دون حمل أي متاع، بينما بقي آخرون محاصرين وسط المعارك غير قادرين على المغادرة
وتعرض مدير إحدى دور الجنازات في بلدة تيبو، ميغيل أنخيل لوبيز، لعملية اغتيال مروعة بينما كان يقود سيارة نقل الموتى برفقة زوجته وطفلهما البالغ من العمر عشرة أشهر في طريقهم إلى كوكوتا، لقيت الأسرة مصرعها جميعًا، باستثناء ابنهما البالغ من العمر عشر سنوات الذي نجا من المجزرة.
وبعد أقل من 24 ساعة، استهدفت هجمات أخرى عددًا من المقاتلين السابقين الذين وقّعوا على اتفاق السلام لعام 2016 بين الحكومة الكولومبية وجماعة القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك).
ومع استمرار المواجهات بين جيش التحرير الوطني والجبهة الثالثة والثلاثين التابعة لفارك، قُتل ما لا يقل عن 80 شخصًا، بينما فرّ آلاف السكان من المنطقة.
استهداف مباشر للقيادات
نزح أكثر من 53 ألف شخص إلى المدن الكبرى مثل كوكوتا وأوكانيا وتيبو، وفقًا لما أكده دييغو أندريس غارسيا، المسؤول في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنسق بين الوكالات الإنسانية.
وأوضح غارسيا أن قادة المجتمع المحليين اضطروا لمغادرة المنطقة بسبب تهديدات مباشرة من الجماعات المسلحة، حيث تعرض بعضهم للاغتيال، فيما قُتل أفراد من عائلاتهم انتقامًا.
وانتشرت مقاطع مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي توثّق مشاهد الرعب التي شهدتها المنطقة، حيث ظهر السكان يفرّون سيرًا على الأقدام أو بواسطة الدراجات النارية والقوارب، بينما غادر المعلمون مدارسهم في المناطق الريفية، ما أدى إلى حرمان 46 ألف طفل من التعليم.
نزوح جماعي تحت القصف
أُجبرت ماريا، إحدى النازحات اللواتي تلقين مساعدات من الأمم المتحدة، على مغادرة منزلها على عجل، قائلة: "فقدت كل شيء، لم يكن هناك وقت لأخذ أي شيء معي".
وتعد كاتاتومبو، التي تعني "بيت الرعد" بلغة السكان الأصليين من شعب باري، واحدة من أكثر المناطق ثراءً بالتنوع البيولوجي والموارد الطبيعية في كولومبيا، حيث تتخللها الأنهار والغابات الكثيفة، إلا أن هذه الثروات جعلتها بؤرة صراع بين الجماعات المسلحة بسبب أهميتها في تعدين الذهب وزراعة الكوكا، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي على الحدود مع فنزويلا، في ظل غياب واضح لسلطة الدولة.
وردًا على تفاقم الأزمة، أعلن الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو حالة الطوارئ في كاتاتومبو، وأمر بنشر وحدات عسكرية للتدخل السريع في مدينة أوكانيا بمحافظة نورتي دي سانتاندير، وفي 17 يناير، قرر تعليق مفاوضات السلام مع جيش التحرير الوطني، ما أدى إلى تصعيد إضافي في العنف.
استجابة إنسانية عاجلة
باشرت وكالات الأمم المتحدة تقديم المساعدات للنازحين، حيث وزعت المياه والغذاء والمستلزمات الأساسية مثل البطانيات والفرش، في محاولة لتلبية احتياجات أكثر من 46 ألف شخص فرّوا إلى كوكوتا وأوكانيا وتيبو.
وفي المرحلة الأولى من الأزمة، اعتمدت المنظمات الإنسانية على التمويل المحلي المخصص لمحافظة نورتي دي سانتاندير، إلا أن تزايد أعداد المتضررين فاق قدرة المؤسسات المحلية وحتى الحكومة الوطنية على الاستجابة.
وافق المنسق الإنساني للأمم المتحدة، توم فليتشر، على تخصيص 3.8 مليون دولار من صندوق الاستجابة لحالات الطوارئ التابع للأمم المتحدة، بهدف توسيع نطاق الدعم ليشمل قطاعات الحماية والإيواء والمياه والصرف الصحي والتعليم والصحة والأمن الغذائي والتغذية.
آلاف العالقين بمناطق النزاع
رغم الجهود الإغاثية، لا يزال آلاف الأشخاص محاصرين في المناطق الجبلية النائية دون إمكانية المغادرة أو تلقي المساعدات.
وتشير التقارير إلى أن نحو 8500 شخص عالقون في تجمعات سكانية معزولة، بينما يواجه 19 ألفا آخرين قيودًا على التنقل تمنعهم من الوصول إلى المراكز الحضرية حيث تتوفر الخدمات الأساسية.
وأكد غارسيا أن الأمم المتحدة وشركاءها ينتظرون ضمانات للوصول الإنساني إلى هذه المناطق من أجل تقديم المساعدات اللازمة.
أزمة إنسانية غير مسبوقة
اندلع القتال فجأة في منتصف يناير بين جيش التحرير الوطني والجبهة الثالثة والثلاثين التابعة لفارك، ما أجبر الآلاف على الفرار في ظل حالة من الذعر والخوف.
وأوضح سيباستيان، أحد النازحين، أنه اضطر لترك أرضه الصغيرة، قائلًا: "غادرت وكل ما أملكه هناك.. الآن نحن مشردون وعائلتي مشتتة".
وأمام مجلس الأمن الدولي، وصف دييغو توفار، وهو مقاتل سابق وقع على اتفاق السلام، الوضع الحالي بأنه "أسوأ أزمة إنسانية شهدتها كولومبيا منذ توقيع الاتفاق".
من جهته، أكد كارلوس رويز ماسييو، رئيس بعثة الأمم المتحدة المكلفة بمراقبة تنفيذ الاتفاق، أن مناطق مثل كاتاتومبو ما زالت تنتظر وعود السلام، التي تشمل وجودًا فعليًا للدولة يوفر الخدمات العامة والاقتصاد القانوني وفرص التنمية والأمن للسكان.
نداء لعودة النازحين
واصلت الأمم المتحدة وشركاؤها تقديم المساعدات العاجلة، بما في ذلك مستلزمات التعليم والدعم النفسي للأطفال النازحين، إضافة إلى تأمين المأوى لمن شُرّدوا بفعل القتال.
وحذر غارسيا من أن الأزمة قد تستمر لفترة طويلة، داعيًا إلى اتخاذ تدابير مستدامة لمساعدة المتضررين.
ملحوظة: تم تغيير الأسماء حفاظًا على الخصوصية.